التعفّف عن فياغرا التنشيط الطائفيّ

إلى الذين يريدون حسم معارك التاريخ بإحماش ألويتها المذهبيّة البائدة.

الذين يهيمون بدعْدٍ، ويتغنّون بليلى، ويتغزّلون بلبنى، وقد أكلَهنّ الدودُ والتراب.

الذين يحسبون أنّهم يُحسنون صنعا، وأنّ إحياءهم معارك الأسلاف سيُوفّر لأجيالنا مستقبلاً أزهى، بخاتمةٍ أشفع.

الذين يُجادلون بقضايا تراثيّة مستحيلة الحسم، لكنّها أكيدة الضرر.

حين بٌشِّر سيّد البطحاء وبقيّة الحنفاء عبدالمطّلب بولادة محمّد(ص) في 12 ربيع، فزع لِما رأى من تباشير نبوّته، ولعلمه بكيد المتربّصين واليهود المستنفعين بالأوضاع المتردّية، ولتوقّع كهنتهم آنذاك بولادة نبيّ مصلح يومها، فقد أخفاه جدّه، رضيعٌ كلّما قرّبوه من الكعبة المليئة بالأوثان فزّع باكياً رافضاً دخولها، بعد ستّة أيّام (17 ربيع) أعلن في الملأ ولادة حفيده، محتفلاً بيتيمٍ قدّرتْ السماءُ أنّه للعالمين الرحمةُ والنذير.

هذان التاريخان اللذان اختلف السنّةُ والشيعة فيهما، كلٌّ أخذ بأحدهما، وكلاهما صحيح، كحال سائر الجزئيّات التي انفرد كلّ فريق بها، فالنبيّ(ص) قرّب عليّاً وقرّب أبابكر أيضاً، وزوّج عليّاً ابنته كما تزوّج ابنة أبي بكر، وجمع العصرين والعشاءين كما فرّقهما، وصلّى خلفه المسلمون بالكيفيّات كلّها يومَ كان الدينُ يسراً!

جميلٌ أن تُقام فعاليّات الوحدة الإسلامية من النشطاء والدعاة، فهذا خيرٌ من فعاليّات الفرقة التي تخدم الأعداء وتُجازف بالوطن وتمزّق أهل الدين، فإنّ بداية الفتن مؤامراتٌ مخطَّطة، لكنْ مواصلتها حماقاتٌ طوعيّة، ورياحُ الفتن بدأت تهبّ بالوطن، ولقد أشرنا بمقالٍ سابق إلى كتيّب تفريقيّ دعوناه “كتيّب الشيطان” يُكفّر الشيعة ويشتمهم، وبالأمس انشغلت الصحافة والمجالس بما جرى بالمحرّق من إحياء مؤذيات شيعيّة منقرضة، وبما أفرزه من توزيع منشورات ورسائل تُهدّد الشيعة بالتوبة وبالنزوح، أو التعرّض للاستئصال، وأقراص طائفية تهديدية مدمجة تُلقى على عتبات بيوت الناس! يعقبه إحياء طقوس جاهليّة بقرية بحرينية عن خلافات السقيفة وتوابعها التاريخيّة المختلَف فيها، ممّا لا علاقة له بتوحيدنا وبقضايا حقوقنا واستحقاقات عصرنا، ولا يمتّ لأخلاق أهل البيت(ع) وصواب منطقهم.

إذن، ونحن نحتفل بأسبوع وُلد فيه البشير محمّد(ص) الذي أزاح بقلبه الكبير وجهاده المرير عصبيّات الجاهليّة والاستبداد العقلي والمجتمعي والدُوَليّ، علينا أن ندعّم احتفالنا بخطوات لئلاّ يكون احتفالا دعائيّاً ومهرجانيّاً ينقضي لحظة الانفضاض.

أوّل دعامةٍ على الدعويّين والنشطاء تركيزُها، تغييرُ عقائدهم تجاه بعضهم، بأن يتخلّصوا من عقيدة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة على بعضهم، وإبطال أعمال بعضهم، وبُغضهم، فهذا كلّه تراثٌ مدخول ومزوّر، عليهم أن يعيشوا كإخوةٍ مسلمين فيما بينهم، لا يظنّ واحدُهم بأنّ الآخر حطبُ جهنّم مهما صام وصلّى وعمل صالحاً! عليهم تقديم الإسلام على خصوصيّاتهم المذهبيّة ليُمهّدوا الأرضيّة لوحدة حقيقيّة كالتي أمر بها القرآنُ والنبي(ص) (واعتصمُوا بحبلِ اللهِ جميعاً) (كونُوا عباد الله إخوانا)، فليست الوحدة شعارَ الظاهر بل الباطن، فهي أخوّة حقيقيّة وتناصح وتآلف قلوب، وهذا يستحيل مع تيقّننا أنّ الآخر من أهل النار!

فما لم نتجاوز عقائدنا المضلّلة للآخر، فلن نسمح بوحدة، بل بهدنةٍ وبتحالف، كالتي كانت بين النبيّ(ص) والمشركين، حول قيَم ومصالح مشتركة فحسب، وهو أمرٌ جيّد، لكنّه خسيسٌ بالنظر إلى ما يجمعنا من عظيم دين، كما بالإمكان الالتقاء فقط حول (وحدة وطنية) باستحقاقاتها، ولن يكون لمولد النبيّ(ص) داعٍ توحيديّ آنذاك، ربّما نحتفل بميلاد وثيقة المدينة، بينه(ص) وبين اليهود، فهي أشبه بنموذج (وحدة وطنيّة) تتناصر لحماية التراب والسكّان والرفاه العام والنظام والحقوق والعدالة وقواعد الاحترام، وهي مطلبٌ سامٍ أيضاً، وهذا يُبيّن أنّ جوامع التعاون والالتقاء كثيرة، سواء وطنيّة، مصالح مشتركة، قيميّة وإنسانية، دينية، فلماذا التمزّق إذن؟!

ثاني دعامةٍ الاحترامُ؛ احترامُ عقائد ومقدّسات بعضنا، واحترام الأحياء قبل الأموات، فالتكفير المتراشق، والتضليل، مفردات تنهل من قاموس الفرقة لا الوحدة، وأفعالُ التهميش والإقصاء والتمييز تصبّ تفرقةً لا توحيداً، وتوسّل العنف بدل الحوار والتسامح يُكرّس تبغيضاً لا الوحدة، على العلماء الأمناء مدعومين بالمثقّفين الواعين تكريس ثقافة الاحترام، واستبدال ثقافة الإزراء بالآخر واحتقار رموزه، كمسائل اللّعن أو الإساءة للصحابة الراشدين ولنساء النبيّ ولأئمّة المذاهب، علينا الإيقان بأنّ أهل البيت(ع) أعفّ وأكرم من أن يرضوا بذلك، ينبغي منع الخطباء والمنبريّين والملالي من اجترار السفاسف المهيّجة لإخوتهم المسلمين، والمقوّضة لكلّ فعاليّات ومشاريع وحدتنا الإسلامية، والتي تحيلها لدعاوي هدنة فقط وأحلاف تكتيكية.

وإنّ ما ندعوه (بالبراءة/التبرّي) علينا إعادة تفسيره صحيحاً، فالبراءة كانت من الظالم، وهم سلاطين الجور المستبيحون للعترة قتلاً وتسميماً، الخائضون بدماء المسلمين والمؤذون لأئمّتهم والآكلون أموال العامّة، للأسف أدمج البعضُ أتباع الخلفاء الراشدين، بالناصبين الآلَ العداء (وهم ندرة)، بالمجرمين القتلة (ومثالُهم اليوم الاستكبار وطواغيت الاستئصال)، فالأوّل وهم عموم المسلمين إخوةُ دينٍ يُحبّون ويُنصرَون كأنفسنا سواء، والثاني يُتعاون معهم في البرّ والصلاح العامّ ويُتبرّأ من نصبهم قلباً، والثالث الصنفُ المتبرّأ منه عمليّاً، لأنّهم نموذج (مَن حادّ اللهَ ورسولَه) وهم البُغاة المنهي عن موالاتهم، هكذا نهجُ الآل(ع).

علينا سنّةً وشيعةً، إقامة نموذج وحدويّ إسلامي، وطنيّ، أخلاقيّ، ليس امتدادًا لإيران، والعراق، وأفغانستان، والسعودية، علينا أن نعيش واقعنا وعصرنا بأفضل مواهبنا، وبأخلص نوايانا.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة