رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (الأعراف 143).

هناك عدة تساؤلات يمكن طرحها بشأن الآية الكريمة..

هل من المعقول أن يطلب النبي موسى(ع) من الله سبحانه أن يَراه جهرة كما فعل قومه تكبراً وغروراً؟ {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} فكان هذا جزاءهم! أليس “رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ” تساوي ” لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً”؟ ولو كان طلبه أن ”يرى الله“ سبحانه، لما اختلف عن قومه الذين أخذتهم الصاعقة!

وهل كان من يكلّم موسى هو الله سبحانه وتعالى مباشرة؟ أليس في ذلك تعارض مع الآية الكريمة {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} التي تحصر وسائل تكليم الله سبحانه للبشر بطرق ثلاث لا غير، (1. وَحْيًا، 2. مِن وَرَاءِ حِجَابٍ، 3. يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ).

مثال لتقريب الصورة: لو قلتَ: رأيتُ الشمس.. والشمس حارة صيفاً وباردة شتاءً؟ هل هي كذلك حقاً؟ ولو ذهبنا خارج الكرة الأرضية حيث الشمس موجودة، فسنجدها ذلك الجرم السماوي الملتهب ذا الحرارة العالية جداً جداً.. فلا تكون الشمس حارة وباردة.. إنما فقط شديدة الحرارة دائماً. إنّ ما نراه من الشمس هي تلك الأشعة التي تمر عبر الفضاء والغلاف الجوي الذي يمتص ويصفّي تلك الأشعة، فتصلنا بعد ذلك مخفّفة جداً جداً. فنحن عندما نقول “رأينا الشمس” فإنّنا نعبّر عمّا وصلنا منها من أشعة وما ندركه منها من حرارة وضوء، التي هي آثار الشمس التي يمكن لعيننا ولجسمنا أن يُدركها.

كذلك الله سبحانه، لا يُعرَف إلا بآثاره على الأرض، ولا يمكن الوصول إليه والتواصل معه إلا عبر وسائط، فعندما رأينا الخلق؛ قلنا “خالق”، ولمّا وجدنا الرحمة والمرحوم؛ قلنا “رحيم”، وبفناء المخلوقات علمنا بأنّه حي لا يموت، فهذه الصفات كلّها لا تعّبر عن حقيقة الله سبحانه -كما هو-، إنّما كما نحن نعرفه ونرى آثاره بالمقدار الذي يمكن لعقلنا استيعابه.

إذاً ما هي هذه الوسائط التي تربطنا بهذا العالم العلوي؟ مع جبار السماوات والأرض؟ العلي العظيم؟؟ إنّها الملائكة، وتتجلى وساطتها بين الله والبشر كما سبق في الآية الكريمة، بالطرق المحصورة الثلاث؛ بالوحي، من وراء حجاب، وبرسول يوحى إليه.

إذن موسى (ع) كونه نبياً، كان يطلب من الله سبحانه أن يرى تجلياً للصوت الذي يخاطبه، أي الشيء الذي من الممكن أن يستطيع عقله إدراكه ورؤيته منه (من الله)، فكان الجواب من المَلك الذي يخاطبه:  لن تراني، ولو كان المطلوب رؤية الله لقال سبحانه ”أنا لا اُرَى“ كما في الآية (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ..)(الأنعام:103)، ثم يعقّب ”فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي“ التي تعني إمكانية حصول الرؤية!

وإنّ مجرد القول بأنّ الله سبحانه وتعالى قد تجلّى للجبل (!!!)يعني القول أنّه بالإمكان أن يُحَدّ بمكان وزمان وأنّه تجسّد ”وراء جبل“! وهو سبحانه لا يُمكن أن يَتجسّد ويُحَد في مكان بحجم ذرة من هذه الأكوان والعوالم!

فإذاً…

موسى لما طلب رؤية الله “رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ”، ومع علمه به على مدى من السنين والأحداث التي مرّ بها فإنّه يُدرك بأنّ في ذلك استحالة، وإنّما هو يطلب من الله أن يرى تجلّي الصوت الذي يكلمه (ما يمكن لعقله وكيانه أن يُدركه من الله) فقال (أرني أنظر إليك) إلى ما أستطيع رؤيته منك، فأتاه الرد مباشرة من الملاك الذي يكلمه كما سبق “لن تراني”.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة