سقط رجل في حفرة على جانب الطريق ولم يستطع أن يخرج منها، فكان يتألّم ويطلب المساعدة من الناس، فمرّ عليه أفراد مختلفون كلّ لبّى نداءه بشكل متفاوت، فرجل يَدّعي التديّن مرّ إلى جانبه وطلب منه أن يفكّر بالذنب الذي اقترفه والذي كان سقوطه عقاباً عليه، وعالِم فيزياء ناقش معه حيرته كيف أنّه سقط والمقاييس والأحجام تجعل من الصعب عليه أن يسقط في الحفرة بهذا الشكل، وصحفي قام بعمل لقاء معه عن الحادث علّه ينقل معاناته، وطبيب أعطاه حبّتين مهدّئتين ليساعده في تسكين ألمه، ومعالج نفسي أرشده للتفكير بالسبب الذي جعله لا ينتبه للحفرة ويقع فيها، وأعطاه بعض النصائح لما عليه أن يفعل ليتفادى ذلك في المستقبل.
وبينما هو كذلك، مرّ رجل بسيط ووقف على الحفرة ومدّ له يده، فمسكها وأخرجه منها.
إنّ كلّ الأفراد في القصّة الرمزية السابقة يُفترض بهم النيّة الحسنة ومحاولة المساعدة ولكن لا أحد منهم استطاع المساعدة سوى الأخير، مع أنّهم جميعاً انتبهوا لحاجته للمساعدة وأعطوه أولويّة وتوقفوا لأجله وتفاعلوا مع ندائه، فجزءٌ من مشاكلنا تكمن حين نُريد أن نُساعد الآخرين من منطلقنا وليس من منطلقهم، ونضع أنفسنا في المعادلة ومَن نحن ومَن نكون أولاً، ويكون هذا هو الأساس الذي نتقدّم به للمساعدة، ومن ثمّ نقرأ الوضع ونقيّمه بناء عليه، فتكون لدينا مشكلة في تفهّم احتياجات الآخر لنبني مساعدتنا عليها، فيسهل علينا حينئذ أن نتخيّل احتياجاته ونبني مساعدتنا بناء على ما نعتقد نحن أنّها احتياجاته، والتي قد لا تكون كذلك.
فالنيّة الحسنة وحدها ليست كافية في التعامل مع الآخرين، إذ لا يستطيع الناس قراءة مشاعر بعضهم وأفكارهم، فهم يحكمون على التصرّف الظاهري ويقيّمون عمل ذلك الفرد بناء عليه، والإنسان المحتاج للمساعدة كثيراً ما يكون حسّاساً لمن يسانده والكيفيّة التي يساعده فيها، وأحياناً في قبول المساعدة أصلاً، فهناك احتمال بأن يعتقد أنّه سيكون مديناً لذلك الشخص بالخدمة التي قدّمها له، وأن يفكّر بالطريقة التي عليه ردّها إليه يوماً ما، فالوضع بمجمله قد يكون ثقيلاً بالنسبة له.
فمن الجُمل الشائعة التي يردّدها الناس هيّ أنّهم يعملون بجدّ لمساعدة الآخرين ولكنّهم يلاقون الرفض أو الصدّ أو عدم التقدير، ومع أنّ العالم لا يخلو من أفراد يردّون الإحسان بالاساءة، إلاّ أنّ النسبة الأكبر من هؤلاء قد يكونون أفراداً لا يرون المساعدة التي نريد أن نقدمها لهم تصبّ في احتياجهم، بل قد يرونها عائقاً تزيدهم ثقلاً على كاهلهم.
إنّ العمل على مساعدة الآخرين من منظورنا وليس من منظور الشخص المحتاج للمساعدة يتسبّب بمشكلات متنوّعة أهمها أنّ الفرد الذي يساعد من منظوره كثيراً ما يلاقي الصدّ والنفور أو الكلام الخالي من التقدير، والذي من الممكن أن يسمعه بشكل مباشر أو بتلميح، فإن تكرّر، قد يشعر بأنّ الناس لا تستحقّ المساعدة وأنّه مصداق ما يقال: خيرٌ تعمل شرّ تلقى، فلكي يكفّ الشّر عن نفسه، يبتعد عن مساعدة الآخرين رويداً رويداً، ولكي يبرّر ذلك لنفسه ولا يشعر بالذنب لنداء فطرته التي تدعوه للقيام بدوره الإنساني في مساندة المحتاج، يكرّر تجاربه المؤلمة على مسامع نفسه والآخرين، فيكرسّ ذلك في عقله الباطن من جانب، وقد يؤثر على من يسمعه أيضاً.
وقد يتمّ تكرار تلك القصص في مكان آخر مع إضافة القائل لقصصه هو أيضاً في هذا المجال، فيساهم كلّ ذلك في إضعاف المروءة لدى الناس، والتوقّف ملياً قبل القيام بالمساعدة وتقييم جدواها، ويتميّع المفهوم الإنساني بأنّ مساعدة المحتاج واجبٌ فطريّ لمن يستطيع ويقدر أن يحلّ عقدة من أخيه الإنسان، وهذا ما علينا جميعاً أن نعمل بجدّ لنتفاداه، لكي لا نفقد ما تبقى من الروح الجميلة لمساعدة الآخرين في أنفسنا ومجتمعاتنا.
استجابات