مولانا يا رسول الله يا من بعثت رحمة للعالمين، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، يا من لم تكن فظّاً غليظ القلب، بل كنت على خلق عظيم، نشهد أنك جئتنا رسولاً من أنفسنا حريصاً علينا بالمؤمنين رءوف رحيم، هذه أمتك لا زالت بها بقايا من روح، ثارت غاضبة لأجلك أن تهان وتحتقر، فأنت أنت لا زلت تسكن القلوب ولن تزال، فضلك علينا عظيم، كما كان فضل الله عليك عظيماً.
مولانا يا رسول الله أسئلة نوجهها إليك من القرن الخامس عشر لهجرتك المباركة، فأمتك قد وقعت فيما حذرتها منه، عادت كفاراً يضرب بعضها رقاب بعض، كأنك أوصيتها بالاختلاف بدل الائتلاف وكأنك لم تناد فيهم من عميق بصيرتك ونبوءتك وأنت النبيّ البصير “أيها الناس إنّ دماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام”! وكأنك لم تنادِ أنّ المؤمنين أخوة، وأنّ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره!
مولانا يا رسول الله لقد عدنا بعدك كفاراً يضرب بعضنا رقاب بعض، اختلفنا من بعدك مذاهب شتى، وافترقنا فرقاً عديدة، لم تعد بيوت الله تجمعنا فإنّ لكلٍّ منا مساجده، لم تعد الصلاة تربط جماعتنا، فلكل منا جماعته، لم تعد المواسم تجمعنا فلكلٍ منا عيده، العلماء الذين قيل لنا أنهم ورثة الأنبياء صاروا هم وبالنا، بَدَّلوا وحدتك بالفرقة، ومزَّقونا بتعصبهم شيعا، فهم هم من قال لا تصحّ الصلاة مع فلان، وباطل عمل فلان، ونجس بدن فلان، وميتة ذبيحة فلان، ومشرك فلان وكافر فلان، ومفطرٌ في صومه فلان، وصائم في عيده فلان، فصاروا علينا
بعدك نقمة لا رحمة، حتى عدنا أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون! فرّقونا ففشلنا وذهب ريحنا، صيّروا بأسنا بيننا شديداً بعد أن كنّا رحماء بيننا، وأوصلونا لنكون كثيرين لا يتباهى نبيُّنا بنا الأمم بل تتداعى علينا تلك الأمم، لأنّنا كغثاء السيل، كما حذّر الحبيب الشفيق (ص).
مولانا يا رسول الله هل يرضيك أن لا تعذر أمتك بعضها بعضاً فيما اختلفوا فيه؟ وأنت قبلت اليهود والنصارى والمجوس مع شهادتك بفساد الكثير مما هم عليه؟ ولكن لم ترض أن يؤذيهم أحدٌ من أمتك، وقلت أنّ من آذاهم بعد ذمتك لهم فقد آذاك، ولم ترض أن يهدم لهم كنيس ولا كنيسة، ولا تنتهك لهم حرمة حَيٍّ ولا ميت، وأن يرحم ضعيفهم ويعطي فقيرهم من مال المسلمين، فإنّ ما أعطيته لغير المسلمين على المسلمين، يستكثره رجال الدين المسلمين على المسلمين!
مولانا يا رسول الله ترى من كنت تعني حينما قلت: من قال لا إله إلاّ الله فقد عصم ماله وعرضه إلاّ بحقه، وحسابه على الله؟ هل كنت تعني السنة أم الشيعة؟ الزيدية أم الخوارج؟ الأشاعرة أم المعتزلة؟ الصوفية أم السلفية؟…. أيّ المذاهب كنت تقصد؟ فإنّهم ينكرون على بعضهم صحة الإسلام؟ وهل كنت جاداً حينما قلت “من قال”؟ وهل يكفي عندك مجرد الإعلان بالقول للدلالة على الإسلام؟ فإن المسلمين يظنون أنّ في هذا سذاجة، وأنه لا بد من التفتيش عما في القلوب ولا بدّ من مراقبة الأعمال، إنهم قد نصبوا ميزان الحساب قبل ربهم، وفي دنياهم قبل آخرتهم، وقبل أن تدرك الناس شفاعة الشافعين.
يا مولانا يا رسول الله إلى من وكلتنا؟ أإلى كتاب الله؟ فقد عطلوه بما زعموا أنها سنتك، أم إلى سنتك فقد ملأوها بالأكاذيب عليك، ووضع كل فريق فيها ما يؤيد مطلبه؟ أم إلى رجال الدين؟ فإنهم صاروا أس البلوى، ورؤوس الاختلاف والفرقة، يدَّعون أنهم الأمناء على الإسلام وهذه جثته بين أيديهم قد وزعتها مباضعهم إرباً، يقولون أنهم أطباء الدين وأهل الاختصاص فيه، وأنّ علاج قضاياه لهم دون غيرهم، وهو يستغيث مصروعاً بين أيديهم، أم يا ترى أنهم يظنّون أنّ الجسد الذي هم قاعدون عليه حَيٌّ معافى؟ ألا ذلك هو العمى والضلال المبين.
يا مولانا يا رسول الله، إنّ شاتميك في الغرب، قد كشفوا في الأمّة أنك لا تزال الشمس التي يمكن أن تجمع على ضوئها المسلمين، وإنّ تناديهم من كل حدب وصوب لنصرتك على اختلاف ما فرقتهم المذاهب لدليل على إمكانية عودة الروح لهذا الجسد الممزق، فإنّ حبك ومعروفك وفضلك لا يزال يسكن قلوب المسلمين، رغم كل سموم التمذهبات المفرقة، وهذا أسبوع مولدك العظيم الذي احتفلت به الطبيعة حين لم يكن يعرفك الناس، قد نودي به أسبوعاً للوحدة بين أمتك الممزقة، وإنها لتتمنع عن اتخاذه أسبوعا للدعوة لوحدتها، تصدها عصبياتها لمذهبيتها
الضيقة، فيا أيها المسلمون اجعلوه أسبوعاً للوحدة ولا يصرفنكم عن سماع الموعظة شنآن الواعظ، فقد تمنى رسول الله (ص) أن يُدعى لحزب مثل حزب الفضول ولو من مثل مشركي قريش، كيف وأنتم الأمة التي نوديت أن تستجيب إذا دعيت لما يحييها، فالوحدة دعوة الله ودعوة رسوله، حين ألّف بين قلوب المسلمين فأصبحوا بنعمته إخوانا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ((الأنفال:24(
جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية
مملكة البحرين – 10 أبريل 2006