ندوة “المحرقة.. واقع تاريخي أم تأسيس أسطوري لغزو بلاد العرب”

الهولوكوست

في أمسية ثقافية حضرها جمع من المثقفين والمهتمين، أقامت جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية ندوة بعنوان ” المحرقة واقع تاريخي أم تأسيس أسطوري لغزو بلاد العرب ؟! “

عرض فيها الباحث الأستاذ طارق أحمد عضو مجلس إدارة الجمعية بحثه حول المحرقة على خلفية الورقة التي شارك بها في مؤتمر “الهولوكوست .. رؤية عالمية ” الذي عقد في طهران في الشهر الماضي وحضره عدد من الباحثين من مختلف دول العالم، استهلّ الباحث ندوته بالحديث عن الدور الذي تلعبه الأساطير في تأصيل المعتقدات واختراق الوعي الإنساني، وتحدّث عن أسطورة حصان طروادة وأسطورة ”أكيليز“ الإغريقيتان كنموذجين تاريخيين وظّفتا لصناعة الوعي واكتساح المخزون الثقافي للأمم. بعدها تساءل الباحث عن المحرقة النازية هل هي واقعة تاريخية حقيقية وقعت أثناء الحرب العالمية الثانية أم هي توظيف أسطوري حديث أوقع الغرب والشرق في قبضته؟ وأجاب أن المفردات التي استخدمت لتأصيل هذه الفكرة استندت على تعابير ذات صبغة دينية توراتية مثل ”السامية“ و”هولوكوست“، والهولوكوست هو تعبير مركب من كلمات توراتية إغريقية تعني القربان عالي القدر الذي يجب أن تأكله النار كما كان قربان هابيل وقربان إسحاق ابن إبراهيم (ع) حسب التوراة المحرفة.

تم نشر تعبير ”الهولوكوست“ بين الأمم المسيحية في أوربا وأمريكا عبر ربطه بحادثة نار الأخدود المذكورة في القرآن الكريم والتي حصلت في اليمن في عام 529 بعد الميلاد حين أجبر ملكها اليهودي المسيحيين هناك على اعتناق اليهودية وحين رفضوا أمر بإلقائهم في الأخدود العظيم فقتل قرابة 20 ألف نفس، حينها تحرك الملك الروماني المسيحي بالتعاون مع النجاشي ملك الحبشة لمجابهة الملك اليهودي فدكوا حصون اليمن وأرجعوا المسيحيين إلى موطنهم، إلا أنه وبسبب دأب بعض اليهود على تحريف الكلم عن مواضعه، عمدوا إلى قلب الأمور وادّعوا في التلمود أن ”الرومان قاموا بحرق 16 مليون يهودي أحياء …“ وفي نفس الجزء من التلمود أشاروا إلى حرق 4 بلايين يهودي على يد الرومان في مدينة بثار اليمنية، بذات العقلية اخترع يهود القرن العشرين حكاية المحرقة النازية فصاغوها في إطار أسطوري مؤثّر، أرادوا به توظيف الأثر النفسي لتلك الكلمات لأجل اختراق لاوعي الناس وبالتالي استدعاء باقي الإرث التوراتي الخاص باليهود مثل أن لا خلاص لليهود من العذاب إلا بتركهم ديار الغربة ورجوعهم إلى ”أرض الميعاد“ والتي حدودها التوراتية بين النيل والفرات انطلاقاً من فلسطين. 

ثم تطرّق الأستاذ طارق إلى الأدلة التي يستند عليها مدعو حصول المحرقة من غرف الغاز ومحارق المعتقلات، وتساءل هل من الصدفة أن لا يوجد أي دليل جنائي أو وثائقي أو ميداني يدل على حدوث محرقة أثناء الحرب العالمية الثانية، واستند الباحث إلى مؤاخذات مدققي المحرقة من باحثين أغلبهم من أوروبا وأمريكا، وهم جماعة أخذت على عاتقها إعادة النظر في هذه المسألة والبحث في أدلتها، وخلصت مؤاخذاتهم عن التساؤل عن مكان وسلاح الجريمة – غرف الغاز – أو ما يدل على وجودها، وفي حالة الادعاء بأن هتلر هدم كل غرف الغاز طالبوا بتوفير رسم هندسي لهذه الغرف المشبعة بالغاز السام Zyklon-B والتي خنق 6 ملايين، كما طالبوا بإشهار ولو وثيقة واحدة فقط –ذات مصداقية – تثبت أن هتلر أو أي جهة نازية أمرت أو نفذت عملية تصفية ستة ملايين من يهود أوروبا، وإلى إبراز المعايير التي من خلالها توصل المدعي لإثبات حرق ستة ملايين يهودي ، كما طالبوا بالوصول إلى المكان الذي ضمّ رماد ستة ملايين ضحية – أي ما يقارب 18،000 طن من الرماد البشري.

واستعرض الباحث بالصور والشهادات استحالة وجود غرف الغاز أو محارق بالمعتقلات النازية اتسعت لقتل 6 ملايين إنسان دون أن تصيب المشغلين والمساندين والأحياء من نبات وحيوان وبشر بالمدن المحيطة بالمعتقلات بأي أذى!؟ كما عرض وثائق لشخصيات وباحثين غربيين ويهود كبار شكّكوا في مصداقية الشهادات والأدلة التي قدّمت لإثبات حصول المحرقة، وقالوا أنّها تقوم على قصص مختلقة، وتناقضات واضحة وعموميات مبهمة، بينما أبحاث المدققين فيما يخص الموضوع صممية وناقدة وعلمية. عرض الباحث صورا لعدد من الباحثين الغربيين الذين يطلق عليهم “ناكرو المحرقة”، وعرض جانبا مما تعرّضوا له من السجن والضرب والملاحقة كونهم أرادوا مناقشة الأدلة والبحث في هذه المسألة.

وفي الختام، وتساءل لماذا اخترعت الصهيونية أسطورة المحرقة؟ وما مصلحة الحلفاء في مساندة الحركة الصهيونية في بث أوهام بين شعوب العالم؟ وأجاب بأنّ القضية ليس إلا تجييش الرأي العالمي المسيحي لمساندة الصهاينة على طريقة استثمار انتصارات ”اكيليز“ قديمة في العالم العربي، فلقد ساند الساسة الغربيين أنفسهم هذه الكذبة لحشد عواطف الشعوب الغربية حول الحركة الصهيونية، وللسعي نحو استملاك وليس احتلال ارض في قلب الوطن العربي، ولتهيئة الرأي العالمي للتغاضي عن تشتيت شعب عريق من وطنه، وقد تمّ اختيار الوقت المناسب فما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها 1945 بعد إسقاط القنابل الذرية على اليابان حتى بدأ الإعداد لفصل المحرقة بعرضها في محكمة نبرمبرك في العام 1945-1946 فركزت على محرقة هتلر المزعومة ضد اليهود لمطالبة الوجدان العالمي بالتكفير عن تلك الجرائم وحشده نحو مساندة اليهود المظلومين، ولإبعاد اهتمام العالم عن إبادة الأمريكان لمدن يابانية بالقنابل الذرية وكذلك فظائع الاتحاد السوفيتي بمدن ألبانيا وبولندا.

فانتقل ملف المحرقة وما تبعه من تأسيس دولة اليهود من البريطانيين إلى ساسة الولايات المتحدة مع تزايد حاجتها لوقود المنطقة وسوق السلاح الناجم عن تقسيم سيكس بيكو خصوصا بعد انسحاب القوى الاستعمارية الحليفة منها، فتبنت الدولة المستحدثة بكل إرثها وكان فتيل تأسيسها هو (المحرقة) وكل ذلك لضمان تواجد أمريكي مباشر في المنطقة من خلال الكيان المزروع “إسرائيل”.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.