مع المرأة – قد خابَ مَنْ ولاّها

عملاً بوصايا (الملتقى العربي الثالث للتنمية الإنسانية الذي نظّمته بامتياز جمعية البحرين النسائيّة لتحقيق نهضة المرأة)، واحتفاءاً بالنسوة الهادفات المتواجدات بالمواقع والمناشط، أهدي هذه الحلقات إنصافًا وإكراماً لهنّ، ولابنتي، وأختي، وزوجتي، وأمّي؛ أهديها للمرأة.

قال أبو بكرة: (لما هلك كسرى، قال النبيّ: مَن استخلفوا؟ قالوا: ابنتَه، فقال(ص): “لن يفلح قومٌ ولّوا أمرَهم امرأة”، فلمّا قدمتْ عائشةُ -البصرة- ذكرتُ قولَ النبيّ فعصمني اللهُ به)!

الذين ثبّتوا هذه الرواية واستخدموها، لم يفطنوا مُناقضتها لوقائع التاريخ مرّتيْن، أولّها مناقضتُها خبراً وثّقه القرآنُ (بتولّي) بلقيس (فأفلح) قومُها، وثانيها أنّ ابنةَ كسرى لم يُولّوها أمرَهم (حقيقةً)، بل الوَرثةُ والأمَراء هم (المتولّون) حقيقةً، طمسوا اختلافاتهم بها، ونصّبوها (كمظهرٍ) ودُميةٍ، كبعض مجالسنا التشريعية الديكوريّة، وتمكينات المرأة دعائياً ببلداننا، (بحسب إشارة تقرير التنمية الإنسانيّة)، فحاشا أن تكون كلمةُ النبي(ص) كاذبةَ الخبر ومن جهتيْن، المُلفت أنّ الراوي أوشكَ الالتحاق بعائشة ليُقاتل أمير المؤمنين عليّاً لولا تذكّره استنقاص النبي(ص) للمرأة!

هذا التسويق للاستبداد الأمويّ المتدعّم بثلاثيّة (التقوّل على النبيّ)، (دونيّة المرأة) ومنها عائشة، و(مناوئة شرعيّة عليّ)، كفيلٌ بخدش عدالة الراوي!

لكنّنا ندهش كيف فاتَ (عليّاً) ربيبَ النبي ورفيقَه وخزانةَ علمه تذكّرُ هذا الحديث المزعوم وهو الأجدر بتوظيفه لمعركته؟! وفاتَ (عائشةَ) الفقيهةَ الحافظةَ ورفيقةَ النبي وربيبتَه، فخرجتْ؟! والمهاجرون والأنصار فاتَهم، كالزبير وطلحة وعمّار؟! عجباً!

بل عائشة تتذكّر تحذيرَ النبي(ص): (أيّتكن صاحبة الجمل الأدبب، تنبح عليها كلابُ الحَوْأب)، وينصحها ورَثَةُ النبيّ(ص) في أمّته؛ عليٌّ وابنُ عمر وأمُّ سلمة والصحابةُ، ولا يُذكّرها أحدُهم بحرمة ولاية المرأة و(عدم فلاحها)!

لقد كذَّب عليٌّ(ع) حجّة هذا الراوي، فقد وصفَ أصحابَ الجمل: (فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللهِ(ص) كَمَا تُجَرُّ الأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ)، إذن، عائشة لم (يُولَّوها أمرَهم)، بل “جرّوها” ليختلسوا شرعيّة بها، فهي مظهر تجميليّ وتمويهيّ.

فالموارد المزعومُ فيها (تولية المرأة) ثمّ (عدم الفلاح)، لم تحصلْ حقيقةً، لا كعلّة لصدور الرواية (بنت كسرى)، ولا كتطبيق للرواية (عائشة)، فالمرأة مدفوعةٌ عن التوليّ في الحالتين.

ومع هذا فإنّي أعتقد بصحّة: (ما أفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة)، لكن ليس بتفسيرها الجائر.

(الفلاحُ) بالعقل، والعقل يُغيّبُه الاستبداد، فإن استُبدَّ (بالمرأة) و(وُلِّيَتْ) كشكلٍ وكتمويه، فالنظامُ السياسيّ والاجتماعيّ (لن يُفلح) ليُنتِج تنميةً حقيقية، وإن وُلِّيتْ (المرأة) فعلاً، فسيُخفق النظامُ لأنّه سيعمل بنصف دماغه فقط، كفشلنا السائد بنظامِ (ولّوا أمرَهم رجلاً)، فالفرديّة (الأوتوقراطية) فشلٌ، والفرديّة الجنسيّة؛ بذكورية بحتة، أو أنوثية بحتة أشدُّ فشلاً، لإطاحتها بفطريّة السكينة والمودّة والرحمة، الباعثة للتكامل بين النوعيْن (الذكر والأنثى).

وحينما (تَولّى الرجالُ) وحدَهم قستْ القلوبُ، فثارت حروبُنا الكونيّة، وهُتكتْ قيَم الإنسانيّة، وشاع التوحّش، وسُلّعت (المرأة) واستُتْبِعَت واستُعبِدَتْ للجنس وللمتعة وللخدمة، كالسائد، وحين تكون (ولاية النسوان) فقط، تتأنّث الرجال وتسترجل النساء وتفسد النُّظم والطبائع، الشللُ النصفي سيبقى، سينتقل فقط من يمينٍ لشمال.

العقل يعملُ بقسميه، والطائرُ يُحلِّقُ بجناحيه، ولن يدَعَ الإنسانُ ظلمَه وجهلَه إلاّ بزوجيْه، يتواجدان على المنصّة معاً، ليُحقِّقا معادلة “الفلاح” بالشراكة: (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)؛ هو يُكمل نقصَها بكماله، وهي تُكمل نقصَه بكمالها، لا أحدَ منهما كاملٌ، فكمالُهما معاً (وخلقناكم أزواجًا).

(أفلحتْ) التجربةُ البلقيسية ليس لأنّها (تولّت أمْرَ) الرجال، بل لأنّها جعلتْها شراكةً (مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)، لو استفردوا بالقيادة وحدَهم لخابوا كما نخيب الآنَ عالميا ومحلّياً، ولو استبدّت لوحدها (لما أفلحوا)، (الولايةُ) شراكةٌ، لأنّ المجتمع مشترَكٌ بين جنسيْه، فيحتاج الجنسيْن بمراكز القرار.

والمعجزةُ (المحمّدية) لم تنجح بدون (خديجة)، التي كمُل عقلُها كما كمُل عقلُه، فسدّدته حين فزِع، وتنبأت بفلاحه حين شكّ هو(ص) بنفسه، وصدّقته حينَ كذّبه (الرجال)، هذا العقلُ المحمّدي الكامل كان سيبقى نصف (عقلٍ مجتمعيّ) لولا تلاقحُه بعقل خديجة، فجاءتْ القيادة المحمّدية شورى مع أصحابه (الرجال والنساء) لاستلام آرائهم والعزم على أفضلها، فببدْرٍ أخذ بمشورة “الحبّاب”، وبالحديبيّة أخذ بمشورة “أم سلمة”، ولهذا المعنى الإيجابي جاء الأثر بمثل (شاوروهنّ وخالفوهنّ)، فليس الشوْرُ (للنساء) دائما (يُشِرْنَ) فيُطَعْنَ، ولسْنَ (يُخالفنَ) دائمًا، بل يُطَعْنَ ويُخالفنَ، فهنّ نصف الدماغ، والرجال نصفُه الثاني، وبالنصفيْن يتحرّك جسمُ المجتمع (لفلاحٍ) وتنميةٍ حقيقية، مدنيّةٍ وحضاريّة.

وحين فقدَ محمّدٌ(ص) في بيته القياديّ كاملةَ العقلِ خديجة، تخيَّرَ أزواجاً (يحلُلنَ مكانها) لتعويضها، وكأنّ مجموع عقولهنّ (آرائهنّ) يُساوي كاملَ عقلِ خديجة المفقودة، لإكمال نصفه الثاني، ولهذا كان الزواج أيضا نصف الدين لأنّ المرء يُكمل به منقوصَ عقلِه بفائضِ عقلِ شريكهِ، فكان بيتُ النبي بمثابة مركزٍ عقليٍّ ضخم، به(ص) وبمجموع أزواجه، يبثّ الحكمة في المجتمع، هو(ص) فيه للمسلمين (أبٌ) رحيمٌ، وهنّ (أمّهات) وقائدات ومربّيات.

واجبُنا اليومَ، سياسةً، وتمكينًا، وإدارةً، ومراكز قرار، ومناصب عليا، وتشكيلاتٍ وزارية، وغُرَفاً تشريعيّة، أن نستنَّ بهذه التركيبة السحريّة التكامليّة، فنُفرد ونُعيد للمرأة مواقعَها، لا نستفرد بقيادة (رجالية بحتة)، ولا (رجالية بديكور نسائي)، بل (شراكة حقيقية) وبتمكينٍ حقيقي، بالتأهيل وبالانتخاب وبالتعيين وبغيره، (لنُفلح).

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة