البيان الختامي لمؤتمرشرائع السماء

مملكة البحرين

جمعيّة التجديد الثقافيّة الاجتماعيّة

 

البيان الختامي

لمؤتمر ” شرائع السماء وحقوق الإنسان – عودة للجذور”

مملكة البحرين: 3 إلى 5 أبريل 2010م

 

1. إنّ التواصل مع الجذور التاريخية والثقافية المؤسّسة لقيم حقوق الإنسان وربطها بالبنود المعمول بها اليوم سيسهم بشكل كبير في نشر وتبنِّي هذه الثقافة بين العرب والمسلمين، وسيسهم كذلك في مواجهة الاستبداد الديني والسياسي المتذرّع بالحساسية الدينية أو الخصوصية الثقافية لسلب الحقوق العامة والخاصة.

2. إنّ قيم حقوق الإنسان فطريّة إنسانيةٌ عابرةٌ للثقافات، استلهمت من الطبيعي والثقافي ما يعزّز الكرامة الإنسانية ويؤنسن النواظم القانونية ويقرّب بين مختلف الشرائع والأديان والثقافات، وهي ذات القيم التي تصلح كأسس ومنطلقات فكرية يستند عليها المشرِّع المحلِّي والدُّولي لصياغة قوانين إنسانية حضارية صالحة للبشرية جمعاء مهما تباينت ثقافاتها وأديانها ولغاتها وألوانها وأعراقها.

3. أُرسِلَ النبي الخاتِم محمد (ص) على قاعدة “إنما بُعثتُ لـ أتمّم مكارم الأخلاق” لإكمال مسيرة الذين سبقوه من الأنبياء، ولإتمام منظومة القيم الإنسانية، فحريّة الاختيار، والعدالة، والمساواة، وصيانة الحقوق، وإغاثة الملهوف، وحماية المستضعف، واحترام الآخر، والإحسان للوالدين، وإجارة المضطرّ، وإكرام المرأة، ورفع الظلم، وتوفير الحوائج وغيرها من قيم السماء تُمثِّل الأسس والمقاصد الكُبرى التي قامت عليها جميع رسالات السماء.

4. لقد أسّست الشرائع السماوية للحريَّات الفكرية والدينية عبر الإعلان الإلهي للحريات، وجاء الإسلام ليؤكّد عليها في مثل: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”، ونظَّرَت لحقوق الفقراء والمُعدمين في مثل: “وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ”، وقرَّرَت أن لا تمييز على أساس العرق والدين والطائفة واللون والمذهب في مثل: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”، وأعلنَت الحقوق الإنسانية للوالدين والمسنِّين في: “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”، وأصَّلَت مبدأ الحوار في العلاقات الإنسانية في: “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”، ووضعَت اللبنات الإنسانية الأولى لقواعد الحروب في مثل “ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”، ومثل: “لا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا”، وحفظ مبادئ حماية الملكية في مثل: “وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ”، وحقّ الإنسان في طلب الأمن والهجرة واللجوء في: “أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا”، وصولاً إلى التأسيس لمبادئ الجوار والحدود الدولية في وصايا حفظ الجوار وإكرام الجار. لذا لم يعد هناك مبرّر للجدل الدائر حول أي تعارض بين الشريعة الإسلامية وبين العهود والمواثيق الحقوقية الدولية المعمول بها اليوم.

5. قد يكون بعض ما عند المسلمين وغيرهم من الأديان من موروث وآراء رجال يوحي ببعض الشبهات في هذا الشأن، لذلك وجب النقد الذاتي وتنقية التراث من كل ما يتعارض مع الكرامة الإنسانية وجوهر رسالات السماء، فحريّ بعلماء المسلمين معالجة كل الدخائل التي دُسّت في ثقافتنا لتسلب روحها الإنسانية إمّا بشكل متعمّد بغرض التشويه أو بشكل عفوي نتيجة سوء فهم.

6. لا تزال هناك من التشريعات التي جاء بها الإسلام ما يدل على عظم إنسانيته مما أغفله المسلمون عملا، وجهله الناس عنهم فكرا وثقافة، وهي صالحة لأن تتقدّم نحو السلام العالمي خطوة جديدة كمثال الأشهر الحرم، وتشيع فيهم روح التعاون والرحمة كوجوب الدفاع عن المظلوم، وحق ابن السبيل، وحق المارة، وحق الحصاد، وغيرها ما يحتّم على الأمة الإسلامية الاعتناء بتفعيلها ونشرها بين الناس بغض النظر عن دينهم.

7. بسبب التردّي الفكري الذي يواجه أمّتنا العربية والإسلامية، وبسبب تغييب الجوهر الإنساني لتاريخنا وثقافتنا فغلّب الانغلاق والخصومات، وبسبب التردّي السياسي وانتشار الاستبداد والكراهية والتشرذم والطائفية البغيضة والمذهبية المفرِّقة، وبسبب حالة تدهور العلاقات بين الناس غلب الجشع والهمجيّة على قيم الأديان والشرائع، بسبب ذلك وغيره باتت أمّتنا اليوم أمام أزمة حضارية لم تمر بمثلها في تاريخها. لذلك وجب على مفكّري وعلماء الأمة التصدي لجميع المشاريع التي ترمي إلى استغلال الدين لتكريس الاستبداد السياسي والاجتماعي، ونشر الخطاب المُنتِهك للكرامة الإنسانية، وتفكيك ثقافة الانغلاق وبثّ الكراهية وتمييع حقوق البشر بأي حجّة كانت.
8. إنّ مخرجات هذا المؤتمر تهم المؤسسات التشريعية والبرلمانية في العالم الإسلامي التي ترغب في مناغمة قوانينها مع الشريعة، وتعني السلطات القضائية والقانونية، والمؤسسات الدينية ومراكز البحوث الإسلامية، والجامعات ذات العلاقة، والمؤسسات الحقوقية في العالمين العربي والإسلامي الراغبة في موائمة خطابها للناس مع عقائدهم وقيمهم، والمنظمات الدولية الراغبة في نشر ثقافة حقوق الإنسان بين الشعوب الإسلامية بخطاب تفهمه تلك الشعوب، ورجال الدين والفكر وقادة الرأي. ولكن يبقى الخطاب الأشمل موجَّهاً لكل مسلم ليعيد موضعة نفسه في هذا العالم حاملاً بنفسه راية حقوق الإنسان ليتحمّل مسؤوليته من جديد بعد أن ترك مكانه للآخرين لسنين طويلة.

9. على المؤسسات التربوية والتعليمية إدراج ثقافة حقوق الإنسان في مناهجها وكتبها الدراسية في جميع المراحل في المدارس والمعاهد والجامعات، والتأكّد من تنقية الكتب والمناهج ممّا يسيء لجوهر الأديان وكرامة الإنسان، وتعليم الناس بالمشتركات الفطرية والسلوكيّات الحميدة. ونناشد مفكري الأمة ومثقفيها ومؤسسات الدراسات والبحث العلمي الشروع في دراسات للتواصل مع الجذور التاريخية لقيم حقوق الإنسان من أجل تكريس تلك القيم في فكر الأمّة وثقافتها. وندعو المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان في عالمنا العربي والإسلامي وضع مشروع عام يقوم على أسس فكريّة وعلميّة صحيحة لتنقية الأفكار والقناعات للإسهام في التأسيس لعالم يحترم قيم حقوق الإنسان.

10. على المؤسسات البرلمانية والتشريعية سنّ تشريعات وقوانين موائمة لقيم حقوق الإنسان وأن لا تسمح بتمرير أي قانون ينتهك تلك الحقوق، ووضع السبل والآليات المناسبة لمراقبة السلطات الإدارية والتنفيذية والتأكّد من احترام الجميع لكرامة الإنسان وحقوقه واحترام استقلال السلطة القضائية. وندعو المؤسسات القضائية المستقلة لتجريم الأفعال التي تكرّس نزعة الاستبداد وتدعو للعنف والكراهية وحملات تشويه الدين ومشاريع انتهاك الحقوق والكرامة الإنسانية من إيٍ كان.

11. ناشد المؤتمرون جميع وسائل الإعلام بكلّ منابرها ووسائلها العمل على توسيع ثقافة احترام حقوق الإنسان، وتجنّب استخدام المصطلحات التي تؤجّج نار الكراهية والتنازع بين المكوّنات البشرية المختلفة، ودعوة الإعلام الرسميّ ومطالبته بوقف الازدواجية في التعامل مع القضايا الحقوقية وبث الثقافة الصحيحة ووقف الحملات الرسمية لتشويه الثقافة الصحيحة لحقوق الإنسان وتشويه سمعة النشطاء والمفكّرين وحملة الهم الحقوقي في العالمين العربي والإسلامي، ورفض الترهيب الفكري، أو التبشير بالقوّة والقانون، واستنهاض مؤسّسات الإنتاج الفنّي والمسرحيّ بالعمل على إنتاج أعمال تخدم وتساعد على توضيح الجذور الحقيقة لقيم حقوق الإنسان وترسيخ وتعزيز ثقافة الحقوق لدى الإنسان المسلم.

12. مناشدة منظمة المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ورابطة العالم الإسلامي، والمؤسسات الدينية كمؤسسة الأزهر، ومجمع البحوث، والحوزات الدينية، ومراكز صنع القرار الرسمي ومؤسسات المجتمع المدني، ودعوة علماء الأمة الأعلام ومفكّريها للعمل على تشجيع ودعم كل الجهود المخلصة لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان واحترام قيمة الإنسان، ورفض الاستبداد والإكراه على الفكر والمعتقد والرأي من أيٍ كان بأيّ وسيلةٍ مباشرة أو ضمنيّة، وتعزيز حاجة الإنسان في العيش بأمان وكرامة دون انتهاك لأي حقٍ من حقوقه الأساسية، والعمل على تطوير قوانيننا وتشريعاتنا الحقوقية بما يتناغم ونهضتنا الحضارية المنشودة.

13. دعا المؤتمرون منظمة اليونسكو للعمل على بعث الروح في التراث الحقوقي الإنساني في الأديان والثقافات لبث رسالة سلام عالمية تحترم الجميع ويحترمونها ليعود الأمن والسلام للعالم بشتى مكوناته الثقافية والدينية والعرقية وغيرها.يا

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.