ملامح مستقبلية محتملة-1

كل المؤثرات تدفع في اتجاه حدوث التغيير في عالمنا العربي، وكلها تشير إلى أن هذا التسونامي لن يتوقف، فالتيار الذي يتمكن من جرف نظام متصلب كنظام مبارك، ويجرف نظاما مهيمنا كنظام القذافي ؛ على رغم كل الظروف الاجتماعية والجغرافية غير المؤاتية حيث البلاد شاسعة جرداء قليلة السكان صعبة التواصل، هذا التسونامي لن يعجز عن إحداث التغيير في الأنظمة العربية الأخرى، طوعا أو كرها.

هناك أنظمة ستتغير كرها بفعل ثورات قادمة بانت معالمها، ولكن حتى الأنظمة التي لا توجد فيها فرصة للتغير بسبب الحالة الاجتماعية والمعيشية كدولة قطر مثلا، فإنها ستندفع تلقائيا وبإرادة رسمية نحو التغيير، وأما الأنظمة التي قد تتمكن من قمع شعوبها بالقبضة الأمنية دون أن تجد من يقصفها بالطائرات كما فعل بالقذافي لسبب أو لآخر، فهي الأخرى ستجد نفسها مضطرة للتغيير خاصة في بلاد صغيرة كالبحرين.

التغيرات في البلاد الكبيرة تخلق ظروفا عربية ضاغطة نحو التغيير بالنسبة للبلاد الصغيرة، فبلادنا وسائر دول الخليج ستضطر للتغيير بسبب الضغط العربي فيما لو لم تتغير بثورات شعبية، بما فيها العربية السعودية، قد يأخذ هذا وقتا أكثر من بقية الدول، ولكنه تغيير حتمي الحدوث مع نجاح التغيير في بقية الدول العربية الكبرى، وأما لو نجح التغيير في العربية السعودية فلن يكون بالإمكان تأخيره في بقية دول مجلس التعاون.

من الأفضل لبلادنا (حكومة وشعبا) أن توسع نظرتها وهي تعالج الانتفاضة الحالية، فتصعد إلى مرتفع وتنظر إلى مجمل المنطقة العربية كيف تتفجر فيها البراكين وكيف تضطرم نيران ما لم يتفجر منها تحت القاع، فليس من الحصافة أن نقتل الناس اليوم ونمزقهم طوائف بإيقاد الأحقاد بينهم، على ما سنكون مضطرين إلى إعطائهم إياه غدا، فمن الحكمة حينما يواجه الإنسان تيارا جارفا، لن يقدر على مواجهته بحال من الأحوال، أن يركب التيار طلبا للسلامة حتى لو كان كارها، فمادام التغيير قادما لا محالة فليكن بأيدينا ومشيئتنا، حفاظا على كرامتنا على الأقل، وأما إن كنّا نظن أن الأمور هذه المرة هي كسابقاتها، أو أننا لسنا كغيرنا، فمن المؤكد أننا قرأنا الظرف قراءة خاطئة.

بعد اتضاح معالم التغيير العربي والذي ستكون أول ملامحه الرئيسية غياب حكم الفرد الواحد والحزب الواحد، وبالتالي استحالة رهن البلاد لإرادة فرد أو حزب، الأمر الذي سيحرر البلاد العربية حتما من الارتهان للأجنبي والخضوع لضغوطه وإغراءاته، وهما العاملان الفاعلان في سياسة الدول العربية، والراسمان لمختلف ملامح السياسات الخارجية والعلاقات العربية الدولية، قد لا تتضح هذه الناحية مبكرا ولكنها ستتضح مع تبلور طبيعة الثورات العربية وأنها شعبية عامة لا تتبع أيدلوجية ما، لا دينية ولا غيرها، وليست بفعل حزب ما، ولا انقلاب عسكري، وإنما سيكون الحكم بوتقة تتفاعل فيها مختلف القوى وتتجاذب، فحكم كهذا لا يمكن شراؤه، ويصعب لمتسلق أن يخادعه، فالنظم القادمة لن تكون أنظمة فردية، وهذا هو أكبر ضمان لعدم تبعيتها.

ومع هذه الحالة ستتغير قواعد اللعبة في الجامعة العربية نظرا لتغير اللاعبين، وستتجه الجامعة بطبيعة الحال لفرض شروط مختلفة عن حالة التعظيم والاحترام لاستقلالية الحكومات بإدارة شئونها الداخلية مهما كانت مستبدة، فإذا ما سقط حكم الأفراد سقطت مناهجهم وأولوياتهم، وحينها فمن الطبيعي أن تتخذ الاتجاه الآخر المشابه لاتجاه الاتحاد الأوروبي، الذي يشترط معايير سياسية وحقوقية واقتصادية، ومعايير لمكافحة الفساد والاستبداد والشفافية، الأمر الذي سيلزم الدول بإحداث تغييرات مهمة، هي نفسها ما يطالب بها الثوار اليوم وترفضها الحكومات، ولهذا نقول إن التغيير قادم لا محالة، خاصة بالنسبة للدول الصغيرة المحتاجة للدخول في كنف الجامعة ابتغاء للحماية من أعدائها المخيفين.

نحن اليوم في أول مخاض الحدث العظيم، فمن الطبيعي أن ننشغل بحيثياته الحاضرة عن تلمس نتائجه المتوقعة مستقبلا، ولكن الأمور لا يمكن أن تخرج عن طبيعة السنن التاريخية ، فالثورات لا تغير الأنظمة السياسية فقط، بل تغير إذا ما نجحت الكثير من الأفكار والثقافات والأولويات والنواحي الجمالية والذوق العام للمجتمعات، بل بعض التغييرات تحدث حتى مع إخفاق الثورات الشعبية، وحتما سيتغير الكثير مما نحن عليه الآن، فقد لا يكون بإمكان أحد بعد وقت قصير أن ينادي بالاعتراف بإسرائيل دون أن يجد حشودا من الجماهير تنادي بسقوطه وإبعاده، وقد تعود الأزمة الأخلاقية والوطنية لكل الدول التي تحتفظ بقواعد أجنبية على ترابها، وسيكون من الصعب الاستمرار في عملية التمييز بين المواطنين لسبب أو لآخر، ولن تتمكن بعض الدول من صناعة محاور خاصة بها ضمن الكيان العربي تخرج عن الإطار العربي العام، لأن القيادة لن تكون فردية أو حزبية كما سبق وذكرنا، الأمور ستتغير حتما، ومن يخفق في قراءة معالم هذا التغيير سيكون خاسرا، ومن يراهن اليوم على الأحصنة القديمة سيخسر الرهان حتما.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة