على الكثيرين تقديم اعتذار، ولو قلبيّاً، لشباب الوطن العربي، أولئك الذين تم الاستخفاف بهم، والتقليل من شأنهم، وتهميشهم، ووصفهم باللامبالين والاتكاليين وغير المسؤولين والمحبّين للدعة والراحة، تم وصمهم بشباب الإنترنت الذي يحاول محاكاة الغرب، والغريب عن هويته الوطنية وعن همومها، وتمّ تعميم هذه الصورة بحيث شملت معها الشباب المتعلّم والأقل تعليماً، والذي يتحدّث لغة أجنبية ومَن بالكاد يجيد لغته، بل وكلّ شرائح الشباب. ولكن ما حدث في تونس ومصر بيّن لنا أنّ الصورة النمطيّة للشباب ليست صحيحة، وأنّ روح الشباب لدى الكثير منهم مستثمرة لهموم أوطانهم ومطالب شعوبهم، وأنّهم يعرفون حقوقهم والمطالب الوطنيّة وما لهم وما عليهم، وأنّ حاجز الخوف لديهم قد يكون أكثر هشاشة مما هو لدى الجيل الذي يكبرهم.
إنّ التحركات التي حصلت في تونس ومصر، والتي تحدث الآن في بعض الدول العربية الأخرى، تتضمّن غالبيّتها مطالب إصلاحيّة، تختص بتغيير الواقع الذي يشوبه سوء استخدام السلطة والفساد وانعدام العدالة الاجتماعيّة وقمع الحريّات وغيرها من الأمور التي تسلب المواطن حقّه الطبيعي في الحياة الكريمة، وجميعها أمور هامّة لا تستقيم الدول دونها، وهي الآن تحدث بتواتر سريع لم يعهد لها التاريخ مثيلاً، والربط بين سرعتها وانطلاقة الشباب وحماسهم يدعو للتأمّل مليّاً.
ومع ذلك، فالدور الذي لا يقلّ أهمّية عن ذلك للشباب هو دورهم في العمل والتأكّد من أنّ إصلاح الأنظمة الحكوميّة يقوم على قدم وساق مع الإصلاح الداخلي، ففي أغلب الدول العربيّة هناك مزيج من طوائف ومذاهب وأديان يعيشون معاً، وتركيبة بعضها يضع تلك البلاد أمام محكّات حقيقيّة وقت الأزمات. والبحرين وما تمرّ بها من ظروف حاليّة مثالاً، فمع أن البحرين عاشت تاريخاً طويلاً بمحبّة وإخاء بين طائفتين كريمتين، حيث عاشوا حسّ المواطنة قبل أن يتعرّفوا على كلمة المواطنة، يتزاوجون ويتزاورون ويتشاركون في أفراحهم وأحزانهم، إلّا أنّ روائح المدّ الطائفي بدأت تهبّ على هذه الجزيرة المسالمة الصغيرة في السنوات الأخيرة. ومع أنّ أغلب الناس قلوبهم صافية لا يشوبها شعور خوف أو قلق أو كُره موجّه إلى الطائفة الأخرى، إلّا أنّ هناك من يزرع ذلك في نفسه، ويحاول زرعه في نفوس الآخرين.
والبحرين اليوم، وفي خضمّ الأحداث الراهنة، والمحاولات المستميتة لبعض من لا يولون جهداً لزرع الفتنة الطائفيّة في البلاد، قد تنزلق لمنزلق خطير إذا لم تمتدّ يد الشباب المبدع ليرفع البلاد ويحميها من السقوط في الفتنة الطائفيّة، فالوضع الراهن مرجّح لاحتقان طائفيّ بغيض، بعضه عفوي، وبعضه تسوده نوايا تفتيت الوطن وتمزيقه، ومهما كانت تلك النوايا، فإنّ تمزيق جسد الوطن سيتألّم له الوطن كلّه بمن فيه. فهل يجدي من كان جسده ممزَقا ينزف دماً إن عاش في جنّة رغد ونعيم؟
هذه دعوة لشباب الدول العربيّة عامّة، وللشباب البحريني خاصّة، أنتم أثبتم أنّكم أقوى ممّا كنّا نتصوّر، وأوعى ممّا كنّا نعتقد، فنحن الآن نؤمن بقدراتكم أكثر مما كنّا نؤمن قبل أشهر، فخذوا على عاتقكم التآلف بين القلوب، وزرع شعور الأخوّة، وحسّ الانتماء الوطني عوضاً عن الانتماء القبلي أو الديني أو الطائفي، فلا زال الجيل الذي يسبقكم حائر فيكم، فأنتم الشباب لكم خطاب مختلف، وطرق مبدعة، وحركة سريعة، ووسائل غير مألوفة لإيصال رسالتكم لمن حولكم، تستخدمون التقنيّة بشكل مبتكر، وأهمّ من كلّ ذلك، قلوبكم أكثر صفاء ونقاء وتسامح نظراً لحداثة سنكّم، فمهما كانت مكاسبنا، فنحن خاسرون إن خسرنا لحمتنا وأخوّتنا الوطنيّة، بكل أطيافنا ومذاهبنا. فلتكن قيادة وأد الطائفيّة بأيديكم أيضاً…