دفاعاً عن دين محمّد.. أم هجوماً عليه؟!

كنا إذا اشتد بنا الخطر، وحمي الوطيس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم”

هكذا كان يقول عليّ (ع)، ونحن اليوم على مسافة ألف وأربعمائة سنة من فراق رسول الله (ص) واغترابنا عن نهجه، قد اشتد بنا الخطر وحمى الوطيس ولكن لا ندري إلى من نلتجئ، إذ أنّ الخطر الذي نشكو منه يداهمنا من الداخل قبل الخارج، من أنفسنا، فأصبحنا كما النار تأكل نفسها، كلما أردنا أن نطفئها من جانب أوقدها الطائفيّون في آخر.

تمرّ علينا ذكرى مولد رسول الله (ص) والأمّة بحالٍ مزرٍ من التفكّك والانقسام، والتناحر، والتقاتل، والانتقام، وردّ إساءة الأخ بأعظم منها وأكبر، وإساءة الأدب، وتلاسن مخزٍ، وتراشق بالاتّهامات لم يسبق له مثيل سوى قبل البعثة المحمدية حيث كانت العصبيات القبلية مستحكمة، والجهل حاكم، فما بال المسلمين اليوم يحملون بيد راية (فداك يا رسول الله) للدفاع عنه (ص) ومناهضة المسيئين إليه من أعداء الأمة، وبيدٍ أخرى راية محاربة، وتسقيط، وتكفير، واتهام إخوة لهم في الدين لانتمائهم لطائفة أخرى حتى انفرط عقد الفتنة الطائفية وتناثرت حبّاته، محلياً وإقليمياً وعالمياً، فاستحكمت حلقات (مافيا) الطائفية فلا يكاد ينجو من الانخراط فيها – بعلم أو بجهل – إلاّ من رحم الله.

محلّياً، إلى جانب ما تقوم به بعض مؤسّسات الدولة من ممارسات غير حكيمة تستغل فيها الاختلافات المذهبية لإثارة النعرات الطائفية والإيقاع بين الناس، من تمييز، وحرمان متعمّد، وعقوبات جماعية، وقرارات مرتجلة تستند إلى المزاج الشخصي و(العصبي) لهذا المسئول أو ذاك، فقد أطلق بعض من يدّعون أنهم نوّاب الشعب ألسنة حدادا على طائفة كبيرة من أبناء الوطن بنعتهم بأوصاف بذيئة، وبأنهم “أولاد حرام” بحجة أن علماء السنّة يرون أن زواج المتعة حرام وبما أن المذهب الشيعي يجوّز زواج المتعة، فسمح لنفسه أن يطلق هذه التسمية القبيحة على أبناء طائفة بأكملها، ثم تبجّح بعد ذلك ليبرّر لنفسه سقطته المشينة وأنه لم يقصد الإساءة (!) وحاول أن يتبرّأ من طائفيته، والغريب أنّ هذه الإساءة مرّت دون أي عقوبة أو رادع من الجهات الرسمية لمنع تكرّرها، ولكنّها لن تمرّ على عين الله تعالى، ولا على عين الرقيب محمّد (ص)، الذي يدّعي الجميع الانتماء إلى أمّته وحمل راية دينه السمح.. زوراً، بعد استبداله بدينٍ شرسٍ على الأخ المسلم والآخر المسالم.

وخليجياً، أحداث البقيع المؤسفة، وما جرى على زوّار حرم رسول الله (ص) في مدينة الرسول (ص)، وما سبقها من تغييرات إدارية (لا إصلاحات تاريخية كما يحاول البعض أن يروّج لها) طالت قطاعات متعدّدة في المملكة منها توسيع دائرة المدارس الفقهية في أعضاء هيئة كبار العلماء والذي لم يؤدِ إلى تمثيل للمذهب الجعفري إلى جانب المذاهب الأربعة الأخرى، ما أدّى إلى مصادمات انتقلت من المؤسسات إلى الأماكن المقدّسة والمزارات، فيبدو أنّ شعار حوار الأديان مع ساسة اليهود الصهاينة كبيريز والمسيحيين المحافظين كبوش وأزلامه كان على حساب تضييق مساحة الحوار بين الأخوة في الدين الواحد (المفقودة أصلاً)، هؤلاء المواطنون السعوديّون الذين اعترضوا على تصوير نسائهم من قبل هيئة ما يُسمّى بـ”الأمر بالمعروف” وقذفهم بالشتائم، فنُكّل بهم وأُغلقت منافذ التسوية وفرص العدالة في وجوههم كما تُغلق أبواب مقبرة البقيع، فتعرّت مزاعم الإصلاح السياسي والانفتاح الديني.. إذْ ما زال دينُ الشراسة –لا دين الرحمة- ديناً.

وعالمياً، محاولات الغرب المستمرة لتقسيم العالم الإسلامي عمليّا وكيديّاً إلى عرب وفرس وأتراك وأكراد، ثم إلى سنّة وشيعة وزيدية وأباضية وإسماعيلية وعلوية، ثم إلى محور شرّ واعتدال أو اعتلال، ودول ممانعة أو مصالحة، وهكذا حتى يضيع أبناء الأمة في التسميات الفئوية الضيقة، متأرجحين بين الانتماء واللاإنتماء، ومتشظيّن بين الولاء للوطن، أو الولاء للطائفة، أو لمن يحقّق لهم العدالة ولو على دبابة عدوّ أمريكي! أو لمن يعيد الحقوق لأهلها، أو لمن يعطيهم الشعور بالعزة، فينشغل الجميع عن الوحدة والائتلاف من أجل التنمية والارتقاء بالاصطفاف الطائفي والاختلاف المذهبي حتى فشلنا وذهب ريحنا.

من يطّلع على صور كهذه في أمة تدعي أنها تدين بدين نبيّ كريمٍ قال عنه ربّه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) لا يرى وجه شبه بينهما، فقد اشتهر رسول الله (ص) برحمته بكل ما ومن حوله، فكان يوصي بالشجر أن لا يُقطع، وكان يقول عن جبل أحد “هذا الجبل يحبّنا ونحبّه”، حتى تراب الأرض كان يمسح به وجهه متوضئاً في حبّ وهو يقول: “تمسّحوا بالأرض فإنها بكم برّة”، وقيل أنه لما كُسرت رباعيته، وشُجّ رأسه يوم أحد، شقّ ذلك على أصحابه فقالوا له: لو دعوت عليهم، فقال: “إني لم أُبعث لعّاناً، ولكن بعثت داعياً ورحمة، اللهم أهدِ قومي فإنهم لا يعلمون”، وكفى بها صفة يتمثل بها المسلمون ليعودوا إلى رشدهم ويقضوا على التغوّل الطائفي والوحشيّة الأخلاقية والضغائن المتلبّسة بمظاهر التديّن، ذاك الذي صيّرهم كغثاء السيل بأعين أعدائهم يتخبّطهم بأقدامه.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة