كلمةُ الله ِفي “معيته” لأوليائه..
نحنُ.. ومعيّةُ الله
“لا تحزنْ، إن اللهَ معنا”.. كلمةٌ تحملُ شحنةً روحانيةً عالية، جاءت على لسانِ رسولِ الله (ص) في ظرفٍ عصيبٍ جداً، حيثُ تكالبَ عليه أعداءُ الرسالةِ وقرّروا القضاءَ عليه في مكّة فدبّروا مؤامرةَ قتلِه، ولما عجِزوا عن ذلكَ تتّبعُوا خطواته في طريقِ الهجرة، ولكن اللهَ سلّم.
وأخرى تشبهها.. قالها النبيُ موسى (ع) بعدمَا فرَّ معَ مَنْ آمنَ معه مِنْ بني إسرائيل وكادَ أنْ يدركهم فرعونُ وجنوده، فصرخَ قومه خائفين: “إنّا لمدرَكون” فردَّ عليهم بثقةٍ تامةٍ باللهِ سبحانه وتعالى وقلبٍ راسخ الإيمان: “كلا، إنَّ معيَ ربي سيهدين”.
فهلْ هذهِ المعيةِ الإلهيةِ منحصرةٌ على أنبيائه (ع) دونَ غيرهم من خلقِ اللهِ وعباده، أو أنهَا رسالةٌ سماويةٌ بعثها اللهُ لنا عبرَ رُسله ليكونوا أُنموذجاً يُحتذى في الثقةِ باللهِ واللجوءِ إليه حينَ تتقطعُ بنا السبلُ فيمتدُّ حبلُ اللهِ من السماءِ ليذكّرنا بأن ” لا نحزنْ لأن اللهَ معنا” فنتحصّنُ معنوياً ضدَ السقوطِ في الحزنِ والقلقِ والهمِ وغيرها من حالاتِ ضعفٍ نفسيةٍ حين نتذكرها، وأن “ربنا معنا سيهدينا” ويحولُ دونَ ضياعِنا وضلالِنا، بلْ ويسببُ لنا أسبابَ الرعايةِ والحمايةِ والنجاة، شريطةَ أن نكونَ نحنُ مع اللهِ ليكونَ هو معنا.
وبما أنَّ أفكارنا هي مصدرُ أفعالنا، فعلينا أن نراقبَ أفكارنا مراقبةً دقيقةً لئلا تردينا ونحنُ لا نشعرُ، فإن كنتُ ممن يهوّلُ الأمورَ، أو مِمن لديهم الاستعدادُ للوقوعِ في دائرةِ الفزعِ والهلع، أو من الخائفين المتردّدين، أو غير ذلكَ من حالاتٍ نفسيةٍ تنتابُ المرءَ في الأزمات، فعليّ أن أفكّكَ هذهِ العقدِ العصبيةِ في عقلي، أي عليّ أن أتعرّفَ على المناطق المعطوبة ِفي جهازي العصبي من خلالِ مراقبتي لأفكاري وردودِ أفعالي في الظروفِ المختلفةِ والصعبة، ثم أعملُ على إعادةِ برمجتها بناءً على المفاهيم الصحيحةِ لتعودَ عليّ بالطمأنينةِ والراحة.
فعلينا إذن أن نلهجَ بكلمةِ اللهِ الخلاقةِ لنمتلئَ بها ونصقلَ ذاتنا ومواقفنا من خلالها، لا بمجردِ تلقين عقلنا اللاواعي بها بلْ بالتحدثِ بها إلى نفسي فأضبطُ أفكاري ومن ثمَّ سلوكي بها، أي أنه يتحتّمُ عليّ أن أغرسها في وعيي، بأنني إذا لم أكنْ مع اللهِ فلن يكونَ اللهُ معي، أو إذا لم أصبرْ بالمعنى الصحيحِ للصبرِ فسوفَ أفقدُ معيةَ اللهِ التي ضمنها لي في قولهِ تعالى: “إن اللهَ مع الصابرين”، وكذلكَ سأفقدها إنْ لمْ أكنْ من المؤمنين، أو المتّقين كما وعدني في قوله: “إن اللهَ مع المؤمنين“، “إن اللهَ مع المتّقين“، في أكثر من موضعٍ من كتابهِ الكريم.
فتعالوا لنمتلئَ بكلماتِ الله التي تحققُ لنا “معيّته” سبحانه وتعالى..
قبل أن يطبقَ علينا التشاؤمُ وتكاد أن تستحكمَ حلقاتُ الأزمةِ علينا.. علينا أن نثقفَ وعينا بأنه “لا ييأسُ من روح ِاللهِ إلا القومُ الكافرون”، وبما أنني يقيناً لا أريدُ أن أكونَ من الكافرين، فسأكرّرُ بأملٍ صادق: لا تيأسْ. إن اللهَ معنا!
وحين تهجمُ علينا المخاوفُ الحقيقيةُ أو الوهمية، وتكادُ تفتكُ باتزاني العقلي والنفسي، عليّ أن أكرّرَ بيقينٍ ثابت: لا تخفْ. إن اللهَ معنا!
وحينَ تضطربُ الحياةُ من حولِنا فيلفّنا المجهولُ بغموضه، لنْ تسكنَه إلا كلمةٌ تنبعُ من القلبِ: “لا تقلقْ.. إن اللهَ معنا”!
وهكذا حتى تصبحَ كلمةُ “إن الله معنا”، أو “إن معي ربي”، أو “إن اللهَ مع”: (المؤمنين، الصابرين، المتقين) جزءاً لا يتجزأُ من تفكيرنا الواعي فنخاطبُ أنفسنا بها ونتصرّفُ إرادياً بناءً على الموقفِ وما يتطلّبه من خصالٍ حميدة.
وبهذا نكونُ قد أصلحنا العطبَ الموجودَ في أجهزتنا العصبية، واستبدلناها بتوصيلاتٍ جديدة اخترناها بجهدٍ منّا وبكاملِ إرادتنا، وثقّفنا بها عقلًنا الواعي لعلّنا نمسكُ بزمامِ أمورنا ومقاديرنا في سنتنا القادمة.