كلمة رئيس جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

مملكة البحرين

جمعيّة التجديد الثقافيّة الاجتماعيّة

 

كلمة رئيس جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

 

الأستاذ رضا رجب

مؤتمر ” شرائع السماء وحقوق الإنسان – عودة للجذور”

مملكة البحرين: 3 إلى 5 أبريل 2010م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ضيوف المؤتمر الكرام… سعادة الممثل الشخصيّ لصاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه… الإخوة المفكرون وممثلو المنظمات الحقوقية العربية والدولية … أعضاء جمعية التجديد الثقافية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني أن أرحب بكم في مؤتمرنا “شرائعُ السماءِ وحقوقُ الإنسان… عودةٌ للجذور” … وأخصُّ بالذكر من تجشّم عناء السفر وقطع المسافات ليشارك معنا في هذا العمل الجليل… نسأل الله أن يُباركه ويجعله في ميزان حسناتكم.

إخوتي الكرام،

كما هو حال الكثير من المفاهيم التي احتدم النقاش حولها بين مثقفي الأمة حتى باتت الإجابات عليها متناقضات … كالحكم بالشورى أم بالديمقراطية؟ بالشريعة أم بالقانون؟ وهل الحلُّ في الدولة الديمقراطية أم في الدولة الإسلامية؟ … أضحى الحديث عن المبادئ العامة لحقوقِ الإنسان أيضاً من المتناقضات … وباتت – وللأسف – دعوات احترام كرامة الإنسان وحقوقِه وحرّية اختياره تُوصَم بالشبهة والتغريب … وكأنّها دعواتٌ لهدم الدين والوطن لا لنصرتهما!!

لم يع أصحاب هذه الآراء أنهم لم يساهموا بآرائهم تلك في غربة الإسلام عن المسلمين فحسب… بل شاركوا في حرمان البشرية قاطبة من منظومة إنسانية سامية، ومخزون ثقافي هائل، هي بأمسِّ الحاجةِ إليه اليوم للخروج من الظلام الذي خيّم على العالم… ولم يع أصحاب تلك الآراء أنهم إنما تصدّوا للمقاصد الكبرى التي قامت عليها جميع رسالات السماء … فحريّة الاختيارِ، والعدالةُ، والمساواةُ، وإغاثةُ المسكينِ، وحمايةُ المستضعفِ، واحترامُ الرأي الآخر، وإجارة المضطرّ، وإكرام المرأة، ورفع الظلم، ونبذ التمييز، إنما كانت هي الأسس والمقاصد التي رسختها شرائع السماء… ولم تغادرْها اليوم قيد أنملة كافة المواثيقِ والعهود الدولية لحقوق الإنسان وإن جاءت بلغة عصرية.

الإخوةُ والأخواتُ الكرام،

لقد أدّى هذا الفهم القاصر للمبادئِِ الإسلامية الإنسانية إلى ترسيخ الاعتقاد في مُخَيَلة الشعوب الإسلامية بأنّ “العهود الدولية لحقوقِ الإنسان” تُنافي الإسلام في بعض أصولها وفروعها … وأنها بضاعةٌ غربيةٌ حقُّها الرفضُ!! … ممّا أوحى لبعض المسلمين بأنّ التصديَّ لها واجبٌ للدفاع عن تراث المسلمينَ وللمحافظة على نقاءِ الإسلام… فساهم في ازديادِ الهوّة يوماً بعد يوم … بل وساهم بكل أسف في تكريس الاستبداد الديني والسياسي.

إنّنا نعترف بتقدّمِ القوانين الإنسانية في العالم وأنّها قدّمت الكثير للبشرية في عصرنا الحاضر … ولكنّنا لا نعتقدُ بكمالِها وقدرتها على بسط القسط والعدل بين جميع البشر … كما إنّ تلك القوانين قد بقيت ضحيّة لهيمنة القوى الكبرى التي ما فتِئتْ تُجيّرُها كلّما لاح في الأفق ما يتعارض مع مصالحها السياسية …

نعم … حين انتشر الخطاب الدينيُّ المنكفئ على الذات… وتراجع الخطاب الإسلاميُّ الإنسانيُّ العالمي … فقد حينها انسجامه مع النهضة الإنسانية التي تشهدها التشريعات العالمية … وبات نشطاء حقوق الإنسان في الدول الإسلامية بين فكّي كمّاشة … وأصبح المشهد يوحي بمواجهة بينهم وبين ما يعتقد بأنّها ثقافةٌ إسلامية.

نرجو بهذا المشروع ربط الثمرة بجذرها من جديد… وتوضيح ما خفي وما طُمس من وحي السماء ومن الأعراف الأصيلة… الأمر الذي حال بين أمتنا وبين هذه النهضة الإنسانية في التشريعاتِ … فنحن نؤمن بأنّ السماء كانت مصدر المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان … ففي قوله تعالى “لا إِكْراه في الدِّين” صدر الإعلان العالمي لحريّة المعتقد… وفي قوله “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” صدرَ إعلانُ الكرامةِ الإنسانيةِ المقتضيةِ نبذَ التمييزِ على أساسِ العرقِ والدينِ والطائفةِ واللونِ والمذهب … وفي قولِه “أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا” وقولَه “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ …” تم التأسيسُ لقوانينَ الهجرةِ واللجوءِ … وقولُِه “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” أصِّل مبدأَ الحوار والتواصل في العلاقات الإنسانية … بل وحتى حقوق الملكية الفكرية لم تغفَلْ في مثل قوله تعالى “وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ” … وغيرها الكثير مما سيُبحث خلالَ جلسات هذا المؤتمر الكريم.

ونحن إذ نتشرف في هذه اللحظة بالإعلان عن بدءِ أعمال المؤتمر … نأمل أن يكون هذا الجهد المشترك مباركاً، ليغدو مساهمة حقيقية في إعادة بناء مجتمعاتنا الحرّة والواعية وفق مقتضيات الحقِّ والعدل والفضيلة.
أشكركم على حسنِ الاستماع،

والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.