من هنا نبدأ

     كُلّنا يُعادي ويُسالِم، كُلّنا يُحبّ ويبغض، كلّنا لنا مواقفُه في الحياة منْ كلّ القضايا، ولو وخْزاً أو نبضاً على مستوى الخلْجة أو الشعور إنْ تعذّرتْ وسيلةُ تمثّله أو البوح به، كُلّنا يفعل ذلك وِفْق موازين أو أنظمة ذاتّية قد تَبرْمَجَ بها شعورُه ولا شعورُه، هي أشبه بـ “لوحه المحفوظ”، فإذا أردنا أنْ نتحقّق من سلامة تلك المواقف، وكفاءة تلك الأنظمة، وصوابيّة تلك الموازين، لنُحقِّق كما قال خليل الرحمن (محيايَ ومماتي للهِ ربّ العالَمين)(الأنعام:162)، علينا أنْ نغرز في أنظمة وعينا الحقائق ونزيح الأباطيل والأوهام، علينا أنْ نُعيد كتابة وعْينا وفق النظام الربّانيّ، لتخطو إدارتُنا لحركاتنا وسكَناتنا، خطواتٍ نافعة ومسئولة وهادفة وصحيحة، نُثاب عليها بدلاً من أنْ نُحاسب، في حبّنا وبُغضنا، في حربنا وسلمنا.

لا أحد يستطيع أنْ يُبرمج أحداً آخر عنوةً، حتّى الشيطان لا يقدرُ أنْ يُصيغ مراكز تحكّم مشاعرنا وبالتّالي أنظمة تحريكنا إلاّ إذا أعطتْهُ أنفُسُنا الأمّارةُ الإذنَ ليفعل (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ)(إبراهيم:22). كلّ الذي نستطيعه أنْ نُقدّم للقارئ أنظمةَ تفكير، نفتح له مساحات بحث، ونصعقه بحقائق، ونرشقه بنتائج، نقدّمها لأنّها خلاصة تجربتنا في وعينا لكينونتنا وتطوّرنا، فنقدّمها عن اقتناع أكيد بسلامتها وبراءتها وخيريّتها، لكنّا ندعو القارئ بالإيمان النزيه الحرّ وإن اتّسمتْ لُغتُنا بصرامة المُحقّ أو بقوّة المُصيب، فلسنا ندعو القارئ إلاّ أن يكون حُرّاً متجرِّداً مع ما نقول، مثلما ينبغي أنْ يُصبِحَ كذلك حيالَ برمجتِه التي هو في أسْرِها الآن، وليأخذ كلّ ما نقوله على نحو الفرضيّة والزّعم، ليختبرها بنفسه، فقناعتُه لن يُحاسَب عليها غيرُه أألهمه بها مَلاكٌ أم برْمجهُ بها شيطانٌ، حاشاك اللهُ!

  نحنُ نُوقن أنّ معلومةً مستبدَلةً واحدةً في معادلات تفكيرنا قد تُحدث فارقاً في نتيجة سلوكنا وحياتنا، فكيف لو تغيّرت المعادلةُ كلّها؟ ما بالُك لو تجدّد النّظامُ كلّه؟ بل كيف لو استُعيض عن كلّ موازيننا بموازين القسط؟! حتماً سيكون لنا بعثٌ وحشْرٌ وقيامةٌ قبل اليومِ الآخِر.

هل نحنُ مقتنعون أنّ معرفة الحقيقة بحدّ ذاتها مطلبٌ، لأنّها اللبنة الصحيحة في أساس بنائنا ومعمارنا الثقافيّ وفي تشكيل وعينا لحقيقة وجودنا من أجل فهم منْ نحن وما دورُنا في الكون كخلقٍ متميّز؟ فلنسأل أنفسنا إذاً: هل نشعر ضروريّاً ومهمّاً أنْ؟:

وها قد رأينا بأم أعيننا ما آل إليه حال الأمة في دينها ودنياها، وكيف ملأ علماء التعصب والفرقة والتكفير حدائقها شوكا، ومزقوها إربا، فجعلوا كل ثغورها ثغرات، مستباحة للقاصي والداني من أعداؤها، ومن طلاب المصالح الضيقة ولو على حساب شرف هذه الأمة ووحدتها في حاضرها ومستقبلها. وإن العلماء والمفكّرين الشرفاء هم ورثة الأنبياء، يحملون هديهم، ويبلغون كلمتهم، وينطقون في الناس بالحق لا يخافون لومة لائم، يحملون لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي قد اصطبغ اليوم زورا بدماء الأبرياء، واستخدم ضلالا في انتهاك الحرمات، ولم يكن ذلك ما أراده الله منه، فما المعروف إلا ما وحّد الناس على خير وبر، وما المنكر إلا ما فرقهم طوائف في البغي والشر، والعلماء هم المدخرون للصدح بكلمة الحق، المؤلفة للقلوب، ومقارعة كلمة الباطل المفرقة، وإن لبست ما يلبس على الناس دينهم. لقد أودع فينا رسول الله ( ص ) وصيته الأخيرة، بأن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ونهانا أن نعود من بعده كفارا يضرب بعضنا رقاب بعض، فجعل تفرقنا من عناوين الكفر بنعمة الوحدة والتوحيد، وهانحن لا نضرب إلا رقابنا، ولا ننتهك إلا أعراضنا، ولا نسلب إلا أموالنا، وكل هذا جرى ويجري باسم الدين، وعلى ألسنة بعض من رجاله المذهبيين المتعصبين، قبل أن يجري على يد من يظنون أنفسهم عن الدين يدافعون وفي سبيل الله يجاهدون. إن الأزمة التي نعيشها هي أزمة فكر وعقيدة قبل أن تكون أزمة سياسة، فلقد بذر الأوّلون بذورا كان منها ما هو للخير وكان منها – وللأسف – ما هو للشر أيضاً؛ فهذه ثمارها. وإنا لمدعوون لبذر بذور للخير، عسى أن تكون أشجارا طيبة أصلها ثابت في الدين وفرعها في السماء، تأتي أكلها في وحدة المسلمين كل حين بإذن ربها. فالمخلصون من العلماء وأرباب الفكر وحملة هم الوحدة قادرون على إيصال البذور الطيبة لكل أرض طيبة، من المجالس والمدارس والمؤسسات في شرق عالمنا الإسلامي وغربه، فإذا هي نور يهتدي به الناس. ان العلماء والمفكرون والدعاة أصدق من علق عليه الرسول (ص) أمانة التبليغ من بعده، فبهديهم يهتدي الناس، وهم مدعوون لقول كلمة الحق أمام سلطان التفرقة الجائر، فلقد أقام أهل الفرق موازين الحساب قبل يوم الحساب، ونصبوا أنفسهم أربابا من دون الله، وجعلوا المسلمين هذا مؤمن وهذا كافر، وأججوا نيران الأحقاد، وسمموا العقول بفاسد مفرقات الأفكار، حتى صار أهل الإسلام فرقا ومذاهب وطوائف، كل لا يرى الدين إلا مذهبه وفرقته، لا يعذر بعضهم بعضا، ولا يحفظ بعضهم حرمات بعض، فشملت البلوى، وعمت الرزية، وبات حقا على العالم أن يظهر علمه، فيتعاونوا على هذا البر والتقوى، لعل الله سبحانه أن يبارك عملهم فينميه، ويتناوله بيمينه فيزجيه سحابا، ثم يؤلف بينه، ثم يجعله ركاما يخرج الودق من خلاله، يصيب به من يشاء من عباده، فيحي به الأرض بعد موتها.

.ندرك أنّ أيّ مراكمةٍ لمعلومات على أسس خاطئة سيُنتج تقدّماً بطيئاً أو منحرفاً؟؟

ندرك أنّ أيّ تقدّمٍ أو مراكمةٍ لمناهج أو معلومات على أسس خاطئة سيُنتج تقدّماً بطيئاً أو منحرفاً ووشيك العطب، فخطأنا الأوّل سيغدو أخطاء متراكمةً طويلةً حصيلتُها نكون أو لا نكون، أو رُبّما نكون شيئاً – مسْخاً – آخر، للقول المأثور: (العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعةُ السير إلا بعدًا)(1).

نتحقّق مِن كثيرٍ مِنْ متسالَمات تراثنا الاعتقاديّ، ونُراجعها على محكّ أنّها دخائل خالطتْنا؟؟

نتحقّق مِن كثيرٍ مِنْ متسالَمات تراثنا الاعتقاديّ، ونُراجعها على محكّ أنّها دخائل خالطتْنا، قد تكون اندسّت إلينا غفلةً، مِن عدوّنا، هذه الخفايا تعمل عملها كركائز في لا شعورنا لصياغة فلسفتنا عن الحياة والموت، وتُشكِّل اعتقادنا عن الله، أو ملائكته، أو كتبه، أو رسله، أو اليوم الآخر بما يكتنفه، أو عالَم الرّوح والمادّة، عن أصلنا وسرّ وجودنا وما نحن آئلون إليه، الحقيقة أنّ هذه الأمور هي التي تُسيّرُ -سلْباً أو إيجاباً وبصورة خفيّة – كلَّ فرد، وتُلزمه بإلزاماته صبحَ مساء.

نكتشف أنّ قرآننا فيه كلّ شيء؟؟

نكتشف أنّ قرآننا فيه كلّ شيء، مع أنّا كنّا ولا نزال لا يُكشَف لنا منه شيء، بل تُسوّق لنا التفاسير الواهية فقط، وأنْ نُفاجأ بأنّ المفسّرين هم مَنْ أعلَوْا بتفاسيرهم فوق القرآن فانطمر تحتها، فأودى بهم أنْ يُخطئوا – ساحبينا معهم- في مهمّات المسائل.

نُبرهن عملياً، بأنّ النظام المعرفيّ الموروث، وآليّة قراءة القرآن وطرائق تفعيله!، هي القاصِرة؟؟

نُبرهن عملياً، بأنّ النظام المعرفيّ الموروث، وآليّة قراءة القرآن وطرائق “تفعيله!”، هي القاصِرة، ما أدّى إلى تعطيله وتعْميته وهجْره، وإلى إعلاء كلمات الغير وتصوّراتهم فوق كلام الله، ما جعل بعضاً مِنْ فلذات الأمّة يشمئزّ من النصّ الدينيّ كلّه ومِن خطابِه وسجعاتِه، لأنّ التسطيح أو الفهم البشريّ قد تدرّع بالإلهيّ، وافتُرِض على النّفوس افتراضاً تحت شعار “لا حُكْمَ إلاّ لله”.

نعي أنّنا شربنا الكثير وما نزال؟؟

نعي أنّنا شربنا الكثير وما نزال، ممّا يُصدَّر لنا ويُترجَم ويُقدّم لنا في مناهجِنا وإعلامنا أنّه علْمٌ وحقائق، عن تاريخ منطقتنا والعالَم، وكثيرُه خاطئٌ ومُدلّس.

نعرف أنّ لغة التوراة في أساسِها لهجة عربيّة قديمة بائدة، وما مِنْ شيء اسمُه “اللغة العبريّة؟؟

نعرف أنّ لغة التوراة في أساسِها لهجة عربيّة قديمة بائدة، وما مِنْ شيء اسمُه “اللغة العبريّة”، بل هو أمرٌ مُخترَع. هذه اللغة التي هي كأحد لهجاتنا يستطيع أيُّ قارئ أنْ يقرأها ويفهمها إجمالاً، فيكشف بنفسه زيْف ما أُضيف.

نكتشف أنّ ما أُثِرَ ودُوِّن مِن شعوب حضارات أمّتنا يُثبت أنّهم كلّهم كانوا عرباً موحدين؟؟

نكتشف أنّ ما أُثِرَ ودُوِّن مِن شعوب حضارات أمّتنا من بابليّين (سريان)، ومصريّين، وفينيقيّين (آموريّين)، يُثبت أنّهم كلّهم كانوا عرباً والتوحيد والأخلاق سِمَتُهم الغالبة، وإنْ سوَّق لنا الغربُ واليهودُ عكسَ ذلك، فأقنعونا بادّعاء وثنيّة آبائنا وتعدّد آلهتهم وفسادهم وتفاهة معارفهم وبلادتهم وبداوتهم، وما أبشعها من جريمة وافتراء!

نلحظ تواصلَ تراثنا الدينيّ والعلميّ والحضاريّ، الذي يبدأ مِن آدم (ع) وينتهي بخير الهداة محمّد (ص)؟؟

نلحظ تواصلَ تراثنا الدينيّ والعلميّ والحضاريّ، الذي يبدأ مِن آدم (ع) وينتهي بخير الهداة حبيب الله محمّد (ص)، مسيرةً تبدأ مِن الجنّة سكناً وتنتهي بها عُقبىً، وركْباً يبدأ من الصُّحف الأولى وينتهي بالقرآن العظيم، فيتعلَّم كيف يقرأ تلك المدوّنات و”زُبر الأوّلين” كالأساطير وبأيّ عقلٍ وروحٍ واحترام، وبأيّ أدواتٍ يفهمها.

يرى القارئ مصافحةً بين قرآنه وتراثه مِنْ جهة، ومصالحةً مع حقائق العلم منْ جهةٍ أخرى ؟؟

يرى القارئ مصافحةً بين قرآنه وتراثه مِنْ جهة، ومصالحةً مع حقائق العلم منْ جهةٍ أخرى، فلا يعيش انفصاماً معرفياً بين علمٍ ودين، وأنْ نضعَ العصابةَ عن عينيه فيرى بعقلٍ رياضيٍّ وقلْبٍ يعشق كلّ بديع، جمالَ قرآنه، وسحرَ بيانه، ودقّة نظامه، وروعةَ مخبوءِ معارفِه، فيعرف ربّه ويذكره مدهوشاً ومُسبِّحاً ومنيباً.

يتعلَّم القارئ كيف يبحث، وكيف يسأل، وكيف يحتجّ؟؟

يتعلَّم القارئ كيف يبحث، وكيف يسأل، وكيف يحتجّ، وكيف يتحرّر مِن سطوة مَن سطا على فكره ونظامِه واعتقادِه وطرائق تحليلِه وصادرَ شعورَه ومواقفَه و”منْهَجها وبَرْمَجَها”، واستغفله دهراً مُمارساً التفكير عنه. وأنْ يتعلّم بالأهمّ كيف ينهلُ مِن المصدر نفسه بلا وسائط وحُجّابٍ، فيقرأ ذاتيّاً كتابَ ربّه بنفسه كفى بها بصيراً بدون وصايات وتحكّمات.

يتمكّن القارئ لأوّل مرّة مِنْ فهم أساطير الأوّلين مِن آبائه وأسلافه، ويُفرّق بينها وبين الخرافات؟؟

يتمكّن القارئ لأوّل مرّة مِنْ فهم أساطير الأوّلين مِن آبائه وأسلافه، ويُفرّق بينها وبين الخرافات، ويرى فيها ارتباطاً وثيقاً مع لهجته العربيّة مِن جهة والتقاءً مع مقولات مصادرِ اعتقاده المقدّسة، فيستشعر انتماءاً لأمّته غيرَ مجذوذ.

يرتقي القارئ ليعرفَ مقدار الزيْف المهول الذي سطا في هذا العالَم؟؟

يرتقي القارئ ليعرفَ مقدار الزيْف المهول الذي سطا في هذا العالَم، ليختبر وعياً كونياً آخَر، يختبره بنفسه إذا انعتق، إلى فُسَحٍ ليس فيها مساحةٌ للزيْف أو التُرَّهات، ولا للحروب المُسْفِلَة الضيّقة، ولا للحروف الجوفاء المتزلّفة، ولا للقداسات المُخترَعة المهترئة، فيركمها جميعاً على قارعة “لا نُبالي” وينطلق تلقاء النّور، ولو وحْده مع الله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)(الإسراء:1).

يبزغ أفرادٌ في أمّتنا ليس فيهم شركاءٌ متشاكسون متشعِّبون؟؟

يبزغ أفرادٌ في أمّتنا ليس فيهم شركاءٌ متشاكسون متشعِّبون، يكونون للأمّة صفْواً بلا كدَر، علّ أنْ تترطّب باحتذائهم أجواءُ الخصومات المفتعلة، ما بين مذهبٍ ومذهب، وملّة وملّة، بل ما بين دينّي وعلميّ، ودينيّ وقوميّ، ودينيّ وإنساني، وعالميّ وقوميّ ووطنيّ، فما رأيكم بحلّ كلّ المسائل؟ بأنْ يعتزّ المرء وفْق هذه الأطروحة بلسانه لأنّه لسان العالمين، محترماً الآخرين لأنّهم أخذوا عن هذا اللّسان، ودينه لأنّ الملل كلّها في أصلها دينٌ ربّانيٌّ واحدٌ هو للعالمين، ويفخر بقوميّته لأنّ الشعوب تفرّقتْ من ها هنا، وينتمي للعالَم لأنّهم ولائد بقعته، وللإنسانيّة لأنّها رسالته منذ ظهرت وظهر، ولوطنه لأنّه المهد الأوّل للإنسان والحضارة والدّين، هذا الرجوع للأصل الذي تنفني به مصنوعات التناقض الطارئة التي جزّأت شمل الأمّة الواحدة، هو الذي احتاط له نبيّ الإسلام والعرب والإنسانيّة والعالمين بقوله (ص): (الناسُ بنو آدم، وآدمُ من تراب) (2) ومِن تراب هذه المنطقة بالخصوص، وليس ثمّةَ طريقٌ نلتمس به نوراً إلاّ بهذا الرّجوع الأشمّ (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً)(الحديد:13).

وأخيراً، أنْ ينشأ جيلٌ مسلّحٌ ذاتيّاً بالحقيقة والإيمان الخالِص، لا تهولُه عسْكرةُ المادّة وضجيجُها، ولا زعيقُ الصخّابين، ولا علميّةُ المدّعين بالنّزاهة والتجرّد أو التديّن، بلْ يُحاكمهم بمنطقٍ صائب بلا انسحاق، ولا تهويلُ “البشر” مهما تسلطنوا في الآفاق، على أعناق الناس، متى علَقَ حبْلُه وانْوثقَ بالواحد الأحد، وبالقوّة الجبّارة التي صمّمتْ الكون، وأبدعتْ “الإنسان” لغايتها السامية، لا ليُحْشَر وقوداً في دهاليز وأنفاقِ المربوبين التائهين وثرثراتهم، سواءً ترهيباً مارسوا عليه أو ترغيباً، حتّى لو وضعوا الشمس في يمينه أو القمر في شماله ما ودّع أمره الذي انكشف له، لأنّ قوّته ورهبته ورغبته أعْكَفَهنّ تجاه خالقِه العليّ (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)(الفرقان:10).

فهل نستطيع أنْ نُقدِّم كلّ ذلك للقارئ في هذا البحث الصغير، أو ذاك؟ لا، ولكنّ القارئ الحرّ يستطيع أنْ يُنتجه ويُقدِّمه لنفسه : (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ)(البقرة:110)، أمّا نحنُ فنُحاوِل أنْ ننثر خطوطاً لمعالَم هذا الطريق، روحَ تلك الثمرات، نُقدِّمها في أمثلةٍ تطبيقيّة “خلْق آدم”، “جنّة آدم” “معصية آدم” “طوفان نوح” “ليلة القدر” وغيرها، نُعالج بها بعض الاعتقادات، وليس غرضُنا الأساس هو النتيجة وحسب، بل الطريقُ إليها، المنهجُ ومؤسّساتُ الوصول، هو الذي نعرضُه للقارئ ليختبره، النّظامُ الذي أورث تلكم النتيجة، المعالجةُ – لا نتيجة العلاج – هي تقدِمتُنا للقارئ وابتلاؤنا إيّاه، كيف يضرب ويقسم ويطرح لا حاصل الضرب والطرح، فلعلَّ وعسى بهذا وغيره يسري به اللهُ مِن غبَشِ ظلماتِ ما الأمّةُ فيه.