كان حمّال أميّ يعيش في إحدى الزقاق النائية يسترزق من عمله هذا، وفي يوم من الأيام وهو يتجوّل في الأسواق كعادته، أنزل حمله ليرتاح قليلا، فسمع صوتاً من مكان قريب، أم تنهى طفلها عن الاقتراب من سور البلكونة لئلا يسقط. وفي طرفة عين تزحلقت رجل الطفل وسقط من علو!! فصرخت الأم بأعلى صوتها، ووقف الناس متحيرين لا يعلمون ماذا يفعلون. صرخ الحمال وهو يتجه نحو الطفل: (احفظه يارب)، فتأخّر سقوطه إلى أن سقط في يده ليحمله ويسلّمه لأمه سالماً!!
اختلف الناس الذين حضروا هذا المشهد في تفسيره، فمنهم من قال إنه ساحر، ومنهم من ظنّ أنه عبد صالح! وبينما كان الحمّال مشغولا عنهم، وضع حمله على ظهره ليواصل عمله، وقبل أن يغادرهم أجاب على أسئلتهم بكل هدوء: “لا لست ساحراً، ولست ولياً، أنا هو الحمّال ذي 56 عاماً الذي تعرفوني، لم أقم بشيء خارق، سوى أنني فيما مضى من عمري أطعت الله في كل ما أمرني به، وهذه المرة أنا طلبت من الله حاجة فاستجاب لي”.
هذا التحليل الروحاني الممزوج بالعقلانية من قبل الحمّال الأمّي يشرح ببساطة ومنطقية السرّ وراء حفظ الطفل الذي دعا به الحمّال في لحظة اضطرار حقيقي لله، فمن عاش حياته واثقاً بأنه كان طائعاً لله في حلاله وحرامه، ألا يثق بأن يستجيب له الله مهما كانت حاجته.
“الدعاء هو التوليف بين الجوهر الروحاني والتفكير العقلاني”، فحين ندعو الله سبحانه وتعالى، فلابد من أن نزاوج بين الروحانية والعقلانية، لأننا أحياناً قد نرى بالمنظور العقلاني والتفكير المنطقي أن هذا الدعاء غير قابل للتحقق ربما لعدم توفّر أسبابه، فقد ندعو الله ولكن بتردد أو شكّ في إمكانية الاستجابة، أي أننا ندعو بعقل محض بعيداً عن الجوهر الروحاني، وأحياناً أخرى ندعو ولكن دون الأخذ بالأسباب، كمن يدعو الله أن يغنيه ولكنه لا يبذل جهداً في البحث عن عمل، فكيف سيغتني وهو لم يأخذ بأهم سبب ولم يهيئ الأرضية لاستجابة الدعاء؟
الدعاء – كغيره من المفاهيم الحياتية – لابد وأن يتكون من توليفة متوازنة في خلطة حكيمة وبنسب معينة من الجوهر الروحاني والتفكير العقلاني لكي يؤتي أُكله.
هل تذكر أنك دعوت لحاجة ما، وأخذت بالأسباب فتحقق دعاؤك؟
وهل استجابة الدعاء تكون دائماً فورية؟ أو بالطريقة التي نتوقعها؟
شاركنا بآرائك وتجاربك