قوانين حقوق الملكيّة الفكريّة

مملكة البحرين

جمعية التجديد الثقافيّة الاجتماعيّة

 

 قوانين حقوق الملكيّة الفكريّة

حماية الإبداع .. أو شرعنة الاحتكار

 

 الأستاذة: رابحة الزيرة

مؤتمر ” شرائع السماء وحقوق الإنسان – عودة للجذور”

مملكة البحرين: 3 إلى 5 أبريل 2010م


فهرست المحتويات

تمهيد

أ- منظومة الحقوق .. نظرة تاريخيّة

ب- حقوق الملكيّة الفكريّة في شرائع السماء قبل الشريعة المحمّديّة وبعدها

ج- السرقات الفكرية هي الوجه المناقض لحقوق الملكيّة الفكريّة

د- التقوى الفرديّة .. سبيل السابقين للمحافظة على حقوق الملكيّة الفكريّة

هـ- التطوّر التاريخي لحقوق الملكيّة الفكريّة في المواثيق الدوليّة

و- علاقات (الويبو) بمنظمة التجارة العالميّة

ز- شواهد من الواقع على سوء استخدام حقوق الملكيّة الفكريّة

1- البرازيل، وتصنيع أدوية مرض نقص المناعة “الإيدز”

2- القانون الأوروبي الجديد بشأن تبادل ملفّات الموسيقى والأغاني

3- توجيه تهمة السرقة الأدبيّة لصاحب كتاب “شيفرة دافنشي”

4- الملاحقة القضائيّة لمخالفي قوانين حقوق الملكيّة الفكريّة

5- الرقابة المركزيّة على شبكة الانترنيت

6- الخلافات الصينيّة الأمريكيّة حول حماية حقوق الملكيّة الفكريّة

ح- الجدل الفقهي والقانوني الدائر حول قوانين حقوق الملكيّة الفكريّة

ط- عوداً على بدء

ختاماً ..

أي بديل ننشد؟

 

تمهيد

في عصر العولمة تنامت الحاجة إلى درجات أعمق من ممارسة الوعي، ومراتب أرقى من إعمال العقل لسبر غور أيٍّ من القضايا الإنسانية العالمية لأنَّها باتت متشابكة ومرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً بخيوط بعضها مرئي وأكثرها غير مرئي، وقوانين حفظ حقوق الملكية الفكرية ليست استثناء من هذه القاعدة، بل لعلها من أكثرها تعقيداً لكثرة ما طرأ عليها من تغيير وإضافات، وخاصة بعد ربطها بقوانين ومنظمات تجارية ودولية أخرى[1].

رغم أن “حق إسناد العمل إلى أهله” – المعبِّر عن مفهوم “قوانين حقوق الملكية الفكرية” العصري – مبدأ إنساني متّفق عليه، فقد مارسه الأوّلون بهدي من فطرتهم السليمة، ودعا إليه القرآن الكريم في آية صريحة  حيث قال: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(الشعراء:183)، حيث أن المقطع الأول من الآية يؤسس لأهم قاعدة لحفظ حقوق الملكية الفكرية (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)، في خطاب موجّه من الأنبياء (ع) للباعة من أقوامهم لمنعهم من تطفيف الكيل والميزان، وذلك بدعوة (البائع) أو (صاحب البضاعة) – وهو فرد واحد – إعطاء الناس – وهم كُثر – حقهم وعدم الإنقاص منه ظلماً، والمقطع الثاني منها (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ينهاهم عن السعي للإفساد في الأرض الذي منشؤه تطفيف الكيل والميزان، وقد يصل إلى مستوى الاحتكار[2]، ونصّت عليه “قوانين حقوق الملكية الفكرية” في بداية تأسيسها حيث قامت على أسس إنسانية وبهدف التشجيع على الإبداع ومنع ضياع حقوق المفكرين والمخترعين، إلاّ أن التطور التاريخي لتلك القوانين الذي اعتمد على إعطاء المزيد من الامتيازات وبراءات الاختراع للشركات الضخمة في الدول المتقدمة أدّى إلى شرعنة الاحتكار عوضاً عن تشجيع الإبداع، وتحوّلت إلى طوق يأخذ بخناق الأمم وبخاصة في الدول النامية ويجعلهم رهن براءات الاختراع واحتكار الشركات الكبرى عابرة القارات.

وليس أدلّ على ذلك ما جاء في “إعلان جنيف حول مستقبل المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية (وايبو)، نذكر ما جاء في مقدّمته حيث تعبّر عن المشاكل الحقيقية التي تسبّبت فيها الحماية المطلقة لحقوق الملكية الفكرية وتطبيقها على أرض الواقع:

“تواجه البشرية كلها مشكلة عالمية في إدارة المعرفة والتكنولوجيا والثقافة، وتتمثل هذه المشكلة في التالي:

  • بدون الحصول على الأدوية الأساسية يعانى بل ويموت الملايين من الناس.
  • التفاوت اللاأخلاقي بين من يستطيع الحصول على تعليم ومعرفة وتكنولوجيا وغيرهم، مما يعرقل التنمية والتآلف الاجتماعي.
  • الممارسات التي تحدّ من المنافسة في اقتصاديات المعرفة والتي تضع تكلفة باهظة على عاتق المستهلك وتعرقل الإبداع.
  • الكتّاب والفنانون والمكتشفون يواجهون عراقيل كثيرة أثناء متابعتهم للاختراعات.
  • الملكية والتحكّم المعرفي المركّز في مصادر المعرفة والتكنولوجيا والبيولوجيا والثقافة التي تعرقل التنمية والتنوع والمؤسسات الديمقراطية.
  • الإجراءات التكنولوجية المصمّمة لكي تفرض حقوق الملكية الفكرية في البيئة الرقمية، والتي  تهدّد صميم حقوق الطبع الخاصة بالمعاقين وتهدد كذلك المكتبات والمعلمين والكتاب والمستهلكين, وتقلل من شأن الخصوصية والحرية.
  • الآليات الأساسية غير العادلة لتعويض ومساندة المبدعين والمجتمعات المبدعة.
  • المصالح الخاصة والتي تختلس المصالح العامة والمجتمعية وتغلق الملك العام”.[3]

لكي تُستوعب القضية التي ستتناولها هذه الورقة نمهّد لها بحادثة حقيقية تبيّن أحد صور سوء استغلال قوانين حقوق الملكية الفكرية وبراءة الاختراع من قبل إحدى كبريات الشركات، وهذا ملخّص الحادثة:

“انضمت الرئيسة السويسرية السابقة إلى حملة دولية، تساندها 50 منظمة غير حكومية، لمطالبة شركة الأدوية السويسرية (نوفارتيس)[4] بسحب شكواها القضائية ضد الحكومة الهندية بخصوص عدم احترام براءة اختراع الدواء المضاد للسرطان “جليفيك” (Glivec)[5]، ما قد يؤدّي إلى تقويض الجهود المبذولة لتشجيع الدول النامية على تصنيع أدوية (جنيسة/جينيريك)[6] للسماح لأكبر عدد من مواطنيها الحصول على أدوية جيدة ورخيصة الثمن.

بدأت هذه القضية في ديسمبر عام 2005 عندما رفضت السلطات الهندية – بناء على إجراءات القانون الهندي الخاص ببراءة الاختراع والملكية الفكرية – منح دواء “جليفيك” الذي تصنعه شركة “نوفارتيس” رخصة باعتباره دواء جديدًا لأنَّه – بحسب السلطات الهنديّة – لم يأتِ بجديد ولم يقدّم أي تحسينات أو تأثيرات علاجية فعّالة للحصول على ترخيص جديد كدواء خاضع لبراءة اختراع تتطلّب احترام حقوق ملكيته.

وكانت الهند قد أدخلت هذا القانون المتعلق بحقوق الملكية الفكرية والبراءات لتتجنب ما يسمى بـ “التجديد المستمر” لحماية حقوق الملكية الفكرية لبعض الأدوية بإدخال تحويرات طفيفة عليها بهدف تمديد فترة حمايتها من القرصنة أو الإنتاج غير المرخص من قبل شركات أدوية أخرى.

الحكومة الهندية ومن ورائها العديد من المنظمات الإنسانية تخشى أن يؤدي فوز شركة نوفارتيس، إلى إحداث سابقة قد تحدّ من إمكانية تصنيع الأدوية “البديلة” وبالتالي الحدّ من وصول مرضى البلدان النامية والفقيرة إلى الأدوية الأساسية بأسعار مخفّضة.

وتتضح أبعاد خطوة من هذا القبيل عندما يُعرف بأن علاج مريض بواسطة دواء مصنع من قبل شركة نوفارتيس يكلّف 2500 دولار شهريا، بينما تقل تكلفة علاج مريض لمدة شهر بفضل دواء جنيس (بديل) مصنّع من قبل شركة هندية عن 157 دولار (!).

ترى شركة نوفارتيس أن تطبيق هذا القانون الهندي قد يخلق سابقة ستزهّد الشركات في الاستثمار في عمليات البحث العلمي لتحسين وتطوير أدويتها إذا ما وضعت أمامها عراقيل من هذا القبيل للحدّ من احترام حقوق الملكية الفكرية.

هذا الجدل المحتدم بين نيودلهي وشركة نوفارتيس يعيد طرح إشكالية التوفيق بين احترام قواعد “منظمة التجارة العالمية”[7] في مجال “الملكية الفكرية” وبين السماح لأكبر قدر من الناس الحصول على الأدوية الجنيسة”[8].

القضية آنفة الذكر وغيرها – مما سنأتي على ذكره – في مجالات علمية وصناعية وتقنية ومعرفية وفكرية مختلفة تعبّر عن واقع حقوقي وقانوني دولي مأزوم فيما له علاقة بالحماية المطلقة لقوانين حقوق الملكية الفكرية، وهذا ما ستتناوله هذه الورقة، كما ستتطرّق إلى:

أوّلاً: قراءة في التاريخ لممارسة فضيلة إسناد الأعمال إلى أهلها قبل البعثة المحمّدية وبعدها، والسبل التي اتّبعها السابقون لحفظ هذا الحق بما تيسّر لهم من أدوات ووسائل، حيث لا تخلو المجتمعات قديمها وحديثها من تجنٍ على الحقوق الفكرية الأدبية منها والعلمية، وذلك للتأكيد على ما للأعراف القديمة والشرائع السماوية السالفة من دور في صياغة القوانين والمواثيق العصرية وأنَّها ليست كلّها وليدة الحروب أو من ابتكارات الغرب فقط.

ثانياً: سنعبر من هذه المحطة التاريخية إلى قراءة في التطوّر التاريخي لقوانين حقوق الملكية الفكرية في المواثيق الدولية ونتائج تطبيق تلك القوانين على أرض الواقع من خلال عرض مجموعة من الشواهد الواقعية والآثار السلبية التي ترتّبت عليها.

ثالثاً: ثم نستعرض الجدل المحتدم بين مدارس الفقه المختلفة حيال قوانين حقوق الملكية الفكرية التي خلقت حالة من الإرباك لدى الناس في العمل بتلك الفتاوى أو تركها، واختلاف وجهات نظر قانونية من مؤيدي ومعارضي تلك القوانين ما أفرز تيارات جديدة تعبّر بصراحة عن رفضها لتلك القوانين بعد الكشف عن مساوئها.

لنخلص إلى فهم أعمق لتلك القوانين يساعدنا على وضع تصور للتغيير الذي ننشده توقاً للعدالة الاجتماعية التي بات مصلحو العالم ينادون بها لأنها الخلاص الوحيد من الأزمات الإنسانية التي يعيشها العالم اليوم، فنساهم في وضع تصوّر لمجتمع إنساني ينعم بحماية حقوق الملكية الفكرية للمفكرين والمبدعين والمخترعين ويحفظ حقوق المنتفعين من نتاج هؤلاء الفكري بعيداً عن الاستئثار أو الاحتكار الذي يذهب بهيبة تلك القوانين ويفسد ثمراتها أو يأتي عليها.

أ- منظومة الحقوق .. نظرة تاريخيّة

تُؤمن فلسفة الحقوق الطبيعية[9] بأن هذه الحقوق مولودة مع الإنسان، أي أنّها (هبات) من الله سبحانه وتعالى منذ خلقه وليست مكتسبة، وبالتالي فهي ليست منحة من الدولة أو من أي شكل من أشكال السلطة، بل هي حق طبيعي، حتى قال مونتسكيو: “ما من أمة من الأمم إلا ولها في حقوق الدول نظام، حتى قبائل إركوا – في أمريكا الشمالية – الذين يأكلون أسراهم لهم نظام من هذا القبيل؛ فإنَّهم يرسلون رسُلهم، ويستقبلون رسل غيرهم، ويعرفون أحكام السلم والحرب، ولكن من سوء أمرهم أنَّ نظام حقوقهم غير مبنيّ على الصحيح من الأصول”[10].

كما إنَّ ظهور القانون الدولي ليس جديداً من حيث المضمون، فأسسه وقواعده قديمة بقدم “الأعراف”[11] التي اكتسبت بعضها قوة القوانين عند الكثير من الأمم لـ(تعارف) الناس عليها بعد مرور زمن طويل من العمل بها، ولكونها معقولة ومنطقية لا تتعارض مع متغيّرات الزمن وعدالة التشريع، كما أن روح الكثير من بنود القانون الدولي مستلّة من الأعراف التي هي بمثابة قوانين غير مكتوبة، ومن الشرائع القديمة المكتوبة كـ”شريعة حمورابي”[12]، والشرائع السماوية الأخرى مختومة بشريعة محمد (ص).

ولقد أرست الشريعة الإسلامية منذ أكثر من أربعة عشر قرناً قواعد نظام حقوقي يستمدّ قوته وشرعيته من الأعراف والفضائل الأخلاقية التي كانت سائدة (قبل الإسلام) ومن الشريعة المحمدية التي أقرّت الأعراف الصحيحة التي سبقتها كنصرة المظلوم المتمثل في حلف الفضول آنذاك، وحبس النساء اللاتي يأتين الفاحشة في البيوت وشبيهه في القوانين المعاصرة المعروف بـ”الإقامة الجبرية” وغيرها، ونبذت الفاسد منها وحرّمته كوأد البنات والظهار وغيرها، ثم أضافت إليها جديدها بتأصيل قوانين جديدة في مجتمع المدينة، وقد تقدّمت تلك الأعراف والقوانين على القانون الروماني بحسب ما أقرّته المؤتمرات الدولية للقانون الدولي المقارن، ولا سيما مؤتمر لاهاي لعام 1937. وقد عبّر عن ذلك السيد محمد حسين فضل الله بقوله: “إنَّ أساس هذا الفكر الحقوقي ليس غربيّاً، فقد استند في تطوّره إلى الفكر الإسلامي، ثمّ بعد ذلك استغل الجوهر ورمى لنا بالقشرة[13]“.

فمن روّاد واضعي أسس علم القانون من علماء المسلمين برز كلّ من العالم عبد الرحمن الأوزاعي، والفقيه محمد بن الحسن الشيباني في مجال أحكام الحرب والسلم، والتجارة، والملكية وغيرها من مواضيع تعتبر من صميم بنود القانون الدولي، وقد تأثر كبار رجال القانون الدوليين في الغرب بما وصل إليهم من نظريات واتجاهات عربية وإسلامية في القانون، ويُذكر أن العالم الهولندي “غروسيوس” المعروف بأبي القانون الدولي قد اطّلع على ما كتبه الشيباني بهذا الصدد (الذي سبقه بسبعة قرون) أثناء نفيه (غروسيوس) إلى الأستانة عندما وضع كتابه “قانون الحرب والسلم”، وقد وصف علماء الغرب “الشيباني”[14] بأنه (غروسيوس) المسلمين.

بينما لا يتجاوز عمر العلاقات الدولية وقوانينها – التي بدأت في أوروبا – أربعة قرون حيث بدأ في أواسط القرن السابع عشر الميلادي بإبرام معاهدة وستفاليا عام 1648 لحلّ النزاعات بين بعض الدول الأوروبية.

ب- حقوق الملكيّة الفكريّة في شرائع السماء قبل الشريعة المحمّدية وبعدها

تعارفت المجتمعات العربية – قبل الشريعة المحمّدية وبعدها – على أن تُنسب الأعمال الجديدة والإبداعية لأصحابها حتى كان يُسمى البعض بها  فنقرأ في كتب التاريخ كمّاً هائلاً من الأعمال التي نُسبت لأصحابها، صغيرة كانت أو كبيرة، فنقرأ مثلاً:

  • “كان إدريس النبي (ع) أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبسها، وكان من قبله يلبسون الجلود”، وهو أول من بنى الهياكل ومجّد الله فيها، وأول من نظر في الطب وتكلم فيه، وإنه ألفّ لأهل زمانه كتباً كثيرة، وأشعاراً موزونة وقواف معلومة بلغة أهل زمانه في معرفة الأشياء الأرضية والعلوية، وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده برسوم حرصاً منه على تخليد العلوم لمن بعده، وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم”[15]،  ويسمى عند اليونان أطرسمين”، وهو الذي علم “اسقلبيوس” الطب، وهو أول من تكلم في شيء من الطب على طريق التجربة .. إلخ.
  • “إنما خدش الخدوش أنوش”، والخدش هو الأثر، وأنوش هو ابن شيث ابن آدم (ع)، ليؤرّخ لـ(أول) من كتب.
  • ذُكر أنه لما وفد عبد القيس على النبي (ص) بادرهم بالسؤال: أيكم يعرف قسّ بن ساعدة؟  قالوا: كلنا يعرفه يا رسول الله، قال (ص):  لست أنساه بعكاظ على جمل أحمر وهو يقول أيّها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، إنّ في الأرض  لعبراً، وإن في السماء لخبراً، آيات محكمات: مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، ونجوم تمور، وبحر لا يغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، ليل داج، وسماء ذات أبراج .. مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون..  أرضوا فأقاموا أم حُبسوا فناموا .. يا معشر إياد، أين ثمود وعاد ..  أين الظلم الذي لم يُنكر.. أين العرف الذي لم يُشكر .. ويقسم بالله قسّ بن ساعدة إن لله ديناً خير من دينكم هذا ..”[16] ، هنا ذكر رسول الله (ص) مقولة قسّ بن ساعدة وأثنى عليه بعد أن نسبها إليه، وهكذا كان في العرف، من يبدأ بشيء ويذهب مثلاً، فإنّه يذهب باسم قائله وفاعله وصانعه، فيُذكر أن قسّاً كان أول من اتكأ على عصا، وأول من كتب: من فلان إلى فلان، وأول من قال: أما بعد .. وكان قسّ من أشهر خطباء العرب، ويُضرب به المثل في الحكمة والبلاغة، ويدين بالتوحيد ويؤمن بالبعث، ويدعو إلى نبذ عبادة الأوثان، وقد مات قبل بعثة الرسول (ص).
  • إن “عمرو بن عبد مناف سُميّ هاشماً لأنه كان (أوّل) من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمهم، حين أصابهم قحط حتى أن أحد الشعراء أنشد بيتاً يمتدحه فيه:

عَمرو الَّذي هَشَمَ الثَريدَ لِقَومِهِ       وَرِجالُ مَكَّةَ مِسنِتونَ عِجافُ” [17]

  • “زيد بن عمرو بن نفيل” كان (أول) من عاب على قريش ما هم عليه من عبادة الأوثان، وإنّه “كان يحيي الموؤدة، ويقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته مهلاً، لا تقتلها أنا أكفيك مؤونتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤونتها”[18].
  • أول من خضّب بالسواد من العرب “عبد المطلب”، وغيرهم من مثل: أوّل من عمل المنجنيق، وأول من حذيت له النعال، وأول من تلقب بلقب “ملك”، وأول من نصّب وليّاً للعهد في حياته، وأول من سنّ السَّبْيَ، وأول من أعرب في لسانه، وما إلى ذلك من أفعال أو أعراف أو أمثال ابتدأها أفراد فعُرفت بهم.

ولقد سار على هذه الطريقة من جاء بعدهم من الأمم، فنقرأ، ونحفظ أحياناً، أسماء بعض مخترعي المكتشفات المهمة من الغرب كأديسون مكتشف الكهرباء، وآينشتين واضع نظرية النسبية، وجراهام بيل مخترع الهاتف، وريختر أول من اخترع قياس قوة الزلزال، ولويس برايل أول من اخترع طريقة برايل لتعليم المكفوفين، ومدام كوري أول من اكتشفت الراديوم، وإسحاق نيوتن أول من اكتشف قوانين الجاذبية، وغيرهم ممن حفظ لهم التاريخ فضلهم في خدمة البشرية في المجالات التي أبدعوا فيها.

ج- السرقات الفكريةهي الوجه المناقض لحقوق الملكيّة الفكريّة[19]

رغم ما تقدّم، لم تسلم الكثير من الاكتشافات العلمية والطبية القيّمة من نسبتها إلى غير أهلها، فمثلاً ظنّ العالم لأكثر من ثلاثمائة عام أن أول من اكتشف الدورة الدموية هو وليام هارفي (1628)، إلى أن توصّل الطبيب المصري “محي الدين النطاوي” إلى حقيقة أن ابن النفيس كان هو أوّل من اكتشف “الدورة الدموية الصغرى” بعد أن عثر على مخطوطة من كتاب “شرح تشريح القانون” لابن النفيس في مكتبة برلين، قدّم فيه وصفاً للدورة الدموية قبل وليام هارفي بنحو سبعة قرون من الزمان، فأذعن لذلك الغرب ونشر المستشرق الألماني “مايرهوف” تقريراً مفصّلاً في العام 1931 أكّد فيه صحة هذه الحقيقة وعاد الحقّ لأهله – ولو بعد حين – فنُسب فضل اكتشاف الدورة الدموية الصغرى لابن النفيس، والكبرى لوليام هارفي.

والتاريخ مليء بأمثال هذا التزوير والانتحال والسرقات العلمية والأدبية، وهذا بحث قائم بذاته ولا يقع ضمن نطاق هذه الورقة، ولكن لابدّ لنا ونحن نبحث في موضوع قوانين حقوق الملكية الفكرية أن نتطرّق ولو بإشارة سريعة إلى شيء من عمليات التزوير والسرقات العلمية الضخمة التي تعرّضت لها الحضارة العربية والإسلامية فنُسبت إلى اليونان والرومان بصفتهما بداية نشوء الحضارات ومهد التنوير وتطوّر العلوم والاكتشافات، وأُنسي تاريخ العرب، ومُحيت أعمالهم الفكرية واكتشافاتهم العلمية من السجلات – إلا ما ندر – ونُسبت جهودهم العلمية لمن كانوا يقبعون حينها تحت الجليد، ويسكنون الكهوف، في الوقت الذي كان المعلمون الأوائل من العرب والمسلمين ينتشرون شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً يبثّون علومهم بأريحية تامّة، لا يريدون جزاء ولا شكوراً .. ولعلّ أبلغ تشبيه لهذا التزوير في حقائق التاريخ هو أنَّ هؤلاء “وضعوا العربة أمام الحصان”، فجعلوا الغرب من اليونان والرومان هم آباء العلوم والحضارة الإنسانية ووصفوا العرب الذين أخرجوهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم بالتخلف والبداوة!!

ولكن، لم تعدم الإنسانية علماء منصفين من الغرب، ومحقّقين مخلصين لرسالتهم العلمية، يقولون الحق ولو على أنفسهم، ساهموا في إرجاع بعض الحق لأهله، أذكر منهم على سبيل المثال “بيرروسي”، صاحب كتاب “التاريخ الحقيقي للعرب- مدينة أوزيس”، حيث يحاول هذا الباحث الفرنسي أن يدحض أن فضل العرب الحضاري على أوروبا يقتصر على دورهم في ترجمة التراث الإغريقي، ويستنكر ما كتبته “دائرة معارف الإسلام”: “إنَّ عهود العرب الأولى في التاريخ غامضة جداً، إنَّنا لا نعرف من أين أتوا ولا ما هو وجودهم البدائي”، ويضيف “إنَّه آن الأوان كي ندرك إنَّه إذا كان غربنا محبوبًا وغنيًا وجميلاً ومنظمًا فإنَّما يعود فضل ذلك كلّه إلي‏ الإمبراطوريات العربية الكبرى‏ التي خلقت وأوجدت مثل هذه السعادة‏”[20]!‏ مشيرًا بذلك إلي‏ “دول المصريين والبابليين والسوريين الكنعانيين والإغريق الحيثيين حيث ولدت الحضارة وازدهرت‏، ولم تكن أثينا وروما سوى انعكاساً لها‏”.‏

وكذلك الباحث “صموئيل كريمر” صاحب كتاب “من ألواح سومر” حيث يصنّف فصول كتابه الذي يدرس فيه روائع الحضارة السومرية التي وجدت قبل أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، تحت عنوان (أصول الأشياء وأوائلها) فيعزو هذه الأصول وأوائل الأشياء من العمران البشري والتطور الحضاري إلى السومريين تحت أبواب: “أول مدرسة”، “أول برلمان ذي مجلسين”، أول دستور”، أول مشرّع”، أول سابقة قانونية”، “أول دستور أدوية”، “أول تقويم زراعي”، “أول آراء للإنسان في أصل الكون وفلسفة الكائنات”، “أول مثل عليا في الأخلاق”، “أول عصر ذهبي للإنسان”، أول أغنية حب” .. إلخ، حيث يقول في مقدّمته: “عسى أن يكون هذا الكتاب الذي أقدّمه إلى قرّاء العربية حافزاً لنا على الاضطلاع بهذا الواجب الجليل بعد اطلاعنا على روائع الخلق والإبداع مما أنتجته أمم الشرق الأدنى القديم”[21].

وأخيراً، لابدَّ من التنويه بأنَّ التشابه في بعض الحوادث والقصص التاريخية التي اشتركت فيها الأساطير القديمة والكتب السماوية كالتوراة والقرآن لا يعني أنَّ أحدها سرق من الآخر بل يثبت أنَّها كانت حوادث حقيقية تعاقبتها الأجيال حفظاً، ولها مصدر سماوي مشترك وإن اختلفت في تفاصيلها زيادة أو نقصاناً، فليس كل تشابه في الأفكار أو الآراء يعني انتحالاً أو سرقة.

وعلى صعيد آخر، فمن الملاحظ  أنَّ أكثر الكتب الفقهية تتشابه تشابهاً يصل إلى حدّ التطابق في بعض أحكامها، وهذا لا يعني أنَّ اللاحق سرق من السابق وإنَّما يتّفق معه في هذه الفتوى أو تلك، والدليل على أنَّها غير مسروقة هو أنَّه لو نوقش أيّ من هؤلاء الفقهاء في أدلة الفتوى التي أصدرها  لاستطاع أن يشرح رأيه بالتفصيل وبحسب المباني الفقهية التي اعتمد عليها لإصدار هذا الحكم أو ذاك، فلا يدخل إذاً في نطاق السرقات الفكرية التشابه في الأفكار العامة المطروحة من جهات مختلفة، ولابدَّ من الإقرار بأنَّ هناك خيطاً رفيعاً يفرّق بين الاقتباس غير الأمين وتشابه الأفكار.

د- التقوى الفرديّة .. سبيل السابقين للمحافظة على حقوق الملكية الفكرية

ثمّة إشارات وحوادث متعدّدة تدل على أنَّ الاستيلاء على الإنتاج الفكري للآخرين كان أمراً مستهجناً في الحضارات القديمة، فنقرأ في التاريخ مثلاً ذمّ سرقة الأشعار، التي اشتهر بها السابقون، وعانى أصحابها من سرقتها بسبب سهولة حفظها واستذكارها، فيؤثر عن طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي الذي عاش بين 60-86 قبل الهجرة بيت شعر يبرّئ نفسه من هذه المذمّة:

ولا أغيرُ على الأشعارِ أسْرِقُها       عنها غَنِيتُ وشرُّ الناسِ من سَرَقا

ويُنقل عن المسعودي أنه وضع تحذيراً في مقدمة وخاتمة كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” ليمنع السرّاق السطوة على أعماله الفكرية هذا نصه: “من حرّف شيئاً من معناه، أو أزال ركناً من مبناه، أو طمس واضحةً من معالمهِ، أو لّبس شاهدةً من تراجمه، أو غيّره أو بدّله، أو انتخبه أو اختصره، أو نسبه إلى غيرنا، أو أضافه إلى سوانا، فوافاه من غضب الله، وسرعة نقمته وفوادح بلاياه، ما يعجز عن صبره، ويحار له فكره، وجعله مثلةً للعالمين، وعبرة للمعتبرين، وآية للمتوسّمين، وسلبه الله ما أعطاه، وحال بينه وبين ما أنعم به عليه من قوّة ونعمة مبدع السموات والأرض، من أي الملل كان والآراء، إنه على كل شيء قدير، وقد جعلت هذا التخويف في أول كتابي هذا وآخره”[22]، ما يدلّ على أن المجتمعات القديمة ابتُليت بالسرقات الفكرية وبما أنَّها كانت تفتقد المرجعية القانونية ابتدعت سبلها الخاصة لحفظ حقوق ملكيتها الفكرية.

وقد حاول السابقون مخاطبة الضمائر وردعها عن ارتكاب أمثال هذه السرقات بالاعتماد على “التقوى الفردية” بالتخويف والتحذير من مغبة هذه الأعمال، فاستشهد بعضهم بقول رسول الله (ص): “إذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ‏”‏‏،‏ قَالَ كَيْفَ إضاعتها يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏”‏إذَا اُسْنِدَ الأمْرُ إلَى غَيْرِ أهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ[23]، فاعتبروا إرجاع العمل أو القول إلى من قام به من أعظم الأمانات، أو اعتمدوا على ما أُثر عنه (ص) بأن “المتشبّع (أي المتكثّر) بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور[24]“، لما في ذلك من تدليس على الناس وخداعهم.

ما جاء عن النووي: “من النصيحة أن تُضاف الفائدة التي تُستغرب إلى قائلها، فمن فعل ذلك بورك في عمله وحاله، ومن أوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنَّه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال[25]“، وقال سفيان الثوري: “إنَّ نسبة الفائدة إلى مفيدها من الصدق في العلم وشكره، وإنَّ السكوت عن ذلك من الكذب في العلم وكفره”[26]، فيُذكر أن السابقين – رغم التساهل في أمر السرقة الأدبية لدى البعض – كانوا يحافظون على أصول التأليف فذكروا أسماء المؤلّفين الذين أخذوا عنهم، وإن لم يفقهوا لاستخدام أرقام الصفحات في تصانيفهم، فأكثر الجاحظ مثلاً من ذكر أرسطو وكتابه “الحيوان” في مؤلّفاته، وأكثر المؤرّخون من ذكر اسم “الطبري”، كما ذكر أصحاب السير اسم “ابن هشام” كلّما نقلوا عنه.

وعُدّ التأليف، لدى بعض المشرّعين، عملاً يُنسب لصاحبه لا ينقطع عنه بموت، فهو علم يُنتفع به، فقد سُئل الإمام أحمد عمّن سقطت منه ورقة كُتب فيها أحاديث أو نحوها، أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم يردّها؟  فقال: “لا، بل يستأذن ثم يكتب”، ما يعني أنه لا يمنع من قراءة المؤلفات ولا يحرّم الاستفادة منها، وإنما ينبّه إلى ما يدقّ من معاني الفقه، وهو أن “الكلام المكتوب إنَّما هو منفعة متقوّمة حصلت على يد الكاتب فاختصّت نسبتها إليه دون غيره، وهذا هو معنى التملّك إذ لا معنى للملك غير الاختصاص بالتصرف في الشيء والانتفاع به من غير مانع”[27].

كما تؤكد الفتاوى عدم جواز التعامل مع هؤلاء المنتحلين لتقطع عليهم سبل الاستمرار في انتهاكهم لحقوق الملكية الفكرية، فيتم تحفيز الناس على إنكار المنكر وتغييره ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وتحذيرهم من مساعدتهم على باطلهم وظلمهم استناداً إلى قول رسول الله (ص): “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً” فقيل: “كيف أنصره إذا كان ظالماً؟”، قال (ص): “تحجزه أو تمنعه من الظلم”1، وغيرها من أحاديث تربوية وأخلاقية لتحريك التقوى الفردية لدرء ضرر التعدّي على حقوق الآخرين، ووضع سياج محكم يضمن حماية هذه الحقوق أدناها ما يتحسسه الفرد في قرارة نفسه حين يقرأ: “الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاس[28].

وسواء اتّفقنا مع تلك الآراء والاستدلالات أو اختلفنا، فمن الملاحظ أنها اعتمدت في كل ما تقدّم على تحريك الضمائر بتحريم نسبة الأعمال إلى غير أصحابها، ومنع الانتفاع بها بغير إذن منهم.

هـ- التطوّر التاريخي لحقوق الملكيّة الفكريّة في المواثيق الدوليّة

جاء في بنود قوانين حفظ حقوق الملكية الفكرية أنها تهدف إلى حماية حقوق المكتشفين والمخترعين والمؤلفين بوسيلتين: الأولى هي حصول المنتفعين من الأعمال الفكرية والاختراعات العلمية على تصريح من مالك الحق الفكري بالاستفادة من هذا الحق، والثانية هي أن يدفع الحاصل على هذا التصريح ثمناً لانتفاعه من منتج صاحب هذا الحق.

وقد تطورت هذه الاتفاقية على مدى أكثر من 120 سنة بإضافة بنود جديدة إليها وربطها باتفاقيات عالمية أخرى، فأدّى ذلك إلى استبطان أهداف ضمنية جعلها أكثر تعقيداً وتشعبّاً ما يدعو التعامل معها بمزيد من الدقة والحذر.

لقد بدت الحاجة ملحّة لحماية حقوق الملكية الفكرية عام 1873 عندما امتنع المخترعون عن عرض اختراعاتهم في المعرض الدولي المعقود بفينا، وذلك خشية سرقة أفكارهم واستغلالها من قبل الآخرين، فعُقدت عدّة اجتماعات في باريس ترتّب عليها توقيع أوّل اتفاقية دولية لحماية حقوق الملكية الفكرية في عام 1883 وعرفت بـ”اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية”، وبعد ثلاث سنوات وقعت اتفاقية “بيرن” بشأن حماية المصنفات الأدبية والفنية والتي تمنح المبدعين حق حماية مصنفاتهم الإبداعية وتقاضي أجر مقابل الانتفاع بها من قبل الآخرين، وعلى غرار اتفاقية باريس، أنشأت اتفاقية “بيرن” مكتبًا دوليًا يتولى إنجاز المهام الإدارية، واتّحد هذان المكتبان سنة 1893، وتمخضت عن هذا الاتحاد منظمة دولية تحت اسم “المكاتب الدولية المتحدة لحماية الملكية الفكرية” المعروفة بمختصرها الفرنسي “بربي BIRPI “[29].

ثم تزايدت الحاجة إلى التوسع في حماية الملكية الفكرية سواء داخل حدود الدولة أو خارجها فكان من الضروري توفير سبل للحماية الدولية لحفظ الحقوق الفكرية نتيجة انتشار الفكر عبر الحدود السياسية؛ لأنَّ الفكر الإنساني ليس مقصورًا ولا ملكًا لفرد بعينه ولا دولة بعينها، والإبداعات تساهم في تحقيق المصلحة (العامة) للإنسان وتقدمه سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أواخر القرن العشرين شهد موضوع حماية الملكية الفكرية تطورات متسارعة كانت خلاصتها تأسيس المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو WIPO)[30] سنة 1970م لغرض النهوض بحماية الملكية الفكرية والانتفاع بها في جميع أنحاء العالم، وبعد مرور عقد من الزمن، حلّت الويبو محل (البربي BIRPI).

وفي سنة 1978، انتقلت أمانة الويبو إلى مقرّ الأمم المتحدة في جنيف، وإثر إبرام اتفاق تعاون مع منظمة التجارة العالمية سنة 1996، بسطت الويبو الدور المنوط بها وأثبتت مدى أهمية حقوق الملكية الفكرية في إدارة التجارة في عهد العولمة، فتطور نطاق الحماية والخدمات المقدمة واتسع إلى حد بعيد.

و- علاقات (الويبو) بمنظمة التجارة العالميّة

تأسست منظمة التجارة العالمية في 15 أبريل 1994، عقب اختتام جولة أوروجواي لمفاوضات (الجات GATT)[31] التجارية متعددة الأطراف، وكان من جملة الاتفاقات التي شملتها المفاوضات اتفاق جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة العالمية (اتفاق تريبسTRIPS  [32]) الذي دخل حيز التنفيذ عام 1995، وفسح بذلك المجال أمام عهد جديد لحماية حقوق الملكية الفكرية وإنفاذها.

فاتفاقية (تريبس) هي الاتفاقية الخاصة المتعلقة بالتجارة العالمية وحقوق الملكية الفكرية، وقد أضافت قواعد جديدة في حقل الملكية الفكرية كقواعد حماية برامج الحاسوب وقواعد البيانات في نطاق حقوق المؤلّف، وأوجدت لأول مرة مركزاً آخر لإدارة نظام الملكية الفكرية عالمياً، ألا وهو منظمة التجارة العالمية التي خصصت من بين هيئاتها مجلساً خاصا باتفاقية تريبس، وقد تنبّه المجتمع الدولي لاحتمالات التناقض بين مركزي إدارة الملكية الفكرية (الوايبو) ومنظمة التجارة، لهذا أبرم اتفاق تعاون بين المنظمتين عام 1996 لتنظيم العلاقة بينهما وتعاونهما بشأن إدارة نظام الملكية الفكرية (دوليًا).

ويرى المختصون في القوانين الدولية إنَّ اتفاقية تريبس تعتبر، من حيث أثرها، الأكثر خطورة من بين اتفاقيات التجارة الدولية من زاوية تأثيرها على اقتصاديات الدول النامية ومنها الدول العربية، فيُذكر أنَّ الدول الصناعية أصرّت على إدراج هذه الحقوق ضمن الاتفاقيات متعددة الأطراف، نتيجة لضغوط مارستها شركات الأدوية والملابس الجاهزة التابعة لهذه الدول بحجة ضرورة احترام هذه القوانين وتطبيق مبدأ عدالة حماية هذه الحقوق، لكن هذا الاحترام يعرّض صناعة وتجارة الدول النامية للخطر، ففي ظل قوانين التجارة العالمية ستكون الدول العربية الأعضاء في هذه المنظمة أو أي من الدول النامية أمام خيارين بشأن صناعة الأدوية التي تعتمد على تكنولوجيا ومنتجات الدول الأجنبية، إمّا أن تدفع تعويضات مستمرة للشركات صاحبة براءة الاختراع أو تتوقف عن الإنتاج، ويؤدّي الخيار الأول إلى ارتفاع أسعار الأدوية، والثاني إلى تبعية الدول النامية شبه الكلية للسوق الخارجية.

ولقد مورست ضغوط كبيرة على الدول النامية للموافقة على تحرير التجارة العالمية وإلا ستفشل أي اتفاقية دولية مستقبلاً بشأن قضايا التغيرات المناخية والأمن الغذائي واستخدامات الطاقة، وذلك بحجة أنَّ الحقبة الراهنة تشهد خطوات ضخمة لإعادة تنظيم الاقتصاد العالمي وخاصة مع ظهور قوى اقتصادية من الدول أو الأسواق الناشئة مثل الصين والبرازيل والهند وعلاقتها المتوقعة في تعزيز العلاقات داخل قنوات تحرير التجارة العالمية.

يقودنا الحديث عن تريبس والتحفظات التي أبداها بعض المختصين في مجال حقوق الملكية الفكرية آنفة الذكر عليها إلى سرد بعض الأمثلة التي تسلّط الضوء على الآثار السلبية المترتبة على سوء استخدام تلك القوانين من قبل الشركات التجارية:

ز- شواهد من الواقع على سوء استخدام حقوق الملكيّة الفكريّة:

1- البرازيل، وتصنيع أدوية مرض نقص المناعة “الإيدز”

قرّرت البرازيل تصنيع صنفين من الأدوية المعالجة لمرض الإيدز بعدما تلكّأت الشركة المصنعة من إعطائها الترخيص بصناعة تلك الأدوية بتكلفة أقل، حيث كلّفها معالجة الإيدز في عام واحد أكثر من مائتين وستّين مليون دولار لشراء أدوية لأكثر من مئة وواحد وستين ألف مريض بالإيدز، وقد أنفقت ثمانين في المائة من هذا المبلغ لشراء ثمانية أدوية مستوردة في حين أنفقت عشرين في المائة منها لتوفير ثمانية أدوية مصنعة محلياً!!

يقول وزير الصحة البرازيلي إن استيراد صنفي الأدوية المقصودين في هذه الحالة، يكلفان البرازيل لمعالجة الفرد الواحد (من بين الثلاثة وعشرين ألف شخص الذين يتلقون العلاج حاليًا)، حوالي ألفين وستمائة وثلاثين  دولارًا في السنة، مقارنة بما توصلت إليه دراسة أجريت من قبل منظمة الصحة العالمية حدّدت السعر المعقول للعلاج (وبهامش ربح معتبر) بما بين 480 و 540 دولار سنويًا للفرد الواحد فقط.

2- القانون الأوروبي الجديد بشأن تبادل ملفّات الموسيقى والأغاني

أقرّ القانون الأوروبي قانوناً جديدا للتصدي لمنتهكي حقوق الملكية الفكرية – فيما له علاقة بتبادل ملفات الموسيقى والأغاني على الإنترنت دون ترخيص – بالملاحقة والاعتقال، وبموجب القانون الجديد ستتّبع سلطات دول الاتحاد الأوروبي إجراءات صارمة لملاحقة أي شخص ينتهك حقوق الملكية الفكرية بما فيها مداهمة منزله، واعتقاله، ومصادرة الأجهزة التي يستخدمها للقيام بهذه الانتهاكات، ومطالبة المحاكم بتجميد حساباته المصرفية، وقيل أنَّه بموجب هذا القانون “لن يكون منزل المرء قلعته الحصينة بعد تطبيق القانون الجديد”، ويرى معارضو القانون الجديد أنَّه لا يفرق بين المستخدمين العاديين الذين يتبادلون الأغاني وملفات الموسيقى على الإنترنت ومحترفي نسخ الأغاني والموسيقى الرقمية وطرحها على الإنترنت حيث يطبق عليهم جميعا نفس العقوبات.

3- توجيه تهمة السرقة الأدبيّة لصاحب كتاب “شيفرة دافنشي”

رفع كاتبان بريطانيان (مايكل بايجنت، وريتشارد لي) دعوى قضائية ضد صاحب كتاب “دافنشي كود – شيفرة دافنشي الصادر عام 2003″ (دان براون) بتهمة السرقة الأدبية لفكرة كتابهما “اللغز المقدّس” الذي صدر عام 1982 وبيعت منه مليون نسخة، ولكن برّأت المحكمة البريطانية صاحب الكتاب في قرار استغرق 71 صفحة مؤكداً على أنَّه “حتى لو جرى نقل الفكرة الرئيسة فإنَّها شديدة العمومية وغير مجردة بما يكفي لخضوعها لقوانين حماية الملكية الفكرية”، ما جعل دار النشر التي نشرت الكتابين أن تعرب عن سعادتها بهذا الحكم الذي يضمن أن يستمر الروائيون في أخذ الأبحاث التاريخية منهلاً لهم في المستقبل.

4- الملاحقة القضائيّة لمخالفي قوانين حقوق الملكيّة الفكريّة

حُكم على أميركية بدفع غرامة قدرها 1.92 مليون دولار إلى شركات إنتاج اسطوانات موسيقية في الولايات المتحدة، لأنها حمّلت 24 أغنية من الانترنت بشكل غير شرعي، واتُّهمت جايمي توماس-راسيت، باستخدام برنامج “كازا” المعلوماتي لتحميل الموسيقى بشكل غير قانوني من الانترنت، وكان قد حكم على راسيت بدفع غرامة قدرها مائتين وعشرين ألف دولار إلى الشركات الست!! بيد أنَّ رئيس المحكمة أبطل الحكم بعدما اعتبره غير متكافئ البتة وجائر، وأمر بمحاكمة جديدة.

وقد لاحقت إحدى شركات إنتاج الاسطوانات الموسيقية الأمريكية قضائيًا آلاف الأشخاص بتهمة تحميل الموسيقى وتبادلها بشكل غير شرعي، وقد قبل معظم هؤلاء بدفع غرامة تراوحت بين ثلاثة وخمسة آلاف دولار، ويُذكر أنه منذ العام 2003، تمت ملاحقة نحو خمسة وثلاثين ألف شخص بتهمة القرصنة في أمريكا.

ثم إن بعض الشركات ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقد صوّرت امرأة طفلها وهو يرقص على أنغام أغنية مشهورة لمغن مشهور، وحمّلت الفيلم على موقع “يوتيوب”، فطلبت الشركة المتعاقدة مع المغني من “يوتيوب” أن يحذف المقطع لأنَّه يخالف قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.

كما أنَّ هناك شركات تطالب ببيع قرص DVD ليشاهده المشتري مرة واحدة وإذا أراد مشاهدة الفيلم مرة أخرى عليه أن يدفع المزيد من المال، وإذا أراد أن يشاهده مع أسرته فعليه أن يحصل على رخصة (مدفوعة الثمن) خاصة بذلك، ويُذكر أنَّ بعض تلك الشركات رفعت قضايا على الأموات والأطفال ونساء لا يملكن حاسوباً!

5- الرقابة المركزيّة على شبكة الانترنيت

مع ظهور شبكة الإنترنت في عالمنا، والثورة المعلوماتية، وفي ظل عدم مواكبة التشريعات التقليدية، للسرعة التي تتطور بها التكنولوجيا الحديثة، كان لابد من التفكير في حلول قانونية تتماشى مع العصر التكنولوجي الجديد، ولكن اتضح من خلال المؤتمرات التي انعقدت بهذا الشأن أن الولايات المتحدة الأمريكية تصرّ على انفرادها بإدارة شبكة الإنترنت.

إذا كنا نتحدث عن حماية الملكية الفكرية، وحق المؤلف على شبكة الإنترنت، فإنَّ هناك وجهًا آخر ظهر من خلال استخدام تلك الشبكة العالمية، وهو وجه الرقابة المركزية من قبل الولايات المتّحدة الأمريكية على الشبكة الدولية، فيُذكر أنَّ شركة مايكروسوفت يمكنها تسليم السلطات الأمريكية الشفرة أو (الكود) الخاص بكل جهاز أو برنامج كمبيوتر تبيعه، مما يسهل لهذه السلطات مراقبة كل شيء، واختراق الشبكة في أي وقت من الأوقات، والحصول على المعلومات التي تريدها من أي مكان في العالم، من خلال برامج التجسس التي هي عبارة عن شفرة يتم تحميلها في الكمبيوتر لجمع المعلومات المطلوبة ونقلها سراً إلى جهة أخرى تقوم بالمراقبة[33].

وعلى حد تعبير الكاتب الصحفي حسام عبد القادر:  لنا أن نتخيل أنَّ كلّ هذا الكم من المعلومات يُدار من خلال دولة واحدة فقط، وما ينتج عن ذلك من هيمنة واحتلال أقوى من الاستعمار العسكري، ليس هذا فقط، بل إنَّ البرامج الرئيسية التي يعمل من خلالها جهاز الحاسب الآلي، وشبكة الإنترنت كلّها برامج أمريكية، ومن إنتاج شركة مايكروسوفت القابلة للاختراق، وبها ثغرات مستمرة يدخل من خلالها الهاكرز والجواسيس، أو برامج التجسس، والفيروسات.

6- الخلافات الصينيّة الأمريكيّة حول حماية حقوق الملكيّة الفكريّة

أعلنت الولايات المتّحدة الأمريكية أنَّها تفكر باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية بسبب خلافها مع الصين حول حقوق الملكية الفكرية بسبب قرصنة المنتجات الأمريكية من قبل الشركات الصينية حيث يتم نسخ برامج الكمبيوتر والموسيقى، والكتب الأمريكية في الصين، وكذلك الأدوية، وقطع غيار السيارات وغيرها من السلع، فيقول المنتجون الأمريكيون لهذه السلع أنَّهم يخسرون مليارات الدولارات سنويًا بسبب القرصنة الصينية لهذه المنتجات، أو تقليدهم لها، ما يجعل الصناعة الأمريكية غير قادرة على المنافسة مع الشركات الصينية.

هذا غيض من فيض المشاكل المترتبة على تطبيق قوانين حقوق الملكية الفكرية في مجالات جمّة كالأدوية، والتطور التكنولوجي، وبرامج الكمبيوتر من فقدان للخصوصية، والتعرّض للملاحقة القانونية، قد تصل إلى حدّ رفع دعاوى قضائية بين دولتين مستقلّتين كالصين وأمريكا وتوتّر العلاقات الدولية، سردنا طرفاً منها لنبين سوء استغلال القوانين من قبل الشركات الكبرى، وما ينتج عنه من ظلم واحتكار من الطرف القوي، سواء كان فرداً أو شركة أو دولة.

ح- الجدل الفقهي والقانوني الدائر حول قوانين حقوق الملكية الفكرية

لازال هناك جدل يدور بين الفقهاء بخصوص حقوق الملكية الفكرية باعتبارها إحدى المسائل المستحدثة التي لم تكن على عهد رسول الله (ص) بتعقيداتها الحالية، فيرى المعارضون أنَّه لا يوجد دليل شرعي صريح أو ضمني يثبت هذا الحق، من قبيل رواية صحيحة السند، أو آية صريحة تُدلّل على ذلك فاختلفوا في اعتبار الآية الكريمة (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا (البقرة: 275) كدليل على حلّية بيع الحق المعنوي لمؤَلَّف فكري أو اختراع ما، أو اعتبار ذلك (عقداً) لتصدق عليه الآية الكريمة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(المائدة:1)، وأدرجها بعض المتقدّمين ضمن (الشبهات المصداقية)[34]، واعتبر آخرون تلك الأعمال الفكرية واجبات، فأمضوا عليها قاعدة “حرمة استيفاء الأجور على الواجبات”، فبحسب أصولهم الاجتهادية تلك ونظرتهم الاختصاصية لا يمكن الاعتراف بشرعية حقوق الملكية الفكرية.

وقد استشهد بعض المعارضين لحقوق الملكية الفكرية بقول رسول الله (ص): “دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض”[35]، على حلّية نسخ الكتاب المشترى بدون إذن المؤلّف ولو كان  لغرض المتاجرة على نطاق واسع، وأمّا إذا استعار كتابًا فليس له أن ينسخ منه إلا بإذن صاحبه (وليس مؤلفه)، فإن أذن له المالك حلّ له ذلك ولو بدون إذن المؤلف، ونفس الشيء ينسحب – بحسبهم – على جميع الصنائع، فيحق لمن اشترى آلة أو سلعة أن يصنع مثلها، وبالعدد الذي يريد، شاء صانعها الأول أم أبى، وله أن يبيع ما صنعه وينتفع بربحه ولو كان أضعاف ما ربحه الأول الذي أظهر الصناعة، فتصرّف المرء بما اشتراه بتقليبه وفحصه وتقليده وصناعة مثله يبقى على أصل الحلّ، فلا يسوغ نقل أمر من أصل الحلّ والإباحة إلى التحريم والمنع بلا دليل.

لهؤلاء مبرّراتهم لعدم قبول قوانين حقوق الملكية الفكرية المصدق عليها والمطبقة اليوم في العالم، فهم يرون أنّ الإسلام جعل للفرد سلطاناً على (ما يملك) يمكنه من التصرف فيه والانتفاع به وفق الأحكام الشرعية، وأوجبوا على الدولة صيانة الملكية الفردية، ووضع عقوبات زاجرة لكل من يتعدى على ملكية الآخرين، ولكنَّهم لا يعتبرون الفكرة المبتكرة والنظرية العلمية من الأعيان التي تباع وتشترى لكن يحق لصاحبها – إن كان لها قيمة معتبرة – أن يأخذ أجرة على تعليمها لغيره أو تدوينها في كتاب أو تسجيلها على شريط أو أسطوانة أو تطبيقها في صناعة سلعة ما، ثم يبيع هذا الكتاب أو الشريط أو الأسطوانة أو السلعة أو يؤجره أو يعيره لشخص آخر، ثم لهذا الذي اشترى هذا الكتاب أن يتصرف به بالقراءة والبيع والهبة والإعارة والنسخ كما يشاء، وليس للبائع الأول أن يمنعه من شيء من ذلك، إذ لا مسوّغ لهذا المنع شرعًا، وليس للبائع أن يشترط تقييد تصرّف المشتري بأن يمنعه من نسخه لغرض المتاجرة مثلا، فكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط، والمسلمون عند شروطهم إلا شرطـًا حرّم حلالا أو أحلّ حرامًا، إلا أنه لا يجوز للمشتري أن يدّعي أنه مؤلف هذا الكتاب لأنَّ هذا يدخل في الكذب المحرم شرعًا”[36].

وعلى الطرف النقيض من هذه النظرة هناك من المفكرين المعاصرين والفقهاء المتأخرين من يؤكد على أنَّ:  “حق الفرد في التأليف والابتكار والإبداع الذي يعالج في الفقه الوضعي الحديث تحت مسمى (حق الملكية الفكرية) حق مصان شرعًا على أساس المفاهيم الإسلامية ومصادر التشريع الإسلامي مثل (المصلحة المرسلة)[37] ويكفي القول بأنَّ هذا الحق بمثابة جلب مصلحة للمؤلف ودفع مفسدة من معتد وهو أمر مطلوب شرعا”[38].

ويرى أصحاب هذا الرأي “.. أنّ حق المؤلف في إنتاجه الفكري المبتكر هو حق عيني مالي وليس حقًا مجردًا لأنَّ علاقة المؤلف بإنتاجه الفكري علاقة مباشرة وظاهرة من ناحية كونه انعكاسًا للشخصية العلمية للمؤلف، ومن ناحية كونه ثمرة منفصلة عن شخصيته المعنوية حيث اتخذت لها حيزًا ماديًا كالكتاب ونحوه، وهو حق مالي، وخلاصة القول أنّ الإنتاج العلمي المبتكر مال بمقتضى قواعد المذهب المالكي، باعتبار كونه حقا عينيا”[39].

ويدلّل المؤيدون لمشروعية حقوق الملكية الفكرية لأصحابها بقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسئولاً)(الإسراء:36) ، وقول رسول الله (ص): “نضّر الله امرئ سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع”[40]، فيرى أصحاب هذا الرأي “أنّ الأمة الإسلامية اختصت بـ”الإسناد والتثبت” في كل قول أو فعل أو فكر أو عمل أو حدث ولم يكن اهتمام المسلمين بالإسناد خاصا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما كان ذلك في كل (معرفة) يتناقلونها بالرواية أو الكتابة والتدوين إذ كانوا حريصين على الأمانة والدقة والتثبت في عزو كل معرفة إلى قائلها سواء أكان ذلك في مجال رواية الحديث النبوي أم في مجال التفسير أم في مجال اللغة العربية وعلومها أم في مجال السير والتراجم والتاريخ وحوادثه والفقه وأصوله والفلسفة وعلم الكلام والعلوم والمعارف التي نُقلت عن الفرس والروم والهنود واليونان[41].

ويرجّح أولئك إنّ حرص المسلمين على الإسناد ليس آت من خاصية فطرية فُطروا عليها فحسب، وإنَّما لأنَّهم يعتبرونه دينًا يدينون لله به لأن القرآن والسنة والشرع ينهاهم عن الكذب والتزوير والغش والخداع والانتحال.

فنلاحظ أنَّ المؤيّدين – كما المعارضين – استحضروا كل ما يمكنهم استحضاره من مفاهيم  وروايات وآيات تسند رأيهم من قريب أو بعيد لكي يثبتوا هذا الحق من الناحية الشرعية وبأدلة من القرآن والسنة.

ومما تقدّم يمكننا القول أنّ جدل المشرّعين حول تأييد حماية حقوق الملكية الفكرية أو رفضها افتقد إلى ركيزة مهمة وهي الإحاطة بتفاصيل تلك القوانين وتطبيقاتها وتطوّراتها بما في ذلك سلبياتها وإيجابياتها، كما اتّسمت بالتطرّف والحدّية من كلا الطرفين نتيجة لتداول الموضوع من وجهة نظر أحادية، ومحاولة الدفاع عنها ما استطاعوا وإغفال دراسة الزوايا الأخرى أو محاولة المزج بين الآراء، واستفادة كل فريق من روايات الفريق الآخر، آخذين بعين الاعتبار القواعد الكلية ومقاصد الشريعة، للتوصل إلى آراء أكثر اتّزاناً وواقعية، ما أوقع إرباكاً بين الناس في الأخذ بتلك الآراء أو تركها، نذكر مثالاً واحداً لمن طلب رأي الفقه في إحدى القضايا ذات العلاقة بالموضوع، والردّ الذي أُعطي له:

“يقول السائل: أعمل في مجال صيانة الحاسب أكثر من ثلاث سنوات حيث أقوم بنسخ الاسطوانات التي تحتوى على نظم التشغيل لتثبيتها على الأجهزة أثناء الصيانة، ولكنى بعد قراءتي لعدد من الفتاوى، أدركت خطأ ذلك، فقرّرت أن أترك المهنة ولكن قابلتني عدة مشاكل وهي كالآتي:

أصدقائي يلومونني على ذلك لأنَّهم لا يستطيعون مادياً شراء تلك البرامج، لأنَّها بمبالغ باهظة.

أنا مسئول عن صيانة أجهزة مركز تعليمي، ولكني أقوم بالتدريس فيه أيضًا وحاولت أن أخبر صاحب المكان ليشتري برامج أصلية ولكن تكلفتها تصل إلى: تسعة آلاف جنيه فرفض، مع أنَّه يستطيع دفع هذا المبلغ،  فإن تركت صيانة المركز ربما أضطر لترك التدريس فيه أيضًا، وهذا ما لا أحبه، لأنَّني أحبّ التدريس في هذا المجال ومسئول عن طلبة كثيرين أريدهم أن يتعلموا جيدا، فماذا أفعل؟

ولدي أسئلة أخرى متعلقة بالموضوع أعزكم الله:

هل إذا قلت أنَّني سوف أستخدم برنامج كذا، نسخة غير أصلية، مؤقتًا معاهداً نفسي أن أشتريه عندما تسنح لي الفرصة وأحصل على المال تاركًا وصية لشخص ما أن يدفع ثمنه في حالة إن حدث لي شيء؟

ونفس الأمر بالنسبة للكتب التعليمية الدراسية، فهل هذا شرعاً حرام أم يحل ذلك؟ وهل إذا أخبرت أحد أصدقائي بذلك متعهداً أن يقوم بنفس الأمر أكون بذلك قد أخليت مسئوليتي؟

وإذا كان لدي فرصة الذهاب إلى المكتبة لقراءة كتاب ما أريده ولا أستطيع شراءه، فهل يمكنني أن أقوم بتنزيل نسخة إلكترونية منه (غير أصلية) من مواقع التحميل المجانية هذه، وقراءته كأنَّني في المكتبة ثم بعد الانتهاء أقوم بمسحه، بدون نسخ نسخة منه لي أو لأي شخص آخر، بدلاً من الذهاب إلى المكتبة في الجو الحار والتزامي بوقت معين هناك، حيث أنَّ المكتبة الجامعية لدينا لا تدعم الاستعارة.

وفّقكم الله لكل خير وجزاكم الله خيراً.

الفتوى:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز نسخ البرامج التي ينصّ أصحابها ومنتجوها على أنَّ الحقوق محفوظة لهم إلا بإذن منهم، لأنَّ هذه حقوق مملوكة وبذل أصحابها أموالاً وجهوداً لإنتاجها وإخراجها، فنسخها إبطال لهذه الحقوق وإهدار لهذه الأموال والجهود، وبناء عليه، فإن كان المركز الذي تعمل به يستخدم تلك البرامج التي منع أصحابها نسخها فلا يجوز لك إعانة صاحب المركز على ذلك، لقوله تعالى:(وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة:2). وإن فعلت فأنت شريكه في الإثم، فعليك أن تمتنع من ذلك ولو أدى بك إلى ترك العمل والتدريس في ذلك المركز والبحث عن غيره، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه وجعل له من أمره يسرًا.

كما أنَّ الحيلة التي ذكرت لا تبيح لك الإقدام على نسخ ذلك البرنامج وإن فعلت فأنت آثم وضامن لقيمة ما نسخت، لما فيه من الاعتداء على حقوق الغير دون إذنهم وطيب أنفسهم، وإخبارك لزميلك أو وصيتك بدفع المبلغ إلى أصحاب البرنامج لا يبيح لك ذلك الفعل.

وحول مسألة الاطلاع على الكتب المعروضة على الإنترنت أو البرامج، فإن كان لغرض شرائها بمجرد تصفحها وقراءة ما يعطي فكرة وصورة عنها فلا حرج فيه وهي لم تعرض إلا لذلك، وأمّا نسخها وتنزيلها بنية شرائها مستقبلاً فلا يجوز، لأنَّه اعتداء لكن إن كان ذلك للنفع الشخصي لا للتكسب، فقد ذكر بعض أهل العلم أنَّه إذا احتاج المرء إلى نسخ البرامج ونحوها لعدم وجود النسخة الأصلية أو عجزه عن شرائها جاز له نسخها للنفع الشخصي فقط، بشرط ألا يتخذ ذلك وسيلة للكسب أو التجارة، وانظر تفصيل هذه المسألة وأدلتها وأقوال أهل العلم فيها، وما يتعلق بالملكية الفكرية في الفتاوى التالية أرقامها: 13169،  6080،  9797،  34828.  والله أعلم”[42].

نكتفي بما تقدّم للكشف عن الملابسات والتعقيدات التي تحيط بتطبيق قوانين حقوق الملكية الفكرية على المستوى الفردي والفقهي وخاصة إذا صدرت الفتوى دون دراسة الموضوع من جميع الجوانب وقبل التعرّف على الآراء المفنّدة لتلك الادّعاءات والتي تتداول بكثرة بين المناهضين لممارسة تلك الحقوق بإطلاقها، وعدم الأخذ في الاعتبار المصالح العامة والخاصة، والإغفال عن القواعد الفقهية الكبرى كقاعدة “لا ضرر ولا ضرار” وغيرها، ولو طُرح هذا السؤال على مدرسة فقهية أخرى لأفتت بآراء مختلفة، بل لو عُرضت القضية برمّتها على بعض القانونيين في قضايا حقوق الملكية الفكرية لازداد السائل حيرة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود آراء فقهية (عامة) قد تعين البعض على الاسترشاد بها، نذكر منها:

رأي السيد محمد حسين فضل الله: “نحن نقول بالملكية الفكرية في نطاق المجتمعات التي تأخذ بها، لأنّ هناك بعض المجتمعات الموجودة في العالم، قد لا تُقرُّ بالملكية الفكرية، بمعنى أنَّ الإنتاج الفكري لا قيمة مالية له عندها، ولذلك فلا اعتبار لها من ناحية ترتيب الآثار المالية وآثار الملكية، ولكن في الإجمال، فإنّ أغلب المجتمعات أصبحت تعتبر الإنتاج الفكريّ ملكيّة، سواء على مستوى القانون الموضوع في الدولة، أو على مستوى انطلاق هذا القانون في عرف الناس، بحيث إنَّ الناس يتداولونه كشيء مقبول عندهم، فأصبحت الملكية الفكرية ملكاً بكل ما للملك من آثار ومن أحكام وأوضاع”[43].

ورأي آخر من مكتب الإفتاء في الأزهر بشأن الاقتباس: “الاقتباس بكل أنواعه من كتاب أو مجلة أو مرجع جائز شرعاً، ولا شيء فيه، بشرط أن ينسب إلى مصدره وصاحبه عند الكتابة والتسجيل، ورده إلى مصدره الأصلي. أمّا النقل من كتاب أو مصدر أو مجلة عند التأليف ونسبة ما كتبه الكاتب، وما نقله عن غيره إلى نفسه فهذا أمر حرّمه الشرع والقانون، وهو نوع من السرقة. أمّا النقل للأفكار وكتابتها وتطويرها وتزويرها بأفكار أخرى وتحديثها فليس في ذلك شيء، وذلك ينطبق على سرقة الأفكار والآراء العلمية والدينية بشرط أنَّه عند هذا السؤال تنسب الفكرة إلى مخترعها ومبدعها، وذلك لا يشبه في حكمه شرعاً حكم سرقة الأموال والمتاع من قطع اليد وإقامة الحد، وإن كان يجوز في ذلك التقدير إذا كان الحال كما جاء بالسؤال، والله تعالى أعلم، (توقيع رئيس اللجنة)”[44].

كما جاء في قرار “مجمع الفقه الإسلامي” المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي حول براءة الاختراع، والملكية الفكرية:

أوّلاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمويل الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها.

ثانياً: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي، إذا انتفى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أن ذلك أصبح حقاً مالياً.

ثالثا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حقّ التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها والله اعلم”[45].

وليس جدل الجهات القانونية بشأن قضايا حقوق الملكية الفكرية أقل احتداماً منه في الأوساط الفقهية وإن كانت أدلّة القانونيين أكثر منطقية وأقرب للواقع لأنَّ تلك القوانين سارية المفعول لدى الغرب أكثر وهم المكتوون بنارها، فعلى سبيل المثال، إذا شبّه المدافعون عن حقوق الملكية الفكرية لبرامج الكمبيوتر هذه المنتجات الفكرية بالممتلكات المادية، احتجّ عليهم مناهضوهم بتوضيح الفرق بين ملكية الأشياء المعنوية كبرامج الكمبيوتر وملكية الأشياء المادية، أي عندما يُسرق من شخص ما صحن الطعام الذي اشتراه ليسدّ به جوعه، فإن السارق هنا يكون قد سطا على حق مادي للمالك و(حرمه) من الطعام الذي كان قد دفع ثمنه و(استأثر) به دونه وهذه سرقة حقيقية، ولكن هذا لا يصدق حرفيّاً على ملكية الأشياء الفكرية والمعنوية، فبرامج الكمبيوتر – مثلاً – يمكن أن يستفيد منها مئات الآلاف بل الملايين من الناس دون أن ينقص من حقّ صاحب الملكية الفكرية شيئاً، كما أنَّه لن يؤثّر على بقية المستخدمين في شيء، ولكن تلك الشركات تدّعي أنَّها تخسر ملايين الدولارات بسبب الاستخدام الواسع لنسخ مقرصنة (إن صح التعبير) من برامجها، لأنَّها (تفترض) أنَّ كلّ المستخدمين (الحالييّن) لتلك البرامج كانوا سيشترونها لو لم يحصلوا عليها مجاناً، وهذا افتراض في غير محلّه، لأنَّ تلك البرامج مكلفة وليس باستطاعة الملايين من مستخدميها أن يدفعوا ثمنها ولولا وجود تلك النسخ المجانية لما اشتروها ولما استخدموا تلك البرامج التي انتشرت انتشاراً واسعاً لإمكانية نسخها والاستفادة من نسخها المجانية، وبالتالي فإن المبالغ الطائلة التي تُدّعى على أنَّها خسائر للشركات صاحبة الملكية لتلك البرامج مبالغ وهمية لأنَّها بُنيت أساساً على فرضية غير صحيحة.

كما أنَّ المناهضين لقوانين حقوق الملكية الفكرية يتهمون المطالبين بتطبيقها حرفياً بأنَّ لهم أهدافاً مادية وتجارية بحتة؛ لأنَّهم بذلك يضربون عرض الحائط مفاهيم أخلاقية وإنسانية سامية كالتشارك المعرفي، وحقّ مستخدمي برامج الكمبيوتر في تبادل المعلومات، والمساهمة في تضييق الهوّة العلمية والمعلوماتية بين الفقراء والأغنياء، بل يستنكر هؤلاء إطلاق مسمى (قرصنة) بشأن نسخ البرمجيات في مقابل (سرقة) بشأن ملكية الأشياء المادية لاختلافٍ بيّنٍ بينهما، ويرون أنَّ القوانين الحالية غير أخلاقية لأنَّها تسيء إلى العلاقات الاجتماعية وعلاقة الزمالة في العمل، فيعمل بعض الأفراد كمخبرين على زملائهم ليشوا بهم حال استخدامهم نسخاً غير أصلية من تلك البرامج المحمية بقوانين حقوق الملكية الفكرية، كما أنَّ البيوت لم تعد الحصن الحصين لأهلها بل منتَهَكة ومهدَّدة باقتحام المفتّشين والمعنيين بتطبيق قوانين حقوق الملكية الفكرية لتلك البرامج، أضف إلى أن احتكار المعرفة والمنع من تطويرها إلا بموافقة أو إذن صاحب حق الملكية الفكرية تكبح جماح التفكير، وتحرم العالم من الإبداع العلمي لفئات غفيرة من المجتمع لا تمتلك المال الذي به يمكنها أن تشتري أو تدفع ثمن براءة اختراع، مع أنَّ الهدف الأول لسنّ قوانين حفظ حقوق الملكية الفكرية كان حماية المبدعين ومنتجاتهم من السرقة فضاع الهدف وتحوّلت تلك القوانين إلى أداة لتكريس الاحتكار، وللمفارقة، فإن معظم النقاط المذكورة أعلاه كمساوئ لقوانين حقوق الملكية الفكرية قد تمّ الاعتراف بها، وقد ذُكرت في “إعلان جنيف حول مستقبل منظمة (وايبو)”[46]، ما يعني أنَّ هناك تحرّكاً بالاتّجاه الصحيح قد بدأ، فلابدَّ أن تتضافر الجهود بخطى حثيثة لتحقيق العدالة المنشودة في حفظ حق المنتج والمستهلك على السواء.

ثمّة من يرى أن أصل فكرة الاحتكار كانت شريفة، لأنَّها كانت تهدف لإعطاء صاحب الخبرة والدراية حقاً حصرياً في تقديم خبرته وخدماته للناس لئلا يُستغلّوا استغلالاً سيئاً من قبل المزوّرين والمنتحلين، فسابقاً – على سبيل المثال – كان هناك (الحواج) أو ما يسمى اليوم بالخبير في (الطب البديل) أو (علم الأعشاب)، فكان إذا راجعه المريض يصف له الدواء المناسب بالكميات المناسبة التي تضمن شفاءه، ولكن بمرور الزمن دخل في هذه الصنعة من هو ليس أهلاً لها فأفسد على الناس صحتهم وراح يصف الأدوية بطريقة عشوائية أضرّ بها المرضى، ما اضطر القائمين على هذه الصنعة في ذلك الوقت أن يضيّقوا دائرة المصرّح لهم بوصف الأدوية (أي يحكروها) على من له خبرة في هذا المجال فقط لكي لا يقوم به من ليس أهلاً له.

ولكن هذه النظرة لا تتّفق مع الممارسة العملية لقوانين حقوق الملكية الفكرية في الوقت الراهن، ولمزيد من التوضيح، نشرحها بمثال مبسّط:

إنَّ قوانين حقوق الملكية الفكرية تستند على فكرة مفادها أنَّه لو ابتكر شخص ما برنامجا للتعامل مع قاعدة بيانات شركة ما، فإذا قام شخص آخر بعمل برنامج قائم على نفس فكرة هذا البرنامج، حتى لو استخدم لإعداده لغة برمجة مختلفة فإنَّ من حق الأول أن يقاضيه على أساس أنَّه خرق براءة اختراعه، ما يعني أنَّ هذا النوع من الاحتكار يقف عائقاً دون الإبداع والتطوير، فيخاف المستخدمون لهذه البرامج أو المخترعات أن يمسوا أياً منها بتطوير أو إضافة لئلاً يتعرّضوا لملاحقة قانونية.

قد تكون هذه القوانين صالحة للدول المتطورة التي لديها مراكز بحوث ودراسات تحتضن فيها المبدعين وتشجّع إبداعاتهم، كما أنَّ الشركات الكبرى في هذه الدول توظّف عدداً كبيراً من المبرمجين والمخترعين المبدعين لإعداد وتطوير أكبر عدد ممكن من البرامج والاختراعات وتشترى براءة اختراعهم وتدفع لهم مقابل ذلك مبالغ مادّية فتشجعهم على مزيد من الإبداع، ومع ذلك فإن هذا الإجراء يُعتبر التفافاً من قبل المتنفّذين أصحاب رؤوس الأموال على المبدعين ومصادرة لجهودهم وإنتاجهم الذهني لأنَّ استفادتهم من شراء براءة اختراعهم أكثر بكثير مما تدفعه لهم.

وأحياناً يكون الاحتكار والتلاعب بأسعار البرامج أو الكتب من قبل مؤلّفيها سبباً لتجاوز المستخدمين قوانين حقوق الملكية الفكرية، فالأستاذ الذي يستغل فرصة تدريس مقرّره في الجامعة ليطلب من الناشر نسبة من الأرباح قد تصل إلى أكثر من ثلاثين في المائة يشجّع الطالب ذا الدخل الضعيف على نسخه عوضاً عن شرائه ما يسهم في التشجيع على ممارسة هذه المخالفات القانونية، كما أنَّ الناشر الذي يرفع أسعار كتبه مستغلاً شهرة المؤلف أو متذرعاً ببراءة اختراع حصل عليها، يصدق عليه لفظ (محتكر)، لأنَّه يستغل حاجة القارئ ويدفع مخالفي قوانين حقوق الملكية الفكرية أن يمدوا أيديهم إلى احتكاراته.

لا نسوق هذه النماذج تأييداً للتعدّي على حقوق الملكية الفكرية ولا تبريراً لمخالفيها وإنَّما محاولة لتفسير أسباب تفشّيها، فإطلاق يد المؤلف أو المبدع لاستغلال حقّه دون ضوابط يدعو إلى التعدّي عليه بالتحايل على القانون أو بارتكاب المخالفة القانونية لتلبية الحاجات العلمية سواء حصلوا على الإذن الشرعي الذي يسوّغ لهم اختراق تلك الاحتكارات أو لم يحصلوا.

إن كان يُقصد بالملكية الفكرية في معناها العام المعاصر وهي الحقوق التي يوفرها القانون والمترتبة على أي نشاط أو جهد فكري يؤدي إلى ابتكار في المجالات الأدبية والفنية والعلمية والصناعية، فلا خلاف بأن هذا الحق يجب أن يصان، ولكن إذا تحولت (براءة الاختراع) إلى قوانين تقوم على حرمان أو منع أي شخص أو شركة من محاولة تطوير أو إضافة أي جديد على أي اختراع أو منتج صناعي أو تجاري دون موافقة صاحب الاختراع على مدى سنين طويلة تتراوح بين (15-20 سنة)، فإذا اقتربت الفترة من الانتهاء تقوم الشركة بإجراء بعض التعديلات الطفيفة على المنتج بهدف (احتكار) براءة الاختراع لهذا المنتج مدة عشرين سنة قادمة – كما أرادت أن تفعل شركة نوفارتيس آنفة الذكر – فتكون تلك القوانين سبباً لحرمان الشريحة الأكبر والأحوج لفوائد تلك العلوم والمخترعات، فهذا يخالف حقوق الإنسان التي سُنّت لأجلها هذه القوانين أصلاً، وينافي مفهوم العدالة الاجتماعية الذي يسمو أن يكون مجرد قوانين تحمي أو تقيد حق الملكية الفكرية، لا بالموازنة بين حقّ الفرد من ناحية وحق المجتمع فحسب، بل لابد من القول، بأن المسألة تتعدى ذلك إلى الإقرار بحق العلم ونشره للجميع كوسيلة لتبادل المنافع وتضييق الفجوة بين المنتج والمستهلك.

هذا على المستوى الضيّق والفردي، وتتفاقم المشكلة عندما ننظر إليها على مستوى المنظمات الدولية في إطار ظاهرة “العولمة” التي تحيط بها “الشركات المتعدية الجنسية”، و”المنظمات الدولية” من جهة أخرى، حيث يُذكر أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية وقفت ضد اقتراح اليونسكو بإقامة نظام معلومات عالمي جديد يضمن حداً أدنى من عدالة توزيع موارد الاتصال والمعلومات، ما أدّى إلى فشل مشاريع التنمية التابعة لليونيدو واليونسكو في حثّ الدول القادرة على تمويل مشاريع الاتصال في الدول النامية.

 

ط- عوداً على بدء

واستكمالاً لحادثة شركة “نوفارتيس” والدواء (البديل) الذي كاد يُمنع عن الفقراء احتراماً لقوانين حرية الملكية الفكرية وبراءة الاختراع، وقّع أكثر من 420,000 شخص في العالم عريضة تناشد شركة نوفارتيس بإسقاط الدعوى القضائية ضد الحكومة الهندية، وساهمت خمسون مؤسسة إنسانية لدحض ادّعاءات شركة الأدوية، ورفضت محكمة “شناي” الهندية مطالب الشركة السويسرية، ما أدّى إلى إخراج الأدوية الهندية من اتفاقية الملكية الفكرية، وناشد مدير حملة المنظمة لتوفير الأدوية الأساسية الدكتور “تيدو فون شون” شركات الأدوية العالمية والبلدان الغنية بترك القانون الهندي للملكية الفكرية وشأنه، والتوقف عن السعي من أجل أنظمة أكثر صرامة في الدول النامية عندما يتعلق الأمر في الملكية الفكرية، مع العلم أن حكومات الدول النامية والوكالات الدولية متل اليونسيف وغيرها تعتمد على استيراد الأدوية ذات الأسعار المعقولة من الهند، كما أنَّ 84% من المضادات الفيروسية التي تقوم منظمة أطباء بلا حدود بوصفها لمرضاها حول العالم هي أدوية مقلدة (بديلة) تنتجها الشركات الهندية، و لهذا السبب قيل أنه يجب أن تبقى الهند “صيدلية الدول النامية.

إذن، التصدي لمحاولات إخضاع الدول الفقيرة لقوانين حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بمنظمة التجارة العالمية قد تنجح بسعي جماعي ومحاولات صادقة، ومع ذلك فإنَّ هذه القضية كشفت كم هو محكم طوق تلك القوانين بحيث احتاج القائمون على حملة الدفاع عنها إلى حشد كل تلك الجهات الحقوقية، والرسمية، والمجتمعية، والشعبية، وبالطبع لن يكون هذا الزخم متاحاً لكل قضايا حقوق الملكية الفكرية، فالمطلوب إذا أكثر من مجرد الدعوة للتصدّي لأمثال هذه القضايا لمنع تكرارها، بل المطلوب إعادة النظر في تلك القوانين، وفكّ ارتباطها مع القوانين التي جعلت منها أداة لممارسة الاحتكار، بحيث تحفظ حق نسبة الأعمال إلى أصحابها، كما تحفظ المنتفعين من تلك الأعمال من خطر الاحتكار، (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(الشعراء:183).

ختاماً ..

نتساءل: هل يعرف أحدنا اسم المفكّر أو المخترع أو المعلّم الأول لإنتاج (الخبز)؟  بل هل نعلم إن كان هو شخصاً واحداً، أم أن الخبز – الطعام الذي لا يُستغنى عنه – كان نتاج خبرات متراكمة على مدى سنين طويلة، فهل بالإمكان تتبع تطوّر صناعة الخبز بحيث نسمّي كل الذين شاركوا في تطويره وساهموا في تنويعه ليحصل العالم على عشرات الأنواع من الخبز بأثمان زهيدة؟ وماذا لو طُبّق قانون حماية الملكية الفكرية وبراءة الاختراع المتّبع اليوم على صناعة الخبز وإنتاجه آنذاك، هل كان العالم سينعم بوجبة مشتركة ومرغوبة للأغنياء والفقراء على السواء؟! وماذا عن قوائم الأدوية التي تتداوى بها البشر طوال آلاف السنين، والتي أبدع فيها علماء المسلمين وكتبوا قوانينها كابن سينا وغيره، ماذا لو تمّ احتكارها عن الغرب أو طُلب منهم تسديد فواتيرها؟!  والقائمة تطول.

كما يُذكر أن لا أحد يعرف على وجه اليقين من هو مؤلف كتاب ألف ليلة وليلة، بل قد لا يكون له مؤلّف واحد، وإنما جُمعت قصصه من أكثر من مصدر، ثم زاد عليه الرواة والمترجمون، حتى صار من أكثر الكتب رواجاً، وقد تُرجم إلى لغات مختلفة، وكان ومازال مادة ثرية للكثير من الأعمال الفنية.

ولقد وصل إلينا عبر قصص التراث وحوادث الأولين عبر وحكم كثيرة لا نعرف أصحابها، وإنما تبدأ بـ”قال أعرابي”، أو “فعل فلان”، مع أنَّ هذه القصص تنقل لنا تجاربهم التي قد تكون كلّفتهم العمر كلّه، وربما خسروا الكثير بسببها، ولو اشترط هؤلاء بأن تُذكر أسماؤهم كلما ذكرت أقوالهم لما وصل إلينا خيرهم.

كما أنَّ العلوم والمعارف والحكم التي صاغها الأوّلون بصورة قصص قصيرة وأساطير، أو أشعار، أو أقوال موجزة لكي يسهل على الأجيال القادمة الاستفادة منها، وحفظها أو استدعائها بحيث يتمكن المستفيد منها التأثير على سامعه وتطويع قلبه لما فيه صلاحه، لو قُيّدت بقوانين الملكية الفكرية العصرية لماتت في مهدها.

مع العلم أنَّ علم الرجال استُحدث – آنذاك – لكي يتم التأكد من أنَّ الأقوال المنسوبة إلى أشخاص بعينهم صحيحة كما وردت عن أصاحبها، وإذا كان صاحب القول معروفاً فيُذكر اسمه لكي يُنسب الشيء إلى صاحبه على قاعدة “وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُم”، ولكن لا يستطيع أحد أن يمنع وصول الفكرة أو القول  للآخرين، بل من البديهي أنَّ كل صاحب فكرة، وعالم، ومصلح وحكيم يتمنى أن ينتفع الآخرون من أقواله وآرائه وأعماله، فلماذا ابتُدع هذا الاستعباد والتحكمات بحيث إذا أراد المرء أن يستخدم لحناً من مقطوعة موسيقية أن يستأذن صانعه، وإن لم يفعل فعليه أن ينتظر الملاحقة القانونية.

وبالمناسبة، فقد ظهرت في الغرب منذ التسعينات حركة مناهضة لقوانين حقوق الملكية الفكرية، باسم (المصادر المفتوحة[47]) التي ذاع صيتها بعد أن دشّنت مجموعة من البرامج والمشاريع الناجحة التي وجدت طريقها إلى الناس كمحرّك (غوغلgoogle ) للبحث الأكثر استخداماً، وموسوعة (ويكيبيديا) المعرفية، وبرنامج (لينكسLinux )، وقد كان روّاد هذه الحركة (جنوGNU ) يؤمنون بأهمية المشاركة المعرفية، ويرون في صرامة قوانين حقوق الملكية الفكرية قمعاً للإبداع، وتمادياً في الاحتكار، وحرمان الإنسانية من النتاج الذهني للمبدعين والمفكرين، كما أشار “إعلان جنيف حول مستقبل منظمة وايبو” إلى هذا التحدّي الذي يواجه المنظمة.

في زمن أصبنا فيه بتضخّم في سنّ القوانين والاتفاقيات الدولية والإقليمية، بتنا نشكو من ظلم متزايد ومتربع على صدر الإنسانية بدعم من تلك الحقوق الدولية وقوانينها، واتّضح لنا أن هذا المفهوم المعاصر الذي تطوّر مع تطوّر العولمة، ينطوي على دلالات تخالف إطاره الحقوقي الإنساني، حتى أصبح البعض ينظر إليه على أنَّه “كلمة حق يراد بها باطل” وقد لا يكون هؤلاء جانبوا الصواب بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم الذي وصل إليه العالم بسبب (الاحتكار) الذي مارسته الشركات الكبرى تحت مظلة قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية، فحُطّ من قيمة الإنسان وسًلبت حقوقه من عدالة، وصحة، وتعليم، والعيش بكرامة، ورُفع من قيمة السلع المحتَكَرة من غذاء ودواء فأصبح الإنسان مسخّراً لمنتجات المحتكرين بدلاً من أن تكون المنتجات مسخّرة له.

إننا نزداد حيرة أمام الاختراعات التي تبقى حكراً على الأغنياء بحجة حماية الإبداع والحرية الفكرية، بينما يزداد عدد الذين يموتون بسبب نقص الأدوية لأن بلادهم (النامية) لا تستطيع دفع ثمن هذا (الإبداع العلمي).

أي بديل ننشد؟

إنّ قوانين حماية الملكية الفكرية (المعولمة) هي وليدة النظام الرأسمالي أساساً الذي يضخّم من قيمة الفرد وقيمة المال والمادة على حساب القيم التضامنية وقيم التكافل الاجتماعي، فالحلّ إذاً لا يمكن أن يأتي من داخل النظام نفسه الذي شرّع للاحتكار وضيّق على المبتكرين والمخترعين، بل لابدّ من حلول تأخذ بعين الاعتبار الموازنة بين مصلحة الفرد بحيث لا ينتج الجشع المادّي فيضرّ بالمعدمين والعامة، ومصلحة المجتمع/المجتمعات إلى الحدّ الذي لا يضرّ بالإبداع الفردي، استناداً على قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، وعليه فإننا نقترح ما يلي:

1-  إعادة موضعة ” الأخلاق” بحيث توظّف قيم الخير في خدمة الإنسانية حبّاً في عمل الخير ولأجل الإنسانية لا لأجل الربح المادّي فقط، فكما ساهم العلماء السابقون في تطوّر ورفاه المجتمعات دون المطالبة بالتعويض المادي المكافئ لثمرات علومهم أو بتخليد أسمائهم، فلابدّ من تشجيع الإبداع بغضّ النظر عن المردود المادي الذي سيحصل عليه أصحابه، وتفعيل مبدأ “تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة” في الضروريات كمجالات الصحة، والغذاء، والعلم، والتكنولوجيا، مع تأكيدنا على أن حفظ حقوق الملكية الفكرية مبدأ أخلاقي سماوي إنساني تكفله جميع الشرائع والأعراف.

2-  الدعوة لإنشاء صندوق مشترك تساهم فيه دول العالم بحسب نمائها الاقتصادي، يهدف لتشجيع المخترعين والمبدعين، وذلك بأن يتبنّى هذا الصندوق المخترعات الجديدة ودعم أصحابها (أفراداً أو شركات) مادّياً، فيكفل حقوق ملكيتهم الفكرية، ثم يعمل على أن يوفّر هذا المنتج أو الاختراع للمستفيدين منه بأسعار مجزية لكي لا يقع المستهلك تحت رحمة الاحتكار بحجة حماية حقوق الملكية الفكرية، ويُعطى كل ذي حق حقه.

3-  لابدَّ من تصنيف الدول بحسب معايير علمية مدروسة، بحيث تعامَل فيما يخص قوانين حقوق الملكية الفكرية بإنصاف فلا يمكن أن تطبّق نفس القوانين على دول مثل بنغلادش وفنزويلا ونيكاراجوا كالتي تُطبق على الولايات المتحدة الأمريكية.

4-  التأكيد على أن صياغة القوانين التي يراد تعميمها عالمياً مسئولية مشتركة بين الدول المتقدمة والنامية، فلا يمكن القبول بأن تصاغ القوانين من قبل الدول المتقدمة بما يحفظ مصالحها ثمَّ تطالَب الدول النامية التوقيع عليها وإن كانت تلك القوانين تضرّ بها وباقتصادها.

5-  تشكيل فريق منتدب من منظمة المؤتمر الإسلامي لصياغة مسودة قانون إنساني عالمي لحماية حقوق الملكية الفكرية قائم على مبدأ “وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ”، بحيث يحفظ حق جميع الأطراف فيشجّع على الإبداع ويعمّم فائدة المخترعات الجديدة على المنتفعين منها دون الإضرار بهم، على أن تُقدّم هذه المسودة للمنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية للمطالبة بتعديل أو حذف البنود والامتيازات التي تحول دون توفير الضروريات التي تساهم في الرفاه الإنساني وتساعد على ردم الهوة بين طبقات المجتمع المختلفة، والتأكيد على أن العالم كالجسد الواحد فإذا سًنّت له قوانين عادلة فسينعم المجتمع الإنساني كله بالخير والسلام.

———————————-

[1] – تشتمل قوانين المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) المتاحة إلكترونياً على قاعدة بيانات تتصل بنصوص القوانين الوطنية في مجال الملكية الفكرية والمعاهدات التي تديرها الوايبو، وتتضمن في الوقت الحالي (ألفي) مادة ببليوجرافية من بينها (ثمانمائة قانون) مدوّن في (خمسة عشر ألف صفحة)!!

[2] – جاء في المصباح: “احتكر فلان الطعام: إذا حبسه إرادة الغلاء و(الحكر) – بفتح الحاء والكاف أو إسكانها – بمعنى الاحتكار، وفي الاصطلاح الفقهي يعرف: “حبس السلع أو جمعها من الأسواق حتى تشتد حاجة الناس إليها” ويقول: الحَصْكَفِي في شرح الدر المنتهي: “إن الاحتكار شرعًا شراء الطعام ونحوه إلى الغلاء لمدة اختلفوا في تقديرها. وكلمة “نحو” في التعريف تجعل الاحتكار شاملاً للقوت وغيره مما يحتاج إليه الناس، ويعرّف الاحتكار في الاصطلاح الفقهي بأنه: “حبس السلع أو جمعها من الأسواق حتى تشتد حاجة الناس إليها” وجاء في شرح الدر المنتهي: “إن الاحتكار شرعًا شراء الطعام ونحوه إلى الغلاء لمدة اختلفوا في تقديرها، وكلمة “نحو” في التعريف تجعل الاحتكار شاملاً للقوت وغيره مما يحتاج إليه الناس.

[3]http://www.cptech.org/ip/wipo/genevadeclaration-arabic.pdf

[4] – “نوفارتيس” هي ثاني أكبر شركة للأدوية في أوروبا من حيث القيمة السوقية.

[5] – “جليفيك” يعد من أحسن الأدوية المضادة لمرض السرطان والذي أدى لحد الآن إلى تخفيض نسبة وفيات المرضى بالسرطان بحوالي 75%.

[6] – الدواء الجنيس (جينيريك) أو الدواء البديل هو نسخة من دواء يخضع لبراءة اختراع، أو نسخة لدواء انتهت مدة حمايته التي تبلغ 20 سنة، ويعتبر إنتاج هذا الدواء قانونيا باعتبار أن صناعته تمت في إطار ترخيص إرادي، أو ترخيص وجوبي، أو بعد انتهاء مدة الحماية.

[7] – منظمة التجارة العالمية (WTO) (World Trade Organisation) هي منظمة عالمية مقرها جنيف في سويسرا، مهمتها الأساسية ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الأمم.

[8] –  http://www.swissinfo.ch/ara/index.html

[9] – تنصّ المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: لكل إنسان حق الحياة، والحرية والأمن، وهي ما توافق على أنها الحقوق الطبيعية.

[10] – مونتسكيو، روح الشرائع، ج1، ص17.

[11] – العرف لغة: المتعارف عليه بين الناس، واصطلاحاً: هو ما ألفه مجتمع -وليس فرد- من أمور الدنيا، من غير حظر من الشارع، سواء كان قولاً أو فعلاً أو تركاً”، فهو إذاً ما استقر في النفوس وتلقاه المحيط بالرضا والقبول، وسلم به وسار عليه، بحيث أخذ طابع القانون من حيث لزوم التنفيذ والإطاعة.

[12] – تعتبر شريعة حمورابي أول شريعة مكتوبة في التاريخ البشري من حيث شموليتها لكل نواحي الحياة في بابل، وتعود إلى العام 1780 قبل الميلاد وتتكون من مجموعة كبيرة من القوانين.

[13]http://arabic.bayynat.org.lb/kadaya/fikria25042007.htm

[14] – اعترف بعض علماء الغرب حديثاً بفضل العالم محمد بن الحسن الشيباني في تقنين وتشريع العديد من قواعد القانون الدولي بالرجوع إلى كتبه (السير الكبير) و(السير الصغير) ومدوناته التي سبق فيها القانوني الهولندي (غروسيوس)، وقد أسس بعض الفقهاء والمهتمين “جمعية الشيباني للقانون” في ألمانيا عام 1955، كما احتفلت “جامعة باريس” عام 1970 بذكرى مرور ألف ومائتي عام على وفاته.

[15] – جواد علي، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإٍسلام، ج3، ص1253.

[16] –  النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، ص550، موسوعة الشعر العربي

[17] – جواد علي، المفصّل في تاريخ العرب قبل الإٍسلام، ج2، ص423.

[18] – جواد علي، م. ن.، ج2، ص682.

[19] – تعرف السرقات الفكرية بأنها اغتصاب النتاج العقلي أيا كان نوعه “أدبيا، علميا، عاما” ونشره دون الإشارة للمصدر الأصلي.

[20] – بييرروسي، مدينة إيزيس: التاريخ الحقيقي للعرب، ترجمة فريد جحا، ط3، 2004.

[21] – كريمر، من ألواح سومر، ترجمة طه باقر، القاهرة، 1957.

[22] – المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجواهر، ج1، ص5.

[23] – رواه البخاري، كتاب الرقاق، رقم الحديث 35.

[24] – ابن حنبل، المسند، ج6، ص90؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص123؛ البخاري، الصحيح، ج6، ص156.

[25] – الذهبي، الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة، ج1، ص138.

[26] – الحطاب الرعيني، مواهب الجليل، ج1، ص8.

[27]www.islamonline.net

1 – البخاري، رقم الحديث 2311، 2312، 6552، مسلم رقم الحديث 2582

[28] – ابن حنبل، المسند، ج4، ص182؛ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج5، ص190.

[29] – Bureaux Internationaux Reunis pour la Protection de la Propriété Intellectuelle (United International Bureaux for Protection of Intellectuel  Property )

[30] – المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو WIPO) (World Intellectual Property Organization) هي منظمة دولية تهدف إلى تقديم المساعدة من أجل ضمان حماية حقوق المبدعين وأصحاب الملكية الفكرية في جميع أنحاء العالم، والاعتراف بالمخترعين والمؤلفين ومكافأتهم على إبداعاتهم.

[31] – الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة.

[32] – Trade-related aspects of intellectual property rights (مجلس الملكية الفكرية)

[33] –  ونشير في هذا الصدد إلى كتاب مهم صدر في هذا الشأن، هو كتاب “الرقابة المركزية الأمريكية على شبكة الإنترنت” للدكتور مصطفى عبد الغني.

[34] – الشبهات المصداقية كما تعرّفها كتب الفقه هي أنه إذا علم المكلّف معنى مصطلح ما (كالغناء) مثلا، ولكنه شكّ في أن صوتاً ما يدخل تحت تعريف “الغناء” أو لا، فهذا يعد شبهة مصداقية. ولا يحكم بحرمته في مثل هذه الحالة.

[35] – زيد بن علي، المسند، ص274؛ النووي، المجموع، ج13، ص20؛ الكليني، الكافي، ج5، ص168؛ ابن حنبل، المسند، ج2، ص512.

[36] –  سبط الجيلاني، رسالة فقهية (بتصرّف).

[37] – المصلحة المرسلة هي المصلحة التي لا يوجد دليل شرعي باعتبارها أو إلغائها ولكنها تتفق مع مقاصد الشريعة وأهدافها العامة.

[38] – بركات مراد، حقوق الملكية الفكرية في المنظور الإسلامي.

[39] – بركات مراد، حقوق الملكية الفكرية في المنظور الإسلامي.

[40] – الترمذي، السنن، ج4، ص142.

[41] – ناصر أبو عون، حقوق الملكية الفكرية في الإسلام.

[42] – مركز الفتوى: http://www.islamweb.net

[43]http://arabic.bayynat.org

[44] – http://www.balagh.com/mosoa/feqh/0r1crsqp.htm

[45] – http://www.islamonline.net/livefatwa/Arabic

[46]http://www.cptech.org/ip/wipo/genevadeclaration-arabic.pdf

[47] – المصدر المفتوح(open source) : هو مصطلح يعبر عن مجموع من المبادئ التي تكفل الوصول إلى تصميم وإنتاج البضائع والمعرفة، ويستخدم المصطلح عادة ليشير إلى شيفرات البرامج (الأكواد) المتاحة بدون قيود الملكية الفكرية، وهذا يتيح لمستخدمي البرمجيات الحرية الكاملة في الإطلاع على المصادر البرمجية للبرامج، و تعديلها، وإضافة مزايا جديدة لها.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.