بند دستوري … المثلية الجنسية حق

الزواج المثلي هو أن يكتفي رجل برجل جنسياً أو امرأة بامرأة كما وصفت ذلك أحاديث إسلامية يستشرف فيها الرسول (ص) مستقبل الأمة البشرية، ففي حديثه عن علامات آخر الزمان أشار إلى ظاهرة إكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ومنذ أن قال نبي الله لوط (ع) لقومه، (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ) أفادنا أن مثل هذا الإنحراف والشذوذ كان قد حصل منذ ذلك الزمان، وإن كان الذي أعلن في قصة قوم لوط أحد الصنفين من هذه الظاهرة المشكلة، حيث اكتفى الرجال بالرجال من دون أي إشارة للحديث عن النساء، ومن بعد قوم لوط تسرب هذا الشذوذ للأمم لكنه في الحدود الذي لم يشكل ظاهرة اجتماعية، فلم يصل مجتمعٌ ما ـ مهما انتشر فيه الشذوذ الجنسي ـ للمستوى الذي وصل إليه قوم لوط، حيث تركوا النساء واكتفوا بالرجال، إذاً هذه الممارسة الجنسية الخاطئة موجودة في مختلف الأمم لكنها دون ذلك المستوى، ما دفع الرسول (ص) لأن يعتبر انتشار هذا الشذوذ علامة من علامات آخر الزمان، الأمر الذي يعني أن البشرية ستشهد تصاعداً في أعداد الممارسين لهذا الشذوذ ـ في المرحلة التي سميت آخر الزمان ـ وبالنحو الذي قال (ص) حيث يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ليصل إلى المستوى الذي يشكل ظاهرة انحدارٍ واضحة، وهذا ما شهدته البشرية بالفعل في العقود الأخيرة من عمرها، فمنذ ما يقرب من نصف قرن بدأ الشواذ جنسياً في الدول الغربية تحديداً، يعلنون عن علاقاتهم الشاذة، ويبدأون مشوار عمل مخطط ،

يوحي للمرئ أن وراء هذه الأكمة جهة عالمية ذات نفوذ في تلك الدول، فبدأوا يطالبون مجتمعاتهم بالإعتراف بهم، ومن خلال المؤسسات الرسمية في دولهم، والهيئات والمؤسسات الدولية، فكانت منظمة الصحة العالمية في بداية المعترفين الرسميين بالمثليين، فبينما كان الشذوذ الجنسي في عداد الأمراض النفسية العقلية في قاموس هذه المنظمة العالمية تحول بقدرة قادر إلى حالة سوية، فلم يعدْ مرضاً ولا شذوذاً ولا اعتلالاً في العقل، ومن ثم بادرت الأمم المتحدة بنفسها للإعلان عن حق المثليين في أن يعيشوا كما يعيش المتزوجون طبيعياً، وانخرطوا في مختلف الميادين حتى كانت لهم فنونهم وجمعياتهم وأدبياتهم وألعابهم الأولمبية، ونواب في المجالس التشريعية ووزراء في مختلف الدول الغربية، ولم تتوقف محاولاتهم إلى أن حظيت هذه الرذيلة بالاعتراف القانوني في بعض المجالس التشريعة في الدول الغربية، فلم تعد العلاقة الجنسية بين المثليين جرما يحاسب عليها القانون ـ في بلدان تلك المجالس ـ ومن بعد هذا الاعتراف دخلوا في مرحلة المطالبة بمساواتهم بشكل كامل بالمتزوجين طبيعياً،

والآن نسأل بعد أن أسبغت بعض البرلمانات الغربية الشرعية على زواج المثليين، هل يصبح شرعياً بمقياس الدستور الطبيعي للحياة، ــ علماً بأنهم طبقوه وباركوه وإن كان أكثرية شعوبهم لا ترتضيه، بل ويطالبون بإلغائه، ــ والسؤال بعبارة مفصلة هل هناك ضوابط ومرجعية يلتزم بها المجلس التشريعي في كل دولة أم أن باب التشريع مفتوح على مصراعيه يسمح لكل دورة تشريعية أن تشرع ما يحلو لها من دون أي ضابط؟ ، هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة الثانية.

تساءلنا في الحلقة السابقة عن الزواج المثلي هل يكون شرعياً في قانون الحياة بعد أن اعترفت به بعض البرلمانات الغربية ؟ نحن نعلم إنه لا يوجد مجلس تشريعي في العالم يمارس عمله التشريعي من دون مرجعية وضوابط، فعلى مستوى المرجعية الرسمية يعتبر دستور كل دولة مرجعاً يتحتم على المجلس التشريعي عدم مخالفته ومن شأن ذلك أن تُحيَّدَ بعض القضايا وتستبعد عن تناول المشرعين ولا يسمح بمجرد الاقتراب منها، فمن ذلك مثلاً أن معظم دساتير العالم تحدد طبيعة نظام الحكم في الدولة وتنص على عدم قابلية كل المواد الدستورية المتعلقة بنظام الحكم لأي نقاش تشريعي، والحقيقة أن وظيفة الدستور تكمن في تحديد الخطوط التي تضبط عمل المجلس التشريعي، لذلك لا نتصور وجود مجلس تشريعي من دون ضوابط، وذلك أمر واضح ومعروف كما البديهة، لكن ماذا عن القضايا التي لم يتناولها الدستور ولم ينص على حرمة مناقشتها تشريعياً، مع أنها أكثر أهمية لحياة الإنسان وأكثر صيانة من أي مادة دستورية في جميع دساتير العالم من حيث أنها من ضروريات الحياة وأسس لا يُستغني عنها وهذا ينطبق على كل الضروريات الحياتية الطبيعية، ولابد من الحفاظ عليها وعدم إفسادها سواء ذكرتها دساتير العالم أم لم تذكرها، فالمحافظة على حياة الإنسان جذر كل مواد الدساتير،

الإنسان الفرد والإنسان الأسرة والإنسان المجتمع ولا يجوز إهدار حياته إلا بحق فمثلاً لا يجوز للإنسان الانتحار، فليس من حق الإنسان أن يفعل ذلك لنفسه أو لغيره، وليس ذلك مما يدخل في دائرة الحرية الشخصية، فلو لم تذكر دساتير العالم هذا الحق وحرمة الانتحار، فهل يسوغ لبرلمان في العالم متأثر بصرعة من صرعات الحرية الغربية أن يطرح ذلك للنقاش؟ وماذا لو جن النواب المشرعون وصوتوا لصالح الانتحار باعتبار أن ذلك من مصاديق حرية الفرد الشخصية؟ فهل يصبح ذلك شرعياً حقاً في دستور الحياة الطبيعي؟ هل ما أقدم عليه القس جيم جونز بمدينة جويانا بولاية سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة حيث أقنع أتباعه بالانتحار عمل قانوني؟ وهل أجازه مجلس الولاية الامريكية؟ ثم ماذا لو أجازته وشرعته جميع المجالس التشريعية في العالم بأسره، هل يصبح قانونياً؟

إن قوانين الحياة الضرورية هي ثابتة بطبيعتها وأهميتها وهي متجذرة في الدستور الطبيعي للحياة وبالتالي هي بديهة دستورية ومرجعية يجب أن تمارس جميع المجالس التشريعية في العالم عملها في ضوئها ومن هذه الضروريات الزواج الطبيعي فهو الآلية الوحيدة التي حافظت على استمرار التناسل البشري، لذلك لا يتحمل إلغاءً لأن إلغاءه يعني إلغاء الحياة،

ويستحيل أن يحظى أي عمل بالشرعية إذا استهدف الإضرار بالحياة أو يخطط للقضاء عليها وما كانت نهاية قوم لوط الذين أرادوا تعطيل هذه الآلية، حيث كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء إلا الدمار والهلاك، فقانون الزواج الشرعي قانون طبيعي أثمر هذا الاستمرار البشري وهو غير قابل للمناقشة والإلغاء، ولا يحتاج إدراجه كتابياً في دساتير العالم لأنه مكتوب بحروف الطبيعة، وهذا القانون ليس فقط يأبى الإلغاء وإنما يأبى أن يمارس بطريقة خاطئة كطريقة الزنا مع أنه يثمر وُلْداً لكن كل الشعوب والأمم البشرية تعرف أنه طريق خاطئ وتحرمه وتجرمه، كما يأبى أن يمارس بطريقة التماثل الجنسي حيث يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ومن هنا فبحسب هذا القانون الطبيعي لا تعتبر هذه العلاقات المنحرفة زواجاً، لأن الزواج واقع طبيعي يتم بين الذكر والأنثى، ولا يمكن تغييره بتشريع لفظي،

انتهت الحلقة الثانية بالتأكيد على حقيقة مهمة هي أن الزواج الطبيعي قانون من قوانين الدستور الطبيعي ولا يمكن تغييره أو الانقلاب عليه بتشريع لفظي وعلى هذا الأساس فإن كل ضروريات الحياة الطبيعية، والتي يهدد اختفاؤها استمرار الحياة، هي مواد دستورية حاكمة ومرجعية تضبط عمل المجالس التشريعية وهذه أمور لا تختلف فيها الأمم، لذلك فإن هذه الضرورات تمثل شريعة بشرية عامة ومرجعية لجميع المجالس التشريعية في العالم لا يجوز لأي مجلس تشريعي مخالفتها والخروج عليها، فالمجالس التي شرعت للشذوذ الجنسي المثلي لا قيمة قانونية لعملها، وبالتالي فإن حرمة هذا الشذوذ ثابتة وتستحق المتابعة القانونية، وفي ذات الوقت فإن هذا النزق التشريعي تجاوز خطير جداً للقوانين الطبيعية للحياة وتلاعب بالأقدار الأصيلة لحياة الإنسان، وبمقدار ما تتباهى تلك الدول الغربية بديمقراطيتها فإن عليها أن تشعر بالحياء والخجل وبنفس تلك الدرجة بسبب استخدامها ديمقراطيتها في الاضرار بالحياة وإفساد الأرض، ولو التزموا بجوهر الديمقراطية لكان هذا النزق ـ في ميزانها ـ جهلاً وانحداراً،

والآن هل هذا اخبار بهذا المرض الاجتماعي السياسي لنسجل به خطأً من أخطاء الأمم التي تخالفنا كما هو دأب البعض منا؟ أم يجب أن نتعامل مع هذه المشكلة من منطلق أننا كبشر أمة واحدة، وأن ما يقررونه من خطوات قاتلة على مستوى ملامسة جذور الحياة فإنه لا شك يؤثر على جميع الشعوب والأمم أينما عاشوا في هذا الكوكب، وهناك قوانين طبيعية نشترك فيها جميعاً، فلماذا لا نؤكدها بلغتنا الدستورية البشرية، لماذا لا ندعوا إلى دستور عالمي مكتوب، مواده ضروريات الحياة البشرية، ليكون أول مرجعية دستورية مشتركة بين بني الإنسان على هذا الكوكب، وربما سمحت الامتيازات الآتية من وراء ذلك لأن نواصل التفتيش عن مشتركات أخرى تشريعية وربما غيرها، فلقد أصبح عالمنا هذا الواسع قرية وقد تقاربنا كثيراً بفضل التقدم العلمي الكبير ومنذ أن تكاثر بنو الإنسان في ذلك الزمن البعيد كانوا في حاجة لسن القوانين المشتركة وهم الآن أكثر حاجة لذلك، فنحن في حاجة لقوانين مكتوبة تعكس قوانين حياتنا الطبيعية لتضمن استمرار الحياة الإنسانية، ويفترض أن تكون هذه الضروريات المشتركة ضمن ثقافتنا الدستورية البديهية العالمية، ولما اختفت سنحت الفرصة لتقنين الشذوذ الجنسي كزواج اعتيادي،

إن تشريع الزواج المثلي خسارة دستورية على مستوى العالم كله، لكن مهما كانت الخسارة كبيرة، بقياس وحدتنا البشرية وقياس القانون الطبيعي الذي لم يؤخذ بعين الاعتبار فإننا ما نزال في دائرة العمل والمسئولية، ونحن أبناء هذه الجهة من العالم العربي والإسلامي يجب أن نخرج من كهفنا في التآزر على الخير والصالح العام للناس جميعاً فلماذا لا نمد أيدينا للمتعاونين على الخير من أجل الصالح العام، خاصة إذا كانت القضايا تمس جذر حياتنا الآدمية وتهددنا جميعاً كأمة بشرية بالإنهيار، ولماذا لا نبدأ بتكوين هذا التيار العالمي ابتداءً من مواجهة الزواج المثلي فإن الشعوب المكتوية بنار ذلك التشريع في حاجة لمن يجمع جهودهم المتشتتة، علماً بأن المثليين وأنصارهم يحاولون جهدهم تكوين أنصار ومتحالفين وجمعيات بلا حدود لينشروا ثقافة الزواج المثلي ليكون أمراً عالمياً وقد خلق له في بلداننا مؤيدين وممارسين، فالمثليون في العالم أصبحوا تياراً فهل يجب على المؤيدين للزواج الطبيعي والمناهضين للزواج المثلي أن يتحدوا ويشكلوا تياراً معاكساً؟

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة