مسؤولية تشريعية وتنفيذية وأخلاقية .. اجتثاث الفساد

صادق البرلمان بعد طول انتظار على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد (9 ديسمبر)، وبالتزامن مع إنشاء وزارة الداخلية لوحدة مكافحة الفساد ، خطوتان في الاتجاه الصحيح و تعبران عن مطالب شعبية تاريخية ايمانا بأن محاربة الفساد يشكل ركن أساس في عملية التغيير السياسي وإرساء قواعد النزاهة لعمل مؤسسات الدولة وهيئاتها، وخطوة هامة في اتجاة محافظة المجتمع على مُقدَراتِهِ، واسترجاع ما ضيع منها خلال الحقبة الماضية، وأدت الى الخلل الإجتماعي الظاهر للعيان، المتمثل في انتشار الفقر و الحرمان و اختلال الميزان إلى قلة غنية وكثرة ساحقة فقيرة.

يحسب لوزارة الداخلية خطوة تمثلت في إنشاء وحدة مكافحة الفساد، واعلانها عن ذلك عبر وسائل الاعلام ومشاركتها أطراف المجتمع في حوار علني لتبيان ما لهذه الوحدة وما عليها، واستنهاضهم الناس لمشاركتها في مكافحة هذه الافة التي أكلت و لازالت مُقَدَرات الوطن “الناس” ومصادر عيشهم الكريم . قد لا نعرف تفاصيل جرائم الفساد وهوية المفسدين بحكم أنها عمل احترافي تُنشأ من أجله الهيئات الخاصة، وتسن لها القوانين الناظمة والمعايير لترشيد عملها و تمكينها من أدائه دون تراخ و دون اجحاف، ولكن واقع الحال يكشف مظاهر متعددة لهذه الافة بالامكان رصدها و تحسس نتائجها وآثارها الإجتماعية و الإقتصادية الكارثية على حاضر و مستقبل العباد والبلاد.

ولاهمية مكافحة الفساد بالنسبة لحاضر ومستقبل البلاد و العباد و اهميته في ترسيخ مباديء العدالة وحقوق المواطنة، لا مجال لنا جميعا حكام ومحكومين من تظافر الجهود و بنوايا صادقة لانجاح هذه الخطوة الهامة، كما يجب التأكيد على أهمية أن لا تكون الخطوات كسابقاتها، تلك التي أُفرغت من جوهرها و فائدتها فأصبحت زينة إعلامية ومادة لتحسين الصورة الرسمية فقط، ولن يتأتى النجاح إلا بتوافر عناصره من خطوات جادة داعمة للتصديق على المعاهدة الأممية، وانشاء هيئات مكافحة الفساد التي تعطي الثقة والأمان للناس بجدية التوجهات الرسمية لمحاربة هذه الافة واستئصال آثارها، والتي يجب أن يأتي في أولها استصدار قانون يُلزم الجهات الرسمية بالعمل على استرجاع الأموال العامة المضيعة نتيجة الفساد في سنوات سابقة للقانون أسوة يإمارة دبي التي اصدرت قانونا مماثلا.

و اذا اريد لهذه الخطوات أن تؤتى ثمارها المرجوة فلا بد من توفر عناصر عدة حددتها الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، و قبلها توفر الجدية وحسن النوايا لدى الجمبع، وتفرض المساوة في المحاسبة من دون تمييز أبداً بين الجميع سواء كانوا فقراء وأغنياء أو حسب ونسب.

نشير أيضا إلى أن الاتفاقية الأممية حددت معايير مستخلصة من تجارب الدول السابقة في هذا المجال، وتعد عناصر جوهرية و أساسية لتحقيق الهدف المنشود، بدءاً من اتباع الدول لنهج شامل و متعدد لمحاربة الفساد، وهنا تؤكد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ضمن الديباجة على “واقتناعا منها أيضا بأن اتباع نهج شامل و متعدد الجوانب هو أمر لازم لمنع الفساد و مكافحته بصورة فعالة”، و ان لا يقتصر على تشكيل وحدة في مجال معين واغفال المجالات الأخرى وأن المسؤؤلية تقع على عاتق الجميع وأنها عمل دولي و محلي متكامل “و إذ تضع في اعتبارها أن منع الفساد و القضاء عليه هو مسؤلية تقع هلى عاتق جميع الدول، و أنه يجب عليها أن تتعاون معا بدعم و مشاركة أفراد و جماعات خارج نطاق القطاع لعام،

كالمجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، وإذا يراد لجهودها في هذا المجال أن تكون فعالة لا بد من “اتباع مناهج ادارة علمية للمتلكات العامة وعدم التمييز بين الناس عناصر مكملة “و إذ تضع في اعتبارها أيضا مباديء الادارة السليمة للشؤون و الممتلكات العمومية والانصاف و المسؤولية و التساوي أمام القانون وضرورة صون النزاهة و تعزيز ثقافة تنبذ الفساد “وإن القضاء النزيه لا غنى عنه ” نظراً لأهمية اسقلالية القضاء وما له من دور حاسم في مكافحة الفساد، تتخذ كل دولة طرفا وفقا للمباديء الأساسية لنظامها القانوني ودون مساس باستقلالية القضاء تدابير لتدعيم النزاهة و لدرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي و يجوز أن تشمل تلك التدابير قواعد سلوك أعضاء الجهاز القضائي” كما أن استقلالية الهيئات المختصة بهذه المهمة ايضا ركن هام في هذا الجهد ” تقوم كل دولة طرف وفقا للمباديء الأساسية لنظامها القانوني بمنح الهيئة أو الهيئات المشار اليها في الفقرة 1 من هذه المادة ما يلزم من الاستقلالية لتمكين تلك الهيئة أم الهيئات من الاضطلاع بوظائها يصورة فعالة و بمنأى عن أي تأثير لا مسوغ له” و يبقى العامل الأهم في مجمل العمل والمتمثل في توفر المعلومة التي على اساسها يقيس المجتمع و يحاسب وهو الشفافية ” تتخذ كل دولة طرف، وفقا للمباديء الأساسية لقانونها الداخلي و مع مراعاة ضرورة مكافحة الفساد، ما قد يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إداراتها العمومية بما في ذلك ما يتعلق يكيفية تنظيمها و اشتغالها و عمليات اتخاذ القرارات فيها عند الاقتضاء ”

يبقى العامل الإنساني الأخلاقي هو المحرك الاكثر فاعلية في هذا المضمار، وما لم يتوفر في القائمين على مقدرات الوطن والشعب وأن الحفاظ عليها أمانة في اعناق القائمين عليها، وأن الواجب يحتم عليهم ايصالها الى مستحقيها تأسيا بالآية الكريمة “إن الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلي أهلها و اذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”، مدعوما بشعور عام لدى الشعب ممثلا في هيئات المجتمع المدني و نخبه و حراكه السياسي بالمسؤلية في صيانة مقدرات الشعب و أن هذه المهمة مستمرة لا نهاية لها هما جوهر مكافحة الفساد حاضرا وسدا لمنعه مستقبلا.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة