دعا الباحث بجمعية التجديد الثقافية الأستاذ عيسى الشارقي في الندوة الرمضانية لجمعية التجديد إلى “التحول من التعلق بالقوالب والأشكال إلى الإرتباط المتجدد والدائم بالمقاصد والقيم، التي تُولِّد بشكل مستمر أنواعًا مختلفة من القوالب والأشكال مع تغير الزمان والمكان والأحوال” مشيراً إلى أن هذا أول ما ينبغي تغييره في العقل المسلم.
وأضاف الشارقي “أنه ينبغي علينا مواجهة المستجدّات لتلافي الخلل عن طريق التدخّل في حركة التشريع تنظيمًا لأحوال المجتمع، واضعين مقاصد الشرع موضع الممارسة الفعلية، وإنْ خالفت أقوال المحافظين على القوالب والأشكال من الفقهاء واجتهاداتهم”.
وفرّق الشارقي بين الحداثة والتجديد قائلاً “أن الحداثة ضد الأصولية، والتجديد ضد التقليد، ولكن التجديد يقبل وجود الأصول غير المعيقة للتجديد نفسه وكلاهما يشتركان في الإقرار للزمن بأنه عامل تغيير، وأن المعرفة تراكمية”.
وقال الباحث أن “التجديد هو منطق إنساني لإرادة البقاء والعطاء، ووظيفة المنطق الإنساني المكتسب أن يتتبَّع المنطق الكوني أو القوانين الكونية، ليصيِّرها إلى قوانين علمية ومقدمات لنتائج يمكن التعرف عليها فالتجديد ليس تهديدا، وإنما سبيلا بالتي هي أحسن، لتجديد الوعي، وتنبيه الفهم، وأخذٍ بالعلم، وتبيانِ المنطق، وتساوي الحقوق بين الناس، وتحرير الضمير”.
وأضاف الشارقي “إن كثيرا من الناس للأسف مولعون بانعكاساتهم التي تلتهم عقائد ومبادئ ومواقف الآخر، بل إن كلَّ شيء يجب أن يُفسَّر بهم، وإلا فكل من خالفهم خائن مارق وضال، فهم دائمًا الوحدة القياسية للإله والدين والمذهب والناس والمأكل والمشرب والملبس والقيام والقعود وكلِّ الأشياء، فهم عصارة الوجود، وبقية الله في الأرض وما دونهم (لا شيء) بل إن كلَّ شيء يجب أن يُفسَّر بهم، وإلا فكل من خالفهم خائن مارق وضال!”.
ووصف الشارقي التجديد بأنه جسر العبور بثبات بين وهم الماضي ومبهمات الحاضر وغيب المستقبل. وهو أيضاً هجرة إلى المستقبل وحياة أفضل، وخطوة ضرورية نحو الإصلاح، وخطوة واقعية للتقدم، وخطوة وقائية للثبات على المبدأ.
وحول مصطلح الحداثة قال الشارقي “أن الحداثة كلمة تستخدم اليوم كدليلٍ معياري عند مناصريها على المصيب والمخطئ، والمتقدم والرجعي، من الأفكار والاتجاهات والمواقف، ومؤخراً أصبحت عند معارضيها معياراً للكفر والإيمان”.
وأضاف الباحث “إنها الأمّ للكثير مما نتداوله من مصطلحات وألفاظ، وهي الأمّ كذلك لكل التوجهات والأيدلوجيات المعاصرة، ومصدر الكثير من الفلسفات والنظريات في الفلسفة والعلوم والأدب، وأم الصناعة والاكتشاف والاختراع والتجارة العالمية، إنها باختصار أم العالم الحديث”.
وأشار الأستاذ الشارقي إلى أن “أوروبا تنظر لنفسها على أنها مركز التفكير العقلاني، فالغرب عقلاني والشرق دينيّ، يعتمد على الأنبياء والرسل والصالحين، بينما أنبياء الغرب هم الفلاسفة العقلانيون فأفكار الغرب تنطلق من الإنسان وتعود إليه، أما الشرق فأفكاره فوقانية سماوية”.
وقدّم الشارقي التجديد الديني بوصفه حداثة قائلاً أن “التجديد الديني حداثة، يؤمن بالزمن سيرورة تغيير، ولكنه يؤمن بالقرآن نصا جعله قائله حمّالا، ليشاركه في معانيه كل أهل زمان بحسب قدراتهم، الأمر الذي عبّر عنه القدماء بالبطون السبعة وماهي بسبعة، ويعبر عنه علم اللسانيات بشراكة القارئ في معاني الكاتب حسب الأحوال والأزمنة، أو كما قيل مجازا: ”موت الكاتب“”.
وتطرق الشارقي للركائز العامة للحداثة التي طرحها جابر عصفور حيث قال “ترتكز الحداثة في كل مسيرتها وعلى تنوع تناقضاتها وتضاداتها، على محاور مشتركة، أوّلها: العقل في مقابل النقل، وثانيها أن الحق لا يعني الشريعة، أما المحور الثالث فهو النظر إلى الإنسان على أنه ذات حرَّة مريدة، وأن أفراده متساوون في الحقوق
والواجبات فهم أنداد”.