التأسيس الثقافي لإرساء قوانين لحماية حرية المعتقد والضمير

مملكة البحرين

جمعيّة التجديد الثقافيّة الاجتماعيّة

 

 

التأسيس الثقافي لإرساء قوانين لحماية حرية المعتقد والضمير

 

الدكتور محمد شحرور

مؤتمر ” شرائع السماء وحقوق الإنسان – عودة للجذور”

مملكة البحرين: 3 إلى 5 أبريل 2010م

 

 

إن قضية الحرية بمعناها الشامل، تستند في مسارها على معتقدات وقيم وشرائع. لكن الذي يربط بين كل هذه المجالات هو الثقافة. وبالنظر إلى خطورة هذا الميدان، فإننا سنوجه حوارنا دراستنا نحو هذا المجال. وانطلاقا من هذا المبدإ البسيط، فإنه إن لم تتغير الثقافة فلا يمكن أن نتقدم نتحرر مثلما تقدمت أمم وتحررت.

وستنصب دراستنا على إشكاليات أجملناها ضمن محاور خمسة. وهي :
العنوان الأول : ما علاقة (لا إكراه في الدين) مع بقية الآية ( قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لهـا )

تعد هذه الآية عنوان العقيدة الإسلامية في بعدها الإنساني التي تنير درب الإنسان في الطاعة والمعصية على حد سواء، في مختلف العصور. وهي تركز على حرية الاختيار، وحرية الضمير والاعتقاد. لذا، تم ربط الحرية مباشرة بـالإيمان بالله ونبذ الطاغوت والكفر به. ولعل في ذلك إشارة من الأهمية بمكان تحتاج الإنسانية اليوم إلى التأمل في ثناياها. فالإيمان بالله لا يكون كاملا، بل، لربما يكون مهددا في وجوده إن لم يستند على الكفر بالإكراه والطاغوت. أي أن العروة الوثقى مؤلَّفة من اجتماع ثلاثة عناصر هي (لا إكراه في الدين) ؛ مضافا إليها (الإيمان بالله) ؛ مضافا إليها (الكفر بالطاغوت) وهذه العناصر الثلاثة هي من سِمات المجتمعات الإنسانية الحرة.

العنوان الثاني : ما علاقة ” إنما المشركون نجس” بحريةالمعتقد ؟ وكيف نحترم الإنسان إذا قال عنه التنزيل بأنه ” نجس ” ؟

من خلال هذه الآية، يبدو وضع المسلمين حرجا للغاية. إذ ما معنى أن تقول إن الناس سواسية وتدعوهم للتعارف باعتبارهم مختلفين وبكونهم شعوبا وقبائل، بل وأن اختلافهم اقتضته السُّنن الكونية، ثم تصف المشركين منهم بكونهم ” نجسا ” ؟ والحقيقة هي أنه لا بد من إعادة الاعتبار لقراءات معاصرة تكتشف ما كان مكنونا من الكتاب، والتفاعل مع الآيات الكونية والبحث عن معنى لهذا الإشكال وتحريره. إذن، فـ” النجاسة ” المقصودة في النص الذي يثير الإشكال تقتضي أمرا آخر غير القذارة. كما ويتضح التدخل الخارجي في المنظومة القيمية الإسلامية، من قبيل الإسرائيليات التي دخلت على التفاسير والفقه وغير ذلك من مجالات العلوم والثقافة للأمة الإسلامية طيلة قرون قد خلت.

إن مفهوم النجاسة في عقلية ترادفية مثل العقل العربي لا يضيرها أن تساويَها بالقذارة، وأن الطهارة هي عكسها. ولا يضيرها أيضا أن تسوي بين “النجس” و”الرجس”.

ومن ثم، فالمشرك من هذه الزاوية لا يحق له الاقتراب من المسجد الحرام. لكن النجس المقصود في التنزيل هو غير ذلك، وهو مما سنتناوله في الدراسة متكاملا مع جوانبها الأخرى. ذلك أننا لا نستبعد أن تلك التدخلات اليهودية، بشكل خاص، قد أعادت صياغة القيم والفقه على أسس غير تلك التي بناها عليها التنزيل الحكيم. ومن ثَمّ، وجب تحرير مفهوم النجاسة من الثقافة حتى يتسنى لنا رؤيته بشكل يتلاءم مع الالتزامات التي تقتضيها الرسالة نفسها، والعلاقات الإنسانية.

العنوان الثالث : مفهوم السماح في الإسلام. أي الإسلام دين التسامح. فمن أين جاءت (سمحنا لأهل الكتاب بممارسة الشعائر وتم الإقصاء السياسي)

نتناول في هذا المحور مفهوم “السماح”. فكثيرا ما نسمع إن “الإسلام دين التسامح”، أو “سماحة الإسلام”، وغيرها من مثل هذه العبارات التي ارتقت إلى مرتبة البدهيات، والمنطلقات البسيطة التي لا يمكن لأحد أن يناقشها أو يثير حولها شكوكا، فما بالك بنقدها ؟

لكن الملاحظ هو أننا سنفترض أن هذه العبارة، أو هذا المفهوم (السماحة) من الشوائب التي ينبغي أن نعيد فيها النظر، بقراءة صحيحة ومعاصرة. وعليه، فإن مناقشة مفهوم من هذا القبيل، يقتضي قدرا من الشجاعة للاعتراف بكون أن ترجمة هذا المفهوم تعني كون المسلمين (المؤمنين بمفهومنا وبمفهوم التنزيل) قد سمحوا لأهل الكتاب (الذمّيين، بلغة الفقه والشريعة)، بممارسة عباداتهم وشعائرهم، لكن المقابل هناك الإقصاء السياسي. ومن ثَمّ، نتساءل حقا عن السماحة المتحدَّث عنها في واقع الحال الذي عاش فيه المسلمون، وكيف تصرفوا بين السماح بالشعائر مقابل تحجيم المشاركة السياسية، إن لم نقل الإقصاء ؛ وكيف نفهم الآن الديانة السمحاء.

العنوان الرابع : مفهوم أن الأعمار مفتوحة، والأرزاق مفتوحة.

إن من المفاهيم الخطيرة التي يطمئن إليها العقل المسلم، بمختلف مستويات علمه وثقافته وتربيته كون الأعمار والأرزاق محتومة محدودة سلفا.

لكننا نقول بالعكس تماما، وبالجزم. ذلك أن تتبع التنزيل الحكيم متابعة متأنية، سنجد أن الأعمار والأرزاق مرتبطة بالسنن الكونية، وأنها مفتوحة وممدودة. وسنناقش، بطبيعة الحال، أدلة على ما نقدم من أطروحة في هذا المجال.

العنوان الخامس : الفرق بين العبادية والعبودية ( وما خلقتُ الجن والانس إلا ليعبدون)

إن أهم محور، سنتناوله بالدرس والتحليل، هو الفرق بين العبادية والعبودية. ونص التنزيل يسير في هذا الاتجاه. إن العبودية بكونها نقضا للحرية أي عكس الرق أسهم كثيرا في تكريس هذا المفهوم المنحرف.
فإيماننا يمنعنا من أن نعتقد أن الله يريد عبيدا، وليس عبادا أحرارا كاملي الأهلية والحرية. وسنقف على هذا الجانب بمزيد من التوضيح.

فالناس عباد الله في الدنيا، وعبيده يوم الحساب، حيث لا خيار لهم ويحتاجون فقط إلى محاكمة عادلة. ” وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ. ” [فُصِّلَت : 46]؛ ” وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ. ” [الحـج : 10] ؛ ” وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ. ” [ق : 29] فالناس والكون كله عبيد الله من مقام الربوبية، والناس فقط عباده من مقام الألوهية في الدنيا.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.