حينما كنّا طلبة بجامعات أمريكا، لدينا صديقٌ إيراني شيوعي (شيعيّ الأصل)، يقول: إذا قلتَ لي “الله” غير موجود فلا بأس، أمّا إذا قلت “العبّاس” (وهو أخ الإمام الحسين) غير موجود.. سأشقّك نصفين!
صغريات العقائد.. والخصومات بها، باتت أعزّ لدى الناس من عقائدهم الجوهريّة وقيَمهم العليا، ومن سخرية الأقدَار أنّ الصهيونية استغلّت انقلاب الموازين هذا أبشع استغلال، فرسّخت تجريماً قانونياً وترهيباً لمن يُنكر محرقتهم بأفران الغاز النازيّة (الهولوكوست) أو شكّك بأرقامها، ليُلاحق بأمريكا وفرنسا وأوربا، وأخيرا بابويّة الفاتيكان، وعلى النقيض لا يُؤبه بمن يُنكر الله وأنبياءه، بل ولا مَن يرميهم بالفواحش والقذارات كما فعلت القناة العاشرة التليفزيونية الصهيونية مؤخّراً، والأنكى عدم تجريم مَن يصنع المحارق الحقيقيّة بشعب عربيّ أعزل، يُشرّد نصفه ويعتقل ويقتل ويُحاصر نصفه الآخر، يسلب أرضه، ويقتل ويُجزّر أطفاله ونساءه!
لقد تعرّض الأسقف “وليامسون” لحرمان كنسي وتنديد لقوله: “لا وجود لغرف الغاز، وعدد من قضوا من اليهود هو ثلاثمائة ألف لا ستة ملايين”، طورد هذا الأسقف حتّى أمرت الأرجنتين بترحيله بدعوى “معاداتة للسامية” لتقليله أرقام محرقة يهودٍ صهاينتهم يشتمون المسيح وأمّه!
يُؤمن مسيحيّون كثيرون بنبوءة حتميّة وصول “الدجّال” لأعلى سلطة كنسية في روما، وبعضهم -على خُطى العقول التقليدية لدينا- ينتظر بلوغ “بشَر” دجّال (أنتيكرايست/Antichrist) محتال (إمبوستر/Impostor).. إلى منصّة التتويج البابوي.. وألّفوا في هذا الكتب والأفلام، وفاتهم أنّ العالم كلّه اليوم يقبع داخل كبسولة الدجل (الديني/السياسي/الإعلامي/الاقتصادي/الثقافي) بقيادة الصهيونية العالمية، يُحقن صباح مساء بكذبة “السامية” و”المحرقة”، وبراءة الصهاينة من دم المسيح، وتبرئتهم “بالفيتو” من كلّ سلب واغتصاب وتدمير للشعب الفلسطيني الأعزل! وبوجوب نياحتنا على “محرقتهم”! واعتبارهم ضحيّةً أبديّة مقدّسة! وشعباً مختاراً! هو عينُ الله! والوارث الشرعيّ لأرضنا العربيّة بعد تطهيرها من أهلها! أرض ميعادهم وأرض أجدادهم بوعدٍ إلهي! وأنّ جزّاريهم هم حمائم سلام يستحقّون جوائز نوبل! وأنّ كيانهم اللقيط الغاصب واحة للديمقراطية بين وحوش العرب! وأنّ جيش عدوانهم المعربد أكثر الجيوش أخلاقية! وبالأخصّ حين يعمد للمدنيين ويقصفهم، مرتكباً شتى جرائم الحرب بالأسلحة المحرمة!
وصايا موسى تقول “لا تكذب”، لكنّهم يمدّون حبل الكذب.. باختراع مقدّسات وهمية لهم هناك بإسقاطات جغرافية مزوّرة (قبر يوسف، قبر راحيل، حائط مبكى، هيكل سليمان، مدينة داود..الخ!)، بل -لبجاحتهم- اختلقوا مزاراً بمصر أيضاً سمّوه “أبوحصيرة”! مع أنّ أسلافهم لم تطأ أقدامهم مصر إلا بالجغرافيا المزوّرة والتاريخ المصطنع!
وقاموا يُكبّلون العقول الحرّة والباحثين بقوانين “الأسرة الدولية” ومنظّماتها الجائرة، حتى طورد المفكرون وحوصروا، مثل روجيه غارودي والعشرات لأنهم شكّكوا بالمحرقة وبأرقامها.. أليس ذلك دليلا أنّ “دجَل الدجّال” بلغ الذروة والمنتهى؟ وتمكّن من كلّ منصبٍ دينيّ وسياسيّ وإعلاميّ وفكريّ؟! بحيث يتعنّى بابا الفاتيكان بنفسه إلى صهاينة إسرائيل ويعتذر لهم على “الظلم” الذي حاق بهم!
صاروا يؤمّون “حوار الأديان” بأكفّهم الملوّثة بدماء الأطفال والأبرياء والصدّيقين، والمجرم “بيريز” يتكلّم هناك بوقاحة عن مصلحة “السنّة” وخطر “الشيعة”! وعن التسامح ومقوّمات المدنيّة والحضارة ووجوب تطوّر العرب!
لقد سادت منظومة “حبائل الإفك والافتراء” وبلغت مداها سياسيا ودينيا وإعلاميا واقتصاديا، سيطرت على عقائدنا وأرزاقنا وأفكارنا، لدرجةٍ صار كلّ من يُفكّر خارج نسقها مذنباً، مذنباً لدى كلّ النسخ الدينية والأنساق الفكريّة المنتشرة اليوم، بحيث إن اعترض مسلمٌ على قولٍ فجّ مدسوس على عالِمٍ من السلف، أو شكّك بروايات مزعومة مشهورة، أو ذمّ معاوية ويزيداً وأترابهم، أو نفى المبالغات والترّهات التي وُضعت على أهل البيت(ع) ولوّثت مقامهم ونهجهم اللامذهبيّ الوضّاء، فسيُحارَب ويُنبذ ويتعرّض للحرمان الكنسي (الإسلامي)..
وضعٌ بائس، أخبرت النبوءات عنه أنّ المؤمن سيذوب قلبُه في جوفه ممّا يرى من المنكر ولا يستطيع تغييره، لأنّ حبل الكذب استطال بطول التاريخ الديني والسياسي المستبدّ، والتفّ على رقاب الناس آلاف اللفّات حتى تحوّل إلى شرنقة تخنق النور، والكلّ خادر داخلها “بسبحانيّته”، ويراها كونَه الفسيح.. لو يعلم الناس كم كذبةٍ يعيشونها ويتنفسّونها، ينامون عليها ويُصبحون.. لفزعوا جدّاً وفقدوا عقولَهم.
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى)، هكذا أفصح القرآن عن تنافي صهاينة اليهود (أي كفرة اليهود) مع خط الأنبياء الإنساني الأخلاقي المتسامح..
فأن يقوم التلفزيون الصهيوني بالتعرّض لشرف السيّدة مريم، والاستهزاء والإساءة للسيّد المسيح، ليس بدعاً، بعد أن تكرّست منظومة الدجل التي جعلتهم أطهر الناس وأكثرهم قيمة، وكلّ “الأغيار” والشعوب لا قيمة لهم ولا شرف، لهذا نسب “كتابُهم” الفواحش والدناءات الأخلاقية للأنبياء، فمسلسلُ افتراءاتهم على المقدّسين ومحاربتهم رموز الطهارة قديمٌ بقدم إجرامهم، منذ زعمهم “سكَر” نوح! إلى “قوادة” إبراهيم وإسحاق! إلى “زنا” لوط وداوود و”فجور” سليمان! (حاشاهم صلوات الله وسلامُه عليهم).
(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً)، هذه الطغمة الصهيونية الشرّيرة لم تشذّ عن أسلافها الوقحين المفترين.
لذلك، إبّان احتفالات الكيان الغاصب بالذكرى الستين لقيامه قبل عدّة أشهر، وقّع مائةُ شخصية أكاديمية بريطانية يهوديّة عاقلة عريضةً نشرتْها “الغارديان” تبرّءوا فيها من “إسرائيل” لأنّها باتت “دولة قائمة على الإرهاب”، أمّا الحاخام “يسرئيل ويس” من جماعة “يهود ضدّ الصهيونية” فرأى أنّ إسرائيل أفسدت كل شيء في العالَم، بل ومعظم يهود الأرثوذكس يتبرّؤون من الصهيونية ويرفضونها.. حتى قال أحدهم “رويفن كابلمان” (أقول باسم مئات آلاف اليهود الأرثوذكس في العالم، أنّ الصهاينة في كل مكان في العالم، ومهما تغيّرت أشكالهم وأصولهم، فهم يشكّلون الخطر الأكبر علينا وعلى ديننا، هم الذين يصبّون الزيت على النار، ويزعزعون الأمن والاستقرار بين شعوب الأديان..).. “وشهد شاهدٌ من أهلها”!