السؤال والإرهاب الإجتماعي

يذكر التاريخ أن أفلاطون الذي ولد حوالي عام 427 قبل الميلاد كان تلميذاً لسقراط، وكان معلماً لأرسطو، ولم تجمعهم مشتركات كثيرة سوى رغبتهم في محاولة فهم العالم وفق قواعد متينة ومُحكمة لإثراء المعرفة الإنسانية، وإلى اليوم يُعتبر ما توصل إليه هؤلاء من أهم وأغنى ما توصلت إليه الإنسانية في تاريخها، ولازالت تُدرّس نظرياتهم في أعرق الجامعات كقواعد في علوم مختلفة كالمنطق والأحياء والميتافيزيقيا والأخلاق والفلسفة.

وكان المصدر الأول لما توصلوا إليه من علومٍ ونظريات هو طرح الأسئلة، ثم الحوار والمناقشة والاستماع للآراء والأفكار المختلفة، ولم يكن ممكناً بأي حالٍ من الأحوال أن يتم التأسيس لهذا الكم الهائل من العلوم النوعية الراقية في وقتٍ زمنيّ قصير ما لم تكن حرية الرأي والفكر والتعبير مكفولة دون أي تحفظ أو حساسية أو خوف أو تهديد، خاصة أن أموراً مثل المنطق والفلسفة تدخل فيها مواضيع غاية في الدقة، وأسئلة خطيرة تناقش الخلق والخالق ومعنى الحياة والوجود، ومع ذلك كان الحديث والنقاش مفتوحاً ليس فقط للعلماء، بل لكل من أراد أن يفكر ويناقش، ونرى أن هذه السُنّة كانت موجودة في كل الأزمنة التي يكون فيها عظماء وعلماء حقيقيون واثقون من أن العلم ليس حكراً على أحد، وأن العلوم المُدوّنة في الكتب والتي تتكلم عن الأمور الجوهرية ما هي إلا أجوبة على أسئلة أثيرت دون خوف ولا تردد.

وتزدهر هذه السنّة في أوْجها في زمن الأنبياء عليهم السلام، إذ ديدنهم الاستماع والحوار وتشجيع الناس على طرح الأسئلة التي تجول في صدورهم، ولا يتم استثناء الحدَّاد ولا الراعي ولا المزارع ولا البائع، بل وعادة ما تتم المناقشات في مجالس مفتوحة لتعمّ الفائدة، ويتشجع الناس على التفكير والتأمل والاستنتاج، فالحوار كان راقياً لا يَستهين ولا يُحقّر ولا يُخوّف ولا يُرهب سائلاً مهما كان السؤال غريباً أو ساذجاً أو جريئاً، حتى أنّه في الكثير من الأحيان كان الجواب على هيئة سؤال آخر يُطرح على السائل ليساعده على الفهم والتحاور وإبداءالرأي، والتوصل إلى الإجابة بنفسه احتراماً لعقله ولحقه في التعبير، وتدريباً له على التفكير المنطقي.

إن العالم اليوم، مع التطور التقني المهول، يمضي في طريق التبلّد والتسطّح الفكري، ولم يعد المجتمع قادراً على تحمل السؤال غير المألوف، فإلى جانب الخوف من التعرض إلى الأمور التي قد تجلب سخط الدولة، لجأ المجتمع بمباركة وقيادة الكثير ممن يعتقدون أنهم علماء وأوصياء إلى الترهيب والتخويف وإطلاق التهم، وسلب الأمن الاجتماعي والعاطفي للشخص الذي يتجرأ ويسأل أسئلة تساهم في تحريك المياه الراكدة للمعرفة والفكر الإنساني، أو الأسئلة التي لا تناقش الحدث فقط، بل تتعمّق لتناقش جذوره ومنشأه والثقافة التي أصّلت وأسّست له، فالكثير من مفاهيمنا ومعتقداتنا عن أنفسنا وتاريخنا وأمتنا وقدراتنا وقَدَرَنا وما نستطيع أن نفعل وما لا نستطيع، تحتاج إلى غربلةٍ وإنعاشٍ وإعادة تقييم لكي نستقي من منابع القوة والقدرة لدينا لنصبح الأمة الوسط مرة أخرى، في جوٍ آمن يشجع العلم والمعرفة.

ويبقى السؤال، هل تواجُد سقراط وأرسطو وأفلاطون وغيرهم ممن عاصروهم في زمن واحدٍ، ومكان واحدٍ، صدفة من القدر؟ أم أنه الجو المجتمعي الذي لم يرتعب من السؤال ولم يئده في مهده والذي شجع على إخراج أفضل ما في هؤلاء لحيز الوجود لخدمة الإنسانية؟

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة