نظمت جمعية التجديد الثقافية في ذكرى المولد النبوي الشريف ندوةً بعنوان “محمد (ص) داعي وحدة الأمة وجامع الكلم على التقوى” قدّمها كل من الدكتور عبد الستار الهيتي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة البحرين والشيخ إبراهيم الجفيري الباحث بالتجديد وذلك مساء الأحد الموافق 8-3-2009 في مقر الجمعية بالسلمانية.
وقال الدكتور الهيتي في مستهل الندوة “إننا نحن إذ نحتفل بمحمد (ص) نحتفل بالإنسانية الفاضلة” وأضاف إجابة على تساؤله حول تعامل الرسول مع الأمة “لقد تعامل هذا النبي الكريم برؤية ثاقبة، وبمنهج سليمٍ سمته الإصلاح، وهذه الرؤية الإصلاحية هي التي شيّدت حضارة وأمة لا يزال العالم يذكر أفضالها”.
وتابع د. الهيتي قائلاً “إن كل إصلاح لا يمت لمحمدٍ بصلة بناءٌ فيه خلل، لأنه لا يطابق الفطرة، بينما يتفق إصلاح الرسول مع طبيعة الخلق. إن الإصلاح العقائدي هو برنامج توحيد، والأمة كلها تأخذ صفة محمدية وتصبح مسلمة عندما تقول لا إله إلا الله، وبرنامج الوحدة يبدأ بالعقيدة إذ تمسك بطاقة شرف دخول الإسلام فأنت عتبت أولى عتبات الوحدة”
وأكد د. الهيتي على أن “إسلامنا يقوم على تبني برنامج وحدوي إصلاحي، فقد كان له برنامج عملي في المجال الإقتصادي والاجتماعي الرافض لازدواج المعايير واختلاف المقاييس. فأول ما بدأ (ص) بالعدالة كان يبدأ بنفسه وبأهل بيته هذا البرنامج الاجتماعي الذي يدعو للعدالة في إعطاء المسؤوليات والحقوق هو الذي بنى مجتمع الوحدة”.
وأشار د. الهيتي إلى أن “النبي (ص) قدّم لنا تطبيقات كثيرة في الألفة والوحدة، فقد جمع في بيعة العقبة الأولى بين الأوس والخزرج، وينتقل (ص) من مكة للمدينة فيقوم ببناء المسجد يحتضن الجميع، ثم يُآخي بين المهاجرين والأنصار، ويقيم وثيقة المدينة الدستور الذي يبني الدولة المدنيّة الحديثة وليست الدولة الدينية، فقد كانت حماية المدينة مهمة تقع على عاتق كل أطيافها”.
وتطرق الشيخ إبراهيم الجفيري الباحث بجمعية التجديد إلى محور “خسائر الأمة حين فقدت وحدتها” قال فيه “ينبغي أن نعرف ماذا كان عندنا؟ ولا شك أننا كان عندنا في يوم من الأيام معاقل عز ومفاخر لذا يجب بداية أن نسأل كيف حصلنا عليها لأننا في محاولة لاسترجاع ذلك العز وتلك المفاخر”.
وأضاف الشيخ الجفيري “لقد أشار القرآن للوضع في الجاهلية بكلمة واحدة في قوله تعالى (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً )(آل عمران: من الآية103) فكل المآسي التي عشناها في جاهليتنا عنونها بعنوان العداء، فكل ما كان موجوداً كان سببه التمزق وعدم الوحدة”.
وقال الشيخ الجفيري أن “الاسلام كان له فضل تغيير هؤلاء الذين تناحروا وتقاتلوا.. لقد حوّلهم إلى جماعة واحدة متماسكة، وتحوّل الحقد والبغضاء إلى مودةٍ حقيقية. وبعد أن كانوا يقتلون بعضهم البعض أصبحوا يتنافسون على الجهاد، وتحول السلب والنهب إلى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) … ثم يبدأ هذا الحس ينمو وإذا بالأفراد الذين كانوا يُؤذون على أيدي قريش يجدون في أنفسهم كفؤاً عسكرياً يناوش قريش، إلى أن سقطت صخرة قريش، فكاتب الرسول (ص) الملوك بكل عزة واقتدار”. ثم تساءل: “من يستطيع من المسلمين اليوم القيام بذلك؟”.
وتابع “لقد احتفظ المسلمون بجزء من ذلك العز لسنوات بعد وفاة الرسول (ص) ثم تلاشى شيئاً فشيئاً فماذا بقي لنا الآن من عز ومفاخر بعد رسول الله (ص)؟ الآن ما عاد أحدٌ من الأمم يرانا أمة بالمعنى الحقيقي لا في السياسة ولا في قرارات السلم والحرب بل أصبحنا لا نملك قرارنا وهذا قمة الضعف. إضافة إلى أننا فقدنا كوننا الملجأ و”المحل الآمن” في العالم الذي ينبغي أن يكون حرًا آمنًا يستقطب المحرومين والمظلومين وأصحاب الآراء الحرة، فالكعبة كانت رمزاً لذلك”.
واختتم الشيخ الجفيري قائلا “الكثير من الدعاة والمخلصين غفلوا عن السور الذي تهدّم بأيدينا –في إشارةٍ للوحدة- فكل طائفة تقوّي نفسها وسورها، بينما سور الأمة هو الذي ينبغي أن يجمع المسلمين، ولن تستطيع كل الطوائف أن تكون من دونه”.