(يأبى كلُّ أحمقٍ إلاّ أن يخطَّ للهِ خطّةً يبني له عليها مستقبلَه! فكأنّما يريد أن تمشيَ يدُ الله في التقدير على أجزاءِ الصورة التي في خيالِه)
لا شكّ أنّ الصورة النمطية التي يعكسها المجتمع في عقولنا وبحسب الفهم المرتكز في أذهاننا للدين، وبعيداً عن التذاكي سيفرض علينا أن نختار نمطاً معيناً يعكس ظاهره ما بدواخلنا من فهم للدين، أو ما نعلم أنّ النسق الاجتماعي يفرض على المتدين أن يكون متزيّاً به.
المتدين مظهراً، هو الملتحي، المعمم، أو مسدل الغترة، قصير القميص، المتحجبة، المتبرقعة، المتغشية…، فيه أثر السجود، بسبحة يسبح، يتمتم بالأذكار، يحضر المساجد والجمعة والجماعة، يلبس مألوف الثياب بمألوف الألوان، ويحلق المعتاد من الحلاقة، يكثر من الوعظ والإرشاد، ويكثر من التذمر على تبدل الزمان. رحلته للأماكن المقدسة فهو يتراوح بين الحج والعمرة وزيارة الأولياء، يجلّ الأعمال الخيرية وجمع الصدقات ويرى أنها علاج الفقر، ويعظم عمارة المساجد، وسقاية السبيل، يحضر الجنازات ومجالس العزاء، أكثرهم شعبيون لا نخبويّون.كما يتميز المتديّنون بالانعزال الاختياري عن ما لا يوافق (الدين) من الناس والأنشطة العامة، وعن السينما والمسرح ومعارض الفن والموسيقى والغناء، وبالطبع الملاهي والمراقص والخمارات ووو.
ويرون إيذاء المخالف دينا، حاكمين عليه سلباً دنيا وآخرة، وهم في انقباض عن غير الموافق (مذهبيا، دينيا..)، وتتجلى روح الرحمة عندهم عليه غالبا في الحرص على أن يبدّل فكره المخالف ليكون من الناجين، ولكنهم غير قادرين نظريّا على المحبة مع الاختلاف، لأنّ ذلك يعني موادّة من حادّ الله ورسوله، وإن كان الموقف العملي الإنساني يتغلب على الموقف الأيديولوجي أحياناَ كثيرة.
وهم يعتقدون أنّ الحقيقة واحدة وهي في الإسلام وأنّهم يعرفونها دون الناس، ثقتهم المطلقة بالنصّ الديني قرآناً وحديثاً، وفي الرسالة العمليّة للفقيه وإمام المذهب، ويؤمنون أنّ التقدّم والخلاص يقعان في الماضي والذي ينبغي العودة إليه روحاً وأخلاقاً وقيماً وأفكاراً، وإنْ بأدوات عصرية، فالأدوات العصرية والعلوم العصرية لا تتطلب تغييراً كيفياً معها.
لا يقرءون للغير إلاّ بما يسند فكرهم، أو استعداداً للردّ عليه كفكر ضلال، إلاّ إذا كان فكراً وأدباً محايداً، ولا يستشهدون إلاّ بالتراث نصوصاً وتاريخاً وأحداثاً، فهم أكثر التصاقاً بالأصول الدينية والثقافية العربية الإسلامية، ومن النادر أن يستشهدوا بفكر الفلاسفة حتّى العرب المسلمين منهم، لأنّ المزاج الديني العربي بالخصوص يقف سلبا من الفلسفة.
لا يتّصفون بالتجريب الثقافي بل بالمحافظة والمتابعة، فالجديد عندهم مرفوض بالنظرة الأولية، ينبع هذا من سيادة روح الخوف من الجديد المساوق في ذهنهم لمفهوم البدَع، مهما كان هذا الجديد فكراً أو عادة أو لباساً أو جهازاً أو نشاطاً ثقافياً، ولكنّهم يملكون قابلية التكيف مع الجديد إذا تغلّب عليهم بفعل نيله رضا العامة من الجمهور وخرج عن نطاق سيطرتهم في التحكّم، حينها يعودون بالتدريج ليجعلوا هذا الجديد أداة محافظة بقدر المستطاع.
انقيادهم يتوزّع بين رجل الدين والسلطان على تفاوت بينهم بحسب ظروفهم المذهبية ومواقفها التاريخية من الخلفاء، ولكنّهم لا يخرجون من رؤية وجوب الطاعة عليهم لهذين الفريقين أو أحدهما، وهذه الطاعة مكيفة لتكون فروضا دينية، قد تتعارض المواقف فيها مذهبيا لدرجة التناقض ولكنه تناقض في الموقف العملي القائم على نفس القاعدة النظرية، فعند مذهب طاعة الخليفة الظالم (ويرى بأنّ كلّ خليفة هو ظالم) حرام، وعند مذهب آخر طاعته واجبة مع كلّ ظلم وجور ما دام لم يعلن الكفر البواح، ولكن معارضة المعارضين قائمة أيضاً على وجوب الطاعة لإمام أو فقيه أو شيخ، فالأصل في الموقف هو التبعيّة لا الحريّة، وكلّ تحرك وإن كان للمطالبة بالحقوق المشروعة يتطلّب إجازة شرعية.
المتدينون لا يؤمنون بحرية الفكر والعقيدة، فالعقيدة والفكر ينبغي أن يكونا لونا واحدا، فالحق لا يتعدّد، والله حقّ لا يقبل إلاّ الحقّ، ولهذا فكلّ فرقة تقول أنّها الناجية، وأنّ من عداها فهو من الهالكين، إلاّ أنّ منهم من يقول أنّ الهلاك يتبيّن يوم القيامة، ومنهم من يتطرّف ليجعل نفسه مكلّفا بأدائه للهالكين هنا فينصب الحساب قبل يوم الحساب.
قد يعطي هذا الإيجاز صورة عامة لتصورّنا اليوم عن المتديّن، ولكن هل هذه هي الصورة الحقيقية للمتدين؟ وهل المتدين بالفعل ليس هو إلاّ هكذا؟ يعتمد ذلك على مفهومنا للدين ما هو؟ وللإيمان كيف هو؟
أوّلاً- ما هو الإيمان؟
الثقافة الإسلامية تعرض علينا صوراً من صيغ الإيمان، ولطالما تقاتل المسلمون وهم يدّعون على بعضهم أنّ الإيمان ليس إلا ما يقولون، ولو ذهبت لثمراتهم في علم الكلام لوجدت نماذج (للعقيدة الصحيحة) أصدرها العلماء وبعض الخلفاء (نؤمن بالله…. وكتبه وملائكته، وبالقضاء والقدر خيره وشره…) سطّر فيها كلّ فريق رؤيته المذهبية للإيمان وأخرج كلّ من عداه منه.
لا شك أنّ القرآن يقدّم صورة عن الله وعالم الغيب يستحيل على غير المسلم أن يتوصل إليها، لأنّها صورة من عالم الغيب نفسه، فمحال أن يدرك العقل صفات الله بكلّ هذا التفصيل أو أن يعرف الملائكة والجنة والنار والحساب والقيامة، فهذه تفاصيل غيبية يتعلمها المؤمنون من الكتب المقدسة.
ولكن الإيمان قد يتحقق ممّن لا يعرف ولا يؤمن بكلّ هذا الوصف لله وللإيمان، فجذر الإيمان لا يتعدى الإيمان بوجود قوة وراء الوجود تؤثر فيه وتتدخل بطريقة ما في مسيرته ولو أحيانا، وقد لا تكون ماهية هذه القوة معروفة لهذا المؤمن ولهذا فهو قد يسميها بمسميات أخرى تعكس مدى إبهامها عنده.
فهناك قوم يؤمنون بالله ولكنّهم لا يعرفون أنّ ما يسمونه الصدفة هو تدبيره في الوجود، ولكنهم يؤمنون بأنّ أموراً غير متوقعة وخارجة عن النسق والنظام قد تقع في الوجود بما يتسبب في تغيير المسار عن العادة، ويوجّهه نحو غايات مختلفة، وقد يجدون أنّ هذه الصدف تأخذ الوجود نحو غايات محدّدة كلّما أرادت الأحداث أن تسوق العالم بعيداً عنها أعادتها لها، ويضعونها في حسبانهم وهم يمارسون حياتهم، وقد يتّكلون عليها حينما تعييهم الحيلة ويضيق بهم المخرج، فيعلقون عليها آمالهم بالفرج معتقدين أنّ الظروف قد تأتي صدفة بما لا يتوقع، فمثل هؤلاء يؤمنون بالله ولكن دون أن يعرفوه بالتعريف الذي عرّفه به الدين.
ومن مثل هؤلاء آخرون يؤمنون بالحظ، ويحيلون عليه العلّة في تفسير الأحداث التي جرت على غير النمط المفهوم والمتوقع والمعلل، فيقال أنّ الحظ لعب دوره فيها، وما الحظ إلاّ صورة من صور الحكومة الربانية ولكنّهم لا يعلمون بذلك، فيسمّون هذه القوّة حظا، ويسميها المؤمنون قضاء وقدرا، ولكن الجميع يشير إلى علّة ما خارجة عن المتوقع، فالإيمان بالحظ هو صورة من صور الإيمان بالله.
وقد يؤمن الكثيرون بالعقوبات القدريّة والمسمّاة عند العامّةالحوبةوهي من باب تسمية الشيء بلازمه، فالحوب هو الإثم ولازم الإثم الجزاء السيئ، فهم على يقين بأنّ العمل السيئ له آثار سيئة على فاعله دون أن يربطوا بين ذلك وبين الله كما عند المؤمنين، ولكن عدم الربط لا يعني عدم الارتباط، بل هو في الحقيقة صورة من صور الإيمان بالله تشكّلت في ظروف ثقافية أخرى.
وقد يؤمن العلماء بالنظام والانضباط ربّا للوجود وجريان السنن في دقة منقطعة النظير، فهو عندهم العقل الرياضي الحاكم، فكل شيء بقانون ووفق سنّة يحاولون جهدهم اكتشافها، فهم على غرار الفلاسفة القدماء في عقيدتهم بالعقل الأكبر الناظم المتحكّم، الإيمان بمنطقية الوجود وعدم عبثيته هو نوع من الإيمان بالله وإن على نحو مغاير.
ومن الناس من يؤمن بالله على طريقة التعلّق النفسي بقوّة غامضة تقف وراء الوجود المحسوس للنفس، فهو يستمد منها المعونة في أزماته، فإذا ما أحاطت به الأزمات تعلّق بها رجاء أن يحدث شيء من خارج المتوقع يسبب له خلاصاً، فهو يتعلّق بالقدر المجهول والذي ربما كان قد خبره في تجاربه السابقة، إذ كثيراً ما يحدث للإنسان مخرج ما على غير توقع منه يجعله يؤمّل عاطفيا مثله من تلك الجهة المجهولة حين اشتداد الحاجة، وهو من نوع ما يسميه المؤمنون بالله بتسبيب الأسباب من غير سبب، ولكن دون أن تكون هذه العلاقة قد تكوّنت على قاعدة نظريّة أو بناء معرفي، إنّها فقط علاقة نفسية عاطفية على أساس من تجارب شخصيّة غير مفهومة ولكنّها يقينية.
وعليه فإنّ الإيمان هو أعمّ بكثير من الصورة التي بنيت في الثقافة الإسلامية خاصّة وفي الثقافة الدينيّة السماويّة عامّة، والتي تملك الكثير من التفاصيل في الإيمان نتيجة الموروث الديني الطويل والمباشر مع السماء بحسب دعوى هذه الأديان، وبحسب الرؤية الثقافية المديدة التي تراكمت على مدى التاريخ سواء الصحيح منها والفاسد، ولكن كون المتدين يملك معلومات كثيرةعن الله صحيحة وفاسدة فهذا لا يعني أنّ الله لم يتعرّف لغيرهم بطريقة أو بأخرى، وعليه فهناك في الناس إيمان بالله تحت عناوين مختلفة.
وربما يتألّى المتديّنون على الله فيزعمون أنّ هكذا إيمان ليس بنافع يوم الحساب، ولكنّنا لا نتحدّث هنا عن النفع الأخروي من عدمه، ذلك أنّ هذه الموازين الأخروية قد تقبل ما لا نظنّه مقبولاً وقد ترفض ما نظنّه مقبولاً، فحساب الناس يوم القيامة أدقّ من أن يتسلل منه مخادع، وأعدل من أن يخرج منه صادق ولو بمقدار خردلة من الإيمان (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)( الأنبياء: 47).
ثانياً- ما هو الدين؟
تتعدّد معاني الدين، ولكنّنا هنا نهتمّ بالمعنى الأساس، فالدين هو ما يجد الإنسان نفسه ملزما بصدقه وصواب العمل به، بل ووجوب ذلك عليه، سواء التزم به عمليا أو لم يلتزم، ولكنّه من الناحية النظرية يجده ملزما له بصفته إنساناً يرى أنّ ذلك الشيء حقّ، إنّه مجموعة من القيم المعنوية والمواقف العملية من القضايا المختلفة، إنّه الاستجابة لمنظومات من الأوامر والنواهي التي يقرّرها الإنسان على نفسه طاعة لعقله ووجدانه، سواء كانت هذه القناعة نابعة من فكر ذاتي أو عن إيمان بدين، ولكن ما يسمّى منها دينا عند الله ويستحق فاعلها عليه ثواب منه هو خصوص ما يتوافق منها مع دين الله، سواء علم الإنسان بهذه الموافقة وقصدها أم لم يعلم ولم يقصد، فكلّ ما يوافق الدين فهو دين ويستحق الثواب دنيوياً أو أخروياً أو كلاهما.
فإذا كان الأمر كذلك فهل يوجد إنسان بلا دين؟ هل يوجد إنسان بلا قيم وأخلاق؟ هل يوجد إنسان خلو من الحرام والحلال، الواجب والمحظور؟ بطبيعة الحال لا، فلكلّ إنسان دين وقيم وأخلاق وجماليات وقبائح يفرضها على نفسه أو يربيه عليها مجتمعه فتكون معه منذ النشأة يستحسنها ويستقبح أضدادها.
وإذا جعلنا حديثنا في خصوص ما يوافق الإسلام فيمكن القول جزما أنّ ما من إنسان قادر على الخروج من جوهر الإسلام وقيمه دينا، لأنّ الإسلام دين فطري، بغض النظر عمّا لحقه من تشويه التعصّب والتخلّف الذي وقع فيه المسلمون.
إنّنا نحكم على الناس وعلى أنفسنا بالتديّن من عدمه من خلال النظر للدين بالمفهوم التقليدي الشائع في المجتمع، فتكون العبادات هي العنوان الأوّل والأخير للمتدين، ويكون السلوك النسقي المألوف في الحكم على الموافقات والمفارقات للدين هو المهيمن على عقلنا وتفكيرنا، حتّى إنّ بعضنا قد يفتخر بعدم تدينه ظنا منه أنّ الدين حقّا هو الصورة النمطية التي يمثلها سلوك المتدينين بخيرهم وشرهم.
إنّ المتدينين النمطيين قد يمثلون صوراً صحيحة من الدين وأخرى خاطئة، ومن نطلق عليهم غير المتدينين هم في الحقيقة يحملون أفكاراً وسلوكاً وأخلاقاً كثيرة لا تكاد تحصى من الدين، فهم متدينون ولكن بصور ونماذج قد لا تكون ملحوظة في الرأي النسقي العام. هل يمكن أن نستعرض أنماطاً من أحكام الدين ومواقفه التي تكشف عن تدين من لا نعتقد بتدينه حسب النسق المعتاد؟ فلننظر في هذه النصوص التي سنزيل منها المخاطب بغرض إعطائها صفة العموم والتجرّد ونحكم بعدها هل هناك أحد خلو منها أو بعضها؟
1. مبدأ حقّ الردّ على التطاول بمثله.. مع ترجيح كفة الصبر، لإمكان تحويل موقف الخصومة والمواجهة لما هو أفضل في العلاقة مع المتطاول: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).
2. إنّ البرّ لا يتمثل في الجدل حول طقوس العبادة وشكلياتها ولكن البرّ كما يتمثل في صدق الإيمان وصدق العبادة فهو يتمثل في الإنفاق مما يحب الإنسان في وجوه الإعانة للناس ممّن هم في حاجة للمعونة، ويتمثل في الصدق في المواطن الصعبة وفي الوفاء بالعهد والوعد. (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
3. حرمة الغيبة والتجسّس (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
4. حرمة التمييز العنصري ووحدة الأصل البشري وأنّ الكرامة بالعمل الخيّر لا بالعرق. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
5. وجوب التحقّق من أنباء المشكوك في أهليتهم للثقة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
6. توظيف الأفلاك في التقويم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ)، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)، (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا).
7. الشياطين مفهوم يقترن بالأفاكين الكذّابين: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ).
8. فتح الفرصة للإنسان كي يتعلّم من أخطائه ويُصحّحها ويتجاوز جهالته: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
9. التعامل بسماحة، واحترام ما تعارف عليه الناس من الأعمال والعادات الخيّرة المفيدة، والإعراض عن جهلة الناس لعدم مواجهة جهالتهم بجهالة: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
10. التواضع وعدم الترفّع على الناس مع الابتعاد عن خطاب الجهالة: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا).
11. عدم تخليط الحقّ أيّا كان بما هو باطل أيّا كان، وعدم كتمان الحقّ إذا علمه الإنسان، وعدم إرشاد الناس للبرّ والخير قولا ثمّ مخالفته عملا: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ).
12. حرمة الاحتيال على الناس لأكل أموالهم ولو بالتدليس على القضاء، فحكم القاضي لا يحوّل الاحتيال إلى كسب صحيح في واقع الحال: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ).
13. وجوب الوفاء بالموازين المتعارفة: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).
14. وجوب كتابة الديون والإشهاد عليها للإيفاء بها: (َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ).
15. كلّ نفس رهينة بما عملت، فمن يعمل عملاً صالحاً يُجزَ به خيراً ومن يعمل عملاً سيئاً فيحقّ لصاحب الحقّ أن يجازيه بالسيئ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا).
16. إنّ التسامح والرفق ومقابلة السيئة بالحسنة سلوك إنساني حميد يورث المحبة ويبعد البغضاء: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
17. لا مانع من التعامل مع المختلف عنك في الدين والعقيدة والفكر بالقسط والبر وإنّما الممنوع هو أن تبرّ العدوّ الذي لا يزال في عدوانه مستمراً بل يبالغ في العداوة للمسالم نفياً وطرداً وقتلاً وحصاراً، فالموقف هنا هو ردّ العدوان ومواجهته بكلّ وسيلة: (َلا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
18. العلاقة بين الأزواج هي المودّة والرحمة: (خلقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً).
19. التعاون والتحالف ينبغي أن يكون على البرّ والخير والتقوى لا على الإثم والعدوان (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
20. العدل والإحسان وصلة الرحم مواقف خيرة يأمر بها الله، والفحشاء والمنكر والبغي مواقف شر مؤذية للناس ينهى عنها: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
21. تقديم العون للناس في كلّ الأحوال من اليسر والعسر، وكظم الغيظ عن مسيئهم والعفو عنهم أخلاق حميدة: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
22. أولى الناس بالإحسان الوالدان والأقارب واليتامى والمساكين، والخطاب الذي ينبغي أن يسود التعامل مع الآخر هو خطاب القول الحسن الطيب: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).
23. قتل النفس البريئة بغير موجب هو أعظم الجرائم وقاتل النفس عدوانا هو منتهك لحقّ الحياة للبشرية كافة: (منْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)
24. الإحسان للجار سواء كان قريب النسب أو أجنبياً هو واجب ديني وإنساني، وكذل الصاحب في العمل أو السفر، والمنقطع عن أهله في بلاد غربة: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا، الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ).
25. ترك السخرية من الآخرين ووصفهم بنعوت يكرهونها: (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ).
26. تخصيص قسط معلوم لمساعدة المحرومين أمر طيب: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)
27. حفظ حرمة البيوتَ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ. فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ).
28. ترك التكبر والاختيال على الناس والصراخ واللجاج المخرج عن حدّ اللياقة: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).
29. توقير ذوي العلم والسن والفضل من الناس والتوسعة على الآخرين في المجالس: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا).
30. السعي للصلح بين المتنازعين واجب والوقوف ضدّ الباغي المستمر في بغيه واجب أيضاً: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
31. الإعراض عن الّلغو، وتقديم المال عوناً، والانضباط الجنسي ضمن حدود الزوجيّة، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
32. رفض شهادة الزور: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)
33. أداء الأمانة والعدل في القضاء: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل)
34. حسن التعامل مع الآخر بالقول والفعل: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)
35. الحقّ في العقوبة بالمثل: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).
36. يجب حفظ الحقوق بين الزوجين عند انفصالهما تعظيما لحرمة الزوجيّة التي كانت بينهما: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)
37. حرمة الزواج بزوجة الأب: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا).
38. حرمة نكاح المحارم من الأمهات والأخوات والعمات والخالات: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)
39. الالتزام بالعدل حتّى مع من لا نحب: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
40. عدم تحميل أحد وزر غيره حتّى لو كان أبا له وابناً أو أخاً أو لصيقاً: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
41. رعاية مال اليتيم: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)
42. الاستقامة في النفقة فلا تقتير ولا تبذير: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)
43. حرمة قتل الأبناء لأيّ سبب من خوف الفقر أو خوف العار: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)
44. حرمة المعاشرة الجنسيّة خارج القانون الذي يبين المسؤليّة عن الأبناء فيما حدث حبل من حيث النسب والنفقة: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا).
45. الأنفس متساوية في القيمة فلو قتل حقير أميراً فلا يقتل به إلاً هو دون غيره: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا).
46. يجب على الإنسان أن لا يحكم إلاّ عن علم، فإن لم يكن يعلم فواجبه التوقف: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
47. َيجب الحفاظ على كرامة السائل والمحروم: (قولٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى)، (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ).
48. حريّة الضمير والاعتقاد: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)
49. المنع من التقليد الأعمى لرجال الدين أو الآباء أو المجتمع: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ).
هذه نماذج وعيّنات غير مرتّبة على نسق.. مِن الأعمال والمواقف والأفكار الخيّرة التي يؤمن بها من لا نصفه بالمتدين مع أنّها من صلب الدين ومنصوصة في الكتاب المقدس.
ثمّ خذ في اعتبارك ما جاء من الفضل في خدمة الناس وقضاء حوائجهم والدفاع عن حقوق المظلومين والمستضعفين والنساء والأطفال والضعاف، وإيثار ذوي الحاجات على النفس، من مثل هذا الاعتذار للإمام زين العابدين: (اللهم إني اعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم انصره، و من معروف أسدي إليّ فلم اشكره، ومن مسئ اعتذر إليّ فلم أعذره، و من ذي فاقة سألني فلم أوثره، ومن حقّ ذي حقّ لزمني لمؤمن فلم أوفره، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم استره، و من كلّ إثم عرض لي فلم اهجره..)
ومن مثل هذا الدعاء الذي يحمل الشعور بالخير لكلّ الناس: (اللهم أغن كلّ فقير، اللهم اشبع كلّ جائع، اللهم اكس كلّ عريان، اللهم اقض دين كلّ مدين، اللهم فرّج عن كلّ مكروب، اللهم ردّ كلّ غريب، اللهم فكّ كلّ أسير، اللهم أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كلّ مريض).
إضافة إلى ما ورد من أحكام ذات طابع إنساني من مثل شراكة الناس كلّ الناس في الثروات الطبيعية والمياه والغابات والأراضي، وإنّهم على مستوى واحد من الحقّ فيها وأنّ مستثمرها يجب عليه دفع نسبة من فوائدها تذهب لخدمة دولة المجتمع وحاجات الناس فيها، وإنّ الطرق العامّة والساحات والشواطئ غير قابلة للتملك بما هي حقّ عام، وإنّ هناك حقوقاً لعابر السبيل في ثمار الطريق، وللفقراء حقّ يوم الحصاد إذا ما حضروه.
أضف إلى ذلك ما جاء في الدين من العادات المستحبة من النظافة الشخصيّة والغسل والطيب وتقليم الأظافر وتنظيف الأسنان وغسل الأيدي وتسريح الشعر ودهانه، وإكرام الضيف وإجارة الخائف ونصرة الملهوف وغيرها كثير كثير.
ثمّ ما ورد في الدين من إجلال الصدق والوفاء والكرم والشجاعة وسائر مكارم الأخلاق ومن وجوب التنزه عن مقابلاتها من رذائل الأخلاق والتي هي أعظم درجة في سُلّم الدين من أحكام الجوارح.
هل يوجد أحد من المسلمين مهما كان يظنّ بنفسه أو كانت الناس تظنّ به، يخلو من هذا كلّه؟ هل يمكن لنا أن نجد واحداً من بين من نعرفهم ليس له من هذه المكارم والمواقف نصيب قلّ أو كثر؟ هل يمكننا القول أنّ الكلّ متدين ولكن بصور ومواقف مختلفة؟ بل يمكن القول بأنّ الكثيرين ممّن لا يقيمون العبادات كالصلاة والصيام هم أقوى دينا من المتعبدين في نواح أخرى من الدين كنصرة المظلوم والدفاع عن الضعفاء ومواجهة الظالمين، وإنّ منهم من هو أكثر مبادرة في المساعدة والتضحية والخدمة للناس، ومنهم من هو أكثر تحرّراً في فكره وعقله من المتدينين الذين استبدت بهم العقائد ورجال الدين والسياسة، ومنهم من هو أكثر موضوعية وحقانية من المتدينين التقليديين الذين يحجبهم عن قول الحقّ جهلهم وتعصبهم لرجالهم وأقوالهم ومذاهبهم، ومنهم من يحمل خصالا نفسية هي أكمل وأجمل من خصال نفوس بعض المتدينين التقليديين، وقد نبّه إلى مثل ذلك الإمام الخميني حين تحدّث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منبها إلى وجوب التلطف في ذلك فربما كان المنهي المأمور يملك من المحاسن النفسانية والمكارم الأخلاقية ما لا تتوفر في الآمر الناهي.
ومن الجدير بالقول أنّ هناك جوهرة من الدين لم يعد يلتفت لها أحد على أنّها وظيفة دينية تستحقّ الثواب، بينما هي جوهرة العالم الحديث ألا وهي تطوير الحياة بالمعرفة وتطبيقاتها في خدمة الناس، فمع أنّ المروي عن آدم أنّه أوّل من علّم الحراثة للزراعة وعن شيث أنّه أوّل من جعل القسم أداة في القانون، وعن أنوش أنّه أوّل من خدش الخدوش للكتابة، وعن إدريس أنّه مَن علّم النسج والخياطة (الدرز) وكانت الناس قبله تلبس الجلود، ومع أنّ القرآن يذكر أنّه علّم نوحاً صناعة السفن الضخمة، وإنّ الله علّم داوود صناعة الزرد (الدروع (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ)، وقد اشتهر ذو القرنين بأنّه المهندس لشغفه بالبناء والعمارة، مما يدلّ على اهتمام سماوي قديم بتطوير الحياة، إلا أنّ مهمّة تطوير الحياة أصبحت شأن إمبراطوري لا يعني الدين ولم يعد الطبيب والمهندس والعالم والمكتشف وسائر من يقدمون الخدمة في تطوير الحياة مما يهتم به الدين أو ممّا يستحق ثواباً وكأنّ تطوير الحياة لم تكن مهمّة دينية منذ البداية! وخلاصة القول: إنّ المتدين ليس هو من كان على النمط النسقي المعروف والمتبادر، بل يمكن القول أنّ كلّ صالح متديّن ولكن بوجوه مختلفة وبدرجات متفاوتة، بل إنّ ممّن يظنّ النسق أنّهم غير متدينين قد يملكون من جواهر الدين ما هو أنفس مما يتوفر عليه المتدينون النمطيّون.
ثالثاً- المتدين المتكامل
ولكن يمكن القول أيضا أنّ الإنسان الذي يبحث عنه الدين لم يوجد بعد، ذلك الذي يملك من الوعي بربه وبنفسه وبالناس ما يجعله مثالا لله في الأرض يملك من القدرات النفسية والعقلية ومن الإيمان الواعي بما يجعله مثيلاً في القدرة على الأرض لقدرته سبحانه يقول للشيء كن فيكون، إن هذا الزعم الديني الذي يطرحه الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثَلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون) لا يزال حلما بل قل أقرب للخيال، ولا زال الدين يسعى بالإنسان الجسْر لأنْ يتأهّل لبلوغ تلك الغاية الرفيعة يوما، ولكن هذا الطموح يكشف لنا عن مدى القدرات التي يجزم الدين بأنّ الإنسان قادر عليها لو تولّته التربية المقتدرة.
إنّ الدين يستعرض لنا نموذجاً من كمالات الإنسان الجسر عبر توصيفه لمزايا المتقين، علما بأنّ التقوى تعتبر في سلم العرفان أوّل درجات السلّم اللازمة للتوفر على القدرة على التسامي الطويل واللانهائي، ففي نصّ مشهور للإمام علي بن أبي طالب يجيب فيه على سؤال سائل سأله وهو يخطب على المنبر عن صفات المتقين فأجابه مجملا، ولكنه عاود بطلب التفصيل ففصّل له فلم يحتمل نظرا لما وجده من صعوبة بالغة وسمو رفيع. قال في وصف المتقين أصحاب الدرجة الدنيا في سلّم الكمال في مشروع الدين للإنسان:
(مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاْقْتِصَادُ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ.غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ.نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاَءِ كَالَّتِي نَزَلَتْ فِي الرَّخَاءِ.عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ.أَرَادَتْهُمُ الْدُّنْيَا وَلَمْ يُرِيدُوهَا، وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أُنْفُسَهُمْ مِنْهَا.
أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لأجزاء الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ.
وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ، أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ، قَدْ بَرَاهُمْ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ، لاَ يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلاَ يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ، فَهُمْ لأنفسهم مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ.
إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهْمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي، وَرَبِّي أَعْلَمُ مِنِّي بِنَفْسي! اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُونَ.
فَمِنْ عَلاَمَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِين، وَحَزْماً فِي لِين، وَإِيمَاناً فِي يَقِين، وَحِرْصاً فِي عِلْم، وَعِلْماً فِي حِلْم، وَقَصْداً فِي غِنىً، وَخُشُوعاً فِي عِبَادَة، وَتَجَمُّلاً فِي فَاقَة، وَصَبْراً فِي شِدَّة، وَطَلَباً فِي حَلاَل، وَنَشاطاً فِي هُدىً، وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَع.
يَعْمَلُ الأعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَل، يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ، يَبِيتُ حَذِراً، وَيُصْبِحُ فَرِحاً، حَذِراً لَمَّا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ.إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيَما تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيَما تُحِبُّ.قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيَما لاَ يَزُولُ، وَزَهَادَتُهُ فِيَما لاَ يَبْقَى، يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمَ، وَالْقَوْلَ بِالْعَمَلِ.
تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ، قَلِيلاً زَلَلُهُ، خَاشِعاً قَلْبُهُ، قَانِعَةً نَفْسُهُ، مَنْزُوراً أَكْلُهُ، سَهْلاً أَمْرُهُ، حَرِيزاً دِينُهُ، مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ، مَكْظُوماً غُيْظُهُ، الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ.إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ.يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ.بَعِيداً فُحشُهُ، لَيِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مُنْكَرُهُ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلاً خَيْرُهُ، مُدْبِراً شَرُّهُ.فِي الزَّلاَزِلِ وَقُورٌ، وَفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ.لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ.يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ.لاَ يُضَيِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلاَ يَنْسَى مَا ذُكِّرَ، وَلاَ يُنَابِزُ بِالاَْلْقَابِ، وَلاَ يُضَارُّ بالْجارِ، وَلاَ يَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ، ولاَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ.
إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ، وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ، وَإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتّى يَكُونَ اللهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ.نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاء، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة.َأتْعَبَ نفسه لآخِرَتِهِ، وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ.بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزاهَةٌ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنَهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ، لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْر وَعَظَمَة، وَلاَ دُنُوُّهُ بِمَكْر وَخَدِيعَة).
فإذا كانت هذه صفات الإنسان المتدين في الدرجة الأولى من سُلّم الكمال المتصوَّر للإنسان في أطروحة الدين والمكوّن من درجات عديدة، فما هو يا ترى مدى بعد المتدين في واقعنا اليوم عن الأبعاد المطلوبة في المتدين المطلوب؟ وهل يترك البون الشاسع بين متدين الواقع وبين المتدين المثال مجالا لأحد كي يفاخر بتدينه على تدين غيره؟ فما المتدينون اليوم جميعاً إلاّ نسخا بالغة النقص عن المتدين النموذج، ولو اشتغلنا بعيوبنا نصلحها لكان أنفع لنا من تتبع عورات الآخرين بينما عوراتنا مكشوفة لذي بصيرة.