إبليس..رائد “التمييز العنصري”!!

“قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” (الأعرف:12)

في الحوار الدائر بين “الرب” والملائكة ودعوته إياهم للسجود لآدم بعد إعادة تخليقه، كان وجه اعتراض إبليس على السجود لآدم هو “الخيريّة” أو “الأفضليّة” للعنصر المخلوق منه كليهما! فهو الذي حدّد أنّ النار أفضل وأرقى من عنصر التراب أو الطين، مع أنّ “خلقته من نار” و”خلقة آدم من طين” ليستمن فعله هو، فكيف حدّد أنّ مادّته خيرٌ من مادةِ الآخر؟

لقد أراد بمنطقِهِ الأعوج أن يفوّت دور الباطن وقيمته، ويرجّح الظاهر، مع أنّ التمايز الحقيقي لا يكون إلا في المساحات التي يملك فيها كلٌّ منهما خياراته وإرادته، ففيها وحدها يصنع أيّ منهما مقامه، ويحدّد مستوى رقيّه، وأفضليّته، لا بأيِّ شيءٍ آخر.هذه المسألة هي نواة نظرية التمييز العنصري! وبذلك يكون إبليس هو مؤسّس ورائد هذه النظرية بلا منازع!

علماً بأن الملائكة بناءً على قياساته، أفضل منه، فهي مخلوقةٌ من “نور” وهو عنصرٌ أكثر رقيّاً من النار! ولكنها لم تعترض على السجود لآدم المخلوق من “الطين”.

وامتد أثرُ هذا التمييز “العنصري” ليشمل التمييز العِرقي، والطائفي، والجنسي، والإثنيّ وغيره مما نشهدُهُ في أيامنا هذه، فقامت حروبٌ طاحنة ومذابح بسببِ هذا التمييز ولا تزال إلى يومنا هذا.

وانسحب أصل الاعتراض “الشيطاني” على دعوة الأنبياء حال تبليغهم الرسالة لأقوامهم، فلقد استخدموا ذاتَ المنطق السقيم، وماأن يبدؤوا بالدعوة لعبادة الله الواحد الأحد إلا واستخفّوا بهم وبدعوتهم فمن قائلٍ” أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ” (الزخرف:52)،  وآخر “وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ” (هود:27)

وعودةً لاعتراض إبليس على اختيار المخلوق الطيني الترابي عليه في خلافة الأرض، نتساءل: هل كان ذلك هو السبب الحقيقي لامتناعه عن السجود، أم هي حجّةٌ وذريعةٌ تبطن وراءها جبالاً من الأمراض النفسية الدفينة؟

فعبادة إبليس تلك السنين الطويلة وسجوده لله قبل خلق الأرض لم تكن “خالصةً” لوجه الله، أو نابعةً من محبة الله والتقرّب إليه، وإنما كان يخفي رغباتٍ داخلية من ضمنها الاجتباء والتكريم والجزاء من قبل الله، أي أن عبادته كانت وسيلةً لبلوغ مراميه، لذا فإنه عندما طلب إمهاله إلى يومِ يبعثون أَقسم قائلاً “فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ“، لأنّه يعلم أنّهلن يتمكّن من إغواء المخلصين، لأنّهم محصّنون ومن المحال التأثير عليهم، فلقد أوصدوا منافذ قلوبهم أمام إغراءاته ووسوسته.

ونتساءل مرةً أخرى، لماذا لم يفصح إبليس عن السبب الحقيقي لعدم سجوده؟ ألم يكن ذلك أيضاً نوعاً من التعالي والكبرياء الزائفة؟ إنّ لنا في قصة إبليس عبرة! فالإخلاصُ هو المُنجي من شِراك الشيطان وإغوائه (بشهادة إبليس بنفسه!).

كلّما وجدتُ نفسي في موقفِ مقارنةٍ وتفاضل على الآخرين فالحَذَر، لأن هذا هو نهج إبليس “العنصري”!

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة