السادة الأفاضل / أعضاء مجلس النواب
المحترمين – في دورته التشريعيّة الثانية
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته،
نبارك لكم فوزكم بثقة ناخبيكم، اختاروكم نواباً عن الوطن، ونحن سنثق باختيار الناخبين في كل دائرة على أن اختيارهم صالحٌ لتمثيل الوطن كله، وسنضرب صفحاً عن كل العصبيات المذهبيّة والمصالح الشخصية التي ألجأت بعض الناخبين في تحديد الاختيار، على أمل أن هذا لن يؤثر في إرادة المرشح الواعي، الذي يعلم أنه لم يرشّح نفسه لخدمة دائرة واحدة ولا طائفة واحدة، آملين أن يكون ما كان لمجرد جهل ساعة الانتخابات، حتى إذا وضعت حربها أوزارها وهدأت النفوس، وتحمّل ثقل المسؤولية من تحمل، عاد للجميع رشدهم، وعلموا أنهم موقوفون للسؤال مِن قبَل العباد قبل ربّ العباد، للمساءلة عن كل حقّ لذي حقّ كان بمقدورهم ردّه إليه فلم يردّوه.
بالأمس كنتم أفراداً منا، واليوم أنتم نوّابٌ عنا، عنّا جميعاً، سنّيكم عن الشيعة قبل السنة، وشيعيكم عن السنة قبل
الشيعة، وغنيّكم عن فقيرنا، وفقيركم عن غنينا، وإن أكبر الأوزار وزر تضييع الأمانة بخوف أو كسل أو طمع أو تهوّر.
نوابنا الأفاضل،
لم ينتخبكم الناس مصارعين، وليس قاعة البرلمان حلبة مصارعة رومانية، يتفرج فيها الملك وسائر الرعية على أبطال المصارعة؛ ثم الأكرم هو أشدهم صرعاً لزملائه، فأنتم ولله الحمد أرشد من أن تكونوا كما يريدُكم الجاهلون، وإنّا نعيذكم من التمسّك بكل عصبية فتنة، وأنتم تمثلون المتدينين في هذه البلاد في أكثر أطيافهم عدداً، فالناس تأمل أن تكونوا لرسول الله (ص) ودينه زيناً ولا تكونوا عليه شيناً.
نريدكم حكماء لا خطباء، فإنّ في التأهّل باختيار الناس فتنة للنائب تدفعه لطلب رضا ناخبيه على كل حال، وإن من ابتغى رضا جهالة ناخبيه أكثر من الصخب واللّجب، ظنّاً منه بأنّها محلّ ثناء حشدِه، وقد أغرى هذا العديدين فأكثروا الخطب، فكأنما وهم يتصاولون في المجلس، قد انكشف لهم ما وراء نشر خطبهم بوسائل الإعلام، أو سطر منها في صفحات الصحف، فطربت لذلك نفوسهم واهتزت له أبدانهم، والنائب متى رمى هذه الرمية كثر صخبه، وبذي لسانه، واستهان بشركائه ممن يخالفون رأيه، فإذا المجلس خصماء لا شركاء، وإذا حقوق الناس بين خصوماتهم مضيّعة، وقضايا الوطن والمواطن مهملة، نعيذكم من ذلك وأنتم أهلُ دينٍ وعقلٍ، فإنّ ما ينفع الناس هو الذي يمكث في الأرض، وأما الزبد فيذهب جفاء.
نوّابنا الكرام،
نعلم أنّ حيلتكم محدودة، وميدانكم ضيق، وأسلحتكم خفيفة، ولهذا فالناس لا تأمل منكم أن تحقّقوا المستحيل، فإنّكم إنْ لم تستجلبوا الخير لهم فبوسعكم دفع الشرّ عنهم، ولن يعزّ عليكم أن تكونوا أمناء على حقوق الناس أن تضيع، أو العدالة بينهم أن تكون سواء، أو ترأبوا صدع فتنٍ، أو تُصلحوا ذات بين، فإن عزَّ عليكم إحقاق الحق فلن يعز عليكم إخلاص السبيل، لأن الإخلاص كله بأيديكم ولا يقدر أحد على انتزاعه من صدوركم حتى تنزعوه بأنفسكم.
نوّابنا الكرام،
رجاؤنا أن لا تنشغلوا بصغائر الأمور عن كبارها، فإنّ من قلة العقل انشغال العريان بتحسين العمامة، وإنّكم لتعلمون عطش شعبكم للحريّات التي حُرم منها، فلا تكونوا قيداً مضافا على قيوده، وأنكم لتعلمون تعطّش شعبكم ليأمن على قوته وعمله ومسكنه لما فيها من أمن وضمان للعزة والكرامة، فكونوا- جزيتم خيراً- عوناً على حفظ فرصه القليلة من أن تذهب للبعيد وهو ينظرها، أو أن يستأثر به القوي، أو ذو الحسب والجاه، وهو يرمقها، فإنّه لا غنى له بواحدة دون الأخرى، فلا تغرّوه بتحسين المعيشة ولكن في قفص، أو بإطلاقه في البلاد لكن يتكفّف
حاجته أو يتعفّف، فلا حرية حقيقيّة مع ذلّ الجوع ولا هناء عيش مع ذلّ القيود.
نوابنا الكرام،
لا عمران إلاّ مع العدل، ولا عدل إن لم يكن عاماً، ولم يؤد الأمانة من آثر نفسه أو أهله وخاصته على سواهم، وأنتم أهل دين قال كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
.. فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:135) فالله الله في
طهارة قلوبكم من البغضاء على بعضكم، فإن صفاء القلوب بينكم هو أول درب السلامة والنجاح والتعمير، يُثمر سلامة الأمة من ورائكم، ونجاحكم في المهمات التي تصديتم لها، فإنّ الأعمال العظيمة نتاج الأفراد المتّحدين، ولقد ألقت الانتخابات عليكم من أدرانها وخصوماتها ما ألقت، وزرعت في القلوب من نكتها السوداء ما زرعت، ولن تمحى بغير ماء التطهّر الأخويّ الذي ينبع من عين المحبة لا من سواها.
نوابنا وممثّلينا،
أخشى ما نخشاه عليكم ومنكم، أن تنجروا لما يريده أعداء الأمة بها في هذه الأيام، من الفتنة بين الشيعة والسنة، فقد بان الصبح فيها لذي عينين، فليس عبثا أن تنشط نارها في كل مكان، وعبر كل وسيلة، فهناك من يستفيد من نارها ليتدفأ ويستريح، وهو بالأكيد ليس من الذين يريدون بالمسلمين خيرا، بل هو من دسائس الدول الكبرى والصهاينة، وهم يركبون جهلنا وتعصبناوظلمنا لبعضنا، ليوقدوا نار الفتن بيننا، فتسلم إسرائيل وتسلم مصالحهم عندنا، وتموتفينا جذوة النهوض للاستقلال الحق، وأنتم تعلمون أن المذاهب الإسلامية مهما كانت،فهي لا تجيز ظلما ولا تجيز إسقاط حرمة، وهي لا تمنع عدلا ولا إنصافا، وترون أنالأمر قد بلغ حد إغرائهم الدول العربيّة المسلمة للدخول في فتنة العراق المظلمة، لاكطرف مصلح كما فعلت، ولكن كنصير للسنة كما يزعمون، وأن تدخل إيران كنصير للشيعة كمايريدون، فماذا بعد هذا إلا استعار أوار نار الفتنة وحرقها كلّ ما تبقى؟ فإن كانت
لهذه الأمة بقية من حكمة وعقل فهذا أوانها، بأن نقف كلنا في وجه جهالنا فنضرب علىأيديهم، كائنا من كانوا، معلنين أنّ كل دم يراق لمسلم، وكلّ مال وعرض يستباح، فهوحرام حرام، كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام، فنسألكم هذهالخصلة إذ لا غنى للأمة عنها.
وفّقكم الله لما فيه صالح الوطن والأمّة وصالحكم، ووقاكم الله مما فيه شرّ لنا ولكم، وسهّل لكم قلوب الناس، وفتح
لكم مضائق دروب سلطان الصلاح والتمكّن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جمعية التجديد الثقافية
مملكة البحرين-2010