ارتبطت مسألة البحث والمناهج العلمية بالجامعات ومؤسسات البحث العلمي، وكأن من لم يدرس في الجامعة ومن لا ينتمي لهذه المؤسسات البحثية بعيد عن استخدام آلية البحث، إلا أن تحديد المفهوم العلمي للبحث ومناهجه تفرز لنا أن الإنسان في مشوار حياته قد يكون باحثاً وقد لا يكون، أكان بدوياً أم حضرياً، من بيئة متعلمة وفي مناخ علمي راقي أم من بيئة أميّة هابطة، لأن البحث أساسه قدرة الإنسان على توظيف قدراته العقلية بحيث يعدّ منطقياً في تصور المشاكل والأزمات وملاحقة الظواهر وجمع المعطيات والقدرة على الموازنة والاستنتاج، ولم يخل أي مجتمع بشري من أفراد قلّوا أم كثروا أقرّت لهم مجتمعاتهم بالعقلنة والفطنة والكياسة والحكمة في تقييم الأمور ومواجهة الصعاب بكفاءة واقتدار، ومن الناس عكس ذلك، فمنذ أن منح الله العقل للإنسان هيأه للتفكير العلمي والبحث المنهجي، ولكن لا يمكن إنكار دور المجتمعات العلمية المتحضرة في إذكاء مهارة مناهج البحث إلى جانب دور المؤسسات البحثية، ومع هذا يظل الإنسان هو صاحب القرار بين أن يبقى تفكيره ومنهجه عاميّاً أو علمياً، فالعامي هو من يرى الحوادث والمظاهر وحالات الأفراد والمجتمعات وكأنها مجموعة حوادث لا يربطها رابط منطقي ولا يمكن تعليل أسبابها بصورة معقولة، لأنها نظرات مبنية على استقراءات ناقصة أو معدومة أو تحليل غامض، فهو يشاهد كل حادثة لوحدها من غير جمعها إلى غيرها، فهي آراء عفوية وقتية لا تخلو من الأوهام والأباطيل، وكما يقول أرسطو: (( الرجل العامي يشاهد بعينه سقوط الأجسام، أما العالم فيبين لنا كيفية سقوطها وفقا لنظام ثابت )). فهل في القرآن ما يشير إلى البحث والمنهج العلمي؟ بالطبع فيه عدّة إشارات، إلا أني ركّزت على آية قرآنية تتوافر في مفرداتها وسياقها على عناصر البحث، ولا تزال معتمدة في الجامعات والمؤسسات البحثية.
آية واحدة ترسم عناصر البحث: ” إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ” سبأ 46.
هذه الآية مرّت بعد أن تحدثت السورة عن المشركين في اعتراضهم ونكرانهم لحقيقة البعث، أما المقطع الثاني من السورة فقد تحدثت عن النعم والإمكانات التي أسبغها الله سبحانه على سليمان وداود عليهما السلام، بعدها تناولت السورة تهدم سدّ مأرب بسبب كفر أهلها بالنعمة وإعراضهم عن الشكر ثم انتهت إلى حقيقة تسالم الرأي العام في مكة على رفضهم دعوة النبي محمد ( ص ) لهم واتهامه بالإفك والسحر والجنون .
فسياق آية موضوعنا جاءت في جو رفض جماعي لحقائق موضوعية وإيمانية في غاية الأهمية، فما الذي يحولّهم من حالة الإعراض والرفض إلى حالة الإقبال والاستماع والدراسة والبحث؟ إنها مشكلة بحاجة إلى منهج علمي تتربى عليه المجتمعات وتعتاده، وفي تأصيل هذا المنهج قرآنياً لابدّ من الوقوف مع مفردات الآية وسياقها لترسم لنا منهجاً وافياً بالعناصر الستة التالية :-
أولاً : التحفيز لبحث المشكلة :
واضح من خلال الآيات السابقة أن طبيعة الرأي العام يخوّل للأفراد السكوت والابتعاد عن قضايا ملحة في أهميتها ويبرر لهم عدم الخوض والتأمل فيها ما داموا يعتقدون بما يقابل هذه القضايا، بل يرون عبثية هذه القضايا الجديدة الطارئة على ثقافة المجتمع، لهذا فإن آية موضوعنا قد سبقها هذا التمهيد الضروري ليكون هذا السرد التاريخي من مثل قوم سبأ وما آلوا إليه حافزاً ودافعاً لنقل حالة اللامبالاة إلى حالة الشعور والوعي للمشكلة وحجمها ودورها وآثارها، وهذا العنصر لا يقف عند حدّ البدء بالبحث فحسب، بل لنقل أفراد المجتمع إلى حالة التمرد على سلطة الرأي العام، وبعبارة أخرى التوفر على طاقة من الشعور الجيّاش والتفاعل الحار لممارسة البحث بكل قوة وإصرار وعزم.
وقد تعاضدت آية الموعظة مع الآيات الممهدة في السورة لتؤدي الدور التحفيزي في قوله تعالى: ” إني أعظكم بواحدة ” وهو مدخل نفسي يعين الفرد المثقل بسلطة الرأي العام ويشجعه للبحث والنظر، فما دام الخطاب في الآية قد حدّد موعظة واحدة فقط وعدل عن الجمع – فلم يكن الخطاب: إني أعظكم بمواعظ أو بأربع وخمس – فقد سهّل على السامع استماع هذه الموعظة المحددة، وكم تضيع المواعظ إذا تعددت !؟ وتثقل على المتّعظ السماع والمتابعة فضلا عن التفاعل والتأثر.
ثانياً : تحديد المشكلة وصياغتها:
قد يبدو لأول وهلة أن ( آية الموعظة ) لم تتعرض لتحديد المشكلة والتي اعتادت طرق البحث العلمي أن تبلور هذا العنصر في مكانه الحالي، إلا أن علينا أن نتنبه إلى سياق الآية كما أشرنا، فقد سبقتها اتهامات لشخص النبي محمد (ص) ودعوته بأنه :-
- يريد أن يبعد الأجيال المعاصرين عن عبادة الآباء.
- وأن نبّوته إفك وافتراء.
- وأن دعوته قائمة على السحر.
وبالتالي فقد كذّبوا محمدا ( ص ) كما كذّب الأقوام رسلهم من قبل، وقد أوضحت الآيات 43 – 45 هذه الاتهامات حيث تنتقل الفكرة ممن أخذ قراراً بالإعراض عن الدعوة وصاحبها إلى من لم يأخذ بعد، وهكذا تآمر القوم على صدّ الدعوة بعد أن أحمشهم كبراؤهم حيث قالوا: ” ما هذا إلا رجل يريد أن يصدّكم عما كان يعبد آباؤكم ” آية 43.
وبعد هذا التحميش يكون من السهل على الفرد أن يتّخذ موقف التكذيب وما يتطلبه أمام الفكرة الجديدة مادام قد حسب أن الفكرة الجديدة ما طرحت إلا لأجل نسف عقيدته ومقدساته التي عاش من أجلها.
صياغة المشكلة :
ما ذكرناه هو أساس المشكلة وتبلورها بين أفراد المجتمع لم تعد خافية على أحد منهم، إلا أن آية الموعظة حددت اتهاماً محدداً وإن جاء من حيث الترتب اللفظي لنص الآية في نهايتها تقريبا ” ما بصاحبكم من جنّة ” ويجدر أن نصوغ المشكلة هكذا بصيغة أسئلة :-
- ما هو الجنون الذي اتسم به النبي محمد (ص) حسب الدعوى والزعم؟
- وهل يمكن لكل فرد أن يثبت دعواه لو انفصل في تفكيره عن إشاعة المجتمع وتأثيراته؟
- وهل بإمكان الفرد أن يبوح بما وصل إليه بحثه وإن خالف الرأي العام؟
ثالثا : الباعث لبحث المشكلة :
هذا العنصر أساسي لبحث المشكلة أولاً وللحل وممارسته ثانياً، وبدونه يكون البحث أكاديمياً قد لا يقصد منه إلا البحث لذات البحث، وما يتكفل بهذا العنصر من الآية القرآنية هو ” أن تقوموا لله ” فما علاقة هذا المقطع من الآية بالباعث لبحث المشكلة ؟
إن كثيراً من الأبحاث والدراسات تتوفر على الجدّ والطموح والتميز، لكن هل أغلب البحوث تتسم بقيمة الإخلاص؟ إن ( آية الموعظة) تربط صدق النتيجة وموضوعيتها وحتمية الوصول إلى الحق بالبحث من أجل الله وفوق هذا كله قدرة الباحث على التجرد والخروج عن هيمنة الجمهور مرهون بهذه القيمة “أن تقوموا لله ” لأن عوائق البحث كثيرة بعضها مرئي وبإرادة والبعض غير ذلك، ومن الحسن إيجاز أهمها كالتالي :
- مصلحة الجهة الآمرة بالبحث.
- المصلحة الذاتية للباحث.
- التشكيك وعدم استقرار رأي الباحث لو قارب الحقيقة ما دام متفرداً في رأيه.
- الخوف من البحث ما دام يؤدي إلى الاعتقاد خارج منظومة المألوف.
- الخوف من الجهر بالحقيقة بعد الاعتقاد بها.
- صعوبة العمل بمقتضى الحقيقة ما دام يسبح عكس التيار.
- الجمود الفكري الذي يدع الباحث ينظر من زاوية دون الزوايا الأخرى.
- صعوبة تحلي الباحث بالدقة والصبر المنهجي.
- تحول الباحث من كتّاب الجمهور إلى مربع الغرباء في المجتمع.
ونحن نرى أن التاريخ يزيف، وينقلب الحق باطلاً والباطل حقا ومجموعة من الكتّاب والصحفيين يشتريهم هذا النظام أو ذاك بالمال والجاه والمناصب، وباحثين يعملقون مذهباً ما ويحجّمون مذاهب أخرى وما إليها من هذه التمويهات والتضليلات الإعلامية والبحثية، فأي قيمة للبحث إذا لم يتجرد الباحث؟ فالباحث الموضوعي هو من يضع الحقيقة نصب عينيه ويسعى جاهداً للبحث عنها، فإذا ما توفق للعثور عليها كان عليه إعلانها، اتفقت مع ميوله أم لم تتفق، يصب البحث في مصلحة مذهبه، عشيرته، حزبه أم لا يصب.
والآية تؤسس مبدءاً عالياً، توجهه نحو قناعة واحدة يقينية يصب كل جهوده من أجلها دون أن ينتظر منها تعويضاً سريعاً ولا مدحاً وتبجيلاً آنيين، بل بمقدار إخلاصه وتفانيه ونسيانه لذاته يكسب رضىً وتعويضاً أخروياً، وفي هذه القيمة ( التوجه لله الواحد ) يتجرد الباحث وينأى عن المصالح المتعددة التي تذبذب الكاتب إرضاءً للذات والهوى أو خوفاً من العصا وتهافتاً على التقام الجزرة.
إضافةً إلى أن الآية تشير إلى دعامة مهمة من دعائم البحث الناجح في قوله تعالى: ” أن تقوموا “، هذا الفعل ” تقوموا ” المسبوق بأن المصدرية الدال على الاستقبال يعطي مدلولاً لغوياً لتجدد كل موقف من مواقف وحركة البحث، وكذلك ما يختزنه فعل القيام من مداليل تعطي قيمة عالية للبحث، فالقيام ضد القعود والخمول والكسل والتباطؤ والتوقف والتراجع والانسحاب والإلغاء، ومتى كان البحث مستوفيا على معاني القيام وبإخلاص لله تعالى فقد ارتفع على أمراض البحوث وتعداها.
رابعا : صياغة الفرض العلمي :
ما دامت الآية مبنية على اختصار الموعظة إلى الحد الذي يحقق سماعها والاعتناء بها؛ فإنها قد اختصرت بعض مراحل البحث، وفي مثال المشكلة التي نحن بصددها فإن صياغة الفرض قد اندمج مع مرحلة اختبار صحة الفرض في قوله تعالى في نهاية (آية الموعظة) ” ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنّة “، وبعض المفسرين يذكرون أنّ “ما” تحتمل أن تكون استفهامية أو نافية، وأنا أرجح أن تكون استفهامية في مرحلة صياغة الفرض العلمي، وتكون نافية في مرحلة اختبار صحة الفرض – الآتي بيانه في العنصر السادس – لأن الباحث يبدأ دراسته لا ليبرهن على شيء، فلا ينوي أن يثبت أمراً أو ينوي نفي أمر ما، بل يبحث ليكتشف شيئا؛ لهذا فالمفترض أن نصوغ الفرض بصيغة الاستفهام هكذا:
(( ماذا من جنون في تصرفات النبي محمد ( ص ) وأقواله – إن كان ثمة جنون حسب الزعم – ؟! ))
خامسا : جمع المعلومات :
” أن تقوموا لله مثنى وفرادى ”
حتى وإن وجهت ( آية الموعظة ) الخطاب للكل إلا أنه من المسلمّ به عدم مبادرة الجميع لبحث المشكلة المطروحة والاعتناء بها، والآية تحدد طريقاً للبحث بأن يتوجه أي فرد تأثر بالموعظة ويملك قدرات البحث فيتلمس ويفرز من بين هؤلاء الجمع من يرى فيه تصميم الباحث بعيداً عن النشطاء في تناقل الإشاعات وترويجها، يجلسان سوياً ويتناقشان في القضية المطروحة بعيداً عن آراء الجمهور وأحكامهم المسبقة، وعادة ما إذا جلس اثنان مطمئنين لبعضهما فإن كل واحد منهما يطرح رأيه بكل حرية مما يعني إمكانية التجرد والوصول إلى الحق، فلو أن كل اثنين تناولا الموضوع بجدّية وتناقشا فيه لتحقق إلى جانب الميزة السابقة تغطية مساحة أوسع لأكبر عدد من الجمهور، بل تسنح الفرصة للجميع في تكوين رأي عن القضية المجتمعية وكلٌ حسب قناعته وبحثه، والآية يفهم منها أن يتحقق البحث الثنائي والبحث الأحادي حسب المتوفر في قبال البحث الجماعي أو عدم البحث والتسليم لما يقرره الكبراء والمعنيون في الخطاب وقتئذٍ لا يراد منهم سوى القيام عن الجمهور والتفكير والتفكّر لاتخاذ القرار – بما يتناسب ومستواهم المعرفي- مستقلاً دون تأثر بالرأي العام وأحكامه ومسبقاته والتي تنتمي إلى منطق العوام، وهذه العملية تشكل عنصر ” أن تقوموا لله مثنى ” لكن الأرجح أن الآية في قولها “مثنى ” لا يقصد منها تحديدا دقيقا لا يزيد عن اثنين إلى الثلاثة أو الأربعة ما دام يشكل هماً واحداً ومنهجاً علمياً متقارباً حتى وإن اختلفوا في وجهات النظر من أجل الوصول إلى الحق بعيداً عن تقديس الكبراء وإملاءات الرأي العام، لأن الآية أفرزت ثلاث مناهج في البحث وجمع المعلومات:
أ- الرأي الجماعي ( قوم – عشيرة – حزب …الخ )
ب- الرأي غير الجماعي ( تفتيت رأي القوم والعشيرة إلى وحدات صغيرة علمية متجانسة ( مثنى ))
ج- الرأي الأحادي المفرد الشخصي، إلا أن التنظير لمنهج بحث علمي مستخلص من ( آية الموعظة ) يعطينا فهما آخر يتسق مع منهجية البحث العلمي ملخصه جمع المعلومات من دراسات سابقة وفرزها بنسق معين إما بناءاً على القيمة والأهمية أو حسب الترتب الزمني وتحليل هذه الدراسات إلى جانب دراسات الباحث نفسه والموازنة بينهما، وبعد جمع المعلومات والحقائق من وثائق “الدراسات السابقة في البحث” يعمد الباحث مستقلاً ومتجرداً عن أحكام الدراسات السابقة وطرائق جمعها في ابتداع وسائله الخاصة به، فقد يلجأ للمصادر نفسها التي اعتمدت عليها الدراسات السابقة للتأكد من صحة النقل وسند المصدر ومدلول الحكم الذي تبنته الدراسات السابقة، وبالتالي يصدق على منهجه استقلال النظر والبحث كما حددته منهج الآية الشريفة ” وفرادى “.
سادسا : اختبار صحة الفرض:
” ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنّة ”
الآية فصلت بين المراحل السابقة التي تم الحديث عنها وبين هذه المرحلة الأخيرة بحرف العطف ” ثم ” لتترك للباحث فسحة زمنية بعد جمع المعلومات من المقابلات وغيرها وسماعه الأحكام المتسرعة حتى يخرج عن تقديس الشخصيات والهالات المهيمنة إلى ساحة التجرد والموضوعية، فيعمد الباحث إلى تحليل المعلومات والمقارنة بينها، ففي مثل المشكلة المطروحة يحلل الباحث النقل الشائع في اتهام النبي محمد (ص) بالجنون، فهل يستطيع أحد أن يبرهن على الجنون المزعوم في حياة النبي محمد (ص)؟ وهل الحكم الجماعي ( الرأي العام ) مستند على دليل يصمد عن الطعون؟ ولماذا يختلف حكم الرأي العام عن حكم الأفراد في حال تقسيمهم إلى وحدات صغيرة ( ثنائية ) حين تحتكم لمنهجية البحث؟ فإذا ما وصل الباحث إلى نتيجة وحكم يقيني حينئذ يبرهن على صحة فرضه الذي يناسب هنا في هذه المشكلة أن يدلل على الفرض الصفري ( وهو مصطلح علمي في البحث ) باعتبار أنّ “ما ” يناسب كونها نافية هكذا: ( لا أثر لأي نسبة من الجنون في تصرفات النبي محمد (ص) وأقواله ).
لكن لنتأمل قليلا في آية ” ثم تتفكروا ” فإن مصدره التّفكّر، أما التفكير فالفعل له فكّر، والتفكير هو بعض ما تكلمنا عنه في كلامنا عن عناصر البحث، أما التّفكّر فهو عمل أرقى من التفكير حيث يتعلق بحقائق الإيمان والإحسان إلى جانب أنواع المعارف، فالفعل في أصل صياغته بهذا البناء الصرفي على وزن “التّفعّل” يقتضي المهلة والتدرج، إضافة إلى تتابع التّفكّر الذي دلّت عليه تكرر التاء في فعل ” تتفكّروا “.
على أنه لابدّ من التنويه إلى أنّ المخاطبين المصاحبين للنبي محمد “ص” لا يحتاجون إلى عناصر البحث – التي فصّلناها توسيعا في فهم الآية لتطبيقها على منهج البحث العلمي – وإنما يحتاجون إلى قلب متفكر يعيش لحظات صفاء وانفصال عن الناس وأقوالهم، فهم الذين صاحبوا محمدا “ص” من بدء حياته وهم الذين أقروا له بأحسن النعوت وأرقاها أما استواء عقله “ص” فلم يكن أبداً موقعاً للشك عندهم، ولا ريب في صدقه وأمانته وهو المعروف المتحنف على دين إبراهيم الخليل (ع)، إلا أن الآية مادمنا قد استفدنا منها لاستلال منهج البحث اقتضانا أن نصوغ المشكلة ونفرض الفرض بما يناسب الذهنية المعرفية.
فإلى أي شيء تقودنا عملية التّفكّر في البحث!؟ إنها لا تنتهي عند حدّ مسايرة الباحث مع عناصر البحث والانتهاء عند صحة الفرض الذي افترضناه في البحث والذي عبّرت عنه الآية “ما بصاحبكم من جنّة” فآية تتفكروا تقتضي الالتزام بموقف بعد البحث، فما دام قد أوصلهم البحث إلى انتفاء تهمة الجنون عن النبي “ص” فما عليهم إلا تصديقه ومؤازرته وتشرف الانتماء له وما إليها من مقتضيات عناصر الإيمان بدعوته “ص”، وهذه قيمة تضاف إلى مبادئ البحث حتى لا تبقى البحوث مجرد نظريات لا تضفي إلى الحياة أبعاداً من خلال التفاعل معها وتوظيفها. وهذه القيمة هي التي تسمح للكلمة أن تنساب وللحق أن ينتشر، فمتى ما وصل الباحث للحقيقة لزم عليه إعلانها ليحصل التأثير الإيجابي في الرأي العام بوسائل أيضاً علمية تتكفلها دراسات أخرى، آمل أن يوفقنا الله لدراستها وعرضها ومن الله نستمد التوفيق والسداد.