قال الباحث بجمعية التجديد الثقافية الاجتماعية الشيخ عباس النجار في ندوة “الحوار الطريق إلى الحل” أن “الحوار لم يعد ترفاً، وإنما أصبح واجباً وطنياً تفرضه الأوضاع المتشنجة التي تقود إلى المزيد من التأزيم” وأضاف “الحوار مطلوب من أجل وفاق وطني متعدد الأطياف يستجيب للتحديات الوحشية التي تتهدد الجميع.. دولةً وسلطةً ومجتمعاً وأفراداً ومجموعات دون استثناء”.
وأضاف في ندوته التي عُقدت مساء الأحد الموافق 16 مايو 2010م في مقر جمعية التجديد الثقافية “أن الرأي الصائب سينتصر في النهاية مهما دُسّ في التراب، والرأي البعيد عن الحق سينهار مهما علا وتزيّن قائله بزينة الدنيا أو بزينة الآخرة”. ودعا الشيخ النجار في ندوته وزاراة العدل إلى تبنّي تشكيل هيئة باسم (هيئة الإنصاف) لتمرير قضايا الخلاف عبر آلية التحكيم قبل قبول أي دعوى في المحاكم وذلك على المستوى الفردي أو الأسري.
أما على مستوى الوطن فقد دعا الشيخ النجار إلى تشكيل هيئة عليا مستقلة حسبما يتطلبه موضوع الخلاف، تنطبق عليها معايير (الحَكَم) من رجاحة العقل والحكمة وتضمن مشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة بالموضوع، على أن تكون قرارتها ملزمة لجميع الأطراف بما فيها الحكومة نفسها بحكم الالتزام الأدبي والوطني.
وأكّد الشيخ عباس النجار على أهمية الانصاف كونه عدالة قبل التشريع، فالقاضي لا يرى إلا القانون ولا يهمه سوى تطبيقه بما يتوفر لديه من الأدلة الحسية، لذلك فإن مساحة حركته في معالجة القضايا الخلافية بشكل منصف قد تكون محدودة.
وأضاف النجار من هنا تأتي ضرورة الحاجة إلى مقاربة الموضوع بطريقة مختلفة تضمن حداً من العدالة وتوفّر حكماً يُرضي جميع الأطراف أصحاب العلاقة بالمشكلة وذلك عبر (مبدأ الإنصاف) وهو العدالة العرفية قبل التشريع والقانون، إذ يقضي هذا المبدأ باللجوء طوعياً إلى حكّام بدلاً من المحكمة.
واستعرض النجار عدداً من النماذج حول الإنصاف، أما في سياق بيان الفرق بين الحَكَم والقاضي فقال “أن الحَكَم هو من يتم اختياره والتوافق عليه من قبل المتنازعين أنفسهم وهم راضون بما يصدر منه من حكم. أما القاضي فلا يخضع لقبول الأطراف المتنازعة. ومن جانب آخر فإن التحكيم يبحث فيه المتخاصمون عن الحل الذي يرضي جميع الأطراف رغبةً في الإصلاح. أما في المحكمة فيركّز كل طرف على تحصيل حقه ولو كان على حساب الحقيقة والآخر”.
وكان الشيخ النجار قد عرّف الحوار في مستهل الندوة على أنه: دوران الكلام بين طرفين أو أكثر، يذهب ويرجع، وعلى أصل واحد أي أرضية مشتركة لما يتمّ التحاور فيه، كما أنه يختزن جميع تلك المعاني من تبييض النية من شوائب الأغراض الشخصية أو الفئوية أي دون سبقيات أو أجندات خفية، ووجود الرغبة الصادقة في البحث عن الحل، وأن يدور البحث فيه حول موضوع محدّد، وأن يشارك الجميع على قدر المساواة فيه.
وتأتي سلسلة الندوات التي تعقدها جمعية التجديد الثقافية في سياق استكمال وتعزيز أهداف مؤتمر (شرائع السماء وحقوق الإنسان.. عودةٌ للجذور) الذي دشنته جمعية التجديد الثقافية في أبريل 2010م من أجل ردم الهوة بين إرث الأمّة الإنسانيّ وواقعها الذي يفتقر إلى فقهٍ جامعٍ يكرِّس مبادئ حقوق الإنسان، وأحياء المقاصد الكبرى المغيبة التي قامت عليها جميع رسالات السماء.