إن المحبة هي الغذاء الروحي في تهيئة الأرضية في التربية الأخلاقية ، وان للمحبة سحرها الفعال وتأثيرها القوي في اكساب الطفل هذه الخصلة الطيبة وتعليمه المحبة ، لقد جبلت الحيوانات على المحبة والشفقة ، فما بال الإنسان قاسياً قلبه ، غليظاً في فعله ألم يقل الرسول لرجل شاهده يقبل الحسن والحسين ( من لا يرحم لا يرحم ) عندما قال له ( إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم احداً ) ، ان القلب الخالي من الرحمة لا تدركه رحمة الله أبداً ، ولكن كيف نزرع المحبة في قلب الطفل وهو يرى القسوة في سلوك والده وفي تصرفات أمه ، اذن لتعلم طفلك كيف يكون محباً لغيره ، شفوقاً على غيره ، حنوناً على خلقه .
إن حنان الوالدين والمربين هو الضمان لاتزان عواطف الطفل وانفعالاته فهو يقوي في نفسه صفة التواد والتراحم ، وان كثيراً من أساليب القسوة والعنف التي يتبعها الآباء تعود على أبنائهم بصورة عكسية فيظل هذا الشعور والعنف ملازماً للأبناء لفترة طويلة من حياتهم ، فالابن الذي لا يتحسس طعم المحبة والشفقة ولا يجد الحضن الدافىء الذي يضمه ويغدق عليه من حنانه ورأفته لهو إنسان يتيم حتى وان كان يعيش مع والديه .
فمن خلال التعامل اللطيف والنظرة الحانية والابتسامة المعبرة يمكن إمساك زمام الطفل العنيد وقيادته نحو إصلاح سلوكه وتقويم اعوجاجه ، ومن هنا يتعلم الأبناء كيف يعاملون الآخرين معاملة لطيفة لائقة وبذلك يصبحون محبوبين ، وقد يكون التعامل العاطفي أسلوبا من أساليب تعليم الطفل بعض الضوابط والأصول فعندما يقدم الطفل على فعل سلوك طيب وهو بحاجة هنا إلى تعزيز فعله والثناء على سلوكه بالكلمة الطيبة والقبلة الحانية والهدية المعبرة فيمكن استغلال هذا الموقف العاطفي من الوالدين للأبناء بطرح قضية أخلاقية أخرى وأخذ الوعد منه بعدم تكرار الخطأ مرة أخرى فالطفل في هذا الموقف يكون أكثر استعدادا ً لتقبل ما يطرح عليه والالتزام به .
إن أسلوب الأمر والنهي والتوجيه المباشر غير محبب للجميع وخاصة الأطفال لذلك يمكن الاستفادة من الأحاديث العائلية الودية التي يجتمع فيها أفراد العائلة في طرح بعض المسائل الأخلاقية بأسلوب غير مباشر وبذلك تصل الرسالة إلى الأبناء بأسلوب جميل جذاب .
إن السنوات الخمس الأولى من العمرهي أهم سنوات الحياة لأن أسس الخصال وأصولها تبنى فيها فينبغي تعليم الطفل حسن الأدب واحترام الآخرين والاتصاف بالخلق الحسن الطيب كالمحبة والشفقة والرحمة فكل ما من شأنه تعزيز الجانب الخلقي الطيب فينبغي غرسه في نفوس الأبناء لأن الطفل يستمد أسس الأخلاق من الأجواء المحيطة به وخاصة من أولئك الذين يحبهم.
إن كثيراً من المشاهد التي يراها الطفل تؤثر في حياته وفي شخصيته ومنها صور العنف من قبل الوالدين أو ألوان المشاحنات والخلافات الدائمة أو التصرفات السقيمة من قبلهما وحتى القصص التي تقدم للأطفال يجب أن لا تكون من النوع الحزين أو العنيف والخالية من الحب والعطف والشفقة والرحمة أما مواقف الحب بين الزوجين وإظهار روح الود بين أفراد العائلة الواحدة فهو كفيل بالتأثير في شخصية الأبناء وصقلها ، وانه لجميل أن يظهر الرجل حبه واحترامه لزوجته بمرأى من الأولاد حتى يشعروا بالسعادة والانشراح وسينعكس ذلك مستقبلا على مستقبل هؤلاء الأطفال مع زوجاتهم .
إن انهماك الأب بمشاغله الدائمة ينبغي ألا يؤثر على الأبناء فيفقدهم بذلك الفرص المتوالية لإظهار محبته ورحمته لهم ،فهل تقبيل الأطفال يكلف الأب شيئا وهل إدخال السرور على قلوبهم يتطلب منه جهداً كبيراً ؟ لنتذكر قول الرسول في هذا الشأن ( من قبل ولده كتب الله عز وجل له حسنة ومن أفرحه ، أفرحه الله يوم القيامة ) .
يجب على الآباء أن يشعروا أبناءهم بأنهم يهتمون بهم ويحبونهم وأن يشملوهم بحبهم ولا يفرقوا بين أحد منهم وبهذا سوف يندفع الأبناء لاحترام آبائهم والآخرين حتى يكسبوا رضا آبائهم وكلما اشتد الحب كلما اشتدت الرغبة في محاكاة الوالدين .
وأخيراً نقول إن الطفل الذي يتمتع بحب أفراد أسرته منذ طفولته ويألفهم ويقضي أوقاتاً ممتعة معهم يكون إنساناً عطوفاً ومحباً للآخرين ، وبالعكس من ذلك المحرومون من الحب والألفة قد ينحرفون في المستقبل ويلجؤون إلى العنف والتمرد والعصيان وحتى إلى الفشل الدراسي والاضطراب الفكري والسلوكي .
إن الحب يدفع الطفل نحو حياة افضل وبناء أرحب وهو أساس سلامة الجسم واستقرار النفس .