القرآن دليل المستخدم (User Guide)
لحياة الانسجام والسعادة
أليس غريباً أن نصف القرآن الكريم بأنه “دليل المستخدم”؟! دليل لماذا؟ ولمن؟ وكيف؟
ثمّ ما هو دليل المستخدم؟ وما علاقته بالقرآن الكريم؟
أما “دليل المستخدم User Guide” فهو وثيقة تُرفَق مع بعض المنتجات ليتعرّف الأشخاص الذين سيستخدمون هذا المنتج على طريقة استعماله المثلى والاستفادة منه أقصى استفادة، وعادة يُكتب من قبل مخترع أو صانع المنتج لأنه هو الخبير بتفاصيله.
هذا التعريف يمهّد لتوضيح العلاقة بين “دليل المستخدم” و”القرآن الكريم”.. فالله سبحانه وتعالى خالق الإنسان، وهو العالم بأدقّ تفاصيله من غرائز ورغبات، وحاجات مادّية أو معنوية، خبير بنقاط قوته وضعفه، عليم بضرّه ونفعه، وما فيه خيره وما هو شرّ له، فهو يعلم كل صغيرة وكبيرة تخصّه، وبحكمته وضع القوانين التي تحقق له السعادة والفلاح، ورسم له طريق الرشد والحكمة، وبصّره بما يجنّبه الرذيلة والضلال، ثمّ أودع كلّ ذلك في كتابه الكريم واختار أشرف خلقه (ص) ليكون حلقة الوصل بينه وبين الناس، وتجسيداً للإنسان الكامل ومثالا يُحتذى.
فإذا كنّا نحن صنائع الله سبحانه وتعالى، وكتابُه تعاليمُه الدقيقة لنا، إذن، فليكن هذا الكتاب هو دليلنا للتعامل مع (أنفسنا) لنعيش سعداء؛ منسجمين مع أنفسنا وخالقنا ومن حولنا وما حولنا ولنحقق الهدف من وجودنا.
لكي نحيا الحياة بسعادة وانسجام كما أراد لنا من منحنا إياها سبحانه وتعالى، علينا أن نلجأ إلى الطريقة المثلى لفعل ذلك، تماماً كما نفعل عندما نشتري جهازاً كهربائياً أو الكترونياً، بل وحتى عندما نشتري لعبة جديدة، فأوّل ما نفعله هو أن نقرأ تعليمات تشغيل الجهاز، وفي حال الألعاب، فإننا نقرأ قواعد اللعبة بدقة لكي نعرف كيف نتقن اللعب ونتنافس مع الأطراف اللاعبة ضدّنا فنضمن فوزنا.
ولكن، هذه المسلّمات في الحياة المادّية، نغفل عنها عندما يتعلّق الأمر بالجانب المعنوي من حياتنا، فرغم علمنا بأن (نفسنا) هي غاية ما نملك، بل لا نملك سواها، وعقلنا هو (جهاز) التفكير والتحليل واتّخاذ القرارات، وحياتنا من الميلاد حتى الممات (ساحة عمل) و(مضمار سباق)، تحكمها قواعد وقوانين كونية صارمة لا يمكننا القفز عليها، وتنظّمها أوامر ونواهي سماوية، فلابد لنا إذن من معرفة هذه القواعد والعمل بمقتضاها، وهذه كلّها نجد تفاصيلها في “كتاب الله” – دليل المستخدم لحياة السعادة والانسجام – وما علينا إلاّ أن نتعرّف عليها ثمّ نفعّلها.
ولكي نعرف كيف يكون ذلك، ينبغي أن نعرف كيف تتموضع كلمة الله في حياتنا.. وأن نعرف أساسا ما هي كلمة الله؟
كلمة الله – باختصار شديد – هي بمثابة “كن”، أي هي ما يريد الله أن (نكونه) في كل موقف، فنتعرّف على كلمة الله في كل شيء، لنعرف ماذا يريد منا في هذا الموقف أو ذاك فنعمل به، وبهذا نكون قد تعاملنا مع القرآن الكريم كدليل ومرشد لنا.
ففي الشدائد مثلا كلمة الله تتلخص في: “واصبروا”، وكلمته حين نخسر شيئاً ما: “لا تأسوا على ما فاتكم”، وكلمته في مواجهة المصائب: “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، وله في المنع والحرمان كلمة، وفي الإنفاق والعطاء كلمة، وفي الحبّ كلمة، وفي البغض كلمة، وهكذا فلله كلمة في كل شأن، وقد صيغت كلماته بعبارات واضحة ومحكمة، قابلة للحفظ والتذكّر، تساعد على أن نبرمج بها عقلنا الباطن ونستدعيها وقت الحاجة، ونعمل بها وبذلك يصبح القرآن “دليلنا” في كل موقف.
وقد حمل الأنبياء واحد تلو الآخر على عاتقهم إيصال “كلمة الله” للناس قولا وفعلا، ومواقفهم المشرّفة عملا بكلمات الله تملأ القرآن، فهذا النبي إبراهيم (ع) إذ تأهّل ليكون إماماً بعد أن أتمّ العمل بكلمات الله: “وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا”، فكم من (كن) امتثل لها النبي إبراهيم (ع) قبل أن يُصطفى إماماً للناس؟ ابتداء من طفولته ومخالفته لعقيدة أبيه، ثم في بحثه عن الحقيقة ومقارعته لحجج قومه، ثم تضحياته مع أهله وعائلته، ثم ابتلائه مع ولده، ثمّ في دعوته لقومه، وما بعد ذلك، فحياته كانت سلسلة من المواقف والمنعطفات في كل منها كلمة لله، وقد امتثل لها كلّها، فكانت النتيجة أن “اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً”.
“كلمة الله” إذن هي تعليمة أو أمر بمعنى (كن) مختزنة في الآيات، بخطاب مباشر حينا، وغير مباشر حينا آخر، تشمل شئون الإنسان ومجالات صلاحه، فعلينا أن نتعرّف عليها ونعمل بها، برجاء أن ننتقل من حالة الوعي النظري إلى الوعي العملي، ولنجعل للقرآن يحكم أكبر مساحة من حياتنا ونتعامل معه بأنه دليلنا ومرشدنا وقائدنا لحياة أفضل، فلنجرب ولننظر.