إن حب العمل عادة طيّبة يجب أن تغرس في نفوسنا منذ الصغر، إنه البذرة التي تتحول إلى إدمان على العمل والاستماتة فيه في الكبر، في حين اننا إذا كسلنا لم نحارب الجمود الذي يصيب حياتنا فنصبح أسارى لهذا الجمود، نرضى بواقعنا، بوضعنا، بمستوانا، لا نحرّك ساكنا، ولقد دعا الله تعالى المؤمنين وبشّرهم بالجزاء الحسن إن هم عملوا الصالح من الأعمال، وقدمّوا الخير للبشرية، وسعوا لتطوير الإنسانية الذين لم يتقاعسوا عن أداء الواجب، ولم يتوانوا عن تقديم الحقوق إلى أصحابها. أما آن أن نتعوذ مـن الكسـل؟
كان الإمام السجاد (ع) يتعوذ من الكسل كما يتعوذ من الشيطان الرجيم في دعائه »اللهم إنّي أعوذ بك من الكسل والجُبن والبُخل والغفْلة والقسوة والذلّة«، نعم إنه أكبر عدو للإنسان، بل إنه ذنب أخلاقي إذا ابتُلي به الإنسان، سوف يقصف به وبقدراته وإمكانياته، ويشلّ حركته، إن اللجوء إلى الكسل هو حيلسه، والكسول إنسان فاقد الإرادة، خائر القوى، ينتقل كسل الجسد عنده إلى كسل نفسه فيصيبها الكسل أيضا، إن من يفقد العمل والإرادة بحاجة إلى البحث عن أسباب هذا الكسل وإعادة حساباته، إلى شحن ذة العاجز الذي أخفق في توظيف إرادته الإنسانية وطاقته الخلاقة، في تكريس الكسل على الكسل والضعف على الضعف، لم يستطع مقاومة ضعف نفاتي، إلى تحفيز داخلي، أن يُلقّن نفسه حب العمل والاستمتاع به، فلماذا لا نستمتع بالعمل ونحبّه كما نحب الراحة، لماذا لا يُفرّغ الإنسان طاقته الجسمية وطاقته النفسية في عمل مفيد ومجد، يبني جسمه ويبني عقله.
الحياة في تغير متواصل والدين يساير هذا التغيّر وهذه الاستمرارية، في حين أن الكسل يمنعنا عن إعلان الثورة على الجمود الفكري القديم الذي نشأنا عليه، وعدم التفكير في غربلة تراثنا الفكري وما داخله من عقائد وأفكار واستعراض تاريخنا على طاولة التنقيح والتهذيب.
إننا إن لم نتسلح بالقوة والعمل، وننفض غبار الكسل ونثور على حالة الاستسلام لواقعنا الساكن، وحياتنا الروتينية، ونزرع في نفوسنا إرادة الطموح وهو غاية النفوس الكبيرة التي ترغب وتتطلع إلى التفوق والتطور الدائم، فسنزول ونتلاشى ويأتي من يفرض نفسه علينا (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) (التوبة:٩٣)، فالعرب قديما أثبتوا وجودهم وأنشأوا حضارتهم متسلّحين بالقوة وحب العمل والفناء فيه، أليس العرب من مدّنوا أوروبا وأمدّوها بالمعرفة في شتى مناحي الحياة، كما قال الكاتب الفرنسي الكبير »جوستاف لوبون«، وتركوا فنوناً راقية وأدباً عالياً، أليست مدينة صقلية أيام الحكم العربي للأندلس كانت مركزا نشيطا للترجمة وملتقى أجناس ولغات متعددة، وهل قامت الحضارات إلا على سواعد أبنائها العاملين، الذين بذلوا جلّ طاقتهم وجهدهم لبناء الحياة، وإقامة جسور التواصل بين الأمم والشعوب، فأضحت الأمم تنعم بانجازاتهم التي حققوها على أكتاف رجالها الأبطال.
ولكن إذا كان لكل داء دواء، فان دواء الكسل هو ما يضاده من العمل والنشاط وهو الذي عبّر عنه الإمام علي بقوله: »أوصيكم بالعمل في النشاط والكسل« فمثلما يرغب الإنسان في العمل إذا كان نشيطا، كذلك ينبغي أن يُقبل على العمل ليتخلص من حالة الكسل هذه، لأن الفراغ والكسل يُولّد كسلا وفراغا، ولكنّ الحركة والعمل كفيلان بالتخلص من حالة الكسل والخمول الذي يتعارض مع قانون الخالق في الكون، أليست الحياة قائمة على ديناميكية الحركة، وستضحى حالكة سوداء إن لم ترافقها الحركة.أ ما علاج الكسل وفقا للكاتب »روبرت« فيقول: القليل من الجشع!
الجشع القليل الذي يتحدث عنه روبرت هو أن تفكّر: بماذا سيعود عليّ من منافع العمل الذي أقوم به؟ كيف أستفيد من صحتي وقوتي وخبرتي وعقلي؟ كيف كانت حياتي لتكون إذا أصبحت غنيا عن العمل لدى الغير؟
وهل انتشرت الدعوات والرسالات بالتواني أم إن مسيرة الأنبياء كانت حافلة بالعمل والمشاق، فها هو نوح(ع) يقول:(إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً) (نوح:٥) وكم شقي الرسول (ص) في تبليغ الدعوة وهداية الأمم حتى خاطبه الله تعالى قائلا: (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طـه:٢).
على الإنسان إذا أصبح أن يفرح بولادة يوم جديد وشروق شمس جديدة تضفي على حياته دفئاً ومحبة، يستلهم من نور الشمس وأشعتها قوة متجددة كتجدد الشمس كل يوم، ويقتبس من تسبيح المخلوقات، مخلوقات الله،السابحة في ملكوته، الدائرة في فلكه (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يّـس:٠٤) يقتبس منها طاقة روحيّة دافعة له نحو العمل والعطاء، وليستمتع بعمله كما قال ميخائيل نعيمة معبّرا عن استمتاعه بعمله ( ولكمْ كان يسعدني أن أنسى نفسي إذ أنكبّ بكل فكري وقلبي وعضلاتي.. وما كان أطيب العرق يتصبب من جبيني فأمسحه بمنديلي).