(قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ (64))- الأنبياء.
فكرتان في قصة إبراهيم(ع) مع قومه:
الأولى:
مواجهة المعتقدات ومناقشتها بالمنطق العقلي، وهو الأسلوب الذي حاول سيدنا إبراهيم (ع) فعله. ولم تذكر لنا الآيات مدى تجاوب الناس إيجابياً مع هذه الفكرة التي طرحها إبراهيم(ع)، مع وجود إشارات إلى رجوعهم إلى أنفسهم وإقرارهم بأنّ تلك الأصنام لا تملك مواصفات الإله الجدير بالعبادة، وأنّه من الظلم تأليههم والركون إليهم. ومن المؤكد أن البعض قد اتخذوا خطوة وراء هذه الرجوع، وقد يكون منهم من اتّبعه بعدها لا نعلم، لكن الدرس أنه بإمكاننا أن نعود إلى أنفسنا ونبحث عن أي أفكار ومعتقدات رسخت في أذهاننا وأصبحت من المسلّمات، ونضعها تحت مجهر العقل والمنطق، ثم نرضى بحكمه ونمتلك الشجاعة الكافية لما يتخذه من قرار الذي في الأغلب سيكون قراراً صائباً. وبذلك يمكننا التعرّف على أصل المشكلات، وتتبّع أسبابها، ثم مناقشة كثير من العقبات، والبدء الحقيقي في حلّها وتجاوزها.
الثانية:
عندما تكون مؤمناً بأمر ما، فاجعل سيدنا إبراهيم (ع) مثالاً أمامك، فهو لم يتوانَ عن فعل أي شيء من أجل أن يرشد قومه، بل ومن شدة حرصه عليهم، وعمق محبته لهم فقد أقدم على أعمال كان يعرف أن عاقبتها وخيمة، مثل تكسيره أصنامهم في معبدهم، كما أن إيمانه بهذه القضية أعانه فيما بعد على الصمود والصبر في مواجهة قرار رميه في النار. إنّه الإيمان العميق بالمبدأ، وعِلمه أنّ ثباته ربما قد يحيي أقواماً ويعيد لهم الرُشد.
الفكرة هنا بأن قيمة الأشياء هي التي تحدّد وجهتنا، فإن كان -بالفعل- للمبدأ والقضية قيمة أكبر من أي أمر آخر، فحتما سيتقدّم المبدأ على كل شيء، وسيصل معدّل الاستعداد للتضحيات إلى أعلاه، فكلٌّ يختار وجهته بحسب قيمة ما يؤمن به. فكم من الأشياء التي نمتلكها ونحن نعلم بأنها قيْدٌ لنا، وكم من الأشياء التافهة والمادية تقف عقبة أمامنا في الكثير من المواقف، أو سبباً لتغيير آرائنا وانحراف سلوكنا وسوء علاقاتنا ببعضنا. فهل تعني لك مبادئك ما يستدعي التضحية بكل ما تملك مقابل هذا المبدأ؟