“الإسلام قبل القرآن”

رئيس جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية الأستاذ عيسى الشارقي

ندوة حوارية مفتوحة في الملتقى الثقافي الأهلي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).

كان من المفترض أن تكون هذه الآية رسالة محبة للإنسانية، حينما نعرف المعروف كما أراده الله (سبح)، وهو ما تعارف على استحسانه الناس، والمنكر هو ما تعارف على استنكاره الناس، (الناس هنا بمعنى الإنسانية)، لا كما فعل المسلمون بالمفهومين اليوم فقوقعوهما في خصوصياتهما، فأصبح المنكر ما أنكره الشارع الإسلامي، والمعروف ما استحسنه الشارع الإسلامي، -الشارع هنا بمعنى المشرع-فانقلبت هذه الآية من رسالة محبة للأخر إلى رسالة كراهية خاصة حينما صاحبها التنفيذ المتشدد من أطراف كثيرة من المسلمين تجاه أطراف أخرى، فلا يكاد الإنسان اليوم متدينا أو غير متدين أن يسمع بدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا وتلوح في مخيلته عصى الزاجر كما ألفها في بعض المجتمعات مثلا …

فهذه كانت رسالة محبة… فكيف أصبحت رسالة هذه الأمة الآن ؟ … هل بقيت كما أرادها الله…(تؤمنون بالله… تدعون إلى الخير… رحمة للعالمين….تعاون على البر…؟

رسائل الكراهية..

هناك مقولات ألفنا سماعها.. أذكر منها …

  • السنة نواصب ، يبغضون أهل البيت ويجسمون الله ويوالون الطواغيت … هذه مقولة من فئة من المسلمين عن فئة أخرى..
  • الشيعة روافض كفار، يشتمون الصحابة ويقولون بتحريف القرآن ويؤلهون أهل البيت… هذه مقالة مقابلة !
  • الإباضية خوارج كفار بالإجماع كفروا خلفاء الإسلام بكل ما هو غريب وفاسد.
  • الإسماعيليون كفار…
  • أعمال الحنابلة باطلة وهم خوارج أهل السنة يكفرون المسلمين ويستبيحون دمائهم.
  • المالكية على باطل، أهل رأي وقياس ومصالح .
  • الأحناف مبطلون أصحاب رأي وقياس ويقولون بألسنتهم ما لا يعلمون ، يفترون على الله الكذب.
  • الشافعية على باطل
  • الإخباريون أعمالهم باطلة وهم على ضلال
  • الأصوليون على ضلال ، وأعمالهم باطلة ..

هذه مقالات منتزعة من تصورات فئات من المسلمين عن فئات اخرى.

ننزل الآن إلى مستوى الأفراد… ونستعرض بعض المقولات…

  • علي ابن أبي طالب كافر ، قاتل ، مجرم ، يستحق الشتم ثمانين سنة علنا والكراهية دهورا!
  • عمر بن الخطاب ، منافق، استولى على خلافة رسول الله ، هو وأبو بكر بالحيلة والمؤامرة .
  • عثمان بن عفان ، الإمام الحسن ، الإمام الحسين قتلوا برسائل الكراهية .

أمثلة أخرى في التاريخ الإسلامي …

  • أبو حنيفة النعمان ، اتهم بالكفر ، والارتداد واعتقل وحبس وعذب وسمم فمات في سجنه، ثم حفر قبره ونبش وأحرق ودفن كلب في قبره ، ثم جعل مرحاضا في بغداد وأعلن وقتها أن كل الأحناف كفار.
  • الإمام البخاري، رمي بالكفر وشهد ثلاثة آلاف عالم دين على كفره ونفي حتى دعى الله أن يريحه بالموت.
  • أحمد بن حنبل، كفر وسجن وقيد بالسلاسل ، وأجبر على السير في سلاسله من طرسوس إلى بغداد وضرب بالسياط.
  • ومن علماء الصوفية، ذو النونن والتستري، وأحمد بين يحيى، وأبو سعيد الخزار، وابن الحنان، وأبو العباس بن عطا، وأبو المحسن النوري، والإمام النسائي ، اتهموا بالكفر أو الفسوق ونصح الملك بقتلهم!
  • الإمام الغزالي ، قيل عنه الملحد الكافر وافتي بحرق كتبه والنهي عن دراستها.
  • وابن حزم ، فسق ونفي إلى الأحراش في أسبانيا
  • عبد القادر الجيلاني، اتهمه عبد الرحمن الجوزي بالردة فأوذي .
  • ومحي الدين بن عربي، كفر وفسق وسمي المرتد الأعظم
  • وشهاب الدين السهروردي كفر فسجن وخنق حتى الموت.

ننتقل الآن إلى درجة من تفاصيل الحياة اليومية من رسائل الكراهية …

  • من قنت في صلاة المغرب فصلاته باطلة ولا تجوز إمامته.
  • من جهر بالنية (أي من قال في صلاة الصبح مثلا، أصلي صلاة الصبح طاعة قربة إلى الله تعالى جهرا ) .. المفتي هذا كان يرى بوجوبها سرا ..فماذا قال ؟ … (من جهر بالنية نبه، فإن أصر على ذلك قتل …!!!!)
  • من جهر في الأخيرتين فصلاته باطلة ولا تجوز إمامته …!

ولو قد عددت من الفقه ما يسقط ويبطل أعمال المسلمين بعضهم بعضا … لما انتهيت !

إننا اليوم لا نكاد ننتهي من ذلك، فرسائل الكراهية مشبع بها التاريخ الإسلامي والواقع الإسلامي كذلك ، اليوم رسائل الكراهية معمقة ، بعضها مسكوت عنه لأنها اتخذت طابعا اجتماعيا … لقد عاد من المألوف –على سبيل المثال- أن الشيعي لا يتزوج سنية، وقاعدة اجتماعية ، لقد كانت في السابق بوادر كراهية، ولكنها الآن أصبحت قواعد اجتماعية راسخة في النفوس، …

السني لا يتزوج شيعية مع أن الإسلام يبيح الزواج من أهل الكتاب، من المجوس ، والنصارى والصابئين واليهود … والنبي قد تزوج منهم… ولكن الكراهية قد ترسخت فينا إلى درجة أنني إن لم اتردد أقول … الجميع يرى بأن هذا أمر طبيعي !

اليوم الكراهية تنال الكتاب والأحرار والمثقفين والمجددين سواءا من الإسلاميين أو من الليبراليين ، فتاوى التكفير لا تكاد أن تتوقف حتى تتجدد ! ، ولو تابعت سيرة رجال الفكر العربي عموما (الوطني ، القومي ، الإسلامي، الليبرالي ) منذ بدايات عصر النهضة العربية والإسلامية ، لما فاتك أن تسجل العشرات العشرات ممن كفر وأهدر دمه وأفتي بقتله !

الإسلام اليوم أصبح مليئا برسائل الكراهية، فهل الإسلام ضيق إلى هذه الدرجة ؟

هل بالفعل الإسلام ليست فيه فسحة للاختلاف، وهل كل اختلاف بين مسلم وآخر يخرجه من الدين حتى يكفر ويستباح ؟

الجواب …

 الإسلام قبل القرآن ..

القرآن آخر الكتب التي جاءت في الدين الإسلامي، وليس هو مؤسس الدين الإسلامي …

الله ( سبح) يقول (إن الدين عند الله الإسلام ) … وهنا أتسائل … أو لم يكن لله دين إلا حينما بعث محمدا (ص)؟ … أم كان له دين جاء به عيسى وموسى وإبراهيم ونوح وإدريس ومن قبلهم من الأنبياء ….؟ وعلى أي دين كان آدم (الأب العاقل الأول … الذي نؤمن أنه كان أول إنسان عاقل كلف أو حمل رسالة الإنسانية… على أي دين كان ؟ أم أنه كان بلادين؟

الإسلام دين آدم ..الإسلام دين الأنبياء الذين كانوا قبل محمد (ص) ، (إن الدين عند الله الإسلام) أي أن لله دين واحد فقط … هو ما جاء به كل الأنبياء …

  • إن نوحا (ع) هو أول نبي ذكر في القرآن وأعلن الكلمة … أنه هو وأتباعه على الإسلام … حيث قال ( فإن توليتم فما سألتكم عليه من أجر، إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين).
  • وعن إبراهيم وإسماعيل … ذكر القرآن الكريم لنا قولهما  )رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:128).
  • وعن إبراهيم ويعقوب وبنيه )أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:133).
  • وعن يوسف (ع) )رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف:101).
  • وعن موسى (ع) )وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (يونس:84).
  • وفرعون كذلك عرف رسالة موسى، حينما أدركه الموت قال …(لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين).
  • عيسى (ع) والحواريون )فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:52).
  • المخلصون من أتباع الديانات يجدون أنفسهم مسلمين قبل القرآن …(قال تعالى ))الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ – أي من قبل القرآن – هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) (القصص:52)،)وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) (القصص:53).
  • )أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (القصص:54).

أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا … أي أن المحصلة أجرين ، الأول هو لصيغة إسلامهم الأولى والأخر هو لصيغة إسلامهم

الجديدة ، فكل موقف استحق أجره الخاص به ..

والحقيقة هي أن على الجميع أن  يؤمنوا بكل الكتب، كما طلب الله (سبح) من المسلمين أن يؤمنوا بالإنجيل وبا لتوارة وبكل كتاب سماوي وبكل أثر سماوي ، هذا هو الدين عند الله (سبح).

نحن المسلمون نظريا نؤمن بذلك ولكننا قذفنا هذه الكتب وراء ظهورنا بدعوى أنها كلها محرفة، وقذفنا بكل تراث الإسلام منذ آدم إلى هذا اليوم، وخلصنا إلى الاكتفاء بالقرآن فقط وكأن القرآن الكريم هو نقيض محض لكل ذلك ..

نعم القرآن الكريم هو المهيمن … فالكتب السابقة دخلها تحريف ودخلها تزوير ، ولكن ليست كلها تحريف أو كلها تزوير وليس كل أثر سماوي قد اضمحل ، … وما كل الآثار السماوية على أيدي أنبياء أيضا ..هناك أثار سماوية قد لا تكون على أيدي أنبياء .

تجلي الإسلام في الأديان السابقة على البعثة النبوية ..

إننا اليوم نجد من المسلمين فئات لا نعرف أنبيائهم، ولكنهم مسلمون وإلى اليوم يقول بعضهم أنهم على دين آدم ، ويقصد بآدم هنا آدم النبي الذي بعثه الله وذلك على أساس أن هناك فكرة تقول أن آدم … آدمين … آدم الأول الإنسان العاقل ، والآخر آدم اسم نبي سرياني بعثه الله … فهؤلاء المندائيون والتي هي ديانة قديمة ربما قبل ستة آلاف سنة لهم كتب وبها مقالات ، حينما تقرأها تجد أن صلب الإسلام موجود فيها …

وهنا أقدم لكم افتتاحية كتابهم ويسمى (كنزا ربا):

” سبحانك ربي العظيم، أسبحك ربي بقلب طاهر، رب العوالم كلها، مسبح ومبارك ومعظم، ذو الوقار والإجلال، اله الرب العلي سبحانك ملك النور السامي، ذو الحول الشامل الذي لا حدود لقدرته، النور البهي، والضياء الساطع الذي لا ينضب، الرؤوف التواب الغفور الرحيم.

مخلص كل المؤمنين، وناصر كل الطيبين، العزيز الحكيم، العليم البصير العارف الذي على كل شيء قدير، رب عوالم النور جميعها، اعليا والوسطى والسفلى، ذو السيماء العظيم الموقر، الذي لا يرى ولا يحد، لاشريك له في ملكه ، ولا كفء له في سلطانه، من يتكل عليه لا يخذل، ومن يسبح باسمه بالحق لايخيب، ومن يتوكل عليه لا يذل.

رب الملائكة جميعا، لا وجود بدونه، وما من شيء لولاه، أزلي ليس له بداية، وأبدي ليس له نهاية”

هذه كلمة أليست كأن قائلها (أحد الصحابة أو الأنبياء أو الأئمة الذين نؤمن بهم ؟…. إن هؤلاء الأقوام مسلمون قد قبلهم الإسلام وذكرهم وأثنى عليهم …

الإسلام لم ينسخ الأديان الأخرى..

ربما يتوهم البعض أن الإسلام قد نسخ الأديان الأخرى ، هذا أمر غير صحيح ، بل قبل وجودها معه ، وقد قبل الإسلام اليهودية مع أنها محرفة عن الإسلام، وكذلك النصرانية مع أن فيها تحريف حاد عن الإسلام، خاصة في مسألة العقيدة ، ولكنه قبلها كصورة من صور الإسلام السابقة، وقبل المجوس والصابئة كصور من صور الإسلام السابقة …

قال تعالى ..(قولوا أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من قبلهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)

لا بل إن الإسلام في الحقيقة موجود على غير ألسن الأنبياء كذلك، وليس بالضرورة أن يأتي نبي بالإسلام، فالإسلام دين الفطرة، ومن الممكن أن يكون هناك مسلم على غير دين نبي يهتدي إلى الإسلام … وسنبين ذلك …

الديانة المصرية القديمة … صورة من صور التوحيد.

الديانة المصرية القديمة .كانت موحدة في كل أشكالها التعددية الظاهرة، ولم تكن مشركة كما يقال ، ولم يكن أخناتون هو الذي أدخل التوحيد إلى وادي النيل، بل هو في الحقيقية أدخل عبادة الشمس … وهنا نقرأ نصا من الديانة الفرعونية …

تقول إحدى المخطوطات المترجمة ” إن الله الخالق، مبدأ الوجود ، الذي اوجد الكون والأرباب لحظة نطقه بالكلمة، هو الواحد، الخفي ، وهو الأزلي الذي لا يدرك، يعطي الحياة لمخلوقاته، ويفيض بخيره على الكون والبشر والأرباب ، إنه يفيض بقدرته ليجعل رع يضيء، وحابي يسقي ، وإيزيس تخصب ”

وهنا أذكر أن كل هذه المظاهر التي نظنها آلهة (رع، حابي، إيزيس) ما هي في الحقيقة إلا صور من عطاءات الخالق (عز).

العرب الموحدون قبل البعثة النبوية..

من الموحدين المشهورين كذلك في التاريخ العربي والإسلامي، الأحناف، او الحنفاء، وهم عرب على دين إبراهيم كما يقال، موجودون في شبه الجزيرة العربية ، ومنهم جماعة مشهورة أذكر منهم ..

قس بن ساعدة الإيادي، زيد بن عمر بن نفيل، أمبة بن أبي الصلت، أرباب بن رئاب ، سويد بن عامر، أسعد أبو كرب الحميري، وكيع بن زهير، عمر بن جندب، عدي بن زيد، أبو قصي صرمة، سيف بن ذي يزن، ورقة بن نوفل، وابنة أخته أم المؤمنين لا حقا خديجة بنت خويلد، عامر بن الظرب العدواني ، وغيرهم …

كثير من العرب قبل الإسلام كانوا معروفين مسلمين ، ويقولون بمعان توحيدية إسلامية، …

زهير بن أبي سلمي – على سبيل المثال- الشاعر المشهور صاحب المعلقة نقرأ من أبياته …

فلا تكتمن الله ما في نفوسكم

ليخفى ، ومهما يكتم الله يعلم

يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر

ليوم حساب أو يعجل فينقم

تمعن معي ، هذا إيمان بالله ، وباليوم الأخر والحساب ، هذا زهير !

وقد عنى الله (سبح) هذه الفئة في قوله تعالى ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) يشار بهذه الآية إلى هذه الفئة ، فئة الحنفاء الذين أبقاهم الله (سبح) ، ولم يكونوا على نظام معين، وإنما يبثون في الناس ما يمهد ويبقى جذوة التوحيد ….

الإسلام أوسع مما يعتقده المسلمون اليوم ..

ما ذا أريد من قولي هذا كله …

أريد بأن الإسلام أوسع مما نظن، وأن اختلافنا في أمور جزئية مهما كانت لن تخرج أحدا من الإسلام، فلا يجوز لمسلم اختلف مع آخر أن يقول له كا فر ،أو مشرك أو خرجت من الملة ..

وهنا أتساءل، هل يبلغ الاختلاف بين المسلمين فيما بينهم أشد من الاختلاف بينهم وبين المجوس؟ هل يبلغ ذلك ؟

إن دائرة الإسلام دائرة واسعة جدا ، تستوعب الكثير من الاختلاف ، أما اختلافات التشريع فالله (سبح) قد فرق بين الناس في التشريع ، فلا ينبغ لأحد أن يكفر حينما نختلف معه في تشريع ما، إطلاقا، لأن الله سبحانه جعل لكل  منكم شرعة ومنهاجا، ولم يقبل لليهود أن يهربوا من أحكامهم حينما يجدوا أنها شديدة ليلجؤا إلى أحكام في الإسلام تخفيفا عن أنفسهم..قال تعالى .( وعندهم التواراة فيها حكم الله )

إذن ما هو الإسلام ؟ وكيف يعرفه القرآن؟ …

نأخذ من القرآن بعض الآيات حتى نعرف الإسلام …

قال تعالى ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا )

هنا أمران ..

  • الأول .. إسلام الوجه لله
  • والآخر … الإحسان

هذان الأمران تترجمهما آيات أخرى ، فإسلام الوجه لله هو الإيمان به وحده، دون شريك، أي أن تكون موحدا ..

أما الإحسان فتترجمه آيات أخرى كذلك … بمعنى وعمل صالحا ..

إذن هذان هما الشرطان

من آمن بالله، وحده وعمل صالحا، فهو مسلم ..

عرف نبيا أم لم يعرف كان محمديا أم موسويا أم عيسويا ، أم على أي دين آخر، بل على غير دين من نبي، ما دام يؤمن بالله وحده ويعمل صالحا فقد دخل ضمن نطاق الإسلام …

وهنا أذكر وأتساءل …. من يقول الآن أن في هذه الدنيا لا يوجد مسلمون غيرنا … أصحاب شريعة محمد (ص) ؟

لقد وجدنا في التاريخ أن إبراهيم (ع) ، كان من أبناء عبدة الأوثان، لكنه بمجهود شخصي ذاتي منه وبتوفيق من الله ، وجد بنظره أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة وأنها ليست آلهة فرفضها وبحث من نفسه وعقله فآمن بالله، توصل هو بنفسه إلى ذلك وكان سلوكه مستقيما، فإبراهيم مسلم قبل أن يخاطبه الله (سبح) بالدين

وهذا أمر يذكر في حق حتى بعض الصحابة (رض)، فأبو ذر يذكر عنه أنه كان موحدا قبل أن يسمع بالنبي (ص) لأنه وجد أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة .

لذا من الممكن اليوم أن نجد في البوذية هناك أناس على هذه الشاكلة، وكذلك في المسيحين مثلا وغيرها … وهنا أتذكر أحد القساوسة قبل ما يقرب من سنتين أعلن بأنه لا يؤمن بعقيدة التثليث، وكل تفاصيلها المذكورة، … هو أعلن ذلك بنفسه ، وهذا قس في وسط الكنيسة وكان من القساوسة الكبار !!

وأي شخص حينما يقابل من أمثال هذا الرجل فإنه لا يعلم في ظاهره إلا أنه قس مسيحي، ولكنه بذاته توصل إلى هذا الاعتقاد السليم ، فهو مسلم وحد الله بذاته ، وذلك لكون التوحيد أمرا فطريا …

لا تحكم على أي إنسان تجده فتقول أنه غير مسلم لأن ظاهره هكذا أو كذا، فهناك شرطان فقط ..

أن يوحد الله – ومن فعل ذلك فقد اقتحم العقبة الكبرى- واليوم كثيرون موحدون حتى الذين تجدهم في غير لباس التدين والإيمان ، وأنت عندما تسألهم عن اعتقادهم بمن وراء هذا الوجود ، فسيقولون لك … هناك خالق لهذا الوجود …

قد لا يعرف اين هو … أو ماهو … أو ما هي صفاته… الخ … هذا كله خارج الشروط … فقط يؤمن بأن هناك قوة وراء هذا الكون سمها ما شئت ، هي التي أوجدته وهي التي تشرف عليه …

إذا آمن بذلك فقد أصبح الشرط الأساسى للإسلام متوفرا فيه، ..

أما الشرط الآخر … فهو أن يعمل صالحا …

العمل الصالح هنا ليس بمعنى أن يكون كرسول الله (ص) ولا ان يكون من المخلصين … من الممكن أن يكون من المخلصين ومن الممكن أن يكون دون ذلك، ولكن أن يعمل صالحا في حدود مايراه عقله من الصلاح ، والإنسانية تشترك في قواعد لا تختلف فيها، نحن لا نطالب مسلما في مجتمع لم يصل إليه نبي ولم تبعث له رسالة أن يعرف من تفاصيل العمل الصالح ما يعرفه محمد (ص) ، لكن حينما يجد هذا المسلم أن قتل النفس حرام … ويمتنع عن ذلك بهذا الدافع … اليس هذا عملا صالحا ؟

حينما يجد أن الاعتداء على عرض الغير عمل قبيح حرام … فيمتنع عن ذلك … اليس هذا عملا صالحا؟

حينما يجد أن الاستيلاء على مال اليتيم عمل محرم … فيمتنع عن ذلك … أليس هذا عمل صالح ؟

وأمور أخرى كثيرة على نفس الشاكلة، والتي يجمع عليها الناس ، فهذا ما نطالبه بمحاولة عمله، وهو قد لا يفلح أن يستهدي لعمل كل الصالحات ، لكن القاعدة الأساسية عنده ، أنه من شروط الإنسانية أن يكون الإنسان قائما في فعل الصالحات والخيرات … ينجح مرة ويخفق أخرى … يفوز مرة ، ويخسر أخرى … هذا أمر طبيعي ، لكن لا أن يكون ممن يستبيح الحرام، أو بمعنى آخر يصل إلى درجة الإجرام !!

هذا لا ينطبق عليه دخول دائرة الإسلام، هذا المجرم إذا كان يرى أنه من حقه عمل ذلك ولا شيء وراءه ، فنقول بأنه لم يدخل ضمن دائرة الإسلام بتاتا …

وهنا أكرر من جديد، من يدخل في دائرة الإسلام ، على الأقل يتوفر على أنزل درجة وهي الشرطان (توحيد الله ، والعمل الصالح في حدود الفطرة الإنسانية)

وهنا أذكر الأدلة على ما ذكرت …

قال تعالى :

  • ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .
  • (وأما من عمل صالحا فله جزاءا الحسنى) .
  • ( ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى ) .

تعريف الإسلام لمن هم من أتباع الأديان السماوية .

كل هذه الأيات هي لغير أتباع الأديان …أما أتباع الأديان فإن الله (سبح) قد اشترط عليهم شرطا آخر وهو الإيمان باليوم الآخر، أما غير أتباع الديانات فلم يشترط عليهم هذا الشرط، لأنهم قد لا يتوصلون بذهنهم أن هناك بعث وحساب أو أن هناك جنة ونار أو غيرها من التفاصيل الدقيقة ليوم الحساب …

لكن أتباع الأنبياء مهما اختلفت مسمياتهم ، عليهم أن لا يزيحوا عن ثلاثة أشياء هي …

الإيمان بالله ، والعمل الصالح والإيمان باليوم الآخر ..

متى توفروا على ذلك فهم مسلمون ، ولا يجوز لأحد أن يخرجهم من دائرة الإسلام

قال تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)

نتائج ..

وهناك نتائج تترتب على هذا الفهم للإسلام نذكر منها:

أولا: من الخطأ أن نقول للعصر الجاهلي أنه عصر ما قبل الإسلام بل الصحيح أنه ما قبل البعثة النبوية المحمدية، فالإسلام سابق على البعثة سبق آدم على محمد (ص).

ثانيا: من الظلم أن نتهم كل من لم يشهد أن محمدا رسول الله عن غير عداوة أنه كافر، فالإسلام دين الفطرة ، فهناك مسلمون في كل الأديان السماوية، وهناك مسلمون على غير أي دين، إذ كل من آمن بالله وحده وعمل صالحا ولو في حدود الفطرة الباقية فهو مسلم، فمن كان موحدا وحرّم قتل النفس والعدوان على الأعراض والأموال والفواحش ما ظهر منها وما بطن مما تعرفه الإنسانية بالتحسين والتقبيح في حدود ظروفه فهو مسلم مقبول الدين عند الله.

ثالثا: من الظلم أن نتهم الإسلام المحمدي بالتزوير والتأليف إذا وجدنا فيه ما وجد في الأديان من قبله، فنقول إنه أخذها من النصرانية مثلا ، فالقرآن الكريم صريح وواضح في نظرته التوحيدية لكل دين الإسلام منذ آدم وإلى اليوم: )قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:161)

رابعا: من الخطأ أن نكفر الناس مهما اختلفوا معنا في جزئيات الدين، فمهما كان الاختلاف يبقى الرجل مسلما، ما دام يوحد الله ويؤمن بحسن الصالحات من الأعمال، ولم يلجأ إلى العدوان على مقدساتنا بالسب أو ما هو أكبر، وهذا لا يعني أننا نرى جواز النيل ممن لم يكن مسلما أو حتى تغير عن الإسلام ما دام لم يتبع تغيره بعدوان.

خامسا: إن الإسلام في نسخته المحمدية لم ينسخ صور الإسلام السابقة ولم يرفضها بل صدقها وأوضح ما انحرف منها عن التوحيد ، دون أن يكون هذا الإيضاح مؤديا إلى الرفض الكلي.

سادسا: إن القرآن الكريم أعلن صراحة أن المسميات المتنوعة ضمن دائرة الإسلام لا تضر ما دامت لم تنحرف عن الإيمان بالله وحده وسلوك العمل الصالح. حيث قال .. (إن الذين آمنوا والذين هادو والنصارى والصابئين من آمن باله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)

سابعا: إن أصحاب الأديان السماوية جميعا يجب أن يؤمنوا بكل التراث السماوي فعلا وقولا فيأخذوا بحكمة السماء من كل الكتب السماوية والقرآن هو الحافظ والميزان لما بقي نقيا منها وما نالته يد التحريف.

ثامنا: الموحدون يجب أن يلتزموا الأدب في التعامل مع المصادر المقدسة حتى لو لم يتمكنوا من بلوغ درجة الإيمان بصدقها إلا ما كان فيها منحرفا عن التوحيد والأعمال الصالحة.

تاسعا: الإنسان في هذه الحياة تمر به ظروف مختلفة، فإذا ما آمن إنسان ما في بقعة ما بالله وحده وسعى نحو فعل العمل الصالح بحسب ما يعلم من طبيعته الإنسانية فهو مسلم حتى لو لم يسمع بكتاب ولا نبي، وعلى ذلك فلنحذر من إطلاق الأحكام على الناس قبل أن نسمع مقالتهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة