ماتركس فيلم يتحدث عن زمن حصل فيه صراع سيادة بين الإنسان والآلة، قام فيه البشر بإحراق السماء لكي يقطعوا على الآلات الطاقة الشمسية، وقامت الآلات بدورها بتسخير أجساد البشر كبطاريات للطاقة، ولكن الأجساد البشرية لا تنتج الطاقة أو حتى تعيش دون عمل العقل، وللتغلب على هذه المشكلة تم صنع كمبيوتر عملاق موصل بأدمغة البشر وأجسادهم بكابلات، وعن طريق هذه الكابلات يستطيع الكومبيوتر أن يوهم العقل البشري أنه يعيش الحياة العادية، بيد أنه مقيد في اسطوانة زجاجية وكأنه نائم يحلم، ويرى بأنه يعيش حياته المعتادة بأفراحها وأتراحها، وعلاوةً على ذلك فإن كل ما يجري على الجسد البشري في هذا الحلم – إن صح التعبير- فإنه يجري على الجسد في الحقيقة، مثلاً لو أصيب الجسد بجرح في هذا الوهم أو الحلم فإنه سينزف دماً لأن العقل يوهمه بالنزيف وبالألم.
لترى هذا العالم على حقيقته يجب عليك أن تحرر عقلك من هذا الوهم، فكلما تحرر عقلك أكثر تجلى لك هذا العالم الواهم أكثر وامتلكت القوة والحرية في التعامل مع هذا العالم أكثر، تستطيع أن تقفز من مبنى إلى آخر، أن تطير، أن تدخل من الجدار، أن توقف طلقات الرصاص الموجهة نحوك، أن تهدم جدراناً إسمنتيةً بقبضة يدك وغيرها الكثير… هذا ما حاول البشر أن يقنعوا به عقولهم، ليتحرروا من سيطرة العالم الواهم الذي خلقته لهم تلك الآلات ..
لا يبعد عالم الماتركس عن واقعنا كثيراً، فأول ما يولد الإنسان تتلقفه يدا أبويه تشكلان عجينته الطرية وفقاً للمبادئ والقيم التي يحملانها، ووفقاً للدين والمعتقدات التي يؤمنان بها “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه”، وما تفتأ يد المجتمع حتى تمتد لتصبغه بصبغتها، بالعادات والتقاليد والأعراف التي تصبح بالنسبة له من المسلمات والبديهيات التي لا يجب التفكير فيها، ثم لا يكاد يعي ويرشد حتى يتبنى فكراً أو سياسة أو تياراً أو جماعةً أو على أقل تقدير أن يكون منحازاً لذاك الفكر أو تلك الوجهة، وغالباً ما يكون هذا الاختيار بغير تفكير أو دراسة لأنه يكون بفعل ضغوط وقيود التربية المسبقة، فمن النادر جداً أن يتحول المرء من مذهب إلى مذهب أو تيار لآخر باجتهاد كامل منه دون أي تأثير من أي نوع كان.
حياة المرء في الفيلم هي مجرد حلم ينبغي أن يستمر، ليحافظ على الجسد حياً ويستنزف طاقته، وفي واقعنا عندما يصل المرء إلى لحظة الإيمان أو التبني المطلق لمعتقد أو فكر أو حتى فكرة ما، عند هذه اللحظة يبدأ فيلم الماتركس، ويصبح الإنسان بلا عقل حر، مسيراً لا مخيراً، يعيش في عالم من الوهم باعتقاده أنه يملك كمال الحقيقة بانتمائه، في هذه اللحظة تكون حياته كلها لهدف لم يكن باختياره الواعي.
وكما أن الزرع لا ينبت في الأرض السبخة، كذلك رسالة الله تحتاج إلى عقول حرة لتحملها، فالنبي (ص) لم تأسر عقله تربية وثقافة مجتمعه من أن يرى الحجر حجراً لا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يصنع، والصدق والأمانة وحفظ مال اليتيم واجباً، ووأد البنت قتلاً لنفس بغير حق، وغيرها كثير من الأفكار والمقاييس المقلوبة والمغلوطة التي نظر إليها الناس في ذلك العصر كمسلمات، والسبب أنهم لم يعملوا عقولهم ولم يسائلوا أنفسهم لماذا نفعل هذا ولماذا اخترنا هذا؟ ولذلك كان حقيقاً بالرسول الأمي (ص) أن يصل بتحرير عقله وتأمله وتفكره وانسلاخه من ثقافة مجتمعه إلى الحقيقة الكاملة المطلقة ألا وهي الله سبحانه وتعالى .
إن من يؤمن بأن جماعته أو مذهبه أو دينه أو فكره هو كمال الحقيقة، يجهل حكمة الله في جعل الناس شعوباً وقبائل ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..) .
إن كنت ممن يطلب الحقيقة ويسعى لها جهده، فلا غنى لك عن الانسلاخ والتجرد من كل أفكارك ومعتقداتك المسبقة وغربلتها، ليصفوا لك منها ما هو حق، وأما الزبد فيذهب جفاء، إن كنت تريد رؤية الحقيقة فحلق عالياً فوق كل شي وهناك فقط.. سترى كل شيء.