ماذا تقصدون بالتجديد ؟

في حوار مع

رئيس جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

الاستاذ عيسى الشارقي

ماذا تقصدون بالتجديد ؟

 

بعد إشهار جمعية التجديد وإعلانها في مملكة البحرين ونشرها في الجرائد المحلية ، أثيرت  أسئلة حول طبيعة هذه الجمعية وحول مسمّاها  الغريب لديهم نوعا ما ، خصوصا من قبل الشارع المثقف وبدأوا بتوجيه السؤال تلو السؤال لأفراد الجمعية البارزين : ماالذي يدفع بجموعة متدينة مثلكم لاختيار اسم التجديد ؟ هل تقصدون بأن الفكر الإسلامي قديم ولم يعد صالحا ؟ كيف والإسلام هو الدين الخالد والقرآن هو الكتاب الخالد ؟

توجهنا بهذا السؤال إلى الأستاذ عيسى الشارقي رئيس الجمعية ليحدثنا عن نظرة الجمعية التجديدية ومرادها من التجديد فأجابنا :

” بسم الله الرحمن الرحيم ”

( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) ..”

نسخ الشرائع وإنساء الآيات إنما يقوم على أساس حتمية تغير الواقع ، وبالتالي تغير الحاجة ومن ثم تغير العلاج ، فلو لم يكن كل ذلك لما حدث النسخ ولما قامت عملية الإنساء .

وهناك أمثلة عملية عديدة على ذلك من واقع حال القرآن الكريم اليوم ،  فهناك آيات كثيرة نتلوها اليوم في كتاب الله ولكننا قد دخلنا معها في طور الإنساء لمعناها الأول السائد عند المسلمين يوم نزلت . فلم يعد أحد من المسلمين بحاجة للتذكير بالغرض الأول لقوله تعالى ” ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى “، ولا بقوله تعالى ” لا تأتوا البيوت من ظهورها “، ولا لقوله تعالى ” إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم “.

كل المعاني الأولى للآيات السالفة وغيرها كثير قد دخلت في دائرة الإنساء . وهذه الحالة هي التي دعت أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  للإكثار من الحديث حول خلود القرآن وتجدد معانيه واحتواء الآية على أكثر من معنى فلا تموت الآية بموت أحد معانيها .

ولو كان الأمر كذلك كما هو الواقع في عقول المسلمين لمات أكثر القرآن بتبدل الأحوال ، فآيات العبيد كلها دخلت في دائرة الإنساء على المعنى الأول اليوم ولكنها لا تتحول إلى تاريخ ونص يتلى للتبرك كما هو الحال عندنا ، بل يجب إمعان التدبر فيها لاستخراج الفوائد الأخرى من معانيها .

لقد سقنا هذه الأمثلة لنثبت سنة التطور وأنها تمس كل شيء حتى كتاب الله ، لو أن الله لم يجعل لآياته إلا معنى واحدا هو ما نزلت به في يومها الأول . ولكن تفاديا لموت القرآن ودخول أكثره في دائرة الإنساء مع الزمان جعله الله حمّالا لطبقات لانهائية من المعاني فكتاب الله لاتنفد معانيه تستكشفه الأمة بالتدبر كلما نضجت عقولها وتطورت ، ومن هنا لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه فهو يسير أمام الزمان ولا يقتله التغير . وهذا هو وجه الإعجاز فيه . وإنما يحتاج إلى من يفجر هذه المعاني الكامنة فيه .

وعلى هذا نعرف عظم البلية في هذه الأمة ومدى حاجتها للتجديد إذ هي لا تزال تكابر في التمسك بفهم أجدادها للقرآن ولا تزال تستخدم نفس الآليات العلمية السابقة للسلف في التعامل مع الكتاب والسنة والواقع الإجتماعي الغابر  حتى في أوضح الأمور التي لا تحتاج إلى أدنى تدبر ، فلا زالت آليات إثبات القبلة وإثبات الهلال وإثبات الديات والأوزان والدم النجس هي آليات القرن الثالث الهجري من الشاخص والإسطرلاب ووتر الدم من عدمه ، ولا زال منطق أرسطو المؤسس قبل ألفي عام هو الآلة التي تعصم مراعاتها العقل من الوقوع في الخطأ في الفكر .

إننا أمة في مستواها المحافظ المتدين لا زالت تعيش في القرن الرابع الهجري وكل ما يجري في العالم لا يغير من واقعنا شيئا ، والمصيبة أنّ هذه الفئات المحافظة هي التي لاتزال تشكل عقل الأمة الديني ولا تزال تسل سيف التكفير والابتداع والزندقة على رؤوس المجددين والعلماء والفلاسفة . ولا زالت تحارب كل فهم جديد يحاول إعادة صياغة العقل العربي والمسلم على وفق ما بلغه زماننا من تطور .

ويضيف قائلا :

خذ مثلا القدماء لمّا وجدوا بأن النصوص الدينية لا تغطي كامل احتياجاتهم التجأوا إلى وسائل أخرى مثل القياس والاستحسان والإجماع والمصالح المرسلة والعقل ، ولكن متبعوا السلف اليوم لا يعتمدون التجربة العلمية المختبرية كأداة من أدوات العلم والتشريع ولا يعتبرونها حجة شرعية ، ولا يعتبرون علم الإحصاء حجة شرعية مع أنهما بلا أدنى شك يقومان على العقل وهما أصدق بما لا يقاس من القياس والاستحسان والمصالح المرسلة . فهذه من مصائب هذه الأمة في التبعية العمياء للسلف وتقديسه .

إنك لو ذهبت لأي قاض اسلامي شرعي اليوم لعاد إلى استعمال نفس آلية القدماء في إثبات النسب “الولد للفراش”…  وهو لن يعتمد الأدلة العلمية الحديثة في قياس الخلايا والجينات التي أثبتت التجارب المتكررة صحة إثباتها للأنساب بنسبة 100% . ولكن هذا القاضي لا زال أسير النص الذي أضفى عليه الفكر الإسلامي صفة الخلود مع أنه إنما كان أسير الظروف التي جاء فيها وإن كان نصا من معصوم ،  فالولد للفراش هو الممكن في ذلك الزمان حيث لا قدرة للعلم يومها على فحص الدم والخلايا  “اللهم إلا علم القيافة” الذي لا يتصف بالدقة العلمية بل بالفرض والتقريب .

وبالجملة تلخيصا للجواب : فإنّ من الإنسان ما هو ثابت ومنه ما هو متغير والدين إنما جاء للإنسان فللثابت منه يوجد ثابت من الدين …  وللمتغير منه يوجد الجانب المتغير…  فالإنسان ثابت في مقوماته الأساسية التي يتميز بها انسانا ، من أصول المنطق العقلي عنده كحجية البرهان ومن ثوابته الأخلاقية، ومن طبيعته النفسية فيما يتعلق بهذه الجوانب من عقائد الإيمان وفضائل الأخلاق والعبادات في عمومها ثابتة

وأما الإجراءات والنظم وأغلب التشريعات فهي قابلة للتغير ضمن الأصول العامة للأخلاق والأهداف التربوية العليا . وأما كتاب الله فهو ثابت النص متجدد المعنى وليس هذا محل الإسهاب في بيان آلية ذلك .

واخترنا التجديد لأن النفوس البشرية تغفل ضرورته وتميل مع الوقت دائما لتقديس القديم المألوف ، ولا نريد بهذا الاسم أننا مجددون أو دعاة تجديد فقط بل نريد أن نقول أن التجديد واجب وهو سنة تاريخية تتخلف الأمة متى ما توقفت عنه وهذا مما نفهمه من قوله سبحانه ” كل شيء هالك إلا وجهه ” فينبغي علينا أن نرسخ في عقولنا ضرورة التخلي عن كل شيء اكتشف العلم ما هو أكثر منه كفاءة وتطوراً فبهذه الطريقة وحدها نستطيع الحفاظ على روح السبق والتقدم في أمتنا .

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة