شمشون الجبار بصمة على غايات التدوين

shamshoon2

حكاية شمشون الجبّار، مثّلتها السينما العالمية والعربيّة أفلاماً ومسلسلات، وأُلّفت قصةً للأطفال، وهي حكاية طالما ردّدناها ونحن أطفال، وتفاخر قويّنا أنّه مثل شمشون، شمشون الذي كانت قوّته في خصلات شعره، وأحبّ “دليلة” وباح لها بسرّ قوّته، فخانته وقصّت شعره وهو نائم ففقد قوّته، وأعلمت قومها به، فهجموا عليه وقيّدوه بالسلاسل، ثمّ نبت شعره في خلسة الفجر، وبقوّة خارقة أسقط أساطين القصر المربوط إليها فتهدّم وخرّ عليه وعلى جميع أعدائه!

كان شمشون لدى قدامى اليهود الوجه الشعبي لأسطورة عنترة العربي، ولداراسينغ الهندي، ولهوركليس (هرقل )(1) الروماني، ولسوبرمان الأمريكي ثُمّ “رامبو” الذين يُحاربون الجيوش وحدهم!

فهل هو تنفيس عن العجز والتنكّب باصطناع البطولات الفلميّة والقصصيّة الخارقة؟ و بناء مجد قائم على الكلام والحكايات والخرافة؟ إذ الحكاية الخرافة إنْ لمْ تنطلِ على جيل التأليف فقد تفعل على أجيال ما بعده، ليحسبوه تاريخاً بطولياً حقيقيا لأسلافهم! أم هو أسلوب استنهاض وإعلاء لقيم البطولة والتضحية ولو في أجواء الذلّ والمسكنة والتقاعس؟ مهما كان الأمر فهذه خرافة شعبيّة اندسّت لنا من توراة الكهنة، وشربناها ضاحكين ومستأنسين.

أ- بطولة تعويضيّة ملفّقة

ففي جزيرة العرب من جبال عسير، في صراع بني إسرائيل العشائري مع قرى الفلستيّين (الفلسطينيّيين) والكنعانيّين وغيرهم، الذين كانوا أقوى منهم وأكثر مدنيّة وعدّة، ونتيجة لفساد عشائر بني إسرائيل وجبنهم وتنكّصهم عن تعاليم الأنبياء حتى قالوا لموسى (فاذهب أنت وربّك فقاتلا، إنّا ها هنا قاعدون)، ولمحبّتهم الحياة ولو الذليلة (ولتجدنّهم أحرص الناس على حياة)(يودّ أحدهم لو يُعمّر ألف سنة)، جعلهم يرضون بحياة الذلّ، ويستمرئون العبودية والجبن، ويعتاضون عن الحرّية ودرب العزّة بتأليف بطولات زائفة، بطولات الكلام والأفلام، باصطناع حكاية (شمشون) وتضمينها التوراة لتُتْلى! شمشون (البطل الفرد) الذي حلّت فيه قوّة الربّ، فقلع باب الحصن وحده، وشقّ الأسد نصفين بيده المجرّدة، وقضى نحبه بهدم قلعة على ألوف الفلسطينيّين بمقولة ذاع صيتُها (عليّ وعلى أعدائي)، بطولة لشخصيّة خرافية اصطنعوا ميلادها ثُمّ قبروها بدون أنْ تُنجب عقِباً ولا ذرّية، الهدف منها؛ استشعار العزّة والتعويض عن الجبن ومظاهر الذلّة، وإناطة تحرير الشعب من ذلّته وعبوديّته برجل بطلٍ واحد فريد خارق، لا بقيامهم بأنفسهم لينفروا جميعاً، ذلك لأنّ الأمر يحتاج إلى بطولة خارقة لا عاديّة! فقعدوا على غرار ما صدق الله فيهم (فاذهب أنت وربّك فقاتلا) فصنعوا “شمشون” الذي تحلّ عليه قوّة الربّ ليقاتل هو وربُّه الأعداء بالنيابة عنهم (لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ)(2) ، وهم وادعون آمنون (قاعدون)، كحال بعض معتقدي المهدي (ع) يومَنا، الذين لا يقومون لعزّتهم ولا ينفرون لحضارتهم ولا يُجاهدون للفضيلة ولا للحرّية والعدل والازدهار، بل قعدوا وقلّدوها وأناطوها “المهدي” الذي تحلّ عليه قوّة الربّ، فيقوم بالانتقام لهم من أعدائهم الشخصيّين ومخالفيهم المذهبيّين، هكذا هي الطوائف والعقليّات التي تجعل من نفسها محور الاهتمام والفئة المختارة، والطائفة المحقّة، تُسخّر الله ربّ العالَمين، وأنبياءه، وأولياءه، وأبطالاً (ولو مصطنعين)، تُسخّرهم لها، لتبقى هي مرتاحة مخدومة قاعدة، ولو ظهر نبيّ أو مهدي وقال لهم قوموا معي لقالوا (اذهب أنت وربّك فقاتلا) ليظلوّا قاعدين!

كما نجد في حبّ شمشون (الإسرائيلي) لـ “دليلة” الفلسطينيّة، التي تزوّجها وباح لها بسرّ قوّته وسلّمته لشعبها وفقأوا عينه وأوثقوه بالسلاسل، محاولة وعظيّة لترويض اليهود لرجالهم ألاّ تستهويهم نساء القبائل المجاورة لهم، وأنّ المرأة شرّ وغادرة منذ حوّاء التي كانت أوّل من لوّث سمعتها كجانيةٍ على آدم هم اليهود، فكيف بامرأةٍ من قومٍ آخرين، فكأنّهم يُحاولون نسج “حاراتهم/الغيتو” منذ تلك الأيّام، ويعيشون القبليّة، والفئويّة المُغلقة، التي تتجاوز العلاقات الإنسانيّة وتُبغّضها على أساس عرقيّ وقوميّ. وإليك عزيزي القارئ بعضاً من هذا التدوين لتلك القصّة لترى هوْل الاستخفاف بالعقل، في جعل هذا، تاريخاً، وسفْراً للقضاة، ويُدرج مع كلام الربّ والأنبياء الأبرار والمصلحين في “توراة” واحدة!

من الإصحاح 13-16 من سفر القضاة: فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً, وَلاَ يَعْلُ مُوسَى(3) رَأْسَهُ, لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلَّهِ مِنَ الْبَطْنِ, وَهُوَ يَبْدَأُ يُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ.

وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الرَّبِّ لأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ عِلَّةً عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ مُتَسَلِّطِينَ عَلَى إِسْرَائِيلَ.

فَنَزَلَ شَمْشُونُ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ إِلَى تِمْنَةَ وَأَتَوْا إِلَى كُرُومِ تِمْنَةَ. وَإِذَا بِشِبْلِ أَسَدٍ يُزَمْجِرُ لِلِقَائِهِ.

فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ, فَشَقَّهُ كَشَقِّ الْجَدْيِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ ….

… وتتواصل القصّة …

فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «إِنِّي بَرِيءٌ الآنَ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِذَا عَمِلْتُ بِهِمْ شَرّاً».

وَذَهَبَ شَمْشُونُ وَأَمْسَكَ ثَلاَثَ مِئَةِ ابْنِ آوَى, وَأَخَذَ مَشَاعِلَ وَجَعَلَ ذَنَباً إِلَى ذَنَبٍ, وَوَضَعَ مَشْعَلاً بَيْنَ كُلِّ ذَنَبَيْنِ فِي الْوَسَطِ. ثُمَّ أَضْرَمَ الْمَشَاعِلَ نَاراً وَأَطْلَقَهَا بَيْنَ زُرُوعِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ, فَأَحْرَقَ الأَكْدَاسَ وَالّزَرْعَ وَكُرُومَ الّزَيْتُونِ. وتُترجم بالإنجليزي(4) :

And Samson went and caught three hundred foxes, and took firebrands, and turned tail to tail, and put a firebrand in the midst between two tails.

(يبدو أنّ تخريب أراضي الشعب العربيّ “الفلسطيني” اليوم وتجريف أشجارهم وحرق كرومهم ومزارعهم قد استلهُمتْ من عقليّة “شمشونيّة”، أمّا حكاية صيده لـ 300 ابن آوى (ثعالب) مع استحالة واقعيّة لصيد عشرة منهم، ثمّ تسطير هذه المئات من ابن آوى كالجند المصفوفة، وانتظارهم له طائعين كالدّمى يربط بين أذنابهم ويضع المشاعل وسط عُقَدها، فهذا حتّى أعتى أفلام الكارتون و”ديزني لاند” تسطيحاً تعجز عن رسْمها وتجميع لقطاتها المضحكة في نفسها وعلى العقل!!)

….. وَوَجَدَ فَكَّ حِمَارٍ طَرِيّاً, فَأَخَذَهُ وَضَرَبَ بِهِ أَلْفَ رَجُلٍ.

فَقَالَ شَمْشُونُ: «بفَكِّ حِمَارٍ كُومَةً كُومَتَيْنِ. بِفَكِّ حِمَارٍ قَتَلْتُ أَلْفَ رَجُلٍ».

(ولا ندري ما الفرق بين فكّ الحمار الطري والمجفّف! وكيف قتل به ألف رجل فلسطينيّ؟! هل فكّ الحمار من أسلحة الدمار الشامل أم ماذا؟ لو كانوا ألف دجاجة يتقافزون لكان الأمر مستحيلاً أن يقتلهم بسيف لا بفكّ حمار، ولسقط شمشون مغشيّاً عليه من التعب والإعياء قبل إكماله المائة دجاجة، و لما قدر أن يقتل منهنّ إلاّ بضع دجاجات أو عشرات، إلاّ إذا سُطّرت له الدجاجات منبطحات، فهذا أمرٌ آخر! كما سُطّرت الثلاثمائة ابن آوى قبلاً ليربط أذيالها! ومن جهة ثانية لا ندري ما حكاية “فكّ الحمار” دون غيره، فشمشون هنا يقتل الفلسطينيّين بفكّ حمار، وقابيل قبلاً يقتل أخاه هابيل بفكّ حمار! ألا يُوجَد شيءٌ غير هذا الفكّ؟ أم هي بصمةُ من عقليّة المدوِّن القاصّ؟! أو هناك مغزى خفيّ أنّ الذي لا ينفغر “فكُّه” دهشةً وتكذيباً لإمكانية قتل ألفِ رجلٍ محارب بفكّ “حمار”، فإنّه “هو”! مع الاعتذار للاثنيْن!!

…. فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «أَخْبِرْنِي بِمَاذَا قُّوَتُكَ الْعَظِيمَةُ وَبِمَاذَا تُوثَقُ لإِذْلاَلِكَ؟»

وَأَنَامَتْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَدَعَتْ رَجُلاً وَحَلَقَتْ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِهِ, وَابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِهِ, وَفَارَقَتْهُ قُّوَتُهُ.

وَقَالَتِ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «أَخْرُجُ حَسَبَ كُلِّ مَرَّةٍ وَأَنْتَفِضُ». وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ! فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ, وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى غَّزَةَ وَأَوْثَقُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ.

وَأَوْقَفُوْهُ بَيْنَ الْأَعْمِدَةِ.

فَقَالَ شَمْشُوْنُ لِلْغُلَامِ الْمَاسِكِ بِيَدِهِ دَعْنِيْ أَلْمِسِ الْأَعْمِدَةَ الَّتِيْ الْبَيْتُ قَائِمٌ عَلَيْهَا لِأَسْتَنِدَ عَلَيْهَا.

وَكَانَ الْبَيْتُ مُمْلُوْءَاً رِجَالَاً وَنِسَاءً وَكَانَ هُنَاكَ جَمِيْعُ أَقْطَاْبِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَعَلى السَّطْحِ نَحْوَ ثَلاثَةِ آلافِ رَجُلٍ وَامْرأَةٍ يَنْظُرُونَ لَعْبَ شَمْشُوْنَ.

وَقَبَضَ شَمْشُوْنُ عَلَى الْعَمُودَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ اللّذَيْنِ كَانَ الْبَيْتُ قَائِمَاً عَلَيْهِمَا وَاسْتَنَدَ عَلَيْهِمَا الْوَاحِدِ بِيَمِيْنِهِ وَالْآخَرِ بِيَسَارِهِ.

وَقَالَ شَمْشُوْنُ لِتَمُتْ نَفْسِي مَعَ الْفِلِسْطِينِيّينَ. وَانْحَنى بِقُوّةٍ فَسَقَطَ الْبَيْتُ عَلى الْأقْطَابِ وَعَلى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذي فِيْهِ فَكانَ الْمَوْتى الَّذيْنَ أَمَاتَهُمْ فِي مَوْتِهِ أَكْثَرَ مِنَ الَّذينَ أَمَاتَهُمْ فِي حَياتِهِ.

والآن لنتأمّل العبارة الأخيرة (فَكانَ الْمَوْتى الَّذيْنَ أَمَاتَهُمْ فِي مَوْتِهِ أَكْثَرَ مِنَ الَّذينَ أَمَاتَهُمْ فِي حَياتِهِ)، ولو قرأنا القصّة لما رأينا جريمة للفلسطينيّين سوى عداوة مزعومة أُمضيتْ، وقد قرأنا قبلاً أنّ شمشون قد قتل ألف فلسطيني بفكّ حمار، وأنّه أحرق مزارع كرومهم، يعني أنّ شمشون بالنهاية قتل عدّة آلاف ودمّر وأحرق محاصيل وأباد حيوانات ومزارع الفلسطينيّين، طبعاً بلغة اليوم هذا يُسمّى إرهاباً، لكنّ مع الأسف هذه هي العقليّة التي ترسمها بعضُ نصوص التوراة الملفّقة، فمثلاً نقرأ أفعالاً مُنكرةً أُخرى تُعطى القدسيّة والشرعيّة، لا على أنّها قتال شجعان، ومعارك مبرَّرة يسقط فيها المقاتلون أو تُذبح فيها الأبطال، فهذا حدَث في التاريخ كلّه ولم يشذّ عنه لا دولة ولا دين، بل قتل البهائم وحرق الممتلكات وذبح الأطفال والنساء.

فاقرأ: (وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ. وَذبحُُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ, مِنْ طِفْلٍ وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ) (سفر يوشع 6: 21).

(وَكُلُّ غَنِيمَةِ تِلْكَ الْمُدُنِ وَالْبَهَائِمَ نَهَبَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا الرِّجَالُ فَضَرَبُوهُمْ جَمِيعاً بِحَدِّ السَّيْفِ حَتَّى أَبَادُوهُمْ. لَمْ يُبْقُوا نَسَمَةً) (سفر يوشع 11: 14).

(وَرَجَعَ رِجَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ مِنَ الْمَدِينَةِ بِأَسْرِهَا حَتَّى الْبَهَائِمَ حَتَّى كُلَّ مَا وُجِدَ وَأَيْضاً جَمِيعُ الْمُدُنِ الَّتِي وُجِدَتْ أَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ)

(سفر القضاة 20: 48)

(الَّتِي بِهَا أَعْطَى الْمَلِكُ الْيَهُودَ .. وَيُهْلِكُوا وَيَقْتُلُوا وَيُبِيدُوا قُوَّةَ كُلِّ شَعْبٍ وَكُورَةٍ تُضَادُّهُمْ حَتَّى الأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ) (أستير 8: 11)

وفيما أوحى الله لموسى كما زعموا: (فَضَرْباً تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلكَ المَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. تَجْمَعُ كُل أَمْتِعَتِهَا إِلى وَسَطِ سَاحَتِهَا وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ المَدِينَةَ) (سفر التثنية 13: 15-16).

بينما نجد النقيض في الإسلام؛ وصايا لقتال المعتدين والظالمين فقط، لكن لا حرق المزارع والأشجار وقتل البهائم وذبح الأطفال والنساء، لأنّ المبرّر الشرعي والأخلاقي للقتال هو صيانة الأبرياء (ومنه الحيوان) من الضرر الأكيد ورفع الجور والفساد، (والله لا يُحبّ الفساد)، (والله لا يُحبّ الظالمين)، و(إن الله لا يُحبّ المعتدين)، فرسوله (ص) يُوصي المقاتلين يومئذٍ: (لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ولا شيخا فانيا، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة)، ونهى عن قتل البهائم وقطع الأشجار وتدمير البيئة وإلقاء السموم(5) .

 ب- تفسير خرافة شمشون ودليلة

فالآن، من أين أتوا باسم “شمشون” و”دليلة” (Samson Delilah)؟

إنّه اسم من ثقافة العرب، ومن أساطيرها العلميّة، حيث “شمش” هو قوّة الشمس، وما زالت لهجات عربيّة ذات أصول سريانيّة تُسمّي “شمس” “شمش/سمس” إلى يومنا، وفي أساطير بابل، “شمش” رمز لربّ العدالة وعين الرقيب التي لا يخفى عليها شيء، فهي الشمس التي تُشرق سواسية على الجميع ولا يخفى شيء عليها، ولهذه الخاصّية سمّاها السومريّون “أوتو” تحويراً صوتيا من “حوطو” أي المحيطة/ القرص، فعدا أنّها قرص محيط، فحرارتها وضوؤها يحيط بالجميع وتشرق على الأرض كلّها، وكذلك سمّاها قدامى عرب وادي النيل (أوتو/حوطو) وبلام التعريف (لأوت/لْوت)، ثمّ لمّا انحرف دين التوحيد قبل مبعث النبيّ الأعظم (ص)، استوردوا هذا الاسم من الماضين أو من القبائل السريانية المجاورة، وجعلوا لهذه القوّة/الرمز وثنًا فصارت تُعبَد من دون الله وأدخلوا عليها ألف لام التعريف مرّة أخرى (اللوت/اللات) وهي التي أشار لها القران (أفرأيتُم اللات والعزّى).

فـ(شمش) هو اسم هذه القوة، وتصغير (شمش) بإضافة الواو والنون قديماً (شمشون)(6) ، كقولنا (حمزون، صيدون، زيدون، صغيرون، شارون ..)، لإحالتها إلى الصورة البشريّة.

وحين يُرسم وجه الشمس، إلى اليوم، يُُرسَم محاطاً بشَعْر متطايِر، فأشعّتها الحارقة هي شعْرُها، وقوّتها في هذه الخصائل، لذلك نرى في الحكاية شمشون يُحرق الأربطة والقيود بقوّة شعره! والشمس عند المغيب (أي لدى نومها) تفقد هذه الخصائل الملتهبة فتضعف قوّتها، وظاهراً للعين هي تنزل إلى الأرض (خلف الأفق) لتكون ـ بدلاً من سماويّتها السابقة ـ كأحد الناس، تماماً كما قاله (شمشون) (فَإِنْ حُلِقْتُ تُفَارِقُنِي قُّوَتِي وَأَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَأَحَدِ النَّاسِ)،

وحين ذهب (شمس) لينام تأتي (دليلة) لتقصّ شعر شمس (أيْ أشعّة قرص الشمس) فيفقد قوّته، فـ (دليلة) وكما تُترجم بالإنجليزية Delilah هي (ذي ـ ليلة)، (ذي) أداة التعريف العربيّة القديمة التي صارت بالفرنسية De وبالإنجليزية The والألمانية حافظت على “دا” (Das أو Der) أمّا بعض لهجاتنا فتنطقها (د).

فالأمر كلّه، والزبدة، علمياً وتعليمياً، أنّ (الليلة) تُقصقص أشعّة الـ (شمس) حين تنام/تهبط، وتنبعث مرّةً ثانية لـ (الشمس) أشعتُها (شعْرها) خلسةً مع طلوع فجر اليوم الثاني، فتسترجع قوّتها وتقضي على الكائنات التي تظهر مع الليل (ذي ليلة)، أنصار الليلة والظلام، سواءً النجوم أو الخفافيش وما شابه.

حكمة رمزيّة وتعليميّة ربّما للأطفال لا أكثر ولا أقلّ، طُرّزت في قالب بشري ونُكِّهَتْ وزيدتْ، لتأليف بطولة عشائريّة خاصّة، لأهداف خاصّة، بعد أنْ أهيل عليها تقديسٌ توراتيّ من القصّاصين اليهود!

————————-

(1) هرَقِل/هركولس: مع حذف السين التي يُضيفها الرومان، فهي (هرگْل)كلمة عربية سريانيّة من: هاء التعريف + رگْل، أي رجل، فهي الرجل، البطل، وما زلنا إلى اليوم نقول عن الشهم والبطل أنّه (رجُل ورجّال) ولديه رجولة. لأنّ “رجَلَ” في جذرها العربي معناها القوّة، لذلك سمّيت “رِجْل” تلك التي يمشي بها الإنسان لأنّها أقوى ما لديه وتحمل كاملَ جسمه ولو ركضاً بل وأثقالاً أضعافه فوقه، وهذه الـ (رِجْلْ/رِگْلْ) هي التي تحوّرتْ في الغرب لقرب المخارج والاختصارات النطقية إلى لِگْ (Leg).

(2)سفر يوشع 10: 42، وأيضاً (وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ سَمِعَ فِيهِ الرَّبُّ صَوْتَ إِنْسَانٍ. لأَنَّ الرَّبَّ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ) (يوشع 10: 14).

(3)موسى: هنا تعني شفرة حلاقة.

(4) مع أنّا نشكّ في صحّة الترجمة للعربية والإنجليزية، هل أنّه صنع ثلاثمائة شعلة وضعها بين أذناب عدد قليل من الحيوانات وأطلقها، أم هي فعلاً 300 ثعلباً؟! باعتبار أنّ كلمة (شعل) تعني الأمرين، تعني شعلة، وتعني ثعلباً لإبدال (العبرانية!) وهي سريانية قديمة، الثاء شيناً، وهذا المفردات المهمّة في النصّ (القضاة 15: 4):

بالمسمّى عبري: לכד. שׁלושׁה . מאיה . שׁעל . לפּד . פּנה. זנב. אל. זנב. לפּד. תּוך. בּין. שׁנים. זנב

ونطقها عربيا: لكد (لقط). شلوشة (ثلاثة). ماية (مائة). شعل. لپد (لبادة/ربطة). فنه (ثنى). زنب (ذنب). إل. زنب. لبد. توك (طوق). بين. شنيم (اثنين). زنب.

التقط ثلاثة مائة (شعلة/ثعال: ثعالب)، صنع لبادة وثنى ذنبا إلى ذنب، وجعل لبادة طوق بين كل اثنين ذنب.

(5)محمد الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص565

(6)من الغريب أنّ قاموس سترونج الإنجليزي/العبري يُترجم (shimshôn) أنّها بمعنى ضوء الشمس أيضاً (sunlight). وتُنطق بالعبري שׁמשׁון. أي شمشون.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.