المعركة ضد الهمجية عاتية والفوز بها يبدأ بإصلاح الجذور.
قال عضو جمعية التجديد الثقافية الشاب أواب الشارقي في المؤتمر الشّبابيّ الرّابع لمنتدى الفكر العربي بعنوان “الشّباب وظاهرة العنف” إن المجتمع العربي بحاجة لإعادة النظر والتوصيف والتعريف للمفاهيم والعقائد التي تشكل تميزاً وتمايزاً اجتماعيًا ودينياً، أو إطاراً قانونياً أو عرفياً للعنف كعقيدة الفرقة الناجية، أو الشعب المختار، أو الطائفة المحقّة، أو العرق الأنقى، أو العنصر الأرقى، أو الدولة الأقوى والأكثر تحضّراً، واحتكار حق الحساب والمحاسبة الدينية، الدنيوية والأخروية، وتوصيف المشرك والكافر والمنافق وبالتالي فرض أحكامهم، وتضييق هويّة المسلم وهويّة المذهب وغيرها من المفاهيم.
وأضاف أواب الشارقي في المؤتمر الشبابي المنعقد تحت رعـاية صاحب السمـوّ الملكي الأمير الحسن بن طلال – رئيس مُنتدى الفكر العربيّ وراعيه – في مدينة الإسكندريّة بجمهوريّة مصر العربيّة، إنها معركة عاتية تلك التي نخوضها ضد الهمجية ولا يمكن الفوز بها أو التقدم ما لم نبدأ الإصلاح من الجذور، حيث كوامن ودواخل الاعتقاد، من المفاهيم الراسخة في ثقافتنا والتي تدفعنا نحو العدائية والعنف، فإن وراء كلّ سلوك مفاهيم وأفكاراً وعقائد، إن صحّت وسلمت صلح السلوك، وإن أخطأت ساء السلوك ودفع بالجميع نحو التوحّش.
وشدَّد الشارقي إلى أهمية عدم التعرض لكل ما هو إنساني أو ربّانيّ خاصّ بالأفراد أو التجمعات الإنسانية وتحييدها عن أيّ صراعات، وجعلها محلّات آمنة وأشياء غير قابلة للمسّ والانتهاك، كبداية لوضع حدود ومحطات للتراجع والهدوء والسلم والأمن عندما يشتد العنف الجماعي، والتي ستساهم بعمق في إشاعة روح التسامح والأمن والسلام وكبح غلواء العنف، مثل: دور العبادة لكل الأديان والمذاهب على قاعدة (من دخل البيت الحرام فهو آمن)، المنازل والسكن (من دخل بيته فهو آمن)، المدارس والمكتبات والمتاحف، المناسبات الدينية لكل الديانات والمذاهب لتكون أياماً للتسامح والسلم، والحرمات العالمية من أعراض ونساء وأطفال وعجزة ومسالمين وبهائم.
وأكّد الشارقي أن ثقافة العنف تعمل تمامًا ضد ثقافة الإنسانية/الرحمانية التي دأب على تأسيسها الأنبياء والصالحون مدى التاريخ وعلى رأسهم النبي الخاتم (ص) رحمة العالمين، ثقافة قائمة على التسامح، والعفو، وحسن التجاوز، والإحسان للمخالفين، ودفع السيّئة بالحسنة، والدعاء والعمل للأعداء بالهداية، وقبول المختلف واحترام خياراته، وحسن معاملة الأسرى، ونسيان الإساءة بل ومقابلتها بالإحسان، والحفاظ على عمران البلدان في الحروب، وعدم التعرض للنساء والأطفال والبهائم والمزروعات، والسلم لمن يسالم أياً كان دينه، وفوق كلّ ذلك أسّس لقُبح التميّز العنصري أو الديني أو الشعوبي أو القبلي أو الجنسي، وأفرد التميّز فقط للتقوى والتي تعني مباشرةً لجم عنف النفس ووقاية الآخر من شرورها.
ومن جانب آخر دعت تقية النجار للتأسيس لثقافة الحقوق التي تعتبر في المجتمع العربي شيئاً من الترف الثقافي أو الفكري، مؤكدةً وجوب سيادة هذه الثقافة الحقوقية بأنها الحدود المعنوية غير المرئية بين الإنسان وأخيه الإنسان القائمة والراسخة على أساس الاحترام، احترام الإنسان بما هو إنسان وبغض النظر عن لونه أو جنسه وعمره أو دينه و مذهبه أو عرقه أو فكره أو عقيدته أو انتمائه، ثقافة يجب أن تسود وتحترم في مجتمعنا بمقدار ما تحترم ثقافة احترام الوالدين أو الشيخ الكبير أو المدير المسؤول، أو تتشكل كأعراف وتقاليد تتجذّر في النفوس بممارسة الاحترام وإدانة من يعارضها.
وطرح المؤتمر الذي انعقد في الفترة 13-15 كانون الأوّل/ديسمبر 2010، بمشاركة عضوي جمعية التجديد الثقافية أواب الشارقي وتقية النجار على طاولة نقاش قضايا هامة، تناولت العنف الأُسريّ والطلابيّ والمجتمعيّ؛ الفقر، والبطالة، والتّهميش، والإقصاء، والتّمكين التّكنولوجيّ، وتوظيفه في محاربة العنف؛ أهمّيّة التّواصل والتّشبيك؛ التّوعية الإعلاميّة، الصّحّة النّفسيّة، وثقافة الخوف، إضافةً للشّباب والمواطنة: الهُويّة والثّقافة.
الجدير بالذكر أن المؤتمر الشبابيّ الرّابع هدف إلى المساهمة الجديّة في دراسة أسباب هذه الظاهرة وتشخيص تفرّعاتها، والتوعية بأضرارها، واقتراح الحلول المناسِبة، ووضع ما يُسفر عنه المؤتمر بين أيدي المعنيّين في مختلف القطاعات التنمويّة، من أجل معالجة آثار العنف ونواتجه بحكمة وبصيرة؛ وأنْ يكون للشباب العربيّ نفسه مشاركة فاعلة في كلّ ذلك.