في أيام العدوان الاسرائيلي على لبنان، وعندما عاش معظم الناس في شتى أقطار العالم هم هذا الحدث وتفاصيله بما تنقله وسائل الإعلام صوتا وصورة، لم يخفِ البعض ممن تملّكت المشاعر قلبه ووجدانه رغبته في أن يكون متواجدا هناك .. يدافع في الميدان بسلاحه و يضحي بنفسه من أجل أن يكتب له أن يكون شهيدا كما من الله على من كانوا هناك، فشعوره بعجزه عن مساعدتهم وهو يراقب ما يجري على قنوات التلفاز جعله أسيرا لهذه الرغبة بالجهاد و المشاركة.
و لم يكن الحال هكذا في لبنان فقط، فعالمنا لا يكاد يخلو من حروب وقصف ودمار، ولا يخلو من أرواح تزهق ودماء تسفك، فالتاريخ حافل بالشهداء وملطخ بالدماء وقتل الأبرياء، فلبنان و فلسطين صورة ناطقة ومعبرة لكثير من الدول التي لم يخل ماضيها من فترة عصيبة شهدت أحداثاً ومواجهات، فيرقبها آخرون بعيون ملؤها الحسرة والعجز لأنهم لم يكونوا هناك فيصولوا ويجولوا في ذلك الميدان!
ومع حلول شهر محرم بأجوائه الحزينة، تتجدد فينا الأحزان وتذرف الدموع وتنصب المآتم، فيعيش الناس أحداثه يوما بيوم، يقرؤون ويسمعون أدق التفاصيل التي جرت في حياة الإمام الحسين ومن معه من أهل بيته (ع)، حتى يشعر المرء بلوعة في داخله وحسرة على مافاته ويقولها جازما وواثقاً “يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما”.
ومن بين كل تلك المشاهد التي تجعلنا نتمنى حقيقةً أن نكون مع من عاصرها، في لبنان أو في فلسطين أو حتى في واقعة كربلاء مع الحسين وأصحابه عليهم السلام، فإن المشهد الحقيقي والذي بمقدورنا أن نكون فيه قد غاب عن أعيننا، حتى أصبحنا نعاني من قصر
نظر، نرى البعيد جيدا ونحلم به، ولا نرى أقرب الأشياء منا وما في متناول أيدينا!
انه الموقع الذي يشغله كل واحد منا في أي زمان ومكان .. بقدراته وإمكاناته! يستطيع أن يكون مجاهداً أو شهيداً، يستطيع أن يكون في أي موقع يريد أن يكون فيه، من موقعه هو لا غير. فوجوده على هذه الأرض، و في المكان الذي هو فيه وفي الظروف التي تحيطه مهما كانت، يحمّله رسالة تختلف عمن وجدوا في بقعة أخرى وظروف مختلفة لكن عليه هو أن يبحث عن مضمون هذه الرسالة ويجد الطابع المناسب الذي يوصلها إلى عنوانها الصحيح.
فإن كنت تريد حقا أن تكون مع الحسين عليه السلام وتفوز فوزا عظيما، فالفرصة لم تفتكَ لأنك مازلت قادرا على بث مبادئه وقيمه من المكان الذي أنت فيه، تصلح إذا فسد من حولك، فتنصر المظلوم وتعلي كلمة الحق وتطهّر الإسلام من كل ما يسوء إليه فلا فرقة ولا تعصب و لا عداوة، فقد قالها الحسين (ع) وبقيت خالدة عبر الأزمان “انّي ما خرجت اشراً و لا بطراً و لا ظالماً ولا مفسداً وانمّا خرجت لطلب الإصلاح في امّة جدي رسول الله،
أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي رسول الله”.
خرج طالبا للإصلاح وسائرا على سيرة جده رسول الله، فهل نحن أكملنا مسيرته ومسيرة جده أم أننا أخذنا القشور ونسينا الجوهر فأصبح مقياسنا للسائرين على نهجه بكم مأتم يحضر، وكم دمعة يذرف، وأي لون يلبس فكلما اتشح بالسواد كلما دلّ ذلك على تأثره وتمسكه بالقضية حتى أدخل السواد بعضنا في دهاليز مظلمة من الجهل و التعصب!
قيل أنه سأل جندي قائده: أين خندقي؟ قال له: أنت تقف عليه و لكن عليك أن تزيح عنه التراب!
انه تماما كما صوره هذا القائد .. لا تبحث عن واجبك في لبنان وفلسطين و غيرهم وأنت في بلد آخر، ولا تقضي أيامك حسرة على ما آلت إليه الأوضاع في مكان آخر معللا حسرتك بـ”لو كنت هناك”، ولا تقرأ التاريخ فتبكي على ما فاتك منه متمنيا أن تدير عجلة الزمن “لتكون معهم وتفوز فوزا عظيما” ..بل أنظر حيثما تقف، وأزح التراب عنه لتدرك جيدا دورك ومكانك ورسالتك في هذه الحياة وانطلق منها.
استجابات