ترِدُ أحياناً أخبارٌ عن ضبط شاب وفتاة بأوضاع مخلّة، يتعذّر بعدها بأنّه متزوّجها (نكاح متعة)! لذا بمناسبة (اليوم العالميّ للمرأة) سأبوح بأمرٍ يُوافقني فيه عاقل وغيور!
مع مواسم التزاوج، تنهال على “قطّتنا” ذكورُ القطط، تأمّلتُ أحدَهم يلاحق قطّتنا أينما ولّت، غير مكترثٍ بي، فأدركتُ أنّه سكران هرمونيّاً، فثمّة (أمرٌ برمجيّ) يهتفُ به: (معَها.. معَها)، ولا يستطيع مخالفة الأمر إلاّ بإعاقة جسدية وبأمرٍ برمجيّ آخر أخطر!
الفرق بيننا والقطط، أنّنا نستطيع التحكّم بغرائزنا ومخالفتها، قبل أن تسود ثقافة الغرائز التي تجعل منكرنا معروفاً، والتمتّع بالنساء مستحبّاً (كأمرٍ برمجي) يصدر غرائزيّاً ويتغلّف بالشرع.
شباب يفتّشون عن بنت الحلال، بشرط ألاّ تكون “ملموسة” -بحسب تعبيرهم- ليستقرّوا معها، لكنّهم أيضاً ليسوا بمستعجلين، لأنّ الشرع وفّر لهم التسلّي “بملامسة” فتيات (متعة)، فدخلوا علاقات عاطفية سرّية بالحلال! وقد استفتوا مشايخهم فأجازوهم لئلاّ يقعوا في الحرام!
إنّ زواج المتعة -وبمنأى عن سجالات المذاهب- ينبغي محاكمته بالمقاصد العليا، ودراسة حيثيّاته المنطقية التي تجعل تجويزه مستساغاً لا عبثاً وفساداً ودعارة مقنّنة، وعلى منواله يُبحث الزواج العرفيّ، زواج المسيار، والمصياف، وزواج “فرند” بحسب الشيخ الزنداني.
إنّ بعض المشايخ المذهبيّين، وبفتوى الشهوة، يجعل زواج المتعة (المؤقّت)، تعبيراً ولائيّاً مذهبيّاً، وأمراً مستحبّاً (نكايةً بمن حرّمه/منَعه!)، وصنعوا تاريخاً ملفّقاً لأهل البيت(ع) بأنّهم مارسوا أمثاله، وأنّ فيه أجراً!
أهل البيت(ع) يدينون الفوضى المزرية بالدين، والمشوّهة لتشريعاته، يدينون (نفعيّين) يستعيضون عن تربية المجتمع على الفضيلة، ليتهافتوا مبادرين للتمتّع بالنساء، لدرجة أنّ بعضهم يترصّد مواسم الحجّ والزيارة لقضاء الوطر، ويترصّد المطلّقات والأرامل وفتيات يقعن بحبائل تدريسهم الدينيّ، ليُصيّرهنّ مشاريع متعته (المستحبّة)!
لقد ركّب الله سبحانه الشهوة وأحماها في الشابّ والشابّة، لينجذب واحدُهما تجاهَ الآخر، طلباً لشراكة حقيقية يستحثّها الجنس، ليزجّهما في “قفص” الزواج وسكَنه الإنساني، وأيّ تعطيل لهذه الخطّة قطعٌ لسبيل الله الفطريّ الذي حفّز الغريزة لتنتهي ببيتٍ أسَريّ مصونٍ.
سبحانه أراد الشهوة أن تحفّز الشابّين ليصنعا بيتاً، وثمّة “مشايخ” ثقبوا لهما نفقاً سريعاً لقضائها، فأفسدوا خطّة الله وخمّدوا الحافز بمتعةٍ عاجلة، فلم يسمحوا للشابّ بممارسة إيمانه وإرادته وتورّعه، ولم يتركوه ينضغط ليستعجل الحلال الهادف المستدام بدَلَ العابِر.
إنّ كلّ شابّ أخذ بهذه الحلول الشهوانية المؤقّتة، فقد تنكّب عن سبيل الله السويّ بمخدّرات، وكان كما قيل (كم من لقمة منعتْ أكلات)، عطّل بناءَ ذاته وتقويةَ إرادته، وعطّل بنتَ الحلال التي تنتظره، وعطّل مشروع الأسرة بما قُدّر من أبناء، ورفع سنّ الزواج، وشارك بتجذّر فوضى الفساد والعبث.
تصوّر لو أنّ كلّ شابّ تقدّم لفتاة كان قد تمتّع بأخرى قبلها، والعكس أيضاً!
البعض استصحب هذه الحلول من سياق أسفار الغربة والحاجة، والبعض يذهب طوعاً للأسفار ليتمتع، حتّى المتزوّج يتمتّع! شرّعوا لهدم بيوت المتزوّجين، وإضعاف نسيجها، وقتل الشوق الزوجيّ، والقناعة الجنسية.
البعض يقول أنّ (المتعة) لمن لا تكفيه جنسيّاً زوجةٌ واحدة! هذا منطقٌ ذكوريّ لا يمتّ للدين، ولا يحترم المرأة.
هل فكّر من يمتهنّ (المتعة)، بمصير المتمتَّع بها، فبعضهنّ يوددن الاستقرار، وتضطرهنّ الحاجة والحيلة لهذا.
البعض يقول أنها راضية! فيُجاب: وهل توفَّرَ لها خيارٌ آخر؟ وهل رضِي أبوها وأخوها؟! وهل ترضاه أنت لأختك؟ إنّه كما أجاب نبيُّنا(ص) رجلاً أتاه شاكياً عدم تصبّره عن الزنا، ومحتجّا برضا تلك النسوة، فأجابه النبيّ(ص): وهل ترضاه لأمّك، وأختك؟ قال: لا، قال: فإنّهنّ بنات وأمّهات وأخوات آخرين، ولم يفتح له النبيّ(ص) زيجات المتَع بدل الزنا، لأنّ من دعّم نظام الفساد أصيب به، ومَن زنا زُني به، عدا عن أنّه -بسوء استعماله كما الحاصل- مفرخةٌ لأمراض صحّية واجتماعية، فهو سبب الأمراض الجنسية، لأنه لا ضابط له ما لمْ يُوثَّق ويُقنَّن، والأبناء المستولَدون عبرَه سيجيئون بظروف غير عادلة وسوية، وسيرمقهم المجتمع كغير شرعيّين.
واجبُ الدولة عبر جهازيْها التشريعيّ والقضائي تقنينُ هذا الحلال، وتوفيرُ دراسات بحثيّة وخيارات سليمة تمنع الفوضى وتقي المجتمع من انهيار جهازه الأخلاقي والأسريّ.
وعلى المشايخ الأفاضل منع التجويزات المُشيعة للفساد، وأن يتخطّوا ممارساتهم ومذهبيّاتهم، ليفكّروا بإخلاص لأجيالنا القادمة، مؤسّسين للتقوى وأخلاق الصبر لبناء الأسَر السليمة، وألاّ يفتحوا ثغرات شيطانيّة، بل الدفع مستطاعَهم تجاه إقامة أسرة حقيقية عمادُها السكنُ والمودة والرحمة.
بعض المسافرين يدّعي أنّه (يتمتّع) لئلا يُواقع الحرام، ولمساعدة المُتمتَّع بها المُحتاجة (عراقية، ولبنانية، وهنديّة..)، فيُجاب: ساعدها بدون استغلالها لشهوتك! وثانيًا: أين ورعُك وصبرُك عن الحرام؟ لو كان زواجاً إنسانيا بأرملة وبأم أيتام ومنوالهما، لخفّ الاعتراض، أمّا بزعم توقّي الحرام، فما أهونَ ربّنا علينا! وهل تصبّرتَ بدون هذا الحلّ لتختبر ستزني أم لا؟ وأنّ خالقَك موجودٌ بقلبك أم لا؟ وأنّك تحبُّ زوجتك فتكره تخونها أم لا؟!
الدينُ بقوله: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) أباح عبر مشرِّعه الحكيم(ص) زواجاً مؤقّتاً اضطراريّاً مقيّداً بالحكمة والعدلٍ وسياق الصلاحٍ، ومتى تحوّل لفسادٍ وتعدٍّ وامتهانٍ للمرأة فالدينُ يرفضُه.