بمن تحب أن ترتبط؟

حين يدعو أحد الأشخاص أناساً إلى بيته يصف إليهم البيت على أنه بالقرب من قصر أحد الوجهاء، وأنهم إذا وصلوا إلى هناك فقد وصلوا إلى البيت، ويذهب الناس بالقرب من القصر ويتصلوا به ليصف الطريق وإذا بهم يجوبون شوارع وأزقة حتى يصلوا لبيته الذي لا يقرب للقصر إلا من خلال أحجية، فهم لا يشكّون أنه أعطاهم هذا العنوان فقط لكي يوحي لهم بأنه يوجد شيء مشتركٌ بينه وبين صاحب القصر، وشخص آخر يضع في مجلسه الذي يستقبل فيه الضيوف صورته مع أحد المسؤولين في الدولة، ليقول أنه يعرف أشخاصاً بهذه الأهمية، وسيدة تتفاخر بشرائها طقم ألماس ثمين لتضع نفسها في خانة واحدة مع الأثرياء الذين يستطيعون أن يقتنوا طقماً بهذا الثمن دون أن يضطروا لبيع بيتهم لشرائه، وأخرى تتكلم مع أناس بسطاء بكلمة عربية وأخرى أجنبية، محاولةً فك رباطها من هؤلاء الناس ولغتهم وربط نفسها بأهل اللغة الأجنبية.

كل هؤلاء يشتركون في شيئين أساسيين، أولهما حبّ الظهور، والثاني رؤيتهم لأنفسهم بأنهم ناقصون ولا يستطيعون أن يصبحوا شيئاً جوهريّا ذا قيمة إلاّ بقيمةٍ مضافة تملأ العين، لذا فهم بحاجة لأن يرتبطوا بآخرين أو بأشياء أكثر شأناً وقدرة واعتباراً بمعاييرهم، لينالوا إعجاب الناس واحترامهم، فبالرغم من أنهم قد يحصلون على هذا التقدير والاحترام من أولئك الذين يتشابهون معهم في المعايير، إلا أنهم قطعاً لن يحصلوا على ذلك التقدير والاحترام من آخرين لهم معايير أرقى، وبالتأكيد لن يحصلوا على أي تقدير من أنفسهم. فحين يختلون مع أنفسهم ودواخلهم، تجدهم على يقين أن هذا الارتباط لا يزيدهم إلا اعترافاً بأنهم لا يملكون شيئاً يستحق الاهتمام والاحترام، وما التصاقهم بالآخرين إلا من أجل أن يُحسبوا معهم.

وحب الظهور والارتباط بمن هو أكثر قدرة شيء جميل وراق إذا ما كان ذا شأن حقيقي يُظهر جوهر الإنسان وقيمته، فلم يخلق الله تعالى أياً منا عبثاً ولا تكراراً ولا زيادةً في العدد، فكل منا يأتي لهذه الدنيا ليُظهر إلى الوجود أفضل ما لديه ويضيف شيئاً، ومن ثم يرحل، فإذا ارتبطنا بالنفخة الربانية التي نُفخت فينا { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}(الحجر/29)، وأظهرنا إلى الوجود ما استحققنا من أجله سجدة الملائكة، فنحن قمنا بالاثنين معاً، مع فارق أننا ارتبطنا بما هو حقيقي ويتناسب مع أعلى المعايير وأشملها وأكثرها قدرة على البقاء.

فهذا الارتباط يعطينا قيمة حقيقية عند أنفسنا ويُشعرنا بالمسؤولية، وينعكس ذلك على شخصياتنا في كل المجالات، بما فيها المجال الأسري والمهني والمجتمعي، فالحسد والجشع والحرص والخوف من الفقدان سيتقلصان إلى أبعد الحدود، ولن يكون دورنا مقتصراً فقط على اجترار الماضي لكي نبحث عن أشخاص نلومهم للوضع الذي نحن فيه، بل نتحمل مسؤوليتنا في الإصلاح، ونستبدل سؤال “لماذا نعيش وضعاً سيئا متهلهلاً؟”، بسؤال “ماذا أستطيع أن أفعل لأغير الوضع السيء والمتهلهل إلى الأفضل؟”، وبدلاً من أن نرثي حالنا ونبكي أوضاعنا ونندب حظوظنا، نأخذ دوراً رياديا في التغيير، وهل هناك أكثر شأناً من هذا الإنسان؟

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *