“لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”

مملكة البحرين

جمعيّة التجديد الثقافيّة الاجتماعيّة

 

“لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”

التأسيس الثقافي لإرساء قوانين لحماية حرية المعتقد والضمير

 

المحامية مي الخنساء

مؤتمر ” شرائع السماء وحقوق الإنسان – عودة للجذور”

مملكة البحرين: 3 إلى 5 أبريل 2010م

 

لقد ترسّخ في الوعي الإنساني العام أن قوله تعالى: “لا إكراه في الدين” (البقرة/256)، هو نص إلهي مخصوص بحرية الاعتقاد، وباحترام مشيئة الإنسان وحقه في اختيار دينه.

إن الحرية الدينية هي التي تعطي الفعل الديني قيمته. ففي الاسلام، ما قيمة الصلاة لمصلٍ يأتيها كرهاً، وهل إنْ أتاها كرهاً هو مصلٍ حقاً؟ وإن استطعنا بسلطة عليا إجبار شخص على تأدية الصلاة، فهل نستطيع إجباره على الالتزام بأحكامها وعدم إبطالها – خفية عنا – بفعل أو نية؟! وما قيمة حجاب المرأة التي تلتزم به قسراً وكرهاً، وهل إن التزمت به كرهاً لا تتفلّت منه في أي فرصة سانحة لها؟!

إن العمل الديني الحقيقي أو العبادة الحقة هي العبادة المؤسسة على اختيار الانسان وعلى حرية مشيئته، فمن يقول الصدق مكرهاً ليس بصادق، والمرأة التي تضع الحجاب مكرهة ليست محجّبة…

كان الدين الإسلامي في أساسه قائماً على حرية الاعتقاد وحرية الدخول فيه دون إكراه مع احترامه الكامل للديانات السماوية الأخرى، إلا أن أصول أحكامه التي ارتضاها كل من دخل فيه تمنع من ولد على الفطرة أو ما اعتقده بعد ذلك بإرادة حرة كاملة الخروج عليه بدعوى الارتداد إلى دين آخر.

إن الحق في حرية الدين يُشكّل حجر الزاوية للديمقراطية. وهو المقياس الحيوي في تشكيل وصون نظام سياسي مستقر ولذلك فإن تقييم أوضاع الحرية الدينية يعتبر مؤشراً هاماً في تشخيص الصحة العامة والاستقرار لدولة ما وتكمن الحرية الدينية في صميم أي مجتمع عادل وحر ولذلك فإن حرية الضمير أو حرية الاعتقاد هي حق كل فرد في أن يؤمن أو لا يؤمن، في أن يعتقد في شيء أو فكرة أو لا يعتقد، في أن يعتنق عقيدة مغايرة للعقيدة السائدة أو معارضاً لها. وحرية الاعتقاد حرية مطلقة فلا وصاية لشخص أو لسلطة على الضمائر ولا مصلحة لها في حمل شخص على التمسك بدين يعتقد بطلانه أو التخلي عن دين يعتقد صحته. والتقصير في حماية حرية الأديان والحقوق الإنسانية الأساسية الأخرى، يُنمي التطرف ويقود إلى عدم الاستقرار والعنف.

تعتبر حرية الضمير أو الاعتقاد من الحقوق الراسخة في القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وهذه المواثيق يجب أن تصادق عليها جميع الدول. فلكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة ويشمل هذا الحق حريته في أن يدين بدين ما وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره وفي أن يعبر منفرداً أو مع آخرين بشكل علني أو غير علني عن ديانته أو عقيدته سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم. كذلك، لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.

منذ أكثر من خمسين عاماً، نادى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بجرأة بالمساواة التامة بين كُلّ أفراد العائلة الإنسانية وأوضح أن الكرامة الإنسانية لا تتجزأ. وتضمنّت تلك الرؤية المرشدة للمساواة للكُلّ، حق كُلّ إنسان في حرية الفكر والضمير الوجداني والدين ووصفتها بأنها حقوق أساسية لا مراء فيها. ولكن وعلى الرغم مِنْ تبنّي المجتمع الدولي بالإجماع لهذا الإعلانِ وتصنيفه ضمن مواد القانون الدولي وقنوات تشريعه، إلا أن العالم لا زال يشهد استمرار الإصرار على التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.

إن حقوق الإنسان التي نصّ عليها الإعلان العالمي لا تتجزأ كما أن لها طبيعة تداخلية ويعتمد كل بند منها على الآخر وهكذا فإن انتهاكات بند حرية العقيدة والفكر قد انتقصت من ضمن ما انتقصت من حقوق، الحق في التعليم، والعمل، والتجمع السلمي، والمواطنة، والمشاركة السياسية والصحة بل وأحياناً الحق في الحياة ذاته. إن الوفاء بوعد حرية الدين والمعتقد للجميع دون تمييز ما زال يشكل أكثر الحقوقِ الإنسانية إلحاحاً في عصرنا، كما أنه يظل الحق الأكثر إثارة للنزاع.

إن كفالة حرية المعتقد كما يترأى لضمير الفرد وحرية تغيير المعتقد وفقاً لذات القاعدة، أمر جوهري في مسألة التطور الإنساني. فهو بمثابة الطريق في رحلة الإنسان للبحث عن المعنى. فالرغبة في المعرفة والتعرف على ذواتنا كبشر هو بالتحديد ما يُميّزُ الضمير الإنساني. ونحن نثني على تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية الصادر في العام 2004 الذي حمل عنواناً ذا أهمية بالغة ألا وهو: “الحريَّة الثقافية في عالم اليوم المتنوّع” والذي يعترف للمرّة الأولى في تاريخ تقارير برنامج التنمية البشرية (التي بدأ إصدارها منذ خمسة عشر سنة) بالحريَّة الثقافية بوصفها “جزء حيوي في عملية التنمية البشرية” وأَكّدَ التقرير على “عمق الأهمية التي يمثلها الدين لهويات الشعوب”.

إن مفهوم التنمية البشرية وتحليله من خلال تقارير التنمية البشرية قد تطوّرا بشكل مثير للغاية. فقد تطور هذا المفهوم الذي انبثق بداية من توجه يركز أكثر على الأمور المادية ومستوى الدخل للفرد حتى أصبح مفهوماً شاملاً لمعنى التنمية بوصفها اتساعاً لرقعة الحريات الإنسانية.

عرّف تقرير التنمية البشرية الحرية الثقافية بأنها: “قدرة الناس على العيش وفقاً لما يختار الإنسان أن يكون عليه وجوده مع إتاحة الفرص لاعتبار خيارات أخرى”.

إن الاعلان العالمي لحقوق الانسان، في المادة 18، يؤكد صراحة على أنه:

“لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، والحرية، إمّا وحده أو في جماعة ومع آخرين، علانية أو على نحو خاص والحق في إظهار دينه أو معتقده من خلال الإفصاح والدعوة والممارسة والعبادة والإلتزام بما يمليه عليه هذا المعتقد أو الدين.”

في المقابل، نجد أنه في الآونة الأخيرة قد تزايدت ظاهرة التطاول على حرمات الدين الإسلامي ومقدساته، من أصناف متعددة من المعادين للدين، لا سيما في الغرب، حيث يقومون منذ مدة بالتعدي على المسلمين.

وقد صارت حملة الاستغضاب والاستفزاز شاملة، من غالب دول العالم الغربي على اختلاف أنظمته السياسية ومذاهبه الدينية، فمن أمريكا البروتستانتية التي أشعلت نار الحرب العالمية على الإسلام منذ سنوات، صدرت سلسلة من أعمال الإهانة المتعمدة، مثل إلقاء أوراق المصحف أو استعمالها في المراحيض، والتبول عليها أمام المعتقلين المسلمين في معتقل جوانتانامو، وكذلك التطاول شبه الرسمي على القرآن الكريم من خلال السماح بطباعة آلاف من النسخ من كتاب شاذ ومنكر في العداوة والهزء بالإسلام عقيدة وشريعة وقيماً، أطلقوا عليه اسم (الفرقان). وإضافة إلى ذلك التعدي الفاضح من بروتستانت أمريكا، فقد تعاطفت أوروبا مع بروتستانت الدانمرك، خلال أزمة الرسوم المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تكررت بشكل متعمد إعادة نشر الرسوم في العديد من الصحف والدوريات الأوروبية. أما الكاثوليك، فقد بدأت الإساءة من فرنسا، خلال أحداث أزمة الحجاب، التي منعت الحكومة الفرنسية فيها الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس ضاربة عرض الحائط بقيم الحرية والعدالة والمساواة المدعاة.

ثم جاءت الإساءة الكبرى من الكاثوليك على لسان كبيرهم وحبرهم الأعظم (بابا الفاتيكان) من خلال تصريحاته المجحفة بالإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وآله سلم، دون أن يصرح بالتراجع أو الاعتذار عما قال، متأسياً بحكومة الدانمرك التي امتنعت عن الاعتذار خلال أزمة الرسوم المسيئة وبعدها.

وفي الوقت نفسه فإن جماعة من أهل الأهواء من المسلمين تجرؤوا على حدود الشريعة، وتطاولوا على ثوابت الدين، وراحت أقلامهم الملوثة تعبث في نصوص الكتاب والسنة، تارة باسم حرية الفكر، وتارة أخرى تحت عنوان النقد العلمي، وتارة ثالثة تحت مظلة الرواية والقصيدة والمسلسلات التلفزيونية.. وهكذا، وصدق المولى جلَّ وعلا: “وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون” (سورة الأعراف آية: 202).

لهذه الأسباب؛ يجب توعية الأمة بفداحة الخطر من استمرار تلك الظاهرة، وضرورة إدراك أبعادها، ووجوب التصدي لها. ويجب اتخاذ خطوات عاجلة لإعادة التأكيد على رؤية حقوق المساواة للجميع دون تمييز على أساس الدين أو المعتقد، وإدانة السياسات والممارسات الحكومية التي تنتهك مبدأ عدم التمييز في مسائل الدين أو المعتقد.

إلى ذلك، يجب اتخاذ اجراءات ملموسة – تحقيقية وقانونية وتفعيلية. بداية هناك حاجة للتحليل والبحث العلمي لتوضيح المعايير الدنيا للامتثال للقانون الدولي وتطوير المؤشرات والعلامات التي تدل على وجود أو عدم وجود حرية في أمور الدين أو المعتقد. ومن شأن توفر تقرير سنوي تقوم عليه الأمم المتحدة يقيم وضع حرية الدين والعقيدة في جميع أنحاء العالم أن يوفر مزيداً من المضمون وييسر المقارنة وفقاً لمعيار زمني وعبر المناطق الجغرافية المختلفة.

– “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” … التأسيس لإرساء قوانين تجرّم التمييز على أساس الدين والعرق والطائفة واللون والمذهب وغيرها.

الناس كلهم بنو رجل واحد .. وبنو امرأة واحدة .. المؤمن والكافر .. الأبيض والأسود .. العربي والأعجمي .. الغني والفقير .. الشريف والوضيع.

والإسلام لا يلتفت إلى الفوارق في اللون, والجنس, والنسب فالناس كلهم لآدم وآدم خلق من تراب. وإنما يكون التفاضل في الإسلام بين الناس بالإيمان والتقوى بفعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه, قال تعالى: “يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” (الحجرات/13).

والإسلام يسوي بين جميع الناس في الحقوق والواجبات. فالناس أمام الشرع سواء كما قال سبحانه: “من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” (النحل/97).

فالإيمان, والصدق, والتقوى كله في الجنة، وهو حق لمن تخلق به، ولو كان أضعف الناس، أو أدنى الناس كما قال سبحانه “ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً” (الطلاق/11).

والكفر والكبر، والطغيان كله في النار، ولو كان صاحبه أغنى الناس، أو أشرف الناس كما قال سبحانه: “والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير” (التغابن/10).

وقد جمعت وزارة الرسول صلى الله عليه وسلم رجالاً مسلمين من قبائل وأجناس وألوان شتى يملأ قلوبهم التوحيد ويجمعهم الإيمان والتقوى. وقد آمنوا بالله وجاهدوا في سبيله حتى رضي الله عنهم ورسوله أولئك المؤمنون حقاً “جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه” (البينة/ 8).

تختلف المقاييس التي يعتمد عليها الناس في تقييمهم للأشخاص، ومدى استحقاقهم للتقدير والاحترام، فمنهم من تتفاوت قيمة الناس لديه حسب نَسَبِهم، وعراقة قبائلهم، فأجدرهم بالاحترام، والتقدير أعلاهم نسباً، وأعرقهم قبيلة، ومنهم من يعتبر الغنى والثراء وحجم الأرصدة والممتلكات هي المقياس الحقيقي لقدر الإنسان وعلو منزلته، ومنهم من ينظر إلى الموضوع من زاوية المنصب والجاه، والارتقاء في سلم الوظائف والدرجات، وبعضهم يرى أن الشهادات العلمية التي حصل عليها الشخص هي التي تحدد قيمته، وتفرض احترامه.

إن جميع هذه المقاييس لا تتعدى كونها مقاييس مادية بحتة ضيقة الأفق، فالإنسان الذي يفاضل بين الأشخاص على هذه الأسس، إنما ينظر إلى الحياة بمنظار ضيق جداً، فالشخص العريق النسب لا قيمة لنسبه مع انحطاط في أخلاقه وقيمه الدينية والاجتماعية، ومهما بلغ الإنسان في عراقة نسبه، فلن يصل إلى نسب أبي لهب – عم الرسول – صلى الله عليه وآله سلم – الذي أنزلت فيه سورة كاملة تتوعده بالعذاب الأليم يوم القيامة، وقد كان كثير من أصحاب رسول الله لا يملكون هذه العراقة في النسب، غير أن الله شرفهم بالانتماء لهذا الدين، والتضحية في سبيله، فقد كان بعضهم أصله من الفرس، وبعضهم من الروم، وآخرون من الموالين والعبيد، ولم يقدم الرسول سادة قريش وشرفائها عليهم لعراقة نسبهم.

وأما الثراء والغنى، فتكون قيمته على قدر خدمة صاحبه للمجتمع، وحرصه على تقديم الخير والمعونة للأمة، ولا قيمة لثراء رجل قد غلّ يده إلى عنقه وبخل بما فيها، أو رجل جمع من الأموال ما حل له وما لا يحل يتكبر بها على الناس ويتعالى عليهم.

وما يقال في الغنى يقال في المنصب والجاه، فصاحب المنصب تتجسد قيمة منصبه في حرصه على خدمة مجتمعه وأمته، والسهر على مصالحها، لا في حيازته للمنصب وارتقائه في السلم الوظيفي.

وبالنسبة للشهادات العلمية فإنها لا تصلح أيضاً لتكون مقياساً للأشخاص لثلاثة أسباب هامة:

  • أولاً: أنها لا تعبر عن مقدار علم الشخص، وسعة اطلاعه، فكم من علماء أجلاء لا يحملون شهادات بلغوا من العلم مبلغاً عظيماً، لا يحلم به أصحاب الشهادات في أشد أحلامهم سخاء، وكم من حاملي شهادات عالية كالدكتوراة وغيرها، وثقافاتهم ضحلة جداً، حتى في مجال تخصصهم.
  • ثانياً: إن عدم حصول الشخص على هذه الشهادات لا يعني عدم كفاءته لها، فربما لم تواته الظروف لذلك، أو حالت دون حصوله عليها موانع.
  • ثالثاً: على افتراض سعة ثقافة حامل الشهادة، وتوسعه في الاطلاع فإن قيمته تكون بمقدار انتفاعه بعلمه، وتطبيقه لما علم، ومدى إحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه من تعليم الناس والحرص على تثقيفهم.
    وقد أخبرنا الله تعالى أن مصير كل هذه الاعتبارات والمقاييس إلى التلاشي يوم القيامة. فمصير النسب “فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون”، ومصير الغنى “وما يغني عنه ماله إذا تردى”، ومصير الجاه والمنزلة “هلك عني سلطانيه”.

والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هو المقياس الحقيقي لقيمة الأشخاص؟

والجواب أرشدنا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، فالمرء يُقاس بمقدار صلاحه واستقامته على منهج الله، وقيمة الإنسان في المجتمع إنما هي بمقدار نفعه لمجتمعه، وخدمته لأمته، واستغلال ما آتاه الله من نعم وما مكنه فيه في نشر الخير ومساعدة المحتاج وإعانة الضعيف، وسره على مصالح الأمة ومعرفته بحقوق الآخرين، فيجب علينا أن نحترم الناس على هذا المقياس، ونزنهم بهذا الميزان العادل .

فالإنسان الصالح ولو كان من الموالي أجدر بالاحترام من إنسان عريق النسب لا يعرف للصلاح مسلكاً ولا للخير سبيلاً، والإنسان الفقير صاحب الأخلاق والقيم أجدر بالتقدير من غني لا يرعى حقوق الله ولا حقوق العباد في ماله، والعامل المخلص في عمله يستحق الاحترام أكثر من الموظف الكبير الذي لا يرعى مسؤوليته في العمل، والابن المحترم عالي الأخلاق الذي لم تسمح له الظروف بالحصول على الشهادات العالية أجدر بالاحترام من قبل أبويه من الابن العاق صاحب الشهادة الجامعية، وهكذا.

التمييز هو اعتداء على فكرة حقوق الإنسان نفسها. فهو يحرم أشخاصاً بعينهم أو جماعات بعينها من التمتع الكامل بحقوق الإنسان بسبب هويتهم أو ما يعتنقون من معتقدات. حيث يغدو من السهل حرمان الأشخاص من حقوقهم الإنسانية إذا ما نُظر إليهم على أنهم كائنات “أدنى من الإنسان”.

إن هذا هو السبب الكامن وراء إقامة القانون الدولي على مبدأ عدم التمييز. فمن صاغوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أعلنوا صراحة أنهم يعتبرون عدم التمييز الأساس الذي يقوم عليه الإعلان.

ومع ذلك، فإن التمييز القائم على عوامل من قبيل العرق أو الأصل الإثني أو القومي أو الطبقة الاجتماعية أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو السن أو الوضع الصحي – أو جملة من هذه العوامل – لا يزال يتجلى في أشكال عديدة في كل بلد من بلدان العالم.

بينما يمكن أن يتباين الجناة وتختلف الأماكن، يظل الجهل والتحامل داخل المجتمع، والتمييز والقمع الرسمي، والإفلات من العقاب الذي يتمتع بها المسؤولون عن كل هذا، في جوهر جميع أشكال التمييز. فبعض الحكومات تبرر بعض أشكال التمييز صراحة باسم الأخلاق والدين أو الإيديولوجية.

والتمييز المكرَّس في القانون – ومن ذلك مثلاً عندما يُقيد القانون الحريات الأساسية للمرأة أو يرفض الاعتراف بحقوق السكان الأصليين – يجرد الناس في نهاية الأمر من حقوقهم الإنسانية.

وخير دليل على ذلك الفكر الصهيوني المتحيز الذي يفرق بين البشر على أساس العرق والدين، وهو يقوم على فكرة شعب الله المختار الذي يحق له قتل المدنيين واحتلال أراضيهم وانتهاك حقوقهم الإنسانية والسياسية والاقتصادية وتجويعهم وحصارهم كما حدث في غزة، والمصادرة على حقوقهم في المشاركة السياسية بناء على عنصرهم كما يحدث مع الإسرائيليين من أصول عربية. وتنص المادة الثانية من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على أن: “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.”

كذلك، تقوم إسرائيل برفض وقمع وتقويض كل الخيارات الديمقراطية للشعب الفلسطيني على الأرض الواقعة الآن تحت السلطة الفلسطينية. وتعتقل وزراء ونواب ممثلون للشعب ومختارون ديمقراطياً وتحجز حرياتهم دون محاكمات أو بمحاكمات صورية عسكرية لا يتمتع فيها المعتقل بأبسط حقوقه المدنية لا كفرد ولا كممثل لشعب.

وإسرائيل كدولة احتلال تنكر على الشعب الفلسطيني حق الاستقلال وسيادة أنفسهم وتقرير مصيرهم كما يتوافق مع تطلعاتهم وتـصـادر كل حقوقهم الاقتصادية والمدنية وتمنع خياراتهم السياسية الحرّة بالقوة والقمع, وتسجن مثقفيهم وكتّابهم وشعرائهم وصحفييهم وتفرض على السكان الواقعين تحت سيطرتها مباشرة, ثقافة دولة الاحتلال, وتمنع عليهم دراسة تاريخهم أو تنمية ثقافتهم الخاصة وهذا حقّ مكتسب لكلّ شعوب الأرض تمنعه إسرائيل وتفرض واقعاً لا يتوافق أبداً مع أحلام و خيارات الشعوب.

يجب إرساء قوانين لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، في في دول العالم كافة. ثمة العديد من الأنشطة التي اضطلعت بها الأمم المتحدة في إطار ما تبذله من جهود للقضاء على جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري وسنقوم بذكر بعضها، ولكن للأسف فهي ليست إلا حبراً على ورق.

الجهود الأولى التي بذلتها الأمم المتحدة

عندما اعتمد المجتمع الدولي ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945، فقد قبل الالتزام بالسعي إلى إعمال حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، بدون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين. وفي كانون الأول/ديسمبر 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في المادة الأولى على أنه يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي تنص على أن الإبادة الجماعية تشكل جريمة دولية.

وقد تركز جزء من الجهود، طيلة أوائل الستينات، على التمييز العنصري في الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، حيث كان يتوقع انتهاء العنصرية كنتيجة طبيعية لإنهاء الاستعمار. وقد أيدت الجمعية العامة مرارا وتكرارا مشروعية كفاح الشعوب المضطهدة.

إعلان الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله

في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1963، اعتمدت الجمعية العامة إعلان الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله. ويعترف الإعلان، في ديباجته، بأن التمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني لا يزال مثارا للقلق الشديد، رغم إحراز بعض التقدم.

وفي المادة 1 يؤكد الإعلان من جديد مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأهميتها الأساسية في العلاقات الدولية الجيدة:

“يمثل التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني إخلالاً بالكرامة الإنسانية ويشجب باعتباره إنكاراً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكا لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعقبة تعترض العلاقات الودية والسلمية بين الأمم، وواقعا من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب”.

الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله

في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965، اعتمدت الجمعية العامة الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله. ودخلت الاتفاقية التي تمثل صكاً ملزماً قانونياً، حيز النفاذ في 4 كانون الثاني/يناير 1969 وهي تضم اليوم 155 دولة طرفاً. وهي تعرف التمييز العنصري باعتباره كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو بممارستها…”. وتتفق الدول الأطراف على إدانة العنصرية واتخاذ تدابير للقضاء عليها بكافة أشكالها. وأنشأت الاتفاقية أيضا لجنة القضاء على التمييز العنصري وهي أول هيئة من ذلك القبيل أنشئت لرصد معاهدة لحقوق الإنسان. وهي تشرف على تنفيذ الاتفاقية باستعراض تقارير الدول الأطراف في الاتفاقية.

السنة الدولية لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري

في العام 1968، وقبيل دخول الاتفاقية حيز النفاذ، دعا المؤتمر الدولي الأول لحقوق الإنسان، الذي عقد بطهران، إلى تجريم المنظمات العنصرية والنازية. وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر 1969، أطلقت الجمعية العامة على سنة 1971 اسم السنة الدولية لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري. وطلبت الاحتفال بالسنة “باسم الكفاح المطرد التزايد ضد التمييز العنصري بكافة أشكاله وتظاهراته، وباسم التضامن الدولي مع المكافحين ضد العنصرية”. وناشدت بإلحاح الدول مضاعفة جهودها من أجل القضاء على التمييز العنصري بجميع أشكاله المعاصرة بما في ذلك النازية والفصل العنصري.

عقد العمل من أجل مكافحة العنصرية والتمييز العنصري (1973-1988)

في متابعة للسنة، دعت الجمعية العامة لجنة حقوق الإنسان إلى تقديم مقترحات بشأن “عقد للتعبئة الحديثة الدائبة ضد العنصرية والتمييز العنصري بكافة أشكاله”. ووضعت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات مشروع برنامج لذلك العقد وفي 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1972، سمت الجمعية العامة فترة السنوات العشر التي تبدأ يوم 10 كانون الأول/ديسمبر 1973 عقد العمل من أجل مكافحة العنصرية والتمييز العنصري.

ويقوم هيكل برنامج العقد على حملة تثقيف عالمية النطاق وتدابير يجري اتخاذها لتنفيذ صكوك الأمم المتحدة التي تشجع القضاء على التمييز العنصري. وتمثلت أهدافه في تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، دونما تمييز بسبب العنصر أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، وذلك باستئصال وجوه التعرض العنصري والعنصرية والتمييز العنصري؛ ومنع استمرار أو التوسع في سياسات العنصرية، وإحباط تقوية الأنظمة العنصري، وعزل المعتقدات والسياسات والممارسات القائمة على المغالطات والأباطيل والتي تشد أزر العنصرية والتمييز العنصري ودحضها؛ ووضع خاتمة للأنظمة العنصرية”.

المؤتمر العالمي الأول لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري

عقد المؤتمر العالمي الأول لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري في جنيف في عام 1978، في منتصف العقد الأول. وأكد إعلانه وبرنامج عمله من جديد الزيف المتأصل في العنصرية والخطر الذي يشكله على العلاقات الودية بين الشعوب والأمم. وقد نص على ما يلي:

  • أي نظرية للتفوق العنصري خاطئة علمياً وجديرة بالإدانة أخلاقياً، وغير عادلة وخطيرة اجتماعياً، ولا مبرر لها على الإطلاق؛
  • إن الشعوب والجماعات البشرية كافة تسهم في تقدم الحضارة والثقافات التي تشكل التراث المشترك للبشرية؛
  • إن جميع أشكال التمييز …. المبنية على نظرية التفوق العنصري أو عدم المخالطة العنصرية أو الحقد العنصري تمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية وتعرض للخطر علاقات الصداقة بين الشعوب والتعاون بين الأمم والسلم والأمن الدوليين.

وقد أدان على وجه التحديد الفصل العنصري، “أشد أشكال العنصرية المؤسسية تطرفاً” بوصفه جريمة ضد الإنسانية، وإهانة لكرامة الجنس البشري وخطراً على السلم والأمن في العالم. وبالإضافة إلى ذلك، أوصى بأن تشمل الجهود المبذولة لمكافحة العنصرية، نظراً لأوجه التفاوت الاقتصادي الحادة الناتجة عن التمييز العنصري، تدابير تستهدف تحسين ظروف معيشة الرجال والنساء.

وكثيراً ما يُسهِّل التقاعس الرسمي التجليات العنيفة للتحامل. والتمييز يعني أن تُحرم مجموعات أو فئات بعينها من المساواة في التمتع بالحماية من جانب القانون ضد العنف الذي تتعرض له، ومن ذلك الاعتداءات العنصرية، والعنف العائلي، والاعتداءات التي تستهدف الأشخاص بسبب دينهم.

يكفل القانون الدولي الحقوق الإنسانية للجميع دونما تمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو غير ذلك من أوضاع.

إن على الحكومات واجب اتخاذ التدابير الأساسية اللازمة لضمان حق الجميع في الحرية من التمييز. فينبغي عليها إلغاء التشريعات المميِّزة التي تيسِّر انتهاكات حقوق الإنسان وتحرم البشر من المساواة أمام العدالة. ويتعين عليها توفير الحماية الفعالة من العنف في المجتمع الكبير. كما ينبغي أن تتصدى قوانين الدولة ومؤسساتها للأسباب الجذرية التي تقف وراء التمييز عوضاً عن إعادة إنتاجها أو توظيفها لخدمة الأغراض السياسية.

التمييز المباشر هو معاملة شخص أو مجموعة من الأشخاص على أنهم أقل حظاً أو بصورة تلحق بهم الأذى استناداً إلى صفة أو سمة محظورة لديهم من قبيل عرقهم أو نوعهم الاجتماعي.

أما التمييز غير المباشر فيقع عندما تبدو ممارسة أو قاعدة أو متطلب أو شرط ما محايدة، ولكن نتائجها تؤثر على أفراد أو جماعات بعينها بصورة غير متناسبة، ما لم يكن لهذه الممارسة أو القاعدة أو المتطلب أو الشرط ما يبررها. ويتوجب على الحكومات أن تأخذ في الحسبان الفوارق ذات الصلة بين الجماعات حتى تحول دون التمييز غير المباشر.

– وفي أموالهم حق للسائل والمحروم…. التأسيس الثقافي لوضع قوانين لحفظ حقوق الفقراء والمحرومين.

اعتبر الله تعالى ورسوله أنّ أموال الناس ليست كلها ملك لهم بل عليهم أن يقتطعوا منها حصة للفقراء المحرومين وهذا منتهى العدل والرحمة. فهي بالتأكيد تفوق حاجتهم إذا بلغت نصاباً معيناً سمي بنصاب الزكاة حيث يفيض المال عن حاجة صاحبه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وكل ما يلزمه من زينة ووسائل راحة وترفيه, فما نفع تكديسها وكنزها وآلاف الفقراء يتضورون جوعاً ويبيتون على الطوى.

قال تعالى :

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ” (سورة البقرة : 267).

وإذا لم يأمر الله ورسوله بهذا الحق لا أحد يرأف لحالهم ويعطيهم من ماله إلا ما ندر وإذا أعطاهم لا يعتبره حقاً لهم بل يمن عليهم بذلك أو يطالبهم بثمن لا يستطيعون دفعه .

جاءت الشريعة الإسلامية لحفظ خمسة مقاصد أساسية، عُرفت بالضرورات الخمسة؛ وهي: الدين والعقل والعرض والنفس والمال.

غير أن المقصدين الأخيرين المتعلقين بالنفس والمال تعرضا في الفترة الأخيرة للعديد من المخاطر، خاصة مع تزايد حالات الفقر، بعد أن رفعت العديد من الدول يدها عن حماية فقرائها، وتركت الباب مفتوحاً أمام جشع أغنيائها.

سياسة رفع اليد عن الفقراء ارتبط بمنظومة قيمية تحكم عالم ما بعد العولمة، عالم الحرية الاقتصادية التي عبَّرت عن نفسها في عدد من القرارات تمت صياغتها وفق مصلحة الدول الغنية، والشركات المتعددة الجنسيات التي فرضت رؤيتها وقيمها على المؤسسات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية التي تعتبر بحق إحدى دعائم وتجليات العولمة في مفهومها المادي والاقتصادي.

إن دعم الفقراء ضرورة قومية وهيكل معتمد في جميع النظم الاقتصادية؛ لتلبية الحاجات الأساسية وصيانة السلام الاجتماعي.

فمن حيث الإسلام، لقد جعل في مال الغني حقوقًا للفقير، قال تعالى: “وفي أموالهم حق للسائل والمحروم”.

والزكاة واحدة من تشريعات كثيرة تعمق المحبة بين المسلمين؛ لأنها تطهير لمال الغني وحفظ له من التلف، وإحساس بالواجب نحو فقراء المسلمين، وهي كذلك تقضي احتياجات الفقراء، وتدفع عنهم أعباء الحياة ومشاقها، كما أنها شكر لله على نعمته.

وإيتاء الزكاة يقضي على الأمراض الاجتماعية الخطيرة، مثل: الحقد، والحسد، والبغضاء، وهي تضر بالمجتمع وبالفرد معاً.

القصد من جباية الزكاة كما أمر الله هي بسط العدالة الإسلامية ومن أجل اجتثاث الفقر من المجتمع الإسلامي الذي يستغل البعض من أعداء الإسلام الحاجة لأفراد من العاطلين عن العمل لاستغلالهم في أعمال إرهابية ضد أوطانهم ودولهم تحت شعارات ودعايات مختلفة مخادعة تستغل جهلهم في أصول الدين ومقاصد الشريعة، الهدف منها زعزعة الدول الإسلامية وإعاقة نهوضها وتطورها لصالح الطامعين في ثرواتها من أعداء العرب والمسلمين .

أما من الناحية الاقتصادية، يجب اتباع استراتيجية لمكافحة الفقر تعتمد على المساعدات والدعم وأساليب التنمية للمشاريع من خلال جعل جمعيات مدنية تنموية تعمل على التدريب وتنمية الخبرات المهنية وتعبئة المجتمع لمبادرات تنشيط للعمل والمشاريع وبث روح المنافسة والانتاجية والمسؤولية لدى الفئات الفقيرة. كما يعتبر استمرار الدعم للطبقات الفقيرة ضرورة في الحاضر والمستقبل القريب، إذ يؤدي إلغاؤه إلى أعباء اقتصادية واجتماعية فادحة، ولكن يجب تطوير آليات الدعم بدعم مبادرات هذه المشاريع والاعتماد على الذات حتى لا يكون الفقر مواكب لقلة النشاط والتواكل.

لكل إنسان في كل مكان الحق في العيش بكرامة. وهذا يعني أنه لا يجوز حرمان أحد من حقه في التعليم والمسكن الملائم والغذاء والماء والمرافق الصحية والحصول على أرفع مستوى صحي ممكن، وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لا بدّ من وضع رؤية جوهرية تحرّر الفقراء والمحرومين من أوضاعهم المعيشية المزرية. وذلك بتغيير واقع هؤلاء الفقراء والانعتاق الكامل من عبودية المعاناة والحرمان. والإدراك أن منطق المعونات والمساعدات والهبات المؤقتة ومنهج الإحسان وإطعام الفقراء قد تعين لبعض الوقت، ولكنها تبقي حال الفقراء على ما هو عليه.

من حق الفقراء والضعفاء في أن يكون لهم موقع في البناء الاجتماعي، والثقة بأن كل إنسان لديه طاقات كامنة مستعدة للانطلاق متى أُتيحت له الفرصة.. لذا فتوفير الفرص المتاحة، والمساواة بينهم وبين الأقوياء والأغنياء، أحد أهم مؤشرات التمكين.

ولأن الفقر يؤدي إلى الاستبعاد الاجتماعي والتهميش والعزل.. حيث من ليس معه، أو من لا يملك لا يستطيع أن يندمج في المجتمع، أو يؤدي دوراً مفيداً في العملية الإنتاجية (هذا إذا كان الاقتصاد إنتاجياً، وبالطبع يتفاقم الأمر إذا كان الاقتصاد خدماتياً وريعياً).. فإنه يترتب على ذلك:

  • عدم القدرة على المشاركة
  • عدم تحقق المساواة
  • عدم التمتع بالحقوق بأبعادها المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وهو ما يعني غياب المواطنة عن هؤلاء الفقراء.. وعليه فإنه يجب بذل جهد مجتمعي لجعل المواطنة حاضرة وليست افتراضية.

وهنا يجب وضع استراتيجية شاملة لمواجهة الفقر تأخذ في الاعتبار كل أنماط اللامساواة الاجتماعية، والأشكال الجديدة من التفاوتات الاجتماعية التي تؤدي إلي الاستبعاد والتهميش الاجتماعي، ووضع سياسات اجتماعية تقوم على زيادة وعي الفقراء والمهمشين بحقوقهم من خلال تحريرهم وتمكينهم وتمتعهم بالمواطنة.

في تقرير لمنظمة الصحة العالمية أعلنت فيه أن (12مليون) طفلاً يموتون سنوياًَ في الدول النامية قبل أن يبلغوا الخامسة من عمرهم وأكد التقرير أن الوفيات تنتج عن أمراض متعددة يسهل تجنبها إذا توفرت الموارد اللازمة وإن مكافحة الفقر المدقع الذي يعانيه أكثر من (1) من (5) أشخاص في العالم بات ضرورة لتحسين الحالة الصحية للعالم الثالث. وأن الفقر هو السبب الرئيسي وراء عدم توفر المياه النظيفة والظروف الصحية السليمة وعدم توفر الأدوية ووسائل العلاج الأخرى. وأكد أيضاً أن أكثر من (200 مليون) طفل هم نحو ثلث أطفال العالم يعانون من سوء التغذية بسبب الفقر. وإن الجوع المديد الذي يستمر لبضعة أشهر يؤدي إلى نقص كبير في السكر في الدم وهذا بدوره يؤدي إلى تظاهرات دماغيه كالصداع والضعف والاختلاج والتخليط الذهني وعدم التوافق الحركي, علاوة على الهزال الشديد. والذي قد يؤدي إلى السبات ثم الموت كما يشاهد بكثرة أثناء المجاعات إن ضحايا سوء التغذية في العالم تشكل أكبر نسبة بين الوفيات الأطفال وخاصة حين يتضافر عاملا الجهل والفقر في إبادة براعم الجنس البشري.

وحسب إحصائيات مشافي دمشق فإن وفيات الأطفال بسوء التغذية في سوريا تحتل المقام الأول بين أسباب الوفيات عامةً ووفيات الأطفال خاصة. ولعل عدم تمكن أسرنا الفقيدة من شراء اللحوم والبيض والحليب بما يكفي حاجتها يؤدي في المقام الأول إلى ما يسمى بالعوز البروتيني الحروري. والإسلام العظيم بتعليماته الرائعة ونظام الزكاة فيه وجه أتباعه إلى مكافحة الجوع في مجتمعاته بدعوتهم إلى إطعام الطعام وجعله أرقى أنواع الصدقات وهكذا يصف القرآن حواراً مع أهل النار عن سبب دخولهم إليها فقال جلا وعلى: “ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين”. ووصف الكفار بقوله: “أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين”. فجعل من صفات أهل جهنم البخل وعدم إعطاء الفقراء حقهم من الطعام والكساء ولم يكتف بهذا بل جعل من كمال إيمان المؤمن أن لا يبيت متمتعاً بنعمة الشبع وبقربه أخ أو جار يبت على الطوى ويذوق مرارة الجوع. وقد روي عن الامام علي بن أبي طالب عليه السلام أن قال: “إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنيائهم”.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.