كان ينقل تجربته بافتخار شديد لصديقه، حين استطاع أن ينهي المشاكل المتفاقمة بينه وبين زوجته وإعادة الهدوء والاستقرار له في بيت الزوجية، وذلك بعد أن جرّد زوجته من الهاتف النقال، ومنعها من السياقة، وأمرها بترك وظيفتها والتفرّغ لتربية الأطفال، كما فرض عليها لبس النقاب إذا أرادت أن تخرج من البيت بصحبته طبعاً وليس مسموحاً لها الخروج بلا (إذنه)، هذا عدا عن العنف النفسي والجسدي الذي يمارسه عليها كالإهانة والتحقير والضرب، فهو الآن ينعم بالاستقرار بعد أن قتل نفساً ليبقي على انتعاش قلبه المريض، وهي تذوي وتذوب قطرة قطرة – بشهادة أهل زوجها – لأنّ المسكينة تريد أن تحافظ على أسرتها!
لو تسأل أكثر النساء الشرقيات عمّا تعرفه من حقوقها لتلعثمت، وتردّدت، ولما استطاعت أن تذكر إلاّ واحداً أو اثنين منها كحقها في النفقة مثلاً، وحسن المعاشرة، ولو دقّقت معها قليلاً لعلمت أنها قد تنازلت منذ زمن طويل عنهما وضحّت بكل شيء لأجل أن تحافظ على أسرتها، فهي التي تنفق على البيت – هذا إذا سمح لها زوجُها بالتصرّف في راتبها الشهري ولم يحجر على بطاقتها الائتمانية ويتملّكها – وهي التي تربّي الأبناء، وتنفق عليهم، وتقضي حوائجهم، وتخطّط لمستقبلهم، تفعل ذلك وزوجها غائب، وإذا حضر تقدّمته مطالباته وحاجاته ورغباته التي يجب أن تضعها المرأة في أولوياتها لتلبّيها قبل أن تنزل عليها لعنة “الملائكة” ويحلّ “غضب الله” عليها!
الحديث هنا عن الغالبية العظمى من ملايين النساء الأمّيات بحقّهن الأوّل والأصيل في العيش بكرامة وعزّة “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”، الذي لا يحق لأحد أن يسلبها إيّاه، فكيف إذا تنازلت عنه طواعية، بجهل، أو تحت ضغط العنف المخملي الذي يمارس ضدّها من قبل المجتمع أو الزوج، بتلقينها بأنها هي صاحبة القلب الكبير، المسئولة عن المحافظة على البيت، والمأمورة بتحمّل كل الإساءات الموجهة إليها بعنوان حسن التبعّل والصبر، بعد أن بُرمجت مذ طفولتها بموروثات مدسوسة، وفهم خاطئ لكلام الله، وأحكام مستخرجة من (كهوف) العقلية الذكورية.
لا أخاف على المرأة من العنف الجسدي بقدر ما أخاف عليها من الابتزاز النفسي والعاطفي الذي يمارسه عليها (الزوج) فتعيش الاستكانة والذلة (قربة إلى الله)، ولعلّها لا تعلم أنها بذلك تخالف عشرات الآيات القرآنية في سبيل العمل بفتوى مجحفة ما فكّرت يوماً أن تناقشها مناقشة عقلية، ولم تتساءل يوماً عن سبب انتشار فتاوى (حق طاعة الزوج) بتفاصيلها المضحكة دون غيرها من الحقوق، وكيف يمكن أن تكون طاعة الزوج مقدّمة على برّ الوالدين سواء أرادت زيارتهما أو عيادتهما أو حتى حضور جنازة أحدهما؟! ولماذا عُكست الفتوى بالنسبة للزوج؟ ولماذا حفظت النساء والرجال فتوى حرمة خروج الزوجة من مسكنها إلاّ بإذن زوجها عن ظهر قلب، ولم يُتداول إلاّ قليلاً ما نُسب لرسول الله (ص): “إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها”!
ولكن، ربما تعويلاً على أنّ النساء “ناقصات عقل” ولن يجرأن على مناقشة فتاوى “الرجال” الأذكياء مُرّرت عليهن أحكام غريبة فقبلتها وعملت بها وتناقلتها جيلاً بعد جيل، حتى قيل أنّ امرأة نصحت ابنتها ليلة زفافها بأن “كوني له أمة يكن لك عبداً، كوني له أرضاً يكن لك سماءً، وكوني له مهاداً يكن لك عماداً”، والمفارقة أنها ستعمل بالنصيحة وتكون له أمة، وأرضاً، ومهاداً، ولكنه محال أن يكون لها عبداً أو سماء أو عماداً، فإذا اشتكت الحال بعد ذلك قيل لها، اصبري، واعلمي أنّ “المرأة مثل السجاد الإيراني، كلما دست عليه أكثر ازدادت قيمته”، فسبحان الله، ما هذه البرمجة السقيمة، وربنا الكريم يقول: “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ”، فإذا بهنّ سجّادات دوس بأحذية الأزواج!
لو اجتمعت قوى العالم كلها، رجالاً ونساءً، حكومات ومنظمات حقوقية، شرائع سماوية أو دساتير دولية، على أن تدافع عن حقوق المرأة، فلن تحدث تلك الجهود أي تغيير حقيقي في واقع المرأة مادامت تعيش المهانة في داخلها، وترضى أن تعيش مسلوبة الإرادة مع من تظن أن ظلّه خير من ظلّ الحائط – مع أنّ العكس صحيح – فالحائط يأوي ويحمي بينما هكذا أزواج يكتمون أنفاس المرأة، ويسلبونها حرمتها أمام أبنائها، ويفقدونها احترامها لذاتها.
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة لابد من تكثيف الجهود لتثقيف المرأة بحقوقها المشروعة لها من قبل خالقها، وفكّ برمجتها السلبية تجاه نفسها وتحريرها من الشعور بدونيتها أمام الرجل أو بعبوديتها له تحت أي مسمّى كان.
وحتى يتحقّق ذلك، فثمّة اقتراح ظريف يُحاكي “الحيّل الشرعية” الرائجة والمقدَّمة للرجل، يُقدّم هذه المرّة للمرأة التي يصرّ زوجها على عدم خروجها إلاّ “بإذنه”، أن تستأذنه بقطع إحدى “أذنيه” لكي تحملها معها أينما ذهبت فلا تضطرّ بعد ذلك أن تخرج بدون “إذنه”، ولا أظنّ أن الزوج المحبّ سيستكثر عليها هذه التضحية البسيطة في مقابل تحكّمه في مصيرها، لا سيّما وأنّه بغير حاجة ماسّة إلى “أذنه” تلك التي لا يسمع بها لا شكاوى زوجته واستصراخها ولا آلامها وخفيّ أنّاتها!