حصانة الرسل والتأسيس لقوانين الحصانة الدبلوماسية

مملكة البحرين

جمعيّة التجديد الثقافيّة الاجتماعيّة

 

حصانة الرسل

والتأسيس لقوانين الحصانة الدبلوماسية

 

د.سعيد عبدالله حارب

مؤتمر ” شرائع السماء وحقوق الإنسان – عودة للجذور”

مملكة البحرين: 3 إلى 5 أبريل 2010م

 

إن التأسيس لبعد ثقافي في العلاقات الإنسانية المعاصرة يستدعي التأصيل لهذه العلاقات، فمنذ نشأة الخليقة وهناك تواصل إنساني يتفاوت قوةً وضعفاً ، مثلما يختلف  في صورته القائمة على السلم أو الحرب وفقاً لطبيعة هذه العلاقة وللمرحلة التاريخية التي يمر بها، ولم يخلُ التاريخ البشري من علائق إنسانية أرست جذور التواصل البشري الذي تطور عبر التاريخ ليصل إلى فكرة السلام العالمي التي يسعى لها البشر في عصرنا الحاضر، وضمن سيرورة العلاقات الإنسانية برزت جملة من الملامح لهذه العلاقات، ولعل أبرزها القيمة الأخلاقية التي كانت معياراً لمكنون العلاقة، كما كانت مقياساً للحكم عليها، فتوصف بعض العلاقات الإنسانية بأنها ذات مضمون أخلاقي بينما تنزع هذه الصفة عن صور أخرى من تلك العلاقات، كتلك التي تتم أثناء الصراعات والحروب وتمتد نيرانها لتصيب الأبرياء أو المجتمعات بكوارث إنسانية، إذ سريعاً ما توصف تلك الصور بأنها “غير أخلاقية” وتتم أثناء الحروب والصراعات.

لكن القيمة الأخلاقية ـ ذاتها ـ لابد لها من مرجعية تقوم عليها، ولن تجد أكثر استقراراً وثباتاً وتأصيلاً من المرجعية الدينية ، يقول الفيلسوف الألماني ” جوهان جوتليب فيخته ” : “إن الأخلاق من غير دين عبث” . أما الزعيم الهندي “المهاتما غاندي” فيقول: “إن مكارم الأخلاق والدين شيء واحد، لا يقبل الانفصال، ولا يفرّق بعضهما عن بعض، فهما وحدة لا تتجزأ، إن الدين كالروح للأخلاق والأخلاق كالجو للروح”

وإذا كان هذا التصور لمكانة الأخلاق في الفكر الإنساني، فإن الإسلام جاء ليؤسس منظومة العلاقات الإنسانية على أسس أخلاقية ، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء بالأخلاق كفضيلة إنسانية متصلة بين البشر، لم يقطعها عن سياقها الإنساني السابق أو اللاحق، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : “إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” (1)  وهذا “المتمم” يقول عنه الله سبحانه وتعالى: ” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” (2)

فذلك يدل على أن القيمة الأخلاقية هي روح العلاقات الإنسانية في شتى صورها، ومن بينها العلاقات السياسية، فالإسلام ” يعد ربط الأخلاق بالسياسة في التعامل الدولي من أهم إسهامات الدبلوماسية العربية الإسلامية، فالفضيلة والأخلاق لا ينفصل  فيهما السلوك العام عن السلوك الخاص، ونذكر هنا على سبيل التمثيل فقط مدى مراعاة الأخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق .

إن الإسلام يرفض النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحٌ أيضًا في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد مطلوبًٌ أيضًا في علاقات الدول، ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام أن على الدولة الإسلامية أن تلتزم بمعاني الأخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة، وفي أقوال الحكماء.

ومن هنا نؤكد أن ممارسة العملية الدبلوماسية في جميع مجالاتها يحتم الالتزام بالمعايير الأخلاقية الثابتة، ويُستنتج أن المعايير والضوابط الإسلامية لها دور مهم في إرساء قواعد أخلاقيات الممارسة للعمل الدبلوماسي من قبل مؤسساتنا العربية والإسلامية ” (3)

وإذا كانت القيمة الأخلاقية سمة أساسية في العلاقات الدولية الإسلامية، فإن فكرة السلام تعدّ سمة أخرى تقوم عليه هذه العلاقات ، فالسلام العالمي مبدأ عظيم جاء الإسلام ليقرّه ويحدّده على منهج جديد، وفق نظرة  شمولية ، فمن حيث الأرض والمساحة، الجغرافية نجد أن الإسلام لا يحدد أرضاً معينة تعيش في سلام بل يقرر أن السلام يجب أن يسود العالم أجمع وذلك لأن دعوة الإسلام دعوة عالمية، قال تعالى ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين ” (4)

أما من حيث البشر فلم يفرّق الإسلام بين المسلمين وغيرهم في السلام، بل جعل السلام حقاً للجميع يتمتع به في ظل حماية دائمة مقرونة بالقوة التي تكون على استعداد تام لردّ كل عدوان يخلّ بهذا السلام ، فهو يطلب من المسلمين أن يدخلوا في السلم،  قال تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ” (5)

وذهب بعض العلماء والمفسرين إلى أن المقصود بالخطاب، الذين آمنوا بالأنبياء جميعاً فهي دعوة للبشرية جمعاء إلى الدخول في السلم(6)

وجعل سبحانه العلاقة بين البشر هي التعارف والاتصال،” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير “(7)

ولذا فالعلاقة بين البشر “ليست التناحر والخصام، إنما هي التعارف والوئام فأمّا اختلاف الألسن والطباع والأخلاق، واختلاف المواهب والاستعدادات ، تنوع لا يقتضي النزاع والشقاق بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات فليس للّون والجنس واللّغة والوطن وسائر هذه المعاني أثر في طبيعة العلاقة السلمية بين البشر.

فإذا تحقق التعارف بين الناس كان أسلوب التعامل بينهم الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحس، قال تعالى ” وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (8)

بل أمرنا سبحانه وتعالى أن نحسن معاملة الآخرين ، ونبرّهم ونقسط إليهم فقال” لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ” (9)

وإذا كان هذا هو البُعد الإنساني للسلام العالمي في الإسلام، فإن البُعد الزمني لا يتوقف عند فترة زمنية محدودة بل يتجاوز ذلك إلى أي زمان يعيش فيه البشر ، فالمسلمون  مطالبون بأن يكون لهم دور إيجابي في السلام العالمي.

وهكذا تكون النظرة الإسلامية الشاملة للسلام العالمي فالإسلام في طبيعته الكلية وفي النظرة إلى الحياة لا يجّزئ السلام، ولا ينشده في حقل مفرد من حقول الحياة، وإنما يجعل السلام كلّه وحدة واحدة ، ويحاول تحقيقه في كل حقل، ويربط بينه وبين الفكرة الكلية عن الكون والحياة والإنسان، وبذلك تصبح كلمة (السلام)، التي يعنيها الإسلام ذات دلالة أعمق وأشمل من معناها الذي يتعارف عليه الناس في هذه الأيام .

والإسلام حين يقرّ السلام العالمي ينظر إليه نظرة موضوعية واقعية، وليست نظرة خيالية – كما يتصورها البعض- فالإسلام يرى أن البشرية لا يمكن أن تكون على سوية واحدة من الفضائل فيكون بينها السلام والأمن، بل أن هناك من يوقن بهذا الأمن والسلام ويقبله وهناك من يرفضه بل يحاربه، ولذا فإن الإسلام لا يقرّ كثيراً من المبادئ التي قامت عليها العلاقات الدولية في مراحل تاريخية مختلفة حين سادت الصراعات و الحروب بين البشر، فهو يرفض فكرة الحرب لذاتها، بل جعل الحرب وسيلة للدفاع عن الإنسان و كرامته بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه ، قال تعالى ” وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرً “(10)

لكن الإسلام جعل السلام غاية في ذاته ، و فضيلة يسعى لها، فنصرة المظلوم وحماية الناس من الظلم هدف يسعى ، ولذا نجد رسول الله  يشارك ـ قبل البعثة ـ في حلف التقت عليه قريش من أجل نصرة المظلوم، فقد ذكر بن هشام أن قبائل من قريش تداعت “إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان ، لشرفه وسنّه، فكان حلفهم عنده: بنو هشام وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تردّ عليه مظلمته، فسمّت قريش بذلك حلف الفضول”(11)

وقد حضر هذا الحلف رسول الله ، وأقرّه بإعطاء الشرعية له بعد البعثة حين قال  فيما يرويه ابن إسحاق، قال: “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت”(12)

وبذلك وضع الأسس الأولى للتعاون بين المسلمين وغيرهم لنصرة المظلوم وردّ العدوان، وهذا لب ما تقوم عليه دعوة السلام العالمي في الإسلام.

وتعتبر قضية حقوق الإنسان السمة الثالثة للعلاقات الإنسانية ، فهذه الحقوق من القضايا التي تحظى باهتمام عالمي بالغ خاصة مع تزايد الحروب وانتشار الاضطهاد والتعصب والتفرقة العنصرية وتسعى البشرية جاهدة لأن ينال الإنسان حقوقه الكاملة بغض النظر عن جنسه أو معتقده أو لونه ، ولذا سعت دول العالم وشعوبه إلى إقرار هذه الحقوق والعمل على حمايتها وصيانتها ، وقد أجمع العالم على ذلك من خلال إقراره للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948م ، وإذا كان العالم قد اتفق على ذلك فإن المسلمين جزء من هذا الاتفاق لا يختلفون عن غيرهم من شعوب العالم في إقرار هذه الحقوق واعتمادها بل إن الشريعة الإسلامية سبقت ذلك من خلال نصوصها التي تدعوا إلى حماية الإنسان والمحافظة على حقوقه إذ أن هذه الحقوق تنطلق من رؤية الإسلام للإنسان ذاته ، حيث جعله الله سبحانه وتعالى في موطن التكرم فقال تعالى : ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً” (13)

فالله سبحانه وتعالى ميز الإنسان عن بقية مخلوقاته وأكرمه ويسر له وسائط الانتقال ووفر له الرزق ، ولذا فإن الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان لا تنطلق فقط من حق الإنسان وحده ولا مما تقرره المجموعة البشرية ، ولكن تنطلق من إقرار الله سبحانه وتعالى لهذه الحقوق والطلب من المؤمنين الالتزام بها ، بل فرض سبحانه وتعالى عقوبات دينية وأخروية على من يخالف ذلك ويتعرض للإنسان ، ونلاحظ أن مفهوم (التكريم) الذي أشارت إليه الآية الكريمة لم يحدد فئة معينة لهذا التكريم كأن يكونوا من عنصر أو جنس أو لون معين، بل لم تشر الآية إلى عقيدة الإنسان وإنما أشارت إلى كونه إنسان (مكرم) لذاته الإنسانية، كما أن الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان تنطلق من كونه إنسان (مستخلف) من الله سبحانه وتعالى لعمارة الأرض ، لقوله تعالى ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً “(14)

ولقوله تعالى ” هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ”  (15)

ولا شك أن من استخلفه الله سبحانه وتعالى وأكرمه يستحق من الحقوق ما يمكنه من أداء هذه المهمة وهي عبادة وعمارة الأرض ، أي بتنميتها وتطويرها واستثمارها بما يحقق الرفاهية ويوفر حاجات الإنسان وإلى جانب ذلك فإن فكرة حقوق الإنسان تنطلق من (التعبد) الذي يدين به المسلم لله سبحانه وتعالى فهو (يتعبد) باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، فإذا خالف ذلك استحق العقوبة الدنيوية والأخروية حتى ولو لم يكن لذلك أثر واضح على الآخرين ، إذ أن من الحقوق الإنسانية أن تحفظ للإنسان كرامته وسمعته ومكانته ، ولذا فلا يجوز للمسلم أن يحتقر الإنسان أو يهين كرامته أو يسئ إلى سمعته

وإذا كانت هذه الحقوق أمر لازم للإنسان في حياته العامة فإن العلاقات الدولية تمثل محوراً مهماً لحقوق الإنسان لا من حيث مشروعيتها باعتبارها الوسيلة الأساسية للتعاون بين الدول والمنظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان فقط ، فالعلاقات الدولية ميدان واسع لممارسة هذه الحقوق وتطبيقها عملياً ، مثلما هي ميدان ـ كذلك ـ لخرق حقوق الإنسان إذ لم تقم هذه العلاقات على أسس سليمة ، ولذا فإن أهمية العلاقات الدولية تأتي باعتبارها وسيلة تواصل بين الشعب خاصة في عصرنا الذي تعددت فيه طرائق التواصل السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، وأصبح المرء يعيش أحداث العالم حال وقوعها ، وأصبح الاعتماد المتبادل والتداخل بين الدول في علاقاتها صورة من صور التواصل الإنساني الذي يسعى لتحقيق كرامة الإنسان وحقوقه ، وقد قامت العلاقات الدولية في الإسلام على مبدأ التواصل مع الآخرين ، وعلى احترام حقوق الإنسان وعدم الاعتداء على الآخر أو اغتصاب أرضه أو حقوقه كما هو الحال في فلسطين وغيرها من المناطق.

وبهذه السمات ، تأسست العلاقات الدولية الإسلامية، وتعددت صورها في حالات الحرب والسلم، وقد كان من بين هذه الصور “الحصانة الدبلوماسية” التي تقوم فكرتها على مبدأ إشاعة السلام بين البشر، وتمكين الساعين من أجل السلام لتأدية واجباتهم وتوفير الظروف الملائمة لهم ، و من متطلبات ذلك أن يتمتع القائمون على تحقيق هذه العلاقات بالحصانة الدبلوماسية التي تمكنهم من تحقيق أعمالهم بطريقة تضمن لهم سلامتهم وحريتهم.

تعريف :

الحصانة في القانون الدولي هي” حق يمنح لشخص أو مؤسسة ليحول دون ممارسة الدولة المضيفة سلطاتها عليها ” (16)

كما تم تعريفها بأنها “منح حماية للمبعوث الدبلوماسي بهدف عدم التعرض لشخصه”(17)

وقد كانت المادة (29) ، واضحة في تحديد مفهوم الحصانة حين نصت على أن ”

لشخص الممثل الدبلوماسي حرمة – فلا يجوز بأي شكل القبض عليه أو حجزه – وعلى الدولة المعتمد لديها أن تعامله بالاحترام اللازم له, وعليها أن تتخذ كافة الوسائل المعقولة لمنع الاعتداء على شخصه أو على حريته أو على اعتباره” . (18)

الحصانة الدبلوماسية في الإسلام :

ذهب كثير من الباحثين في العلاقات الدولية أن الحصانة الدبلوماسية أو تأمين الرسل والمبعوثين، قد ظهر مع التطور الذي طرأ على أساليب العلاقات الدولية في العصور المتأخرة حيث اتفقت الدول على إعطاء الرسل والسفراء والمبعوثين، الحماية والرعاية الكاملة، والواقع أن بعض هؤلاء الباحثين يعذر في ذلك لأنه لم يطلع على النظام الإسلامي في العلاقات الدولية، أما البعض الآخر وخاصة المستشرقين منهم فإنه على الرغم من إطلاعه على النظام الإسلامي إلا أنه يتجاوزه إلى القول بأن الحصانة الدبلوماسية نظام حديث

أما الباحث المنصف فلا يسعه إلا أن يقف بتقدير واحترام أمام ما وصلت إليه قواعد العلاقات الدولية في الإسلام من تقرير مبدأ تأمين الرسل والسفراء والمبعوثين، أو ما يصطلح عليه حديثا بالحصانة الدبلوماسية، والتي تقوم فكرتها على إعطاء الأمان والحماية وعدم التعرض للسفير أو الرسول أو المبعوث في نفسه أو ماله أو أهله، وقد تجاوزت الحصانة شخص السفير أو المبعوث إلى أشخاص آخرين في البعثة الدبلوماسية كالعاملين في السفارة من رعاياها، وكذلك حصانة مبنى السفارة أو البعثة الدبلوماسية وحصانة مستلزمات عملها كالحقيبة الدبلوماسية والبريد والاتصالات الهاتفية وغيرها من وسائل العمل في البعثة.

وقد قامت الدولة الإسلامية بتقرير مبدأ تأمين الرسل والسفراء والمبعوثين، تقديرا منها للدور الذي يقوم به هؤلاء ومساعدة لهم في أداء عملهم، لأنهم لا يستطيعون أن يؤدوا مهمتهم وأعمالهم إلا إذا توافرت لهم الحصانة والرعاية الكاملة، كما أن الإسلام يرى في قتل السفراء غدرا لا يجوز للمسلمين أن يتصفوا به بحال.

ولذا فقد حظي السفراء والرسل في الدولة الإسلامية بحماية ورعاية لم يحظ  بها أقرانهم في الدول الأخرى قبل ذلك العصر.

لذا يمكننا القول إن الحصانة الدبلوماسية في الإسلام هي ” عقد خاص تمنح بموجبه الدولة الإسلامية الحماية الشخصية و المالية و القضائية لمن يحمل الصفة الدبلوماسية “

بين الأمان و الحصانة :

ذهب الباحثون في العلاقات الدولية الإسلامية إلى أن فكرة الحصانة الدبلوماسية في الإسلام مستمدة من فكرة الأمان التي عرفها المسلمون ودلت عليها النصوص الشرعية والممارسة العملية ، وهو العقد الذي يتم بين الدولة الإسلامية  ومن يأتي إليها من الدول المحاربة ، وهو أشبه بنظام التأشيرة المتعارف عليه دوليا في الوقت الحاضر ، مع الاختلاف بأن نظام الأمان كان يعطى للقادمين من الدولة أو الدول التي بينها وبين الدولة الإسلامية حالة حرب ، بينما نظام التأشيرة لا يشترط أن تكون هناك هذه الحالة ، ولذا عفقد ذهب  الفقهاء إلى أن عقد ( نظام ) الأمان كما عرفه محمد بن الحسن الشيباني ، بأنه ” التزام الكف عن التعرض لهم ـ أي غير المسلمين بالقتل أو السبي ” (19)

وعرفه ابن عرفة:” رفع استباحة دم الحربي وماله حين قتاله أو العزم عليه مع استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما ” (20)

وقد استدلوا على مشروعية الأمان بأدلة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة والإجماع

فمن الكتاب الكريم قوله تعالى “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون ” (21)

قال ابن كثير :” إن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة أو تجارة أوطلب صلح أو مهادنة أو نحو ذلك من الأسباب و طلب من الإمام أو نائبه أمانا ، أعطي أمانا ما دام مترددا في دار الإسلام ، وحتى يرجع مأمنه ” (22)

قال القرطبي : ” ( وإن أحد من المشركين ) ( استجارك) أي سأل جوارك أي أمانك وذمامك فأعطه إياه ، وهذا ما لا خلاف فيه ” (23)

وأما من السنة المطهرة فقد وردت أحاديث كثيرة دلت على مشروعية الأمان منها ما رواه الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله  قال : ” ذمّـة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ” (24)

قال الترمذي :” ومعنى هذا عند أهل العلم أن من أعطى الأمان من المسلمين فهو جائز عن كلهم ” (25)

وأجمع الفقهاء قديما وحديثا على مشروعية عقد الأمان.

ومع التقدير للرأي القائل أن الحصانة الدبلوماسية في الإسلام هي نوع من الأمان الخاص الذي يعطى لبعض الأفراد ، إلا أن نظام الحصانة الدبلوماسية في الإسلام هو نظام مختلف ، يلتقي مع الأمان من حيث المشروعية ، لكنه يختلف عنه في جوانب أخرى ، فالأمان عقد ( نظام ) عام أي أنه عقد يعطى لجميع الراغبين في دخول الأراضي الإسلامية من رعايا الدول التي تكون في حالة حرب مع المسلمين ، بينما الحصانة الدبلوماسية  تعطى لأفراد محدودين منن يقومون بمهمات و أدوار سياسية ، ويتمتعون بمزايا هذه الحصانة في وقت الحرب و السلم ، كما أن الحصانة تعطى للمبعوثين السياسيين ( الذين يتعارف عليهم في العصر الحديث بـ الدبلوماسيين ) الذين يمارسون العمل الدبلوماسي أو السياسي كرؤساء الدول  والوزراء والسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية ، وغيرهم ممن تنطبق عليهم هذه الصفة .

والحصانة الدبلوماسية لها مميزات من بينها حماية المبعوث في شخصه وماله والامتناع عن مسائلته قضائيا ، وغيرها من الامتيازات التي لا تتوفر في عقد ( نظام ) الأمان ، لذا يمكننا القول إن نظام الحصانة الدبلوماسية هو نظام مستقل بذاته .

أدلة الحصانة الدبلوماسية :

وإذا كان الأمر كذلك فإن الحصانة الدبلوماسية في الإسلام تقوم على حماية المبعوثين الدبلوماسيين في أشخاصهم و أموالهم من أجل تحقيق الهدف الذي أرسلوا من أجله

وقد استدل الفقهاء على مشروعية الحصانة الدبلوماسية بعدة أدلة .. ومن ذلك :

  1. ما رواه الإمام أحمد عن نعيم بن مسعود قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ كتاب مسيلمة الكذاب قال للرسولين. فما تقولان أنتما، قالا: نقول كما قال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما “(26)
  2. جاء في عون المعبود : فيه دليل على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام (27)
  3. قال ابن كثير : كان رسول الله يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدا أو  في رسالة ، كما جاء يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة بن مسعود ومكرز بن حفص وسهيل بن عمرو وغيرهم واحدا بعد واحد .(28)
  4. روى الإمام أحمد عن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال: ” بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقع في قلبي الإسلام، فقلت يا رسول الله، لا أرجع إليهم، قال: إني لا أخيس العهد ولا أحبس البرد، ارجع إليهم فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع” (29)
  5. قال الشوكاني بعد أن ذكر الحديثين، الأول والثاني: “الحديثان يدلان على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام أو سائر المسلمين لأن الرسالة تقتضي جوابا يصل على يد الرسول فكان ذلك بمنزلة عقد العهد” (30)
  6. م ثبت أن أبا سفيان جاء وافدا للمدينة من أهل مكة لما نقضت قريش الصلح الذي كان بينها وبين رسول الله فلم يعرض له رسول الله بقتل ولا غيره لأنه قد  تقرر حكمه السابق وهو أن الرسل لا تقتل (31)
  7. قال ابن قدامة معللا ذلك ” لأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإنا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا فتـفوت مصلحة المراسلة “(32)

وقال محمد بن الحسن عن الرسل ” إذا لم يكونوا آمنين لا يستطيعون تأدية الرسالة(33)

وقال ابن مسعود رضي الله عنه “جرت سنة أن لا يقتل الرسول ” (34)

وقال ابو يوسف عن الرجل يمر بمواقع المسلمين وهو سفير” فإن قال أنا رسول الملك، بعثني إلى ملك العرب، وهذا كتابه معي، فإنه يصدق ويقبل قوله، إذا كان أمرا معروفا، فإن مثل ما معه لا يكون إلا على مثل ما ذكر من قوله، لا سبيل عليه، ولا يعرض له ولا لما معه من المتاع والسلاح والرقيق والمال” (35)

وقال الإمام محمد بن الحسن الشيباني” ولو أن رسول ملك أهل الحرب جاء إلى عسكر المسلمين، فهو آمن حتى يبلغ رسالته” ( 36)

وقال الإمام الغزالي ” من دخل منهم ـ أي من غير المسلمين ـ لسفارة أوو لسماع كلام الله تعالى لم يفتقر إلى عقد أمان ، بل ذلك القصد ـ أي مهمته ـ يؤمنه ” (37)

وقد أجمع فقهاء الإسلام على أن الرسل لا يقتلون (38)

وبهذا يظهر أن الفقهاء المسلمين قد سبقوا الفقه الحديث والنظريات القانونية التي تبرر منح الحصانات قبل أن تطرحها الاتفاقيات الدبلوماسية الحديثة .

ومع ما قرره الإسلام من قواعد الحماية  و الحصانة للسفراء و المبعوثين ، إلا أن ذلك لم يمنع غير المسلمين من التعرض للسفراء المسلمين  كما حدث لسفراء الرسول صلى الله عليه وسلم حين بعثهم إلى بني عامر بن صعصعة زعيمة القبائل العربية في بئر معونة، فقد قتل السفراء رضي الله عنهم وكان ذلك غدرا شنيعا من القبائل، ومن ذلك أيضا (مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حاكم بصرى bassora) الروماني الذي قتل على يد هذا الأخير (39)

ومن هذه الأدلة يتبين لنا مدى اهتمام الإسلام بالحصانة الدبلوماسية والحرص على تأمين حقوق السفراء والرسل والمبعوثين، وجعل هذه الحماية واجبا شرعيا لا على الإمام وحده وإنما على المسلمين جميعا فلا يجوز لهم التعرض للسفير أو المبعوث بأذى أو سوء تصرف، لأن حق الحصانة ليس متعلقا بالحاكم وحده ، وإنما هو واجب على كل مسلم، بل إن الحاكم  إذا تغير فإن عقد الحصانة ، ( وهو ما يشيه اليوم قبول أوراق الاعتماد ) الذي يعطى للسفير يستمر مع الحاكم الجديد قال ابن قدامة ” وإن عقد الإمام الهدنة ثم مات أو عزل لم ينتقض عهده وعلى من بعده الوفاء به” (40)

ولقد كانت الدولة الإسلامية نموذجا للدول التي تحافظ على حقوق الرسل وحصانتهم وتؤمن سلامتهم يحدوها في ذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده فلقد كان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع سفيري مسيلمة الكذاب وعدم تعرضه لهما بالأذى على الرغم من سوء تصرفهما وردهما السيئ عليه واضح الدلالة لأنه لم يؤذ أو يعذب أو يقتل!! وقد استمرت معاملة المسلمين للسفراء على المنهج الذي رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم وسار الخلفاء من بعده على هذا المنهج ولم تسطر صفحات التاريخ ـ إلا ما ندر ـ أن المسلمين قد غدروا بسفير أو مبعوث، بل يشهد التاريخ أنهم كانوا مثال الالتزام بحماية السفراء، فهذا سفير لملك (ايون leon)وكان أحد رجال الدين عندهم بعثه ملكه إلى الخليفة العباسي (المأمون) ولما قابل المأمون نطق بعبارات نابية كلها مدح وتعظيم لملك ليون ومملكته، وقذف وسب في المأمون، وبعد الترجمة العربية للخطبة التي ألقاها المبعوث أشار المأمون إلى المبعوث بأن يشرح موضوع مهمته وهو يبتسم دون أن يلحق به أذى (41)

وبهذه الأمثلة وغيرها وضع المسلمون اللبنات الأولى لنظام الحصانة الدبلوماسية.

وإذا كان من مميزات القوانين الوضعية في شأن الحصانة الدبلوماسية أنها فصلت الجوانب المختلفة لحماية السفراء والمبعوثين، وجعلت من هذا التفصيل إضافة جديدة في هذا الميدان فإن الإسلام قد سبق وأعطى للسفراء حماية ورعاية في مختلف جوانب حياتهم الشخصية والمالية والعملية، وإن لم يأخذ هذا الاهتمام أسلوب التصنيف التي أخذ به القانون الوضعي. كما أن الحصانة الدبلوماسية في العصر الحاضر لم تتوقف على أشخاص السفراء والمبعوثين وإنما تجاوزت ذلك لتشمل عددا من العاملين في البعثات الدبلوماسية، وهم المساعدون الذين يعملون مع السفير كما شملت مؤسسات البعثة الدبلوماسية ومنشآتها.

أولا: حصانة الأفراد:

وهي الحصانة التي تمنح لأفراد معينين بالنظر إلى وظائفهم وما يقومون من مهام، ويشمل هذا النوع:

1 – رئيس البعثة: وهو الشخص الذي تختاره دولته ليتولى رئاسة البعثة الدبلوماسية لدى الدولة المبعوث لها، وتمتد الحصانة لتشمل أفراد أسرته، وهم زوجته وأبناؤه الذين يقيمون معه بشرط أن لا يكونوا من رعايا الدولة المعتمد لديها.

2 – الموظفون البعثة: وهم الأشخاص الذي يعملون في البعثة الدبلوماسية على اختلاف درجاتهم كالقناصل والمستشارين والملحقين والسكرتيرين وغيرهم من المساعدين، بشرط أن يتصفوا بالصفة الدبلوماسية أو لا يكونوا من رعايا الدولة المعتمد لديها، وتشمل الحصانة بالنسبة لهم كذلك حصانة أفراد أسرهم.

3 – الموظفون الإداريون: وهؤلاء مختلف في إعطائهم الحصانة الدبلوماسية، فبعض الدول تمنحهم الحصانة من باب المعاملة بالمثل، وبعض الدول لا تمنحهم الحصانة، إلا أن من المتفق عليه هو حصانتهم فيما يئدونه من أعمال في البعثة الدبلوماسية، فلا يجوز مسائلتهم عن أعمالهم في البعثة، ومثل هؤلاء الخدم الذين يعملون في البعثة الدبلوماسية أو في الخدمة الخاصة للسفير كالسائقين والحراس والسعاة وغيرهم . (42)

أما الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها هؤلاء فإنها تشمل الصور والأنواع التالية:

1 – الحصانة الشخصية:

وهي الحماية والأمان الشخصي الذي يتمتع به السفير أو المبعوث أو الشخص الدبلوماسي، فالإسلام يقر لهؤلاء الحماية التامة، فلا يجوز التعرض لهم بالأذى أو القتل أو المنع من أداء مهمتهم سواء كان هذا التعرض من أجهزة الدولة الرسمية أو من عامة المسلمين بل”  يجب على الإمام أن يمنع آحاد المسلمين أو عامتهم من التعرض لهم “(43)

ويتفق جمهور الفقهاء، على حق الرسل والسفراء والمبعوثين في الحماية الشخصية، مهما كان موقف هؤلاء الرسل من الدول الإسلامية أو المهمة التي جاؤوا يؤدونها، وتستمر لهم هذه الحماية مدة بقائهم في الدولة الإسلامية إلى أن يغادروها. سواء كان ذلك في إقامتهم أو تنقلهم داخل الدولة الإسلامية.

ووضع الرسول أو السفير أو المبعوث في الدولة الإسلامية هو وضع المستأمن وإن لم يكن في حاجة إلى عقد أمان أو الاتفاق بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول، فالسفير يعد مستأمنا ضمنيا بالنظر إلى مهمته أو وظيفته، كما بينا من الأدلة الشرعية على إعطاء الأمان للرسول أو السفير أو المبعوث، فهو بهذا الوصف آمن ما دام في الدولة الإسلامية، قال ابن نجيم “.. ولو قال أنا رسول، ووجد معه كتاب يعرف أنه كتاب ملكهم بعلامة تعرف ذلك كان آمنا فإن الرسول لا يحتاج إلى آمان خاص به بكونه رسولا يأمن” .(44)

ولذا فلا يجوز قتل اعتقال السفير أو المبعوث الدبلوماسي أو حجزه أو اختطافه  ، أو أخذ أمواله أو الحجر عليها أو حجزها، بل له حق عصمة دمه وماله’ كما له حق الإقامة والتنقل في الدولة الإسلامية بما يحقق الغرض الذي جاء من أجله. وتثبت الحصانة للسفير أو المبعوث من وقت دخوله أرض الإسلام، إذا أثبت أنه سفير من دولته إلى الدولة الإسلامية، والسيرة العطرة والتاريخ الإسلامي ملئ بالأمثلة الدالة على مظاهر التكريم وحسن المعاملة التي كانت تقدم للرسل والمبعوثين ، فقد روى الإمام أحمد أن رسول الله ، أكرم سفير قيصر حين جاء إليه في تبوك وقال له :” إنك رسول قوم وإن لك حقا ولكن جئتنا ونحن مرملون ” فقال عثمان :أنا أكسوه حلة صفورية ، وقام رجل من الأنصار على ضيافته (45)

ويذكر ابن الفراء أن رسولا لبعض ملوك الفرس ورد على هشام بن عبد الملك وقد كان أعد له وحشد أي حشد لاستقبالهم بمظاهر الهيبة والعظمة (46)

كما لا يجوز تجاوز حرمة منزله لعموم المنع في ذلك لقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّر ” (47)

فإذا كان المنع من دخول البيوت عامة بغير استئذان ممنوع فإن منزل السفير أو المبعوث الدبلوماسي ـ بغير إذنه ـ ممنوع كذلك للطبيعة الخاصة لهذا المنزل  ” وقد نصت المادة ( 30 ) من معاهدة فينا على أن ” يتمتع المسكن الخاص للمثل الدبلوماسي بنفس الحرمة والحماية اللتين تتمتع بهما مباني البعثة .وتشمل الحرمة مستنداته ومراسلاته – وكذلك أيضاً متعلقات الممثل الدبلوماسي ” (48)

ومن ذلك أيضا حرية المبعوث الدبلوماسي في ممارسة شعائره الدينية ، وعدم التعرض لدينه أو معتقداته بالإسائة أو السخرية ،  فقد جاء وفد نصارى نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الله في المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الأحبار في جمال بني الحارث بن كعب ، فقال بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  يومئذ : ما رأينا وفدا مثلهم ، وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله يصلون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ” دعوهم ” فصلوا إلى المشرق .(49)

وأخرج الإمام أحمد عن سعيد بن أبي راشد أن التنوخي رسول هرقل إلى النبي وافاه وهو في تبوك فجلس بين يديه وأعطاه كتاب هرقل ، فقال النبي :” ممن أنت ؟ قال : أنا أحد تنوخ ، قال: هل لك في الإسلام الحنيفية ملة أبيك إبراهيم ؟ قال : إني رسول قوم وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم . فضحك النبي وقال ” إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ” (50)

وللمبعوث الدبلوماسي الحق في ممارسة حريته الشخصية بما لا يخالف النظام العام والقوانين المطبقة في الدول التي يوفد إليها ، والفقه الإسلامي لا يختلف عن القانون الدولي في هذا الشأن مع مراعاة ألا تتنافى الحرية الشخصية للمبعوث مع أحكام الشريعة الإسلامية لأنها النظام المتبع في الدولة الإسلامية ، فيراعي المبعوث الدبلوماسي خصوصية المجتمعات الإسلامية في طبيعتها الإسلامية المتدينة وأعرافها العامة المحافظة .

2 – الحصانة القضائية:

وتعني عدم خضوع السفير أو الدبلوماسي عامة للولاية القضائية للدولة الموفد إليها، وفي هذه الحصانة يختلف الفقه الإسلامي عن القانون الدولي الذي يعطي للسفير أو المبعوث حصانة قضائية ، فالإسلام ينظر إلى السفير على أنه إنسان يجب أن يحاسب على تصرفاته، بل أنه لا يليق به وهو بهذه الصفة أن يرتكب الجرائم والمخالفات، ولذلك فالفقه الإسلامي يقرر مسؤولية السفير أو الرسول أو المبعوث أو أي دبلوماسي عما يرتكبه من تصرف مخالف ، ولقد اختلف الفقهاء في الجرائم والمخالفات التي يرتكبها السفير في الدولة الإسلامية.. إلى آراء:

1 – ذهب أبو حنيفة إلى التفريق في الجرائم التي يرتكبها السفير أو المبعوث، فإذا ارتكب جريمة من جرائم التعدي على حقوق الأفراد كالغصب والقتل وغيرها من الحقوق المتعلقة بالأفراد فإنه يخضع  للعقوبة .

أما إذا ارتكب جريمة ليس فيها اعتداء على حقوق الآخرين وإنما تتعلق بحق الله أو الحق العام كالزنا وشرب الخمر فلا تقام عليه العقوبة .

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني ” ما أصاب من الأسباب الموجبة للحد حقا لله تعالى، كالزنا والسرقة فالخلاف فيه معروف أنه لا يقام عليه ذلك في قول لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لأبي يوسف “(51)

وإلى هذا الرأي ذهب الشافعية كذلك . (52)

يقول الشافعي ” إذا خرج أهل دار الحرب إلى بلاد الإسلام بأمان فأصابوا حدودا فالحدود عليهم وجهان، فما كان منها لله لا حق فيه للآدميين فيكون لهم عفوه لأنه لا حق فيه لمسلم إنما هو لله تعالى، ولكن يقال لهم: لم تؤمنوا على هذا فإن كففتم، وإلا رددنا عليكم الأمان وألحقناكم بمأمنكم، فإن فعلوا ألحقوا بمأمنهم ونقضوا الأمان بينهم، وما كان من حق للآدميين أقيم عليهم  ” (53)

ذهب فريق آخر من الفقهاء إلى وجوب تطبيق جميع الحدود على الجرائم التي يرتكبها الدبلوماسيون من سفراء ومبعوثين وغيرهم لأنهم إنما أعطوا الحصانة ليقوموا بأداء مهمتهم ، ولم يعطوها ليقوموا بارتكاب الجرائم، وهذا رأي الحنابلة (54)

وإلى هذا الرأي ذهب أبو يوسف من الحنفية فهو يرى أن أحكام الشريعة الإسلامية يجب أن تسري على جميع المقيمين في الدولة الإسلامية سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ، فإنهم لم يعطوا الحصانة أو الأمان إلا بعد قبولهم أن يلتزموا بأحكام الإسلام مدة إقامتهم بدار الإسلام (55)

3 – ذهب فريق من المتأخرين إلى إعفاء السفراء والمبعوثين وغيرهم من الدبلوماسيين من العقوبات التعزيرية وإقامة العقوبات الأخرى  التي وردت النصوص الشرعية بها.

يقول الشيخ محمد أبو زهرة ” أما بالنسبة للعقوبات، فنقول: إن هناك عقوبات غير مقدرة في الكتاب والسنة إذ لم يرد بها نص شرعي بل يتولى ولي الأمر تقدير العقاب فيه أو يترك تقديرها للقاضي المختص، وتسمى هذه العقوبات تعزيرية وهذه يصح أن تدخل في ضمن حصانة الممثلين السياسيين، لأن تقديرها من حق ولي الأمر، ولكن يجب أن يكون عقاب تطبقه دولة الممثل، أما العقوبات المقدرة بنص قرآني وهي الحدود والقصاص فقد علمت رأي أبي حنيفة فيها، وأن على أساس ذلك المذهب يصح الترخيص في الحدود التي ليس للعباد حق فيها أو حق الله فيها غالب، أما القصاص فلم يترخص فيه أبو حنيفة ولا غيره، وإني أرى أن مصادر الشريعة ومواردها لا تسوغ الاتفاق على ترك المجرم الذي ارتكب ما يوجبها، أي العقوبة، ليحاكم على أساس قانون آخر وبقاض آخر، لأن ذلك يؤدي إلى تعطيل أحكام الله تعالى في أرض الإسلام. وإذا تعاقد ولي الأمر على ذلك فعقده باطل، لأنه تضمن شرطا يخالف ما في كتاب الله تعالى”(56)

الرأي المختار: والذي نراه أن السفير أو المبعوث أو الدبلوماسيين عامة يجب أن يلتزموا بالأحكام و القوانين ما داموا مقيمين في الدول الإسلامية، لأن الموافقة على إعطائهم الحصانة إذن الإقامة في الدولة ، لم يتضمن قبول مخالفتهم لأحكام الشريعة أو للقوانين السائدة، ولا يبرر مبدأ المعاملة بالمثل أو الحصانة التي تمنحها بعض الدول للسفراء أو المبعوثين أن يخالفوا أحكام الأحكام والقوانين، والواقع أن الرأي القائل بعدم تطبيق العقوبات التعزيرية ، ربما كان مطابقا لما عليه القوانين الدولية في معاملة السفراء و المبعوثين الدبلوماسيين ، فالعقوبات الأخرى ـ غير العزيرية ـ لا تتجاوز أحد عشر عقوبة يرتبط بعضها بالجانب التعبدي الإسلامي أي أنها محرمة على المسلم وغير محرمة على غيره ، مثل عقوبة شرب و الزنا و قذف المحصنات و البغي وشرب الخمر وغيرها من العقوبات ، وفي حالة ارتكاب الدبلوماسي جريمة ، فإنه يطلب إلى دولته سحبه ومعاقبته ، وفقا للإجراآت المتبعة في القانون الدولي العام

3 – الحصانة المالية:

وهي الإعفاءات المالية التي يتمتع بها السفراء أو الرسول أو المبعوث الدبلوماسي بصفة عامة كالإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية وغيرها.

فلا يخضع المبعوثين والدبلوماسيين الذين يتمتعون بالحصانة لأي التزامات تفرضها الدولة ، ما عدا رسوم الخدمات والمعاملات التي يحصلون عليها مثل رسوم الكهرباء و الماء و الهاتف والخدمات الألكترونية ، وقد أجمع الفقهاء على حصانة المبعوثين الدبلوماسيين من الرسوم المالية ، قال أبو يوسف ” ولا يؤخذ من الرسول (السفير)، عُشرا ( تجمع على عشور ، وهي الرسوم التي تفرضها الدولة على التجارة ) ، إلا ما كان من متاع التجارة ، فأما غير ذلك من متاعه فلا عشر عليه “(57)

قال الشربيني من الشافعية ” لا يؤخذ من حربي دخل دارنا رسولا ” (58)

وإلى هذا الرأس ذهب فقهاء القانون الدولي العام ، حيث قرروا إعفاء السفير أو المبعوث الدبلوماسي من الضرائب التي تفرضها الدول على المقيمين على أرضها ، غلا أنهم اشترطوا أن تتم المعاملة بالمثل (59)

ثانيا: حصانة المؤسسات:

يقصد بحصانة المؤسسات تلك التي تتمتع بها دور البعثة الدبلوماسية كمقر السفارة أو القنصلية أو الملحقية أو منزل السفير أو غيرها من دور الدبلوماسيين العاملين في البعثة أو الدور التابعة لها.

ولم يبحث فقهاء الإسلام قديما، هذا النوع من الحصانة، لحداثته، فلم تكن هناك بعثات دبلوماسية دائمة لها أماكن دائمة تقيم فيها ، وإن كانت لها أماكن تقيم فيها أثناء زياراتها للدولة الإسلامية ” مثل منزل رملة بنت الحارث بن سعد في المدينة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمنزل الذي كان يعرف باسم (دار الضيفان) و (دار صاعد) ببغداد حيث كانا بمثابة (دار للضيافة) وفي أواخر أيام العباسيين كانوا يعطون، أي السفراء، دارا يسكنون فيها أو ينزلون في مدرسة من المدارس، أما في دمشق فكانوا ينزلون في (دار الضيافة) وكذلك في القاهرة.

وفي زمن الأيوبيين كان السفراء يقيمون في (دار الوزارة)، وهي الدار التي كان يسكنها الوزراء في عهد الفاطميين لمن يرد من الملوك ورسل الخليفة والرسل الواردين من الملوك (60)

كما أن الفقهاء لم يبحثوا ذلك بصفة مستقلة، لوجود مبدأ عام في الشريعة الإسلامية وهو حماية الدور والأماكن الخاصة، سواء كانت مملوكة لرعايا الدولة الإسلامية أو لغيرهم، وسواء كان من يمتلكها من الدبلوماسيين أم من غيرهم.

ولذلك فمعنى الحماية في الإسلام واسع و مقرر للجميع، فليس هناك قانون أو نظام أو سلطة تبيح للأفراد أو الدولة دخول أي دار إلا بإذن صاحبها،  أو بسبب شرعي يبيح ذلك، ولذا يمكننا القول: إن حصانة المؤسسات مبدأ يدخل ضمن السياسة الشرعية للدولة الإسلامية فيجوز لها أن تعطي الحصانة والحماية للبعثات الدبلوماسية فتوفر لها الحماية والرعاية خاصة إذا كان ذلك قائما على المعاملة بالمثل.

إلا أن هذه الحصانة لا تمتد لتوفر الحماية عند قيام دار البعثة بمخالفة لاتفاقية التبادل الدبلوماسي بين البلدين ، أو مخالفة للقانون الدولي العام ، وبخاصة نصوص اتفاقية (فينا) للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، أو أن  تشكل البعثة  خطرا على الدولة ، أو تصبح مكانا للتجسس على الدولة الإسلامية فإن ذلك يكون مبرر لاتخاذ الاجراآت القانونية  لرفع حمايتها عن مؤسسات البعثة الدبلوماسية وتطبق القانون والنظام عليها.

فالبعثة الدبلوماسية لم تعط الحماية والحصانة للقيام بأعمال مخالفة القانون  أو لنظام الدولة وإنما أعطيت الحصانة حتى تستطيع أن تؤدي أعمالها بصورة صحيحة، فإذا أخلت بواجبها كان لا بد من محاسبتها وهذا الرأي ينطبق مع ما ذهب إليه القانون الوضعي في بعض آرائه من أن الحصانة تعطى للسفير أو المبعوث أو للبعثة الدبلوماسية بمقتضى قيامهم بمهام وظائفهم وليس بمقتضى التمثيل الشخصي أو امتداد الإقليم وفقا مقتضيات الوظيفة و مؤدى هذه النظرية أن المزايا والحصانات التي يتمتع  المبعوثون الدبلوماسيون بها  ضرورة يقتضيها قيامهم بمهام وظائفهم في جو من الطمأنينة بعيدا عن مختلف المؤثرات في الدول المعتمدين لديها،  وفي رأي أغلب الفقهاء المعاصرين أن هذه النظرية قد تكون أصلح النظريات التي يمكن أن تتخذ أساسا لإسناد الحصانات والامتيازات الدبلوماسية من ناحية ولتحديد مداها ومؤداها من ناحية أخرى.

أما نظرية التمثيل الشخصي فتعنى أن المبعوث الدبلوماسي أو البعثة إنما تمثل دولتها في شخص رئيس الدولة، فالسفير أو البعثة وكيل عنه فيجب أن يتمتع بالحصانات والامتيازات التي تكفل له أداء مهمته، ولذا فإن قانون الدولة المبعوث إليها لا ينطبق عليه فهو في حصانة منه.

بينا تذهب نظرية امتداد الإقليم أن دار البعثة ومؤسساتها إنما هي امتداد للإقليم أو الدولة التي تمثلها البعثة أو يمثلها السفير، ولذا فهي، أي البعثة، خارج نطاق السلطان الإقليمي للدولة المبعوث لديها، في حكم الامتداد لإقامتها لدولتها، ولذا فهي حصانة من قانون الدولة المبعوثة لديها.(61)

وبذلك يكون التصور الإسلامي لحصانة البعثات الدبلوماسية ومؤسساتها قد سبق القانون الوضعي الذي عاد مؤخرا وأخذ بما جاء في الشريعة الإسلامية من أن الحصانة تعطى لمن يستحقها بالنظر إلى طبيعة عمله ومهمته التي جاء من أجلها مع عدم اعتبار أي سبب آخر.

ولذا فإن الحصانة التي تتمتع بها مؤسسات البعثة في الدول الإسلامية هي حصانة تمنعها من القيام بأي عمل مخالف لنظام تلك الدول ، كما أنها حصانة توفر للبعثة كافة أنواع الرعاية والحماية لأداء مهمتها، ويمكن أن تأخذ الحصانة التي تتمتع بها مؤسسات البعثة الدبلوماسية في الدول الإسلامية صورا مختلفة :

  1. حماية مقر البعثة ويقصد به توفير الحماية اللازمة لمقر البعثة الدبلوماسية لأي دولة تقيم علاقة مع الدول الإسلامية من أي اعتداء على مقر البعثة وذلك من خلال حظر دخول أي إنسان إلى مقر البعثة إلا بموافقة القائمين عليها وكذلك حظر اقتحامها أو مهاجمتها أو تخريبها، بل يجب على السلطات الأمنية توفير الحماية اللازمة لها،  كما لا يجوز للسلطات التنفيذية كقوات الأمن أو غيرها دخول مقر البعثة أو تفتيشه إلا بموافقة القائمين على البعثة وأخذ الإذن المسبق منهم، إلا في حالات الضرورة كالحريق والكوارث وغيرها.كما يلحق بمقر البعثة المنشآت التابعة لها كفروع البعثة والقنصليات والمباني التابعة لها والتي تعد ملكيتها تامة للبعثة أو أنها تستخدم لتأدية أعمالها.
  2. تقديم المساعدات الضرورية للبعثة حتى تستطيع أن تؤدي مهمتها كمساعدتها في الحصول على ما تحتاجه من المباني اللازمة لأداء أعمالها وكذلك توفير ما تحتاجه من العاملين والمستخدمين في البعثة وكذلك تيسر للعاملين في الدولة أداء مهمتهم وما يلزم ذلك مثل حرية التنقل والاتصال والسفر وغير ذلك..
  3. إعفاء مقر البعثة وما يتبعه من المباني والمؤسسات من الرسوم والضرائب التي تفرض على أمثالها من المنشآت وكذلك وسائل النقل وغيرها، ويتم ذلك عادة بالاتفاق بين الدول من خلال اتفاقية تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين ، والذي  ينص على المعاملة بالمثل.
  4. حصانة مسكن المبعوث أو السفير جزء من مؤسسات البعثة حيث يكون المسكن أحيانا ملحقا بدار البعثة، ولذا فإن ما ينطبق على البعثة ينطبق عليه من حيث توفير الحماية والرعاية له، ومؤدى ذلك أن يشعر السفير أو المبعوث بالطمأنينة والسكينة التي تمكنه من أداء مهمته.
  5. تتمتع محفوظات بالبعثة الدبلوماسية من وثائق ومستندات وتقارير ،  بحرمة خاصة حيث لا يجوز الإطلاع عليها أو إتلافها أو استعمالها إلا بإذن من القائمين على شؤون البعثة، ولعل حرمة هذه المحفوظات تأتي من أنها تحتوي على أسرار البعثة وأعمالها ومهماتها، ولذلك فإن التعرض لها يخل بأعمال البعثة، وإلى هذا الرأي ذهب بعض العلماء في القانون الدولي بينما ذهب فريق آخر إلى أن المحفوظات وحصانتها إنما هي امتداد لحرمة البعثة وحصانتها ، والذي نراه أن حرمة المحفوظات يرجع إلى ما في هذه المحفوظات من معلومات هامة في العلاقة بين الدول، ولذا لا يجوز الإطلاع عليها حتى ولو كانت خارج مقر البعثة إلا بموافقة من الجهة المختصة، لأن الإخلال بذلك قد يؤدي إلى سوء العلاقة بين الدول.
  6. يتبع حصانة مؤسسات البعثة الدبلوماسية حصانات فرعية وأخرى تستمد تأثيرها من الحصانة الدبلوماسية للمؤسسات ومن ذلك:

حصانة الرسائل المتبادلة بين البعثة الدبلوماسية والجهات الأخرى كالرسائل المتبادلة بينها وبين وزارة الخارجية أو المؤسسات الأخرى في الدولة المضيفة، وكذلك الرسائل التي يتم تبادلها مع مختلف البعثات في الدولة، وكذلك الرسائل الواردة والصادرة من البعثة إلى دولتها فمثل هذه الرسائل لا يجوز الإطلاع أو منعها أو فتحها إلا من الجهة المختصة ، وفي العصر الحديث تطورت وسائل الاتصال التي تستعملها البعثات الدبلوماسية ومن ذلك الحقيبة الدبلوماسية التي تحوي الوثائق والمراسلات والاحتياجات المتبادلة بين البعثة ودولتها فلها الحماية والحصانة كذلك ، كما أن حاملها يتمتع بالحصانة الدبلوماسية إذا كان من العاملين في السلك الدبلوماسي أما إن لم يكن كذلك فليس له حق الحصانة وتبقى الحقيبة الدبلوماسية بحصانتها.

ومن ذلك أيضا الاتصال بواسطة الهاتف أو الوسائط التكنولوجية أو غيره من الوسائل الحديثة التي تستعملها الدول في مراسلاتها مع بعثاتها الدبلوماسية فلا يجوز كشف هذه الاتصالات أو الاستماع إليها أو قطعها أو التجسس عليها،لأنها من الوسائل التي تهدف إلى تحقيق الغرض من السفارة أو البعثة، وكشفها أو التعرض لها بدون سبب يؤدي إلى سوء العلاقة بين الدول ويزرع بينها الشك في طبيعة هذه العلاقة.

الحصانة في القانون الدولي العام:

في القانون الدولي للسفراء والمبعوثين وكذلك البعثات الدبلوماسية حصانة شاملة سواء كان ذلك على المستوى الشخصي أو على مستوى المؤسسات.

فبالنسبة لحصانة الأفراد لا يختلف الرأي القانوني عن النظام الإسلامي في وجوب الحصانة الشخصية للسفير أو المبعوث أو العاملين في السلك الدبلوماسي.

يقول (فوشي) أحد علماء القانون الدولي” إن مبدأ حرمة المبعوثين الدبلوماسيين يعلو ما عداه في هذا المجال ويسيطر عليه، فهو من أقدم مظاهر القانون الدولي وهو الامتياز الأساسي الذي تنحدر منه أو تتفرع عنه كافة الامتيازات الأخرى ” (62)

كما نصت المادة (29) من اتفاقية (فينا) للعلاقات “ذات المبعوث الدبلوماسي مصونة فلا يجوز إخضاعه لأي إجراء من إجراءات القبض أو الحجز، وعلى الدولة المعتمد لديها أن تعامله بالاحترام الواجب له وأن تتخذ كافة الوسائل لمنع اعتداء على شخصه أو على حريته أو على كرامته ” (63)

ولذا لا نكاد نجد فرقا جوهريا في الحصانة الشخصية للمبعوث الدبلوماسي بين التصور الإسلامي والتصور القانوني.

وكذا الشأن بالنسبة للحصانة المالية فقد ذهب القانونيون إلى أن المبعوث أو السفير يعفى من الضرائب والرسوم على احتياجاته الشخصية والتي لم تعد للتجارة، وقد نصت المادة (34) من اتفاقية (فينا) للعلاقات الدبلوماسية على أن ” يعفى المبعوث الدبلوماسي من جميع الرسوم والضرائب الشخصية أو العينية أو القومية أو الإقليمية أو البلدية ” (64)

أما بالنسبة للحصانة القضائية فإن التصور القانوني لها يختلف عن التصور الإسلامي- الذي سبق أن بيناه – حيث يرى القانون الدولي العام أن رجال السلك الدبلوماسي لا يخضعون ” لولاية المحاكم في الدولة الموفد إليها بالنسبة لما يرتكبون من جرائم على اختلاف أنواعها (جنايات، جنح، مخالفات) ففي هذه الأحوال لا يجوز اتخاذ إجراء قضائي من قبض وتحقيق وتوجيه اتهام ومحاكمة ضد أحد رجال السلك الدبلوماسي، وتقوم الدولة الموفد إليها بتبليغ الأمر إلى الدولة الموفدة، كما أن لها أن تعتبره شخصا غير مرغوب فيه وأن تطلب استدعاءه ” (65)

وقد نصت المادة (31) من اتفاقية (فينا) على أن” يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها، وكذلك فيما يتعلق بقضائها المدني والإداري إلا في الحالات الآتية:

أ – الدعاوى المتعلقة بالأموال العادية

ب – الدعاوى المتعلقة بشؤون الإرث والتركات.

ج – الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مهني أو تجاري في الدولة المعتمد لديها خارج وظائفه الرسمية “(66)

وإذا كان هذا الشأن بالنسبة لحصانة الأفراد فإن حصانة المؤسسات لا يختلف التصور القانوني – كذلك عن التصور الإسلامي بشأنها إلا من حيث الحرمة، فالإسلام لا يرى لمؤسسات البعثة حرمة – بالمعنى الشرعي – وإن كان يرى أن لها الحماية والرعاية، ولذا فإنها إن قامت بأي عمل مخل بأمن الدولة الإسلامية أو مخالف لطبيعة عملها فإنها تحاسب وفقا للنظام الإسلامي، بينما يرى القانون الدولي أن حرمة المؤسسات التابعة للبعثات الدبلوماسية مصونة ولا يجوز التعرض لها في أي شأن من شؤونها، وقد نصت المادة (22) من اتفاقية (فينا) على أن ” تكون حرمة دار البعثة مصونة، ولا يجوز لمأموري الدولة المعتمد لديها دخولها إلا برضا رئيس البعثة ” (67)

كما نصت المواد الأخرى على حصانة المراسلات والحقائب الدبلوماسية ووسائل الاتصال بين البعثة وغيرها من المؤسسات.

ولعل الأحداث التي مر بها العالم في العهد المتأخر أثبتت للآخرين صواب النظرة الإسلامية لحرمة المؤسسات التابعة للبعثات الدبلوماسية، حيث خرجت هذه المؤسسات بسبب الحماية المطلقة التي تتمتع بها عن دورها الوظيفي وتحولت إلى مراكز لإدارة المؤامرات والدسائس ضد الدول الأخرى، كما تحولت كذلك إلى مصدر لإثارة الاضطرابات الداخلية في الدول، مما دفع بكثير من الدول إلى تغيير موقفها من هذه الحصانة وبدأت تأخذ (بنظرية الوظيفة) للحصانة الدبلوماسية فإذا خرجت البعثة عن وظيفتها الرسمية سقطت حصانتها، كما أن كثيرا من الدول التي ما زالت تتمسك بهذه الحصانة المطلقة كثيرا ما كانت تخرق هذه الحصانة حين تشعر بالخطر أو بخروج البعثة عن مهمتها الأصلية  (68)

الخلاصة :

أن فكرة الحصانة الدبلوماسية عند المسلمين تعود للتأسيس ألأول منذ عهد الرسول صلة الله عليه وآله وسلم ، والمصادر التشريعية  من القرآن و السنة النبوية ، إضافة إلى الإرث الفقهي و السياسي الإسلامي ، يحتوون على نصوص وتجارب وأحكام تتعلق بالحصانة الدبلوماسية ، باعتبارها صورة من صور الحقوق المكتسبة لفئة من الناس بحكم طبيعة عملهم ، لكن المقارنة لما عليه واقع التجارب والممارسات السياسية في مجال حقوق الإنسان ، وبخاصة في الحصانة الدبلوماسية ، إنما هي مقارنة مع الفارق ، إذ أن أدوات المقارنة تختلف من عصر إلى عصر ، ومن مجتمع إلى  مجتمع ، لكننا لا نغفل أن الفترة الزمنية التي تمتد إلى أربعة عشر قرنا وزيادة شهدت تحولات في مجال الحقوق و التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان عامة وحقوق الممارسات السياسية خاصة ، وعلى الباحث في الحصانة الدبلوماسية عند المسلمين أن يتصور المرحلة التاريخية التي تمت فيها هذه التشريعات ، وما كانت عليه العلاقات السياسية بين البشر في تلك المرحلة ” إن وجه المقارنة بين الدبلوماسية الإسلامية والدبلوماسية المعاصرة هو قياس مع الفارق، حيث سبقت الدبلوماسية الإسلامية الدبلوماسيةَ المعاصرةَ بعشرة قرون تقريباً، وجسدت كل المفاهيم الأساسية للوظيفة الدبلوماسية، والمطَّلع على الدبلوماسية المعاصرة يلاحظ بوضوح أنها لم تتفوق على الدبلوماسية الإسلامية ولم تنفرد بمفاهيم جوهرية عن الذي تم إقراره منذ القرن السابع الميلادي، فكل الذي حدث أن القوانين الدبلوماسية السابقة وضعت في قالب قانوني منظم من حيث الشكل والمضمون وأصبحت الأمور واضحة وغير متناثرة بحيث يسهل الحصول عليها، وأوضحت الدراسة أن الدبلوماسية المعاصرة أخذت الكثير من الدبلوماسية الإسلامية ” (69)

الهوامش:
  1. رواه البخاري في ” الأدب المفرد ” رقم ( 273 )
  2. الآية (4) من سورة القلم
  3. الدبلوماسية بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي د. وليد خلف الله
  4. الآية (107) من سورة الأنبياء
  5. الآية  (208) من سورة البقرة
  6. انظر تفسير المنارـ رشيد رضا
  7. الآية ٌ (13) من سورة الحجرات
  8. الآية (56) من سورة العنكبوت
  9. الآية (8) من سورة الممتحنة
  10. الآية ا (75) من سورة النساء
  11. السيرة النبوية – ابن هشام ج1 ص122
  12. المصدر السابق ، ص134
  13. الآية (70) من سورة الإسراء
  14. الآية (30) من سورة البقرة
  15. الآية (39) من سورة فاطر
  16. الوظيفة القنصلية و الدبلوماسية ” د. عاصم  جابر ص 444
  17. الدبلوماسية د.علي الشامي ص421
  18. اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961م
  19. بدائع الصنائع ـ للكاساني ج7 ص111 ،وانظر المبسوط للسرخسي ج10 ص77 ، ومغني المحتاج ـ للشربيني ج4 ص 242 ، والفوق للقرافي ج3 ص 10
  20. مواهب الجليل شرح مختصر خليل ج3 ص 360
  21. الآية َ (6) من سورة التوبة
  22. تفسير القرآن العظيم ـ إبن كثير ج2 ص337
  23. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8ج  ص75
  24. أخرجه البخاري ( فتح 4/81 ) كتاب فضائل المدينة باب حرم المدينة حديث (1870)
  25. سنن الترمذي ج 3 ص 70
  26. الفتح الرباني – أحمد عبدالرحمن البنا ج14 ص 62
  27. عون المعبود 7ج ص314
  28. شرح معاني الآثار ـ لأبي جعفر الطحاوي ج3 ص313
  29. مسند الإمام احمد ج6 ص 8 وانظر كذلك عون المعبود ج7 ص 437
  30. نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص 182
  31. أصول العلاقات الدولية د. عثمان ضميرية 2ج ص842
  32. المغني – لأبن قدامة – ج 8 ص 400
  33. الدبلوماسية د. علي الشامي ص438
  34. لفتح الرباني – احمد عبدالرحمن البنا – ج14 ص 62
  35. الخراج – لأبي يوسف ص 365
  36. شرح السير الكبير – للشيباني ج 2 ص 251
  37. الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي ص 194
  38. انظر: نهاية المحتاج – للرملي ج 8 ص 61 – والمهذب       للشيرازي ج 2 ص 234 وحاشية البجيرمي
  39. قانون العلاقات الدبلوماسية- د. عبدالعزيز سرحان ص 49
  40. المغني – لأبن قدامة – ج 8 ص 462
  41. قانون العلاقات الدبلوماسية – د. عبدالعزيز سرحان ص 18.
  42. لمزيد من التفاصيل: انظر الوجيز في القانون الدولي العام – د. محمد حافظ غانم- وكذلك التنظيم الدبلوماسي والقنصلي- د. عائشة راتب ص 138 – والقانون الدبلوماسي ص 193 – والقانون الدولي العام – د. حامد سلطان ص 181 – والدبلوماسية – د. فاضل زكي ص 176 – ومبادئ القانون الدولي العام – جعفر عبدالسلام ص 490
  43. انظر بدائع الصانع للكاساني ج 7 ص 107- والمهذب للشيرازي ج 2 ص 278
  44. البحر الرائق لأبن نجيم ج 5 ص 109 – وانظر المبسوط للسرخسي ج 10 ص 92 – وشرح الكبير للشيباني ج 4 ص 471 وما بعدها.
  45. مسند الإمام أحمد 4ج  ص75
  46. العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية د. سعيد حارب ص326.
  47. الآية (27) من سورة النور
  48. القانون الدولي العام، وثائق ومعاهدات دولية، د. محمد يوسف علوان ص 209
  49. السيرة النبوية لابن اسحق 1 ج  ص 574
  50. أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 4 ص 442
  51. شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني ج 1 ص 306 – وانظر فتح القدير لابن الهمام ج 4 ص155 والفروق للقرافي ج3 ص 147
  52. إنظر المهذب للشيرازي ج2 ص 279
  53. الأم للشافعي ج 7 ص358
  54. أنظر :المغني لابن قدامة  ج 8 ص 401 – وانظر شرح منتهى الإرادات للبهوتي ج 2 ص 131 – ومواهب الجليل ج 3  ص 355 – والمدونة ج 16 ص 91.
  55. انظر بدائع الصنائع للكاساني ج 7 ص 131 وما بعدها
  56. العلاقات الدولية في الإسلام لمحمد أبو زهرة ص 73 – وانظر التشريع الجنائي في الإسلام لعبدالقادر عودة ج 1 ص 332
  57. الخراج ـ أبو يوسف  ص 366
  58. مغني المحتج ـ للشربيني ج4 ص 247
  59. لمزيد من التفصيل أنظر: القانون الدولي العام ـ حامد سلطان ص 180 ، والقانون الدولي العام ـ على طاهر ص 4619
  60. سلطات الأمن والحصانات والامتيازات الدبلوماسية – فادي الملاح ص 698
  61. لمزيد من التفصيل – راجع القانون الدبلوماسي – د. علي صادق ابو هيف ص 122 – وكذلك: سلطات الأمن والحصانات للملاح ص 19 والمدخل إلى القانون الدولي العام للدكتور عزيز شكري ص 334 – والوجيز في القانون الدولي العام للدكتور محمد حافظ غانم ص 399 – والتنظيم الدولي للدكتورة عائشة راتب ص 130 – والدبلوماسية للدكتور فاضل زكي ص 147
  62. القانون الدبلوماسي ـ د. علي صادق ابوهيف ص 155
  63. القانون الدولي العام – وثائق ومعاهدات دولية ـ د. محمد يوسف علوان ص 431
  64. المصدر السابق ص 432
  65. الوجيز في القانون الدولي العام ـد. محمد حافظ غانم ص 395
  66. القانون الدولي العام، وثائق ومعاهدات دولية، د. محمد يوسف علوان ص 431
  67. المصدر السابق ص 429
  68. لمزيد من التفاصيل في التصور القانوني، ارجع إلى: القانون الدولي العام للدكتور حامد سلطان ص 174 وما بعدها – القانون بين الأمم لجيرهاردفان غلان ج2 ص 129 وما بعدها – والدبلوماسية الحديثة ـ د. سموحي فوق العادة ص 299 وما بعدها – والعلاقات الدولية للدكتور مصطفى سلامة حسن ص 25 وما بعدها – والتنظيم الدبلوماسي والقنصلي للدكتورة عائشة راتب وما بعدها – ومبادئ القانون الدولي العام للدكتور جعفر عبدالسلام ص 466 وما بعدها.
  69. الدبلوماسية بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي  أحمد بن سالم باعمر – ص143

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.