الدعاء يؤسس واقعا أفضل

هل يمكن أن يكون الدعاء وسيلة لتحقيق النصر وإيقاع الهزيمة بالعدو، أم إنه وسيلة يتوسّل بها الإنسان لقضاء حوائجه الشخصية فقط، طامعاً في استجابة ربه؟

يقول تعالى: (وقال ربُّكم ادعوني أستجبْ لكم) فالدعاء ليس أن تطلب حاجة أو أمرا من الله فقط ،الدعاء معناه النداء، فأنت حينما تدعو الله فإنك إنّما تناديه لما لك من علاقة خاصة به،

فكما تنادي أخاك أو ابنك فإنه ينبغي أن يستجيب لندائك، فما بال الله تعالى، أيُدعى فلا يجاب؟ فإذا دعا أحد منا ربه ولم يستجب له، فلا يعني هذا أن الله لا يعتني بهذا الدعاء، بل لكل دعاء إجابة «ودعوة من ناجاك مستجابة، وعداتك لعبادك منجّزة» وحين لا يُجاب الدعاء فلا بد أن هناك خللا ما في الداعي أو الدعوة.

عن الإمام علي (ع): «أحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ في الأرض الدعاء» ويقول الحديث الشريف: ” أفضل العبادة الدعاء “. لماذا يعتبر الدعاء أحب الأعمال إلى الله وأفضل العبادة ؟

إن جولة سريعة في محتويات الأدعية تعطينا صورة واضحة عن مضامينها العالية وتوجيهاتها الرفيعة التي تحث على الخير وتبصرّ الإنسان بطريق النجاح والظفر، فعلى المستوى الفردي مثلا، هناك دعاء مكارم الأخلاق (أللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إلاّ أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً اُؤَنَّبُ بِهَا إلاّ حَسَّنْتَهَا، وَلاَ اُكْـرُومَـةً فِيَّ نَاقِصَةً إلاّ أَتْمَمْتَهَا) هذا مقطع صغير من الدعاء، والذي يعتبر موسوعة في علوم الأخلاق ودليل إرشادي لتحصيل الأخلاق والتمسك بها والتخلص من العيوب والنواقص، ولا يكون ذلك إلا بترويض النفس على الفضائل، وتعويدها على حب الخير، وتحصيل العافية على قاعدة أنّ الإنسان المعافى أحق بالدعاء من المبتلى ليكون أكثر قوة وأمضى عزماً في وقت البلاء .

إذن الدعاء ليس كلمات تحفظ وتردد، أو ألفاظا تقرأ عن ظهر غيب دون وعي بحقيقة ما نقرأ، أو قراءة كم كبير من الأدعية والأذكار، أو حشرا مع الناس، وإنما هو ما جرى على اللسان وبصورة عفوية طبيعية تنم عن حاجة الإنسان وشعوره الذاتي ورغباته الداخلية، وصحيح أن الدعاء يورث اطمئنان القلب وصفاءه، إلا إن توظيف اللسان والقلب والكيان كله في روح الدعاء، يجعل الإنسان يستجمع جميع قواه وطاقته بحيث يكون قادرا على الإقبال على ما دعا به، فيتوجه نحو ما يريده بكل إخلاص ودافعية، ولذلك سُمي الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين لأن السلاح هو الأداة الفاعلة التي يدافع بها الإنسان عن نفسه وكل غال عنده،ومتى يحتاج إليه أكثر؟ طبعا في وقت الشدة والأزمة وليس في وقت السلم والراحة فقط، الدعاء هو التقوى التي تحصّن العبد ضد الهوى والفشل والتخبط على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي ، بالإضافة إلى توصيفه ب”عماد الدين ” لأنه منهج حياة وخطة عمل متكاملة، تبدأ برسم منهاج عمل لبناء الشخصية وتأصيل قيمها، وتصل إلى عمليات التخطيط لتحصيل القوة والعدّة اللازمة ورسم الخطط في حال المواجهات العسكرية فقد جاء في دعاء الثغور:

(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَصِّنْ ثُغُورَ المُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وَأَيِّدْ حُماتَها بِقُوَّتِكَ، وَأسْبِغْ عَطاياهُمْ مِنْ جِدَتِكَ ….. وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، وَاشْحَذْ أسْلِحَتَهُمْ وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وَامْنَعْ حَوْمَتَهمْ وألِّفْ جَمْعَهُمْ ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَواتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وَتَوَحَّدْ بِكِفايَةِ مُؤُنِهِمْ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ وَأعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، وَالطُفْ لَهُمْ في المَكْرِ….

إن هذا الدعاء يحتوي على منهج متكامل للمحافظة على ثغور البلد وحماية الوطن من الغازين والمعتدين ، كما يبين العوامل التي يجب أن تتوافر لتحقيق النصر مثل كثرة العدد، وقوة العتاد، ووضع الخطط المناسبة لحماية المقاتلين مثل ضرورة شحذ الأسلحة، وتأليف الجمع، والاستعداد الكافي نفسيا وعسكريا، بالإضافة إلى جمع الكلمة ووحدة الصف وتأمين الطعام والتمسك بالصبر والصمود .

ثم يقول الدعاء :

(أَللّهُمَّ افْلُلْ بِذلِكَ عَدُوَّهُمْ، وَأَقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ، وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ، وَاخْلَعْ وَثائِقَ أَفَئِدَتِهِمْ، وَباِعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ،….أَللّهُمَّ وَامْزُجْ مِياهَهُمْ بِالْوَباءِ، وَأَطْعِمَتَهُمْ بِالأدْواءِ، وَارْمِ بِلادَهُمْ بِالْخُسُوفِ، وَأَلِحَّ عَلَيْها بِالْقُذُوفِ، وَافْرَعْها بِالْمُحُولِ، وَاجْعَلْ مِيَرَهُمْ في أَحَصِّ أَرْضِكَ وَأَبْعَدِها عَنْهُمْ، وَامْنَعْ حُصُونَها مِنْهُمْ، أَصِبْهُمْ بِالْجُوعِ الْمُقيمِ وَالسُّقْمِ الأليم ).

إنها خطط حربية وتكتيكات ميدانية ينبغي على المقاتلين اتخاذها في الحرب والتعامل بها مع العدو، ولا يمكن أن يعطينا الله إياها هبة، ويرسلها لنا منحة، بل هي فنون القتال والتعاليم الحربية التي ينبغي تحصيلها إن أردنا أن نحقق نصرا، أو نحمي أوطاننا من العدو، وهي سلاح النجاة، فالأمور لا تقوم إلا بأسبابها والدعاء ما هو إلا وسيلة لتأسيس واقع مبنٍ على مبادئ الحق والقوة والشرف. فالاستيلاء على منابع المياه ومصادر الطاقة واتباع سياسة الحصار والتجويع، وعزل البلدات والقرى عن بعضها البعض وترويع الآمنين يمكن أن تكون وسائل ناجعة أثناء الصراع مع العدو .

يقول القرآن الكريم “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ” إذن تغيير الحال يكون من النفس واستلهام أسباب النصر، وليس بالدعاء المجرد عن العمل، دعاء العاجز الضعيف، فلا بد من أن نبدأ بخطوات تبدأ من داخلنا ثم يأتي التوفيق والتسديد من الله.

ومن هنا جُعل من الذين لا تستجاب لهم دعوة: «.. رجل جالس في بيته يقول: اللهم ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟!» نعم لا يكون الدعاء إلا بالعمل، ولا يستجاب للداعي إلا ويجب أن يقترن دعاءه سعيا جادا بأرفع الدرجات نحو طلب الرزق والنصر والتوفيق.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة