٤) لو أعطيتَ شخصاً كتابًا “متنوع” الصور والألوان، “متعدد” الفصول والأبواب، ويحمل بين دفّتيه “مختلف” القضايا والأفكار، وطلبت منه أن يقرأ هذا الكتاب ليرسم خارطة الطريق لحياته، ويسطّر أهدافه وآماله من مضمون مادّته، وتركته يقلّب أوراقه كما يشاء، ثم عدتَ لترى نتيجة عمله، وإذا به قد قطّع الصور إلا بعضها، وألغى كلّ الفصول إلا واحدًا منها، واختار قضيًة ونبذ الأخرى، واعتنق أيدولوجيًة بعينها وألغى ما سواها؟ فماذا سيكون شعورك آنذاك؟ ألن تشعر بالامتعاض وتستنكر فعلته الحمقاء، وتأسف على عدم انتفاعه بالكتاب؟ فماذا لو كان من أعطيته الكتاب شخصًا بالغًا راشدًا، بل ومثقفاً عالمًا؟ ألن يكون استياؤك أكبر واستنكارك أشدّ؟

ولكنك لو تأمّلت فيما فعل، ستجد أنّ هذا هو حال الإنسان الذي كرّمه الله وأسند إليه مهمة عظيمة وهي الاستخلاف في الأرض، وحثّه على التعايش والانسجام مع جميع مكوّناتها وفق المبادئ والقيم الإنسانية، فإذا به يقطّع أوصال الأفكار التي تخالف فكره، ويلغي كل مذهبٍ يختلف عن مذهبه، ويُقصي كل من يشذّ عن عاداته وتقاليده التي يعتزّ بها، ويتحيّز إلى من يشاكله في الرأي، ويماثله التفكير! ألا يصدق على هذا الإنسان كونه “ظلومًا جهولًا”؟!