“إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” (الأنبياء 92) “إنه الرأي والرأي مشترك” عمر بن الخطاب

مملكة البحرين
جمعية التجديد الثقافية

“إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” (الأنبياء 92)

“إنه الرأي والرأي مشترك” عمر بن الخطاب

د. عائشة يوسف المناعي

مؤتمر ”الوحدة الإسلامية وديعة محمد (ص)”

مملكة البحرين: 28 إلى 30 ديسمبر 2007م

الأمة الإسلامية هي الجماعة التي تتبع منهجاً واحداً وقائداً واحداً تؤمن بالله واحداً في ذاته وصفاته وأفعاله وتؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وخاتميته للنبوة، وتؤمن برسالته وخاتميتها للرسالات، وتؤمن بالرسل والأنبياء السابقين، وباليوم الآخر والبعث، وتؤمن بالملائكة والقدر. وتسلم بأركان الإسلام الخمسة: الشهادتين والصلاة والصيام والحج والزكاة.
إذن تلك جماعة تتوجه إلى قبلة واحدة وترتبط وتتوحد كلمتها حول رب واحد ودين واحد، ذلك التوحد والتآخي الذي دعا إليه رسولنا الأعظم وكانت بدايته العملية حين تأسس الحكم الإسلامي في المدينة المنورة حين دخلها رسول الله والمهاجرين قادمين من مكة المكرمة وآخى فيها بين المهاجرين والأنصار فأصبحوا بنعمة من الله تعالى إخوانا، متحابين متآلفين “وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم” (63 الأنفال).
ومفهوم الأمة والوحدة والأخوة والألفة لا يقصد بها انصهار تلك المجموعة بعضها في البعض بحيث تكون نسخ مكررة متطابقة عن بعضها، وإلا أسميناها فرداً واحداً في الماهية والماصدق وفي ذلك مخالفة صريحة للنص والواقع والمنطق “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم“.“إذن الأخوة الإسلامية تمثل أساس وعلامة الأمة الإسلامية في حدود الأطر العامة التي يجمع المسلمون على الإيمان بها”(1)، تلك الأطر هي العقائد الإسلامية وأصول العبادات والمعاملات.
ومفهوم الأمة والوحدة والأخوة والألفة لا يقصد بها انصهار تلك المجموعة بعضها في البعض بحيث تكون نسخ مكررة متطابقة عن بعضها، وإلا أسميناها فرداً واحداً في الماهية والماصدق وفي ذلك مخالفة صريحة للنص والواقع والمنطق “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم“.
والواقع يثبت سنية الله في كونه وفي كل مخلوقاته بأن جعل كل ما عداه مختلف ومتعدد ومتنوع. وأن الواحدية بمفهومها المقدس لا تكون إلا لله جلّ شأنه، فإذا ما فهمنا وصدقنا تلك النصوص وذلك الواقع كان ولا بد أن نسعى للألفة والمحبة في إطار الأخوة الإسلامية المرتبطة بعقيدة واحدة في الله والكون والإنسان، ولا نسعى لإلغاء الفروق والاختلاف في القومية واللغة واللون والجنس والمذهب، فالعقلاء يرون في الاختلاف حركة والحركة تعني الحياة، أما السكون فيعني الموت، ورسولنا العظيم يقول: “اختلاف أمتي رحمة” يعني بها اختلافهم في أفهامهم لأحكام الشرع، ليس في الحلال والحرام البيّن “فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة” ولكن في فروع قد تقل أو تكثر من المسائل الشرعية التي لا تؤثر على الإيمان ولا على أصول العبادات. الاختلاف المقصود هو الاختلاف المحمود والممدوح من حيث أنه لا يمس جوهر العقيدة وقد امتدحه صاحب الرسالة في دعوته ورضاه بالاجتهاد وإعمال الرأي والفكر في القضايا المستجدة والتي قد لا يجد فيها المسلم نصاً صريحاً من كتاب أو سنّة كما هو الحال في قصة معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن لينشر الدعوة الإسلامية ويسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: بمَ تحكم؟ فيجيب بكتاب الله، فإن لم تجد؟ فيجيب بسنة رسول الله، فإن لم تجد؟ فيجيب أقيس الأشياء بنظائرها، أو قال أجتهد ولا آلوا، فيعجب الرسول صلوات الله عليه بمعاذ ويقول: “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله” وفي قوله صلى الله عليه وسلم “من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد”.
فلماذا ننكر أن يجتهد الشيعي أو يجتهد السني فيخطأ أو يصيب!.. هذا لا يعني أنني أهون من شأن الاختلاف وأضعه في مصاف الاختلاف في الفهم العادي لنصوص الشرع.. كلنا نعلم أن هناك اختلاف حقيقي بين أهل السنة والشيعة في مسائل تستحق مدارستها وطرحها على مائدة الحوار، لتدار بآلة عقلانية وروح تسودها الألفة ومنهج علمي بناء، يبتعد عن التعصب بقدر الطاقة والمستطاع.
مسائل الخلاف الحقيقي – كما هي معلومة – الإمامة والخلافة، عصمة الأئمة، عدالة الصحابة، زوجات (النبي صلى الله عليه وسلم)، مفهوم أو لقب الروافض والنواصب، التقية، الاتهام بتحريف القرآن، وما شابه ذلك. وأجزم أنه لو طرحت تلك القضايا وتفهم كل فريق ما يرمي إليه الآخر، وتكفل كل فريق منهما بأن يثبت حسن مقصده ونواياه وأن يحترم كل منهما ما يعتقده الآخر بخلافه وأن لا يستثير مشاعره.
بذلك يصبح هذا الاختلاف ليس بالأمر الخطير من حيث أنه قد يجد كل منهما للآخر مخرجاً لا يؤذي صاحبه فيؤكد على ما اتفقا عليه ويعذره فيما اختلفا فيه.
وهذا – فيما أراه – هو الهدف الأساسي للحوار بين الأخوة وليس الهدف كما يظنه البعض محاولة لتغيير مواقف الأطراف المختلفين أو حملهم على ترك ما يؤمنون به أو “أن نصفي جذور الخلافات التاريخية التي استمر بعضها قروناً طويلة.. وذلك يكون من الإسراف في تبسيط الأمور أن يتصور هذا الجمع الحاشد من العلماء أن في وسعه حسم كل القضايا الفكرية وتصفية الخلافات حولها”(2).
إذن لا يتصور الشيعي في دعوته للتقريب بأن يتنازل السني عن مذهبه ولا يجب أن يتصور السني في دعوته للشيعي أيضا بأنه سيتنازل عن مذهبه، هي ليست دعوة للإلغاء أو التنازل وفي الوقت نفسه ليست طلباً لإقرار فريق بصواب وصحة ما عليه الفريق  الآخر. ولكنها دعوة للحفاظ على الدم والعرض والمال في إطار من التفاهم والتعايش والتسالم والألفة. قال رسولنا العظيم “كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله”.
أيها العلماء  الأجلاء:
نحن نعيش زمناً تنادينا فيه القوى الاستعمارية الكبرى في العالم بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وإلا سنقع تحت طائلة العقوبات بصنوف أشكالها وألوانها. وبغض النظر عن العقوبة والمساءلة فنحن من جانبنا نستطيب العودة إلى ديننا الحنيف الذي يدعونا ليل نهار إلى فضائل ومبادىء وقيم على رأسها أهم عنصر في  الديمقراطية وهو الشورى والحرية وحقوق الإنسان واحترام بعضنا، يقول الرسول الأعظم “كلكم لآدم وآدم من تراب ليس لعربي على أعجمي فضل ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى”، “إن أكرمكم عند الله أتقاكم“. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول “أتستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” فالحياة والحرية والدين وكل قيمة وفضيلة حق لكل إنسان، لأن الإنسانية كلها من أب واحد وقد خلقهم الله تعالى مختلفين ومتنوعين في الشكل واللون والجنس واللسان والعقيدة والفكر، وهذا هو خلق الله “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم“.
ومن وجه آخر وبناء على تلك العودة لمبادىء الإسلام الصحيحة أصبحنا ننادي بحوار الأديان والثقافات والحضارات، ونقيم لها المؤتمرات والندوات في كل مكان، وندعو إلى نشر الوعي بالقيم المشتركة، التي تجعل بين أطراف الإنسانية – وبخاصة التي تؤمن بديانات سماوية كبرى – نوعاً من الاحترام وقبول كل منهما للآخر.
فإذا كان الأمر كذلك فمن باب الأولى أن تكون هناك عودة إلى كتابنا الذي نؤمن به كمسلمين لنستقي منه وحدتنا العقائدية ونبني عليها وحدتنا المصيرية. “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا” الدين يقول هذا والعقل والمنطق والمصلحة كل أولئك يقولون.
دعونا أيها العلماء الأجلاء – وأنتم أعلم مني – نعود إلى العقلاء من بيننا إلى أصحاب النظرة الموضوعية من أهل  السنة والشيعة، لندعو إلى تقريب ووحدة عن طريق ذلك الكتاب الواحد الذي نؤمن به جميعاً من ألفه إلى ياءه، والذي نؤمن سنة وشيعة بأنه لم يدخله تغيير بزيادة ولا نقصان منذ أول يوم نزل على رسولنا العظيم إلى أن تقوم الساعة، وهو المصحف الواحد الذي لم يتغير بين أيدي المسلمين في جمهورية إيران الإسلامية وفي المملكة العربية السعودية وفي البحرين وفي قطر وفي كل قُطر من أقطار العالم الإسلامي. ولتتسع صدورنا لبعضنا كما يقول د. سليمان دنيا “إذا كان أهل السنة يتسع صدرهم لما يحدث بينهم من خلاف، والشيعة يتسع صدرهم لما يحدث بينهم من خلاف، فلماذا لا يتسع صدر أهل السنة للشيعة ويتسع صدر الشيعة لأهل السنة”(3).
وليت سعة الصدر تطول الإعلام العربي والإسلامي وتطول ساسة الدول وقادتها، بحيث تراعي حقوق المواطنة وتحفظ حقوق الأقليات في بلدانهم: الأقلية السنية في الدولة الشيعية والأقلية الشيعية في الدولة السنية، فيكون لهم جميعاً حقوقاً واحدة وعليهم جميعاً واجبات واحدة تجاه دولتهم ومجتمعهم.
أيها العلماء  الأجلاء:
لعله يحق لي أن أتمنى أن يعقد مؤتمر يُدعى إليه بعض قادة الدول الإسلامية وكبار المسئولين الذين يتبنون ويملكون الوسائل الإعلامية المؤثرة.
ويتولى عقده جماعة متكاتفة من أصحاب المؤتمرات التقريبية سواء من إيران ومن قطر ومن مصر والسعودية والبحرين والمغرب، وأية دولة عقد فيها مؤتمر تقريبي. ويعرض في هذا المؤتمر كل ما توصلت أو أوصت به المؤتمرات السابقة لينطلق من هذا المؤتمر مشروع عملي للوحدة الإسلامية يشرف عليه الساسة أولاً والإعلاميين ثانياً، وعلماء الدين ثالثاً وحينما كنت أفكر في هذه الفكرة وأقلب صفحات الكلمة التي وجهها سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله لمؤتمر الدوحة إذا بي أفاجئ بنفس الفكرة ذاتها يدعو لها فيقول “هل يمكن الاتفاق على ضرورة الخروج من حال المراوحة في الحديث عن التقريب بين المذاهب أو الوحدة إلى حديث يضع تصورات العديد من  المؤتمرات التي تناولت جداول هذا الموضوع على سكة  البرامج العملية لترجمة الاتفاقات والتوافقات إلى حقيقة قائمة ونامية ودائمة(1).
لعلنا في جمعنا هذا نجد من يسمعنا.. والله هو “نعم المولى ونعم النصير“.
وشكراً لكم،،،،،،

(1) (ص45، الشيخ محمد واعظ زاده – نداء الوحدة والتقريب بين المسلمين ومذاهبهم – رابطة الثقافة العلاقات الإسلامية – 1997م – إيران).
(2) (ص 56 د. أحمد كمال أبو المجد – رسالة التقريب – العدد 25 – سنة 2000م).
(3) “بين الشيعة والسنّة – مطبعة الأوقاف – مصر ص10″.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.