الحقن العنصري في التربية الإسرائيلية ..

الحقن-العنصدي-في-التربية-الاسرائيلية

قبل أكثر من نصف قرن قال أحد علماء الإسلام المصلحين: “مازلنا نتناقش في الوضوء عن غسل القدم أو مسح القدم، حتى لم يبق لنا في الشرق موطئ قدم”، واليوم يبدو أن بعض مثقفينا ونخبنا يريدون أن يمضوا في مناقشة هزيمة المقاومة أو انتصارها على العدو الصهيوني حتى لا يبقى للّبنانيين في لبنان موطئ قدم، منشغلين عن محاربة العدو المشترك، وموظّفين أقلامهم لخدمته، عوضاً عن توحيد الجهود للتعريف بحقيقة هذا العدوّ الشرس وخصائصه وخططه – لمن لا يعلم – والتذكير بجوهر الصراع العربي الإسرائيلي وجذوره لمن نسى وصارت إسرائيل بالنسبة له أمراً واقعاً أو شرّاً لابدّ منه.

أن تُزرع إسرائيل في قلب الوطن العربي ليس قدراً مكتوباً على أمّتنا، أو قضاء إلهياً لا يمكننا ردّه، فقد أُسّس هذا الجسم الغريب بناء على مخطط استعماري مدروس يهدف إلى “إقامة حاجز بشري بين عرب آسيا وأفريقيا على مقربة قناة السويس يكون قوة صديقة للاستعمار عدوة لأهل المنطقة” بحسب ما جاء في قرارات مؤتمر لندن (1905-1907) الذي دعا إليه رئيس الوزراء البريطاني آنذاك لتدارس سبل تحصين الإمبراطوريات الاستعمارية من الزوال. لقد أصاب الغرب في اختيار هذا الحاجز البشري من الصهاينة المتفرّدين بخصائص الفوقية العرقية المستقاة أولاً من اعتقادهم بأنهم “شعب الله المختار”، وثانياً من التربية العنصرية للأجيال اليهودية بتعميق مفهوم الفوقية لدى الناشئة، وزرعه في عقول الدارسين جيلاً بعد جيل؛ فعلى سبيل المثال جاء في كتاب دراسات توراتية للكاتب حنّا حنّا إنّ:

“إحدى الحكم المفضّلة التي يعلّمها اليهودي لابنه: لا تثق بأي كان يا بُني !!

وعندما سأله ابنه: وكيف هذا يا أبي؟

أخذه الأب ووضعه فوق صخرة مرتفعة وقال له هكذا يا بُني، ألقِ بنفسك إليّ لألتقطك؛

فرمى الطفل نفسه فانزاح الأب من تحته وسقط الطفل على الأرض وانقرفت رقبته!

فقال الطفل: لماذا هكذا يا أبي؟

فقال الأب: ألم أقل لك لا تثق بأي كان .. فهذا جزاؤك!!

هذا هو الدرس الأول الذي يتلقنه الطفل اليهودي من أبيه ولا ينساه أبداً ..

وأما الدرس الأخير وهي الوصية التي يتركها اليهودي لابنه بعد موته حين يقول له:

يا بني وصيتي الأخيرة هي هذه الزجاجة، فماذا ترى فيها؟

فيقول الابن: إني أرى فيها حصاة في ماء، فيقول الأب: وصيتي يا بني، إلى أن تنصهر هذه الحصاة في الماء، عندئذ ينصهر اليهودي بين الأغيار!! وهكذا يبقى اليهودي متقوقعاً على نفسه وينفر من الاندماج بأي مجتمع لأنه شعب مقدّس”.

ذلك لأن اليهود في الكيان الصهيوني يعيشون حالة الاستعلاء والعنصرية والفوقية تجاه (الجوييم) “الوثنيين والكفرة والبهائم والأنجاس، مهما يكن الإله الذي يعبدونه” وأما هم “فهم أبناء الله وأحباؤه”.

ولا يقتصر الحقن العنصري على التربية الوالدية للأبناء، بل يمتدّ إلى مناهج التعليم في كتب التاريخ والفن والجغرافيا والتربية الوطنية والأدب بكل فروعه كالنصوص النثرية، والمسرحيات والقطع الشعرية التي تمتلئ بالحس العنصري فقد ورد في كتاب الصف السابع هذه المقطوعة:

حوِّل قلوبنا إلى حجارة

كي لا ترتعش أو تلين

حينما نغرس رماحنا في أجسادهم

ونرى دماءهم التي أرقناها

وأمثالها الكثير، بل ترتكز مناهج التربية في المدارس الإسرائيلية على روح العسكرة وإعداد الطفل من الصفوف الأولى ليصبح مقاتلاً ما أثار حفيظة بعض المحللين التربويين فتقول الباحثة “حاجيت غور زئيف” من مركز التربية النقدية: “إن التربية على العسكرة تتم بأساليب مختلفة، كأن يتسلق أطفال الروضات في الاحتفالات الوطنية على الدبابات، ويزيّنون روضاتهم بأعلام وحدات الجيش الإسرائيلي، بدلاً من الاحتفال بقيم الديمقراطية والمساواة والسلام”، وتؤكّد أنه “حتى في الأعياد الدينية هناك دائماً تمييز بين نحن (اليهود) وهم (الأغيار) فالطيبون هم اليهود والأشرار هم الأغيار”، لذلك لم يُدهش العالَم حين جلب العدّو أطفاله وجعلهم يوقّعون على الصواريخ كهدايا إلى أطفال قانا قبل قصفهم!

ومن أغرب الظواهر في سياق التربية على روح العسكرة في مناهج الكيان الغاصب هي تسلّم ضباط متقاعدين من الجيش وجهاز المخابرات (الشاباك) للعمل كمربّين في المدارس فانتقدت خبيرة تربوية من جامعة تل أبيب هذا التوجّه وتساءلت عمّا إذا كان هذا الخلط بين الجيش والتربية يخدم التربية أو يعطلها ويشوه مسارها؟ وتعقّب باحثة يهودية: “يدخل الجنود إلى الصفوف ويتحدثون أمام الطلبة عن فظائع الجيش الإسرائيلي، دون أن يثير ذلك أي تحفّظ لدى الأهالي”.

وتقول الباحثة “نيلي مندلر” في تعليقها على الاتجاه الصهيوني اللاإنساني في مخاطبة عقول الناشئة اليهود: “إن استعراضاً سريعاً لمضامين كتب مباحث العلوم الإنسانية، ومن بينها كتب المطالعة المقررة رسمياً للطلبة من الصف الأول حتى الصف الثامن يبين لنا كم هي محشوة بعبارات التحقير، والأوصاف غير الإنسانية المتوحشة، فالكتب والمراجع التي تقرها وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية لتكون مراجع بين أيدي المعلمين والمربين، هي أشد عنصرية وأكثر فظاعة مما يستخدمه الطلبة أنفسهم”.

فمن السذاجة أن نصدّق أنّ عملية السلام ومعاهداته أثّرت على المناهج التعليمية، ولقد أقرّ البروفيسور “داني بارل” في كتابة “تأثير عملية السلام على مضامين كتب التدريس” الذي صدر عام 1997، أقرّ بعدم تنازل التربية الصهيونية عن توجهاتها التعليمية العنصرية سواء في أوقات الحرب أو السلم بقوله:

“إنّ من يعتقد أن تغييراً جدياً طرأ على كتب التدريس منذ عام 1953 وحتى اتفاقية أوسلو، تكون خيبة الأمل من نصيبه، ففي البحث الذي أجريته على كتب التعليم التي أُلّفت بعد أوسلو في سنوات 1995 ـ 1996 وجدت أن التغيرات التي أُجريت على المناهج الإسرائيلية لم تكن سوى تغييرات تجميلية وبعد أن قمت بتحليل (124) كتاباً في اللغة، الأدب، التاريخ والجغرافيا والمدنيات (التربية الوطنية) المقررة كلها للتدريس بعد عام 1994، وجدت أن غالبية هذه الكتب تشدد على بطولة الشعب اليهودي، وتبرزه بشكل فوقي سوبرماني، فهو صاحب قضية عادلة، يحارب من أجلها ضد عدو عربي ومسلم يرفض الاعتراف بوجود الشعب اليهودي في إسرائيل، كما وأن الحديث عن اليهودي يتم عبر جميع الأوصاف الإيجابية، فهو صاحب أخلاق، مبشِّر بالتطور والازدهار، بينما يفكر العربي دائماً وفقاً لأفكار نمطية سلبية، والتعامل معه يجب أن يتم من خلال إلغاء شرعيته وإنسانيته”.

شهد شاهد من أهلها أن الأطفال الإسرائيليين يرضعون لبن الحقد والكراهية، ويُبرمجون على الاستعلائية والعنصرية وخاصة تجاه العرب والمسلمين بحيث يصبح التعايش بين العرب واليهود مستحيلاً إلاّ إذا تخلّص الطرف الرافض للاندماج في المجتمع الإنساني من عقده النفسية وقرّر أن يندمج ويذوب في المجتمع من حوله فبعدها لن تكون هناك حاجة لوجود دولة (عبرية) خاصة لليهود، بل عليهم أن يعيشوا مع غيرهم وكغيرهم من الديانات الأخرى. ومن واجب المجتمع الإنساني أن يساعد اليهود على التخلص من هذه العقلية الاستعلائية، ولقد قدّمت المقاومة الشريفة في لبنان أعظم خدمة للعالم بانتصارها على الجيش الإسرائيلي فقهرته وحطمت هيبته في نفسه ولدى العالم، ومع ذلك لازلنا نتناقش: هل انتصرت المقاومة أم انهزمت؟ فاجتمع أعداؤنا على باطلهم وافترقنا عن حقّنا.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.