بيان التجديد حول قانون الأحوال الشخصية
كلّ البحرين حريصة على أعراضها
لا تزال كل مبادرة للإصلاح والتجديد، تقابل بجُدُر من الجمود والعدوانية، مرّة بدعوى وجود مؤامرة، ومرة بدعوى الكيد للدين والتقاليد، وأخرى بدعوى خيانة الأوطان والأديان وتسليمها للأجنبي، فلا نتلبث إلا قليلاً فإذا قد نفخ في صور الاستفزاز، فقامت من أجداثها قساة القلوب، بالتخويف والتهويل والتحشيد، وتسابقوا كل لوسيلة إعلامه، لا يزدادون إلاّ تطرفاً وتعصبا، ثم تهدأ عن معاركها الموهومة، وليس ثمة قتيل بينها إلاّ مبادرة الإصلاح ذاتها، وتعود الخصوم صلحا وكأنهما – ولم يكونا كذلك – كانا يرميان إلى قتلها منذ البداية باتفاق، هذا ما نخشاه على مبادرة تدوين قانون الأحوال الأسرية أن تُوأد أو تضيع في زحمة الخصومات غير المبرّرة، أو تولد لقيطة مرفوضة من الناس الذين وضعت لأجلهم ولرفع ظلامتهم.
إننا من واقع واجبنا الديني والوطني نرى:
أولاً: إنّ تدوين قانون شرعي للأسرة لن يكون حلاً لمشاكلها، ولكنه مبادرة خيّرة جاءت بعد طول عجز وقصور وفساد في القضاء الشرعي، لم يتصدّ له رجال الدين لا بأمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولم يسعوا يوماً لرفع الظلم عن من نالهم، بل كانوا يجاملون بعضهم بعضاً في العلن، ويطعنون بعضهم بعضاً في السر، حتى أن بعضهم يمنع الصلاة خلف من تصدى للقضاء، لكنهم لم يطالبوا بالإصلاح، بل سبقهم إليه السابقون من المهتمّين بحقوق المرأة منذ زمن طويل، وليتهم صمتوا عن المطالبين بالتصحيح كما صمتوا عن عجز القضاء طويلا، بل رفعوا عقيرتهم ضدّهم بدعوى أنّ أولئك يريدون تحريف الدين، فهلا كانت المبادرة منكم وقد كانت واجباً عليكم! ألآن وقد كنتم عنها معرضين أو لاهين؟
ثانياً: إنّ أحداً في هذه البلاد لم يطلب وضع قانون مخالف للإسلام العزيز، بما فيهم العلمانيون، وإنّ المسوّدة المطروحة وضعها رجال شرع وقضاة لا دعاة فسق وانحلال، ودعوى أنّ هذا مقدّمة للتحوّل عن الدين إلى غيره، هو ادّعاء بوحدانية الغيرة على الشرع من دون الناس، ولعب على عواطف الناس المؤمنة وتغرير بهم ليخرجوا آلافاً ضدّ مصلحتهم بحسبان أنّهم ينصرون ألوية الإسلام ضد الكفر والتغرّب والتهتّك! وهي محاولة مبطّنة للتوصّي على دين الناس جميعاً، والحقّ أنه لا العائلة الحاكمة، ولا الحكومة، ولا علماء السنة ولا الشيعة، ولا المواطنون يريدون أحكاماً للأسرة خارجة عن دينهم، ومن العار على أيّ أحدٍ أن يتّهم أبناء البحرين بأنّهم متساهلون في أعراضهم وقيَمهم، لمجرّد أنهم يخالفونه في رأيه (الاجتهاديّ) إلى رأي شرعيّ آخر، وكأنّ الآخرين ليس ثمة شريف غيورفيهم إلاّ هم.
ثالثاً: إنّ الإشارة إلى طلب ضمانات بعدم منافاة القانون للشريعة هو أمر مقبول، ولكن ليس من حق أحدٍ أن يطعن في أمانة نواب المجلس في مثل هذه النواحي، غامزا في قناة كل المجالس النيابية وأنها ليست مؤتمنة على الدين والعرض، وأنها ستسعى لأمركة القانون مستقبلاً، ناهيك عن احتمال دخول معظم الحزبيّين الدينيّين في هذه المجالس مستقبلاً، مجالس الشعب ينبغي أن يكون لها دور في اختيار مواد القانون ضمن خيارات الشريعة التي يجيزها الفقهاء، لا أنْ يتولى رجال الدين وحدهم سنّ القانون والتصديق عليه من فوق نواب الشعب. وأمّا المطالبة بكون هذه الضمانة هو موافقة جهة خارجية كحوزة النجف، فهو طعن في علماء البحرين أنفسهم بعدم الأهلية في التوصل لمعرفة شرعية القانون من عدمها ولو بالمشورة مع الفقهاء، وهو من جهة أخرى جهل شنيع بالسياسة، وبمدى حساسية مسألة السيادة الوطنية، وهو وحده مطلب متعصب، وغير مبرر، رفضه البرلمان العراقي نفسه، وكأنّ أحكام الأسرة لا يعرف شرعيتها إلاّ مراجع النجف الأغرّ.
وقد يظن الظانّ أنّهم اختاروا النجف دون قمّ ابتعاداً عن رائحة الولاء لإيران، ولهؤلاء نقول كلا، بل أرادوا الابتعاد عن التجديد في القانون، لأنّ قانون الأسرة الإيراني الشرعيّ يخالف كثيراً من رؤاهم المتخلفة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أرادوا رفض المسودات التي وضعها والتي سيضعها بعض رجال الدين البحرينيين الذين درسوا في قم كمقترح، لأنهم يجدونها متحرّرة أكثر مما يريدون. فالمسألة ليست الشرع الإسلامي وإنما منظورهم القديم للمرأة والأسرة، إنّه رفض التجديد حتى لو جاء من حوزة علمية دينية.
رابعاً: إنّ من العدوان على الحقيقة القول، بأنّ من يخالف مطالب المعارضة للقانون فهو مخالف لما أمر الله أن يحكم به، وهو منزّل بين الكفر والفسق والظلم، وهو ممّن يحلون حرام محمد (ص) ويحرّمون حلاله الذي هو كذلك إلى يوم القيامة!
وإنّ من الحقّ القول بأنّه لو ترك الأمر لهم، لما وضعوا للزمان معياراً في الأحكام أصلاً، ولطالبونا اليوم بإعادة أحكام استعباد الأسرى، واسترقاق النساء والذراري ولشرَّعوا في قانونهم جواز الزواج من الطفلة الرضيعة، وجواز الدخول والزواج بمن بلغت التاسعة من عمرها، حتى لو كان زوجها شيخاً فانياً، ولأديم عبث التمتّع بالنساء بلا ضابط، فهذه الأحكام لا تزال تسطّر في الرسائل العملية وكأنّ الزمان لم يتبدّل، والمجتمعات لم تتغير، والنظام الدولي والوضع الإنساني لم يتطوّر، فهل مع هذا يعتبر هؤلاء جهة مأمونة على وضع قانون جديد للأسرة؟
إنّنا نهيب بالناس جميعاً ألاّ تُستغفل عن مصالحها وقضاياها الحقّة وتُستزلّ باسم الدين في معارك شخصيّة، وبرجال الدين أن يتحرّوا رضا الله ومصلحة عباده لرفعة هذا البلد ودوام استقراره وانتظام أمور رعاياه وإبراز نقاء الدين وصالحيّته، وبالدولة أن لا تدّخر جهداً في إصلاح ودعم مؤسّساتها القانونية والمدنية.
جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية
مملكة البحرين 9 نوفمبر 2005