عودة المسيح وكشف التزوير

عودة المسيح وكشف التزوير

من لا يعشق الفضيلة والإحسان والخُلق والجمال والعدل!؟ هي معشوقة لكلّ إنسان، لكن البعض القليل هو من يسعى جادا في الوصول إليها، وتكون محطّ رحلته في دنياه، مهيمنة على كلّ اهتماماته، أما عند الآخرين فتبقى مجرد أمنيات لا ترقى إلى مرحلة الرجاء، ولكن مهما تكن إرادة أكثر الناس باهتة في سعيها للإصلاح الحقيقي؛ إلا أنّ في ذهنية الشعوب كافة وبمختلف اعتقاداتهم شعورا يتنامى بأنّ قيم المجتمعات باتت مهددة وفي خطر، وبإزاء هذا الشعور تزداد حاجتها وتطلعها وترقبها للمصلح المنتظرـ بغض النظر عن تحديد هوية الشخص المنقذ ـ ليعيد للإنسان قيمه الضائعة في بيئات تحتضن الصلاح والخير والعدل ويعمّ السلام، وتمحى كلّ بؤر الفساد والشر والظلم، وتنتهي الحروب والدمار والجوع والفقر.

إنّ الإيمان بحتمية ظهور المصلح العدل للعالم بأسره لهي فكرة مركوزة متجذرة منذ القديم، نجدها حتى «في كتب ديانات المصريين(عرب وادي النيل) والصينيين والمغول والبوذيين والمجوس والهنود والأحباش فضلاً عن الديانات الكبرى الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلامية»1.
ورغم التشكيك في التصورات الدينية الميتافيزيقية، إلا أنّ الفكرة لم تنقطع عن الإيمان بها حتى في عالمنا الحديث، يقول المفكر البريطاني الشهير برتراند رسل: «إن العالم في انتظار مصلح يُوحّده تحت لواء واحد وشعار واحد»2، ويقول العالم الفيزياوي المعروف ألبرت آينشتاين صاحب النظرية النسبية: «إن اليوم الذي يسود العالمَ كله فيه السلام والصفاء ويكونُ الناس متحابين متآخين ليس ببعيد»3.

في الخبر عن النبي (ص) قال: « ينزل عيسى بن مريم عند قيام الساعة، ويكون نزوله على المنارة البيضاء ………، فإذا نزل يدخل المسجد ويقعد على المنبر، فتتسامع الناس به فيدخل عليه المسلمون والنصارى واليهود، فيزدحمون هناك حتى يطأ بعضهم رأس بعض، فيأتي مؤذن المسلمين فيقيم الصلاة وهي صلاة الفجر فيصلي عيسى مأموما مقتديا بالمهدي»4، وعن النبي (ص) قال: يقتل عيسى بن مريم عليه السلام الدجال….. »5 ، وفي أخرى: عن النبي (ص) قال: سيدرك رجال من أمتي عيسى بن مريم، ويشهدون قتال الدجال »6

هذه بعض الروايات الواردة عن النبي الأكرم محمد(ص) كإخبارات غيبية تحدد بعض الملامح العامة لدور النبي عيسى(ع) بعد نزوله إلى الأرض وقت ظهور الأمام المنتظر المهدي (ع)، فما أهم أدواره عليه السلام!؟
للإجابة على التساؤل علينا أن نحدد أهم العوائق لنشر العدل والقسط في كوكبنا الأرضي، إنه « تزوير الحقّ »، فالحقّ قد تلبس بالباطل حتى لا يُرى منه إلا شيئا خفيا، فأنّى للسيد المسيح أن يغيّر عقلية العالم ـ وخصوصا العالم الغربي ـ وأمامه سيل من الاتهامات حتى في طهارة مولده، فضلا عن تشنيعات التوراتيين له ولأنبياء بني إسرائيل من قبله!؟

إنّ فكرة صلب السيد المسيح إنما كان بتحريض وإصرار اليهود؛ لأنهم ادعّوا أنه أثار القلاقل بينهم فحكم عليه الرومانيون بالموت؛ لإنهاء الفتنة التي ابتدأها، وتشكل هذه الحادثة حجر زاوية في العلاقة بين اليهود والمسيحيين، وقد ظل اليهود “أمة ملعونة” لمدة ألف وخمسمائة عام، لأنهم – في اعتقاد المسيحيين- هم قتلة السيد المسيح، ولكن حدث تغير عجيب في قناعة المسيحيين الغربيين – على الأقل- مع بزوغ ما عرف بحركة الإصلاح في القرن الخامس عشر الميلادي، فأصبحت عقيدة المسيحية الجديدة التي عرفت باسم البروتستانتية أكبر مدافع عن اليهودية، وأصبحت لمرجعية التوراة – أو العهد القديم- أهمية أكبر في نظر البروتستانت من الإنجيل أو العهد الجديد، وبدأت صورة الأمة اليهودية تتحول في أذهان المسيحيين الجدد من “أمة ملعونة” إلى “أبناء الرب” ومن “الغيتو” إلى ” قمة المجتمع “. وقد ظهر هذا التحول في كتابات رائد الإصلاح البروتستانتي، القس (مارتن لوثر). كتب لوثر عام 1523 كتابا عنوانه: “المسيح ولد يهوديا”، وكان مما قال في كتابه: « إن الروح القدس شاءت أن تنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم. إن اليهود هم أبناء الرب، ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل من فتات مائدة أسيادها »7، وبهذه الأفكار وأمثالها أثَّر لوثر في مشاعر الأوربيين تأثيرًا ظل مستمرًّا عدة قرون، بل وإلى زماننا الآن.
لقد كان ” لوثر” مدفوعا بقوة من شرار اليهود في ثورته على الكنيسة الكاثوليكية المسيطرة على غرب أوربا، وقد ناصره في ثورته على الكنيسة عامة القساوسة اليهود الذين سيطروا على أكثر من مكان حساس في الكنائس الأوربية، إرضاء لأنفسهم وهواهم في التمسك بتراث آبائهم وحفظ شريعة موسى (ع) ، وإن أدى إلى تكذيب رسالة عيسى(ع) ونبوته. وكان مما دعا إليه ” لوثر” اعتماد الطقوس العبرية في العبادة عوضا عن الطقوس الكاثوليكية، والدعوة لاعتماد التوراة العبرانية القديمة وما يستتبعها من دراسة اللغة العبرية على أساس أنها كلام الله؛ وذلك إمعانا في استمالة اليهود التوراتيين والطعن في المسيحية. فالأساس في فتنة التزوير هم اليهود الصهاينة التوراتيون، يعودون لأسلافهم يوم كفروا بعيسى وقالوا على مريم بهتانا عظيما، وتآمروا على قتله حتى قال فيهم: « أنا أعلم أنكم أحفاد إبراهيم، ولكنكم تسعون إلى قتلي،لأن كلمتي لا تجد لها مكانا في قلوبكم »8
فإذا نزل عيسى بشخصه وأثبت لهم بالأدلة أنه شاهدٌ على كلّ ما أحدثوه؛ فإنه حينئذ يعمل على «كشف التزوير وتبيان الحقيقة» في العالم كلّه بما وصل إليه العلم وبما يمكنّه ربّه تعالى، وقد ألمحت الإخبارات النبوية إلى هذا الدور المهم بتعبير كنائي رمزي أنه ” يقتل الدجال” والدجال ليس شخصا بعينه، يقتله النبي عيسى وتستريح البشرية من شره، إنها فكرة ومدرسة ومنهج في الافتراء على الحقّ وتزويره، إنه الدجل والالتواء، مدرسة لها كوادرها وأتباعها وإعلامها وآلياتها ومرجعيتها، إنهم شرار اليهود التوراتيين وما حاكوا ويحيكون في العالم من مؤامرات ليبقوا هم الشعب المختار، وإن أدى الأمر إلى تقويض فرص السلام والمحبة لجميع الخلق، فهو “عليه السلام” الذي سيعود ويسعى لقتل الفكرة نهائيا، وهو المقسط العدل في حكمه ونقده، وإن كان «التوراتيون يعتقدون أن المسيح المخلّص سيقضي على كل اليهود أتباع المسيخ الدجّال الذين سيرفضون الإيمان به»9. وحينها يكون العالم مهيأ لقبول الحق ونبذ الظلم وممارسة العدل والقسط.

——————————————————————-

1- http://almawood.alhakeem.com/bohoth/41.htm
2 + 3 – المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه ، السيد عبد الرضا الشهرستاني ، ص6
4 + 5 + 6 – معجم أحاديث الإمام المهدي ، مؤسسة المعارف الإسلامية، ج1 ، ص530 ، 554 ، 553
7 – http://www.aljazeera.net/NR/exeres/62DA4D09-10AD-454D-9E0D-532BBEC982F3.htm نقلا عن الكاتب المصري رضا هلال في كتابه: المسيح اليهودي.
8- يوحنا 8/37 http://www.alasr.ws
9- http://mdarik.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-Mdarik/MDALayout&cid=1181064027654 نقلا عن كتاب إجبار يد الله للكاتبة الأمريكية “جريس هالسل” مؤلفة كتاب “النبوءة والسياسة”

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.