الزواج كيف نجعله شركة ناجحة ؟

إذا كان الزواج شركة فهو أكثر شركات العالم نجاحا ، وهو أول شركة في الدنيا وأهمها على الإطلاق . وتتميز عن سواها من الشركات بأنها العلاقة التي تجمع بين قلبين متباعدين اختياريا ، لا طبيعيا كما بين الوالد والولد ، ولا ظرفيا كما عند كل أصحاب مصلحة أو طارئ أو ظرف ، ولا قسريا أو اضطراريا أو تعاقديا كما بين الدول أو كما بين الحكام وشعوبهم . وما من علاقة توازيها أو تفوقها إلا علاقة الصداقة النجيبة إذ هما العلاقتان اللتان تقعان في القمة ، وبالإمكان حيازتهما معا حين يجمع الزوجان محبة الزوجية إلى محبة الصداقة فيضيفان حباً إنسانياً إلى حبٍ بشري وهما معا يمثلان المحبة الصادقة في أسمى معانيها .

ويخطأ من يظن أن علاقة الزواج الناجح تعني حالة التطابق الكامل بين الزوجين ، فذلك أمر نادر أو مستحيل وليس من الحكمة المطالبة به ، والحالة الطبيعية هي اندماج الزوجين مع بعضهما في مناطق وافتراقهما  في مناحي أخرى أو ما يطلق عليه في الرياضيات بعلاقة التقاطع  وقد يتسع مجال الاندماج أو يضيق حسب طبيعة كل طرف وميوله وحاجاته ومزاجه . وليس من العدل مطالبة الآخر بإزالة منطقة الاختلاف بالكامل ، فهي شركة اتحاد وليس توحدا وعلى كل طرف أن يقبل المختلف ويرضى بالقدر المشترك في منطقة التقاطع.

إن لهذه الشركة دستوراً تقوم به وتستوي عليه وأول بنود هذا الدستور هو الإيمان بمبدأ المشاركة والاحترام وهو المبدأ الذي يلغي ” الفردية ” التي كان عليها كل من الزوجين قبل الاقتران ويستبدلها بـ”الزوجية” لا بمعنى الاحتواء والتسلط وإلغاء الآخر بل احترام كل طرف خصوصية الآخر وترسيخ قواعد الثقة والتعايش والعدل وحسن الظن بينهما ،  فكل منهما إنسان له شخصيته المستقلة ذات خصوصيات وطبيعة ومزاج لا يلغيها هذا التلاقي والانفتاح .

ثم بعد ذلك تأتي  المحبة الصادقة والتي تنمّي بوجودها  الكثير من المفاهيم بل والآليات ، كالتنازل والتسامح والتجاوز عن الأخطاء ، والصفح ، وتخفيف العصبية وزوال الغضب العارم ، وتلاشي كيل التهم والكلام البذئ أو اجترار أخطاء الماضي وتراشق الإهانات ، وتدعو إلى تعديل ميزان الاستبداد الذكوري الغالب في العادة في مجتمعاتنا ، والتخلي عن عقلية الآمر الناهي المطاع الشديد ، وتورث التسليم ببعض اختيارات نصفي الآخر حتى لو كان اختياره لا يروق لي ، وتستجلب أموراً طيّبة كالإهداء والكلمات الحانية الرقيقة والاحترام بل والعشق  والتفاني بلا حدود .

والمحبة هي نبتة في القلب قد تتعرّض للهزات بتأثير من تعاركات الحياة اليومية وتغيراتها ، وهي بحاجة إلى حارس أمين يضمن بقاءها في مكامن القلوب ويحفظها من الضياع ، إنه الحوار الهادئ إكسيراً للخلافات ، ذلك السلوك الحضاري الذي يدعونا أن نضع كل المسائل السهلة منها والمستعصية على طاولة حجرات العقل . إنه أول قواعد التفاهم ، وهو  السبيل للرجوع إلى المنطق أمام طيش العواطف والسيئات ، ودفق الشحنات ، وهو القاعدة الذهبية بعد تأصيل المحبة .

فما على الزوجين حين الاختلاف إلا أن يجلسا ويتحاورا كمحبين وحسب قواعد الاتصال الإنساني الحوارية دون صراخ أو عراك أو سباب وليختارا أوقات هدوء النفس واستقرارها حينها لا بد وأن يتوصّلا إلى حل ما باتفاقهما ، حتى لو كان ذلك الحل خارجيا أي بالرجوع إلى من يرتضيانه من العقلاء المصلحين المحبين من أخوتهم وأهليهم أو أصدقائهم .

لقد دعا القرآن الكريم إلى الزواج للإحصـان وطلب الراحـة والسكن ودرء الفساد في المجتمع وجعـل المـودة والرحمة هبةً إلهية وضمانا لنجـاح الزواج واستمراره قـال تعالى : ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِـكُمْ أَزْوَاجًا  لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” – الروم 21. والإنسان بطبعه مستدرج للزواج بسبب  افتتانه بالجمال الذكر للأنثى وبالعكس ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، لذا فقد جعل التحابب والتوادد والعشرة الحسنة وإكمال الدين هي المطلوبات الأسمى فقال رسول الإنسانية ص : ( خيركم خيركم لأهله ) . وبالرغم من أن الزواج يحرّك المشاعر نحو الأبوة والأمومة إلا أن هذا المطلب يأتي في مراتب لاحقة لأهداف هذا اللقاء فهناك ثمرات أسمى تتحقق بالزواج كالراحة النفسية والاستقرار والتواصل والتعاون وتخفيف المؤونة والتوفر الدائم والسكن وإكمال الدين وتحسين الخلق والتكامل والرقي .

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة