التخطيط للفلاح ضرورة لتنمية الوعي

هل الفعل من حيث المبدأ إلا خطرات تجول في العقل فتتحول بإرادتنا إلى فعل يتجسد في كل لحظة، فإن كانت أفعالنا كذلك فحري بنا أن نبذل غاية الجهد في السيطرة على تفكيرنا، ولا تكون السيطرة من غير معرفة معمّقة بطبيعة الرسائل التي تردنا ونحن نتفاعل مع الحياة، رسائل تردنا من خلال حواسنا التي يلزمنا شرف الانتماء إلى إنسانيتنا المسؤولية الكاملة عنها (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36). فالصورة التي نراها، والعطر الذي نشمّه، والكلام الذي نسمع، والمادة التي نلمس، كلّها مواد خام تطرق العقول، فتتحول إلى صور ذهنية، هذه الصور الذهنية تعالج للتفكيك والتحليل لنذهب بعد ذلك إلى تشكيل موقف واع منها، والموقف الواعي هو ما يرفع الإنسان إلى مصاف الملائكة المنزّهين، وموقف الغفلة النقيض يهوي به في واد سحيق.

أعرف كثيراً من الأصدقاء وفئات عديدة من الناس ممن يحبّ الذهاب للسينما لمشاهدة الأفلام، وهم مختلفون في طريقة المشاهدة والتعامل مع الصورة التي يريد المخرج لنا أن نراها، فمن هؤلاء من ليس له نصيب من المشاهدة إلا زبد المشاهد الجنسية يستذكرها في كلّ أوقاته، ومنهم من يذهب ليحرق الفائض من وقته بعد عناء يوم طويل لمجرد الترفيه، ومنهم من يستوحي من بعض مشاهد الأفلام صورًا وتجليات يصوغ منها قيمه العالية التي يريد أن يحيا بها، يستذكرها بين حين وآخر ليغذّي روحه وينميّ وعيه، فيشعر بحرارة لهيبها حين الحاجة، وتعمل كمحرّكات آلية دافعة تدعوه بهمةٍ أكبر لكي يتمثل نموذجًا شبيهًا بما رأى أو استوحى.

هكذا هي الحياة، وبذات الأسلوب يتعامل معها الناس، فالحياةُ مليئةٌ بتحدياتٍ كبيرة، ومنذ أنْ خُلقَ آدم ومعركة السيطرة على وعي الإنسان محتدمة، فإبليس من جانبه يحاول جاهداً أن يرسم صورًا مخملية من الأماني الكاذبة تستحوذ على مخيلتنا، لنلهث خلفها، فنجري وراء سراب، ثمَّ نكتشف مع الزمن وقطع المسافة أنّ ما سعينا للظفر به لا يزداد إلا بعدًا، فنعلم حينها أنّنا أهدرنا وقتنا المحدود في طلبه، فيستحكم اليأس ويسيطر على تفكيرنا، فكم من الأماني ذهبت أدراج الرياح في لحظة مواجهة الحقيقة، تمامًا كما التلميذ الكسول يرسم صورة النجاح في ذهنه ولكنه يطلبها من غير وجهها الصحيح، فدون النجاح المنشود بذل الجهد وسهر الليالي وتحصيل الفهم الصحيح للمادة المدروسة، وحصول النجاح لا يكون إلا بالمشقة والمكابدة ومخالفة النفس، فكذلك نحن نطلب الصلاح ونرجو الفلاح، ولكنّا نستنكف أن نبذل القليلَ القليل من الوقت للتفكير والتخطيط.

الغالبية العظمى من البشر تعاني آفة الكسل، وخاصة في مضمار السير نحو الكمال، فلا تكاد تصرف الجهد والوقت الكافي له، وعلى الرغم من توافر النيات الحسنة لدينا فإنّ غياب البرنامج الواضح هو فخّ الشيطان الذي يسقط فيه كثيرون ، فالبرنامج يعني التفرغ والجلوس ومحاسبة النفس أولا للتعرّف على نواقصها، وهذه ممارسة يجب أن تتصف بالمواصلة والاستمرار، وتتطلب لحظات صدق يجب التحلي فيها بدرجة وعي كافية يعيشها الإنسان ليواجه نفسه، ليكون رقيباً عليها، يُحاسبها قبل أن تُحاسَبْ، ومن ثمَّ يقوم بتحديد أهداف قابلة للتحقيق وقابلة للقياس، ليضعها بعد ذلك في قالب زمني محدد يسعى لانجازه.

نحن نريد أن نكون الإنسان الخليفة التي أراده الله، ولكنَّ هذا الإنسان الذي نريد أن نكونه عليه واجب لا ينفك عنه في أيّ من لحظات عمره القصير في هذه الحياة، مهما كانت ظروف الزمان والمكان، وعليه وحده أن يخلق درعه القادر على حمايته في مسيرة حياته، كما أنّ عليه أن يصنع درعًا روحيًا حصينا أمام الهزات يتعرض لها، ولا يكون هذا إلا بالتفكير الواعي في غايات الأشياء ومسارات الخير والشر، ثمّ بالتعرّف على مظاهرها في الأرض.

بمثل هذه النظرة التي يخلقها التفكير المتأني في معنى الخير وتجلياته على أرض الواقع يمكن للإنسان أن يتفادى كثيراً من الظروف والمواقف التي قد تتغلف بالخير الظاهري بينما هي في جوهرها وحقيقتها بعيدة كل البعد عن الخير الحقيقي وإن تلبست بالمعاناة والألم، فهل ترانا نعي هذه الحقيقة ونعمل بها أم نتبع سراب أوهام الأمنيات، نحسبها ماءً فمتى اقترب نكتشف أنّها خواء، فليصنع كل واحد منا درعًا من الوعي يقيه الجري وراء الأوهام، وليس خير من درع التقوى يسبر بها عباب معركة الخير والشر ويضمن فيها الانتصار.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة